لقد وصلت العائلة الأقوى! - 06
“أعرفُ كل شيء.”
تظاهرتُ باللامبالاة وأنا أتكلم.
“ولكن كما قال المستشار، لا يمكن استبعاد احتمال أنني قد أكون ابنتك حقًا…”
“ماذا تقولين؟!!”
“آه!”
صرخَ رايان بصوت عالٍ
، مما جعلني أضع يدي على صدري من المفاجأة، ناظرةً إليه بذهول.
هكذا ساد بيننا صمتٌ عميق.
“…….”
“…….”
تجمد رايان في مكانه وهو يحدق بي بعينين ترمشان ببطئ،
ثم تجعدت ملامحه بتعبير غاضب من شدة ارتباكه.
“هل أنتِ فعلاً… ابنتي؟”
ما خطبه الآن؟ كدتُ أنفجرُ ضاحكةً،
محاولةً كبح نفسي حين رأيت وجهه الغبي.
“يا هذا! بالطبع لا!”
أضاف رايان بغضب وهو يلهث.
“فلنكن واضحين. أنتِ من قصر ويندسور، أليس كذلك؟”
“ما هذا القصر؟”
“حقًا! انتِ تتظاهرين بالغباء دون أن ترمشي عينًا واحدة!”
“…….”
“هل تعتقدين أنني لا أعرفُ شيئًا عن وضع العائلة لأنني ذهبتُ إلى السجنِ
منذُ زمنٍ بعيد،أنا على الأقل أعرف عن وجود هذا القصر!”
خفض رايان صوته فجأة بينما كان ينظر حوله،
ثم فتح يده ليظهر خمسة أصابع.
“استمعي جيدًا. أنا الابنُ الخامس في عائلتنا، والأصغر بين الأبناء الشرعيين.
ووالدتي توفيت عندما كنتُ في العاشرة.”
“آه، نعم.”
“بسبب رغبة والدي في إنجاب المزيد من ذوي القدرات الخارقة،
أجبر والدتي على الحمل خمس مرات. هذا أضعف صحتها بشكل كبير.”
“…….”
“لكن السبب الرئيسي الذي صدم والدتي وجعلها تسقط طريحة الفراش،
هو قيام والدي ببناء قصر ويندسور.
حيث قد بدأ بتربية أطفاله غير الشرعيين هناك علانيةً.”
صحيح. جميع أبناء والدي غير الشرعيين تربوا في قصر ويندسور.
وأنا واحدةٌ منهم.
“لقد نشأتِ في ويندسور، أليس كذلك؟”
ضغط رايان علي بالسؤال بينما كنت صامتة.
“أ- أعتقد ذلك؟”
“تعتقدين؟ كوني واضحة! والدكِ الحقيقي هو دوق فاسنبيرغ.
وأنا، إذا أردنا الدقة، أخوكِ غير الشقيق الأكبرُ منكِ باثنا عشرَ عامًا.”
“…….”
“كنتِ تعرفين ذلك طوال الوقت، أليس كذلك؟”
“كنتُ أعرف، لكن…”
اعترفت في النهاية وأنا أمسك بحذر طرف كمّ رايان.
“لكن ماذا!”
“أنا بلا قدرات خارقة… إذا تجولت وأعلنت أنني ابنة الدوق،
فقد يحدث شيء سيئ لي، وربما أُقتل.”
“حقًا؟”
“لذا يا أبـ… أخي؟ بما أن أخي أيضاً بلا قدرات خارقة، سأدّعي أنني ابنتك.”
قلت ذلك وأنا أحرك قدمي بتوتر محاولَة الظهور بمظهر البريئة.
“أخي؟ ستتوقفين عن مناداتي بأبي بعدما كشفتكِ؟”
“هاه.”
رد رايان بدهشة وهو يقرص خدي بقوة.
“كم أنتِ وقحة!”
“آه! آآه! توقف!”
استسلمت وأنا أضرب على ظهر يده، لكنه اكتفى بالضحك مستمتعًا بالوضع.
في تلك اللحظة، لاحظتُ شيئًا فجأةً تحت كُمِّ رايان الأيسر.
اثنتا عشرة ندبة متفاوتةَ العمق تم إنشائها بسكين.
‘لقد لمحتها من قبل لكني لم أكن متأكدة… و الآن…’
كانت تلك الجروح تبدو وكأنها نُقشت بيديه عمدًا.
شعر رايان بنظراتي فخفض كُمّه بسرعة وأدار ظهره.
‘يا إلهي، يبدو أن الجوَّ أصبح ثقيلًا.’
سادَّ الصمتُ مرةً أخرى و كلُّ ما فعله رايان هو السيرُّ بصمت دون قول كلمة.
ما تلك الندوب؟
هل كان يؤذي نفسه عمدًا كلما عجز عن السيطرة على غضبه ورغبته في الانتقام؟
لم أكن أستطيع تخيل مدى شعوره بالظلم والغضب.
طفلٌ تخلى عنه والده،
واتُّهم ظلمًا بأنه قاتل، وقضى نصف حياته في السجن.
‘فقط لو يوضح لي أنه ليس المجرم الحقيقي…’
حينها كنت سأخبره أنني أصدقه.
ربما الكلمات قد تمنحه القليل من الراحة.
“أبي، هل قتلت حقًا جميع سكان تلك القرية؟”
“نعم.”
“حقًا؟”
“نعم.”
“كيف فعلت ذلك وأنت بلا قدرات؟”
“وهل العاجز عن استخدام القدرات لا يستطيع القتل؟
لقد ذبحتهم جميعًا. ثم أحرقت القرية بأكملها لأخفي الأدلة.”
“أوه، فهمت.”
أجبتُ بحزن، وفجأةً توