ليديا : الغابة المنسية - 1
بعد أن كشف هيروشي عن السيد وينغ والعلاقة المحتملة بين الورقة الغامضة والأحداث التي مرت بها ليديا قرر الاثنان أن يسافرا إلى القرية المجاورة على الفور كان اليوم مشرقًا والسماء زرقاء صافية ولكن ليديا شعرت بالقلق يخيم على قلبها كانت تشعر بأن هذه الرحلة قد تكون مفتاحًا لكشف سرها لكنها كانت تعلم أيضًا أنها قد تضعها في خطر أكبر.
قبل أن يغادرا جمع هيروشي بعض الإمدادات الضرورية بينما استعدت ليديا للرحلة بنفس السلاح الخشبي الذي استخدمته في المعركة الأخيرة كانت تعلم أن رحلتهم قد تكون طويلة ومرهقة وربما مليئة بالمخاطر.
عند مغادرتهم القرية لاحظت ليديا أن القرويين كانوا يراقبونهما بصمت كان هناك شيء في عيونهم يشير إلى التوتر والقلق ربما كانوا يشعرون بأن هناك شيئًا كبيرًا يحدث أو ربما كانوا يخشون أن لا يعود هيروشي الذي كان يعتبر بالنسبة لهم الحامي والمنقذ.
شعرت ليديا بمسؤولية كبيرة على عاتقها لم تكن تعرف الكثير عن هيروشي لكنها بدأت ترى فيه أكثر من مجرد محارب كان بالنسبة لها معلمًا وربما حتى صديقًا.
بدأت الرحلة عبر الغابة المليئة بالأشجار الكثيفة كانت الطرق وعِرة ومحاطة بأصوات الطبيعة التي تزيد من حدة توتر ليديا كانت كل خطوة تأخذها تشعرها بأنها أقرب إلى الحقيقة لكن أيضًا إلى الخطر كانت الطبيعة حولها جميلة ولكنها كانت تعلم أن الجمال قد يكون خادعًا.
“السيد وينغ رجل حكيم جداً لقد عاش معظم حياته في دراسة اللغات القديمة والرموز الغامضة إنه معروف بقدرته على حل الألغاز التي تعجز عنها العقول الأخرى.”
“وهل تعتقد أنه سيتمكن من مساعدتنا؟” سألت ليديا بقلق.
“إذا كان هناك شخص يمكنه مساعدتنا في فهم ما تحتويه هذه الورقة فهو بالتأكيد السيد وينغ لكن يجب أن نكون مستعدين لكل شيء قد لا يكون ما نكتشفه سهلاً أو مريحًا.”
شعرت ليديا بأن كلمات هيروشي تحمل الكثير من الوزن كان هناك شيء في نبرة صوته يوحي بأنه يخفي شيئًا ما ربما كان يخشى أن تكون الحقيقة أشد قسوة مما يتوقعان ومع ذلك كانت ليديا مصممة على المضي قدمًا.
بدأت الرحلة بشكل هادئ لكن مع مرور الوقت بدأت الأمور تأخذ منحى غير متوقع أثناء عبورهما الغابة الكثيفة، لاحظت ليديا شيئًا غريبًا.
“هل سمعت ذلك؟” سألت هيروشي وهي تتوقف لتستمع إلى الأصوات المحيطة.
“سمعت ماذا؟” رد هيروشي متسائلًا.
“لا أعرف… بدا وكأنه صوت غريب، شيء مثل… ضحكة؟”
لم يكن لدى هيروشي وقت للرد قبل أن يرى شيئًا يلمع بين الأشجار توقف الاثنان بحذر وبدأا في التحقق من مصدر الصوت.
بينما كانا يتقدمان بحذر اكتشفا مجموعة صغيرة من القرود تلعب بالقرب من طريقهما كان أحد القرود يمسك بشيء لامع وكان الآخرون يتقافزون حوله ويحاولون انتزاعه منه كانت القرود تصدر أصواتًا عالية وكأنها تضحك.
“أعتقد أن هذا هو ما سمعته” قالت ليديا مبتسمة.
لكن الأمور لم تسر كما كان مخططًا له بدأت القرود في ملاحظة وجود هيروشي وليديا وأصبحت فضولية تجاه الزائرين اقترب أحد القرود من ليديا بسرعة واختطف قطعة قماش كانت تحملها في يدها.
“هيه! أعدها لي!” صرخت ليديا وهي تحاول استعادة القطعة.
بدأت المطاردة الطريفة حيث حاولت ليديا استعادة ما أخذته القرود كان هيروشي يراقب المشهد ويضحك بصوت عالٍ مستمتعًا بالموقف.
“يبدو أنكِ أصبحتِ جزءًا من لعبتهم الآن!” قال بسخرية.
لم تستطع ليديا سوى الضحك وهي تحاول مطاردة القرد الصغير الذي كان سريعًا ويقفز من غصن إلى آخر بخفة وأخيرًا بعد عدة محاولات غير ناجحة قررت ليديا استخدام الحيلة توقفت فجأة وأظهرت للقردة ثمرة فاكهة كانت بحوزتها.
“أترون؟ هذه لكم إذا أعدتم لي ما أخذتموه.”
توقفت القِردة عن القفز وبدأت تقترب بحذر من ليديا بعد لحظات من التردد ألقى القرد القطعة بجانبها وأخذ الثمرة بسرعة ابتسمت ليديا عندما أخذت قطعة القماش وأعادتها إلى حقيبتها.
“أعتقد أنني تعلمت شيئًا عن المفاوضة اليوم”، قالت وهي تنظر إلى هيروشي.
“لقد أظهرتِ براعة في التعامل مع المواقف الصعبة ربما سنحتاج إلى هذه المهارات لاحقًا!” رد هيروشي بضحكة.
بينما واصل الاثنان رحلتهما لاحظت ليديا مجموعة من الشجيرات المحملة بتوت لامع يبدو لذيذًا توقفت لتفحصها عن قرب وسألت
“هل تعتقد أن هذا التوت آمن للأكل؟ يبدو شهيًا جدًا.”
تفحص هيروشي التوت وقال بحذر
“ليس كل ما يلمع ذهبًا ولكن لدي بعض المعرفة عن النباتات هذا التوت يشبه نوعًا أذكر أنه صالح للأكل ولكن ربما علينا أن نكون حذرين فأنا لست واثقاً “
قررت ليديا أن تجرب بعض التوت.
“إذا شعرت بأي شيء غريب، سأخبرك فورًا”، قالت وهي تضع بعض التوت في فمها.
“لا ليديا مهلاً” صاح هيروشي
لحسن الحظ، كان التوت لذيذًا وآمنًا بعد دقائق بدأت ليديا تشعر بمزيد من الحيوية والنشاط.
“هذا التوت مذهل! أشعر بطاقة إضافية!”
ضحك هيروشي وقال “ربما وجدنا إكسير النشاط الخاص بنا!”
أثناء عبورهما الغابة، وجدت ليديا نفسها محاطة بزوج من الفراشات الكبيرة ذات الألوان الزاهية كانت الفراشات تتطاير حولها بشكل مرح، لدرجة أنها بدأت تحاول الإمساك بها.
“هيروشي، انظر! أليست هذه الفراشات رائعة؟” قالت ليديا وهي تركض خلف الفراشات تحاول الإمساك بإحداها بيدها.
ابتسم هيروشي وقال مازحًا “هل نحن في مغامرة للبحث عن كنز قديم أم في مهمة لملاحقة الفراشات؟”
لم تتوقف ليديا عن ملاحقة الفراشات وقالت: “لم لا نجعلها الإثنين معًا؟ الكنز والفراشات!”
لكن الفراشات كانت أسرع منها وبعد بضع دقائق توقفت ليديا وهي تلهث من التعب. “حسنًا، أعتقد أن الفراشات فازت هذه المرة.”
“لقد بذلتِ جهدًا جيدًا، لكن ربما يكون من الأفضل ترك ملاحقة الفراشات للمرات القادمة” قال هيروشي وهو يضحك.
في منتصف الطريق وجدت ليديا نفسها تشك في الاتجاه الذي يسيرون فيه.
“هيروشي، أعتقد أننا يجب أن نأخذ المسار الأيمن هنا.”
“لا، أنا متأكد أننا يجب أن نأخذ المسار الأيسر هذه المنطقة مألوفة بالنسبة لي وثقتي بذاكرتي قوية جدًا” قال هيروشي بنبرة واثقة.
ردت ليديا بابتسامة خبيثة “ولكن، ألا تعتقد أن ذاكرتك قد تخونك في بعض الأحيان؟ ماذا لو كنت مخطئًا هذه المرة؟”
أخذ هيروشي نظرة طويلة إلى المسار الذي اقترحته ليديا وقال “إذا كان هذا هو ما تريدين، فلنأخذ هذا الطريق لكن إذا انتهى بنا الأمر في مكان لا نعرفه فسأعتبر ذلك تحديًا جديدًا.”
استمروا في السير لبضع دقائق حتى وصلوا إلى طريق مسدود تمامًا التفتت ليديا نحو هيروشي وقالت بصدمة “حسنًا، ربما كنت محقًا بشأن الاتجاه الأيسر.”
أومأ هيروشي برأسه وضحك “الآن تعلمتِ درسًا مهمًا لا تشككي في بوصلة هيروشي الداخلية.”
أثناء عبورهما نهرًا صغيرًا اضطر الاثنان للقفز من حجر إلى آخر للوصول إلى الجانب الآخر قرر هيروشي أن يُظهر مهاراته في التوازن وقفز بخفة من حجر إلى حجر دون مشكلة.
لكن ليديا، التي لم تكن متأكدة تمامًا من خطواتها وضعت قدمها على حجر بدا ثابتًا لكنه انزلق تحت قدمها.
فقدت توازنها وكادت أن تسقط في الماء لكنها تمكنت من الإمساك بذراع هيروشي في اللحظة الأخيرة.
نظر إليها هيروشي ضاحكًا وقال “هل كنت تحاولين أخذ حمام في هذا النهر البارد؟”
ضحكت ليديا وقالت “ربما كنت بحاجة إلى القليل من التبريد، لكني أعتقد أنني سأنتظر حتى نصل إلى القرية.”
رد هيروشي مازحًا “حسنًا، في المرة القادمة سأتركك تستمتعين بالغطس! فقط تأكدي من حمل مناشف كافية.”
عندما توقفا للراحة وتناول الطعام قررا إعداد وجبة بسيطة لكن المشكلة كانت أن كلاً منهما له أسلوبه في الطهي.
ليديا قررت أن تجرب بعض الأعشاب البرية التي وجدوها في الطريق، بينما كان هيروشي متمسكًا بطريقة الطهي التقليدية التي اعتاد عليها.
“هيروشي، لماذا لا تجرب بعض هذه الأعشاب؟ قد تضيف نكهة جديدة لوجبتك!” قالت ليديا بحماس.
نظر هيروشي إلى الأعشاب بتردد وقال “أعتقد أنني سألتزم بما أعرفه آخر مرة جربت فيها شيئًا جديدًا انتهى بي الأمر بقضاء الليل في معاناة.”
ضحكت ليديا وقالت “حسنًا، إذا أردت البقاء في دائرة الأمان سأحتفظ بهذه الأعشاب لنفسي إذا اكتشفت أنها لذيذة فربما تكون محظوظًا في المرة القادمة.”
وبينما كانت ليديا تجرب طهي وجبتها المبتكرة شعر هيروشي بشيء من الفضول.
“حسنًا، ربما قطعة صغيرة لن تضر فقط لأرى إن كنتِ على حق.”
تذوق هيروشي قطعة صغيرة من الوجبة وقال: “حسنًا، ليست سيئة! ربما لديكِ مستقبل في الطهي.”
ردت ليديا ضاحكة “شكرًا لك! ولكنني أعتقد أنني سأبقى مع الترحال بدلاً من المطبخ.”
خلال صعودهما تلة صغيرة اقترحت ليديا بطريقة عفوية “ماذا لو قمنا بسباق إلى القمة؟ الخاسر يعد وجبة العشاء الليلة!”
ابتسم هيروشي وقال: “أنتِ تعلمين أنني أسرع أليس كذلك؟”
“لنرى إذا كنت تستطيع إثبات ذلك!” قالت ليديا وهي تبدأ في الركض بسرعة.
“هيي هذا غش!.”
ركض هيروشي وراءها وكانت المنافسة حامية رغم فارق الطول والقوة كانت ليديا خفيفة وسريعة في تسلق التلة وصل الاثنان إلى القمة في نفس اللحظة تقريبًا لكن ليديا تراجعت خطوة عندما اكتشفت أن القمة كانت أعلى مما توقعت.
وصل هيروشي إلى القمة وقال متفاخراً “يبدو أنني فزت!”
تنهدت ليديا وقالت مبتسمة “حسنًا سأقبل الهزيمة هذه المرة لكنني لن أعد وجبة العشاء، سنقوم بذلك سويًا!”
ضحك هيروشي وقال “صفقة عادلة ربما نتعلم شيئًا جديدًا عن الطبخ معًا.”
مع اقترابهما من القرية بدأت الطبيعة تتغير تدريجيًا.
الأشجار الكثيفة بدأت تفسح المجال لأشجار أقل كثافة والأرض أصبحت أكثر استواءً.
فجأة توقفت ليديا عن السير عندما رأت مشهدًا غير عادي طائر الكركي ذو التاج الاحمر يحلق فوقهما في السماء ثم ينزل بسرعة ليحط على فرع قريب.
“يا له من مشهد رائع!” همست ليديا.
نظر هيروشي إلى الطائر و همس “في ثقافتنا يُعتقد أن الكركي يجلب الحظ الجيد.”
شعرت ليديا بشعور غريب وهي تراقب الطائر
بدا وكأنه ينظر إليها مباشرة ثم فجأة طار مرة أخرى نحو السماء.
“ربما يحمل رسالة لنا؟”
“أحيانًا تحمل الطبيعة رسائلها الخاصة المهم هو أن نتعلم كيف نستمع إليها” رد هيروشي وهو يتابع السير.
أخيرًا، بعد رحلة مليئة بالمفاجآت والمواقف الطريفة وصلا إلى القرية حيث يقيم السيد وينغ.
كان الهواء هنا مختلفًا وكان المكان محاطًا بالهدوء
عند وصولهم إلى القرية استقبلهم الناس بترحيب حار كان الجميع يعرف هيروشي ويكنون له احترامًا كبيرًا. ذهبوا مباشرة إلى منزل السيد وينغ الذي كان يقع في طرف القرية بعيدًا عن الأنظار.
كان المنزل بسيطًا مصنوعًا من الخشب والحجارة وكان محاطًا بحديقة صغيرة مليئة بالأعشاب والنباتات الغريبة.
عندما طرق هيروشي الباب، فُتح ببطء ليظهر أمامهم رجل مسن ذو لحية بيضاء طويلة وعيون مشرقة تدل على حكمة عميقة
“أهلاً بك يا هيروشي، لقد مر وقت طويل منذ أن رأيتك آخر مرة من هذه الشابة التي ترافقك؟”
قال السيد وينغ بابتسامة لطيفة.
“هذه ليديا تلميذتي و شريكتي بالرحلة وهي بحاجة إلى مساعدتك سيدي لقد عثرنا على شيء قديم وغامض وأعتقد أنك الشخص الوحيد القادر على تفسيره.”
دخلوا المنزل حيث جلسوا حول طاولة صغيرة مصنوعة من الخشب القديم كان المكان مليئًا بالكتب والبرديات القديمة وكأن الزمن توقف هنا.
شعرت ليديا بأنها دخلت إلى عالم آخر مليء بالمعرفة والأسرار.
عندما أخرجت ليديا الورقة من الحقيبة ناولتها إلى السيد وينغ بحذر
نظر إليها بعناية، وبدأ يقلبها ببطء بين يديه.
“هذه ورقة قديمة جدًا لم أرى مثل هذه الرموز منذ سنوات طويلة من أين حصلتِ عليها؟”
بدأت ليديا تروي ما تتذكره، بدءًا من اللحظة التي استيقظت فيها في الغابة مرورًا بالمعركة التي خاضتها بجانب هيروشي، وحتى اللحظة التي اكتشفت فيها الورقة.
كان السيد وينغ يستمع بانتباه، وعندما انتهت جلس في صمت لبضع لحظات.
“هذه الرموز تنتمي إلى لغة قديمة جدًا، تُعرف باسم ‘لغة الأسلاف’ كانت تُستخدم في الماضي من قبل شعوب تعيش في هذه المنطقة قبل آلاف السنين. الرسالة الموجودة هنا تبدو كأنها تحذير أو ربما خريطة لمكان مخفي سأحتاج إلى بعض الوقت لفك شفرتها.”
شعرت ليديا بمزيج من الفضول والخوف كانت تعلم أن هذه الورقة قد تكون مفتاحًا لكشف كل شيء لكنها كانت تعلم أيضًا أن ما تحتويه قد يغير حياتها إلى الأبد.
“هل هناك أي شيء يمكنك قوله لنا الآن؟” سأل هيروشي بنبرة جادة.
“أستطيع أن أقول لكم شيئًا واحدًا ما هو موجود هنا ليس بشيء بسيط قد يكون هذا النص مرتبطًا بشيء أكبر بكثير مما تتخيلان قد تكون هذه الورقة جزءًا من خريطة أو دليل إلى مكان مخفي وربما حتى كنز ولكن يجب أن تكونا حذرين إذا كانت هذه الورقة تحمل مثل هذه الأسرار فمن المؤكد أن هناك من يسعى وراءها.”
شعرت ليديا بأن الأمور بدأت تصبح أكثر تعقيدًا.
لم تعد تتعلق القضية فقط بفقدان ذاكرتها بل أصبحت جزءًا من لغز أكبر قد يكون مرتبطًا بماضيها وبالمكان الذي وجدت نفسها فيه.
“ماذا تقترح علينا أن نفعل الآن؟” سألت ليديا.
“سأحتاج إلى بعض الوقت لدراسة هذه الورقة بشكل أعمق في هذه الأثناء أقترح عليكم أن تبقوا في هذه القرية قد يكون من الحكمة أن تبقيا بعيدين عن الأنظار حتى أتمكن من فك شيفرة النص.”
وافق هيروشي وليديا على هذا الاقتراح كانت القرية مكانًا آمنًا ومريحًا وبدا أنهما قد يحتاجان إلى كل الراحة التي يمكن أن يجداها قبل أن يكتشفا الحقيقة.
بينما كانا يغادران منزل السيد وينغ، شعرت ليديا بأن هناك شيئًا ما يتغير بداخلها كانت تعلم أن رحلتها لم تنتهِ بعد بل إنها بدأت للتو ولكن مهما كان ما سيأتي كانت مستعدة لمواجهته لقد بدأت تشعر بأن القوة التي كانت تبحث عنها لم تكن فقط في العضلات والتدريب بل في القدرة على مواجهة الحقيقة مهما كانت قاسية.
بعد أيام من الانتظار في القرية وبينما كان السيد وينغ يواصل دراسته للورقة القديمة بدأت ليديا تشعر بالتوتر يتصاعد داخلها كانت تمضي أيامها بين التدريب على القتال مع هيروشي ومساعدة القرويين في أعمالهم اليومية لكنها كانت تدرك أن كل ما تقوم به كان مجرد محاولة لتجنب التفكير في الأمور المجهولة التي تنتظرها.
في إحدى الليالي وبينما كانت تجلس على حافة نافذة صغيرة في الغرفة التي كانت تقيم فيها بدأت تلاحظ أن القمر يضيء الغابة المحيطة بالقرية بشكل غريب. كانت الأشجار تبدو وكأنها تحرس سرًا دفينًا وكان الهواء مشبعًا برائحة الصنوبر الرطبة.
لم تستطع ليديا التوقف عن التفكير في الورقة وفي ما قد تحمله من إجابات كانت قد بدأت تتذكر المزيد من تفاصيل حياتها الماضية لكنها كانت لا تزال تشعر بأن هناك قطعًا مفقودة في الصورة الكبيرة كانت تتساءل عما إذا كانت هذه الورقة قد تكون هي الرابط الذي سيوصلها إلى تلك القطع المفقودة.
عندما وصل هيروشي وليديا إلى منزل السيد وينغ صباح اليوم التالي لاحظا علامات الإرهاق على وجهه. كان جالسًا على الأرض بين أكوام من الكتب والمخطوطات القديمة التي كانت تملأ المكان بدا أنه كان يعمل بلا كلل لفك شفرة الورقة الغامضة التي جلباها إليه.
“صباح الخير،سيدي” قال هيروشي بصوت خافت محاولًا ألا يزعجه.
رفع وينغ رأسه ببطء ونظر إليهما بعينين متعبتين لكنه ابتسم بلطف وقال “أهلاً، صباح الخير أعتذر، لقد كنت مستغرقًا في العمل طوال الليل.”
شعرت ليديا ببعض القلق وهي ترى حالته كان واضحًا أن فك شفرة الورقة القديمة يتطلب منه جهدًا كبيرًا
“هل تمكنت من الوصول إلى أي شيء بعد؟” سألت بتردد.
أخذ السيد وينغ نفسًا عميقًا قبل أن يجيب
“لقد قطعت شوطًا طويلاً، ولكن الرموز التي تحتويها هذه الورقة ليست سهلة على الإطلاق إنها لغة قديمة جدًا ومعقدة وقد تم استخدام أشكال متداخلة من الرموز لتشفير المعاني لأول مرة ارى فعلة كهذه ومع ذلك، هناك بعض الكلمات التي بدأت أفهمها ولكنها لا تكفي لتكوين صورة واضحة بعد.”
“هل هناك أي شيء يمكننا فعله لمساعدتك؟” سأل هيروشي بجدية.
هزّ السيد وينغ رأسه “ليس في الوقت الحالي ولكن ربما سيكون من المفيد أن تبقى ليديا هنا لبعض الوقت قد تحتاج إلى التفكير في الأمور التي مرّت بها مؤخرًا لأنها قد تكون المفتاح لفهم بعض الأجزاء من النص.”
شعرت ليديا بأن هناك شيئًا يثقل على صدرها لم تكن تعرف ما الذي يمكن أن تفعله غير الانتظار كانت تعلم أن الورقة قد تكون الحبل الذي يصلها بماضيها لكنها لم تكن تملك إلا الصبر.
غادر هيروشي وليديا منزل السيد وينغ وعادا إلى مكان إقامتهما في القرية وبينما كانا يسيران شعر كلاهما بالصمت الثقيل الذي كان يخيم على الوضع كانت الأيام تمر ببطء، وكل يوم كان يشبه الذي قبله كانت ليديا تقضي معظم وقتها في التفكير والتأمل مستغلة كل لحظة لتستعيد جزءًا من ذكرياتها المفقودة.
في إحدى الأمسيات، وبينما كانت تجلس بجوار النار مع هيروشي بدأت تروي له تفاصيل أخرى من ماضيها التي تذكرتها مؤخرًا.
“أتذكر الآن بعض التفاصيل حول الرجل الذي كان يطاردني كانت لديه ندبة على وجهه وكان صوته يحمل شيئًا من الحقد… كنت أشعر بالخوف منه لكنني لم أفهم السبب.”
استمع هيروشي بانتباه إلى ما قالته ليديا ثم قال “هذه التفاصيل قد تكون مهمة من الممكن أن يكون هذا الرجل هو من يحاول الحصول على الورقة أو أنه يعرف شيئًا عنها.”
“لكن لماذا أنا؟ لماذا هذه الورقة مهمة بالنسبة لي؟” سألت ليديا وهي تشعر بالحيرة.
“هذا ما نحتاج إلى اكتشافه قد تكون الورقة جزءًا من شيء أكبر وقد تكون مرتبطة بشخصيتك أو عائلتك بطريقة ما لا نعلم بعد لكننا سنجد الإجابات قريبًا.”
مرت الأيام ببطء كانت ليديا تقضي وقتها في التدريب على القتال مع هيروشي والمشي في الغابة المحيطة بالقرية كانت تشعر بأن هناك شيئًا يقترب لكن لم يكن لديها فكرة عما يمكن أن يكون.
في إحدى الليالي بينما كانت تتأمل النجوم شعرت بشيء من الراحة كانت تعرف أن الأمور لا تزال غامضة لكنها كانت متأكدة من أنها ستكون قادرة على مواجهة ما سيأتي.
في صباح اليوم التالي وبينما كانت تساعد أحد القرويين في جمع الحطب جاءت فتاة صغيرة تركض نحوها وقالت لها “السيد وينغ يريدك أن تأتي بسرعة! يقول إنه اكتشف شيئًا مهمًا!”
تخلت ليديا عن ما كانت تفعله وركضت نحو منزل السيد وينغ حيث وجدت هيروشي بالفعل هناك كان وجه السيد وينغ يشع بالحماسة والقلق في آنٍ واحد.
“لقد فعلتها !! أعتقد أنني تمكنت أخيرًا من فهم جزء كبير من النص!” قال السيد وينغ بصوت مرتعش.
“ماذا اكتشفت؟” سألت ليديا بلهفة.
جلس السيد وينغ بهدوء وحاول تنظيم أفكاره قبل أن يبدأ في الشرح.
“الورقة تشير إلى مكان يسمى ‘الحصن المفقود’. إنه مكان قديم جداً وتاريخي بشكل لا يُصدّق يعود إلى حضارة قديمة كانت تعيش في هذه المنطقة منذ آلاف السنين الحصن يحتوي على شيء مهم للغاية ربما سلاح أو كنز لكن ما هو بالتحديد لا يزال غامضًا.”
“وماذا يعني ذلك بالنسبة لي؟ لماذا هذه الورقة بحوزتي؟” سألت ليديا و هي تشعر أن الأمور لربما بدأت تتضح قليلاً.
“هذا ما يزال غير واضح تمامًا لكنني أعتقد أن هناك علاقة بين ماضيك وبين هذا الحصن ربما كان أحد أسلافك مرتبطًا به بطريقة ما أو ربما تم اختيارك لحمايته أو لاكتشافه.”
“لكن ماذا عن الرجل الذي كان يطاردني؟ هل يمكن أن يكون لديه علاقة بهذا الأمر أيضًا؟” سألت ليديا بقلق.
“من المحتمل جدًا إذا كان هذا الحصن يحتوي على شيء مهم كما تشير الورقة فمن المؤكد أن هناك آخرين يسعون وراءه ومن الممكن أن يكون الرجل الذي رأيته أحد هؤلاء الأشخاص.”
شعرت ليديا بأن الأمور بدأت تأخذ منحى خطيرًا كان هناك الكثير من الغموض لكن كان هناك أيضًا شيء يجذبها نحو الحصن المفقود ربما كان هو المفتاح لفهم كل شيء.
“ماذا نفعل الآن؟” سأل هيروشي بجدية.
أخذ السيد وينغ نفسًا عميقًا قبل أن يجيب “يجب أن تذهبوا إلى الحصن لكن عليكم أن تكونوا حذرين قد يكون المكان خطيرًا وقد يكون هناك آخرون يبحثون عنه أيضًا سأقدم لكم الخريطة التي تمكنت من رسمها بناءً على الرموز الموجودة في الورقة ولكن يجب أن تعرفوا أن الطريق لن يكون سهلاً.”
“أنا مستعدة للذهاب” قالت ليديا بحزم كانت تعرف أن هذا هو الطريق الذي يجب أن تسلكه بغض النظر عن المخاطر التي قد تواجهها.
وافق هيروشي على الذهاب معها وبدأ الاثنان يخططان للرحلة كانت لديهما كل ما يحتاجانه من معدات ولكن كان هناك شعور بأنهما قد يواجهان تحديات أكبر مما يتوقعان.
في الليلة التي سبقت رحلتهما جلست ليديا بجانب النار تفكر في كل ما مرّت به كانت تعلم أن الطريق أمامها مليء بالغموض والخطر لكنها كانت مستعدة للمضي قدمًا لقد كان عليها أن تعرف الحقيقة بغض النظر عما قد يكشفه الحصن المفقود.
عندما بدأ الفجر يشق طريقه عبر الغابة كانت ليديا وهيروشي مستعدين للانطلاق كانت الرحلة إلى الحصن المفقود تبدأ الآن ولم يكن لديهما أدنى فكرة عما ينتظرهما.
كانت الغابة في الصباح الباكر هادئة لكنها كانت تحمل شعورًا بالتوقع كانت الأشجار تبدو وكأنها تراقبهم والأرض تحت أقدامهم تبدو وكأنها تحمل أسرارًا قديمة كان هناك شيء في الهواء يوحي بأن هذه الرحلة لن تكون كغيرها.
بدأ الاثنان يسيران بخطوات ثابتة نحو المجهول مستعدين لمواجهة أي شيء يعترض طريقهم كانت ليديا تشعر بأنها أقرب إلى اكتشاف الحقيقة من أي وقت مضى وكانت تعلم أن ما ستجده قد يغير حياتها إلى الأبد لكن مهما كان ما ينتظرها في الحصن المفقود كانت مصممة على مواجهته.
وهكذا، بعد مرور ثلاثة اشهر من بقاءهم في القرية انطلقت ليديا وهيروشي في رحلتهما إلى الحصن المفقود حيث كان كل خطوة تقربهما أكثر من الحقيقة وكل لحظة تمضي تزيد من تعقيد الغموض الذي يحيط بماضي ليديا ومستقبلها.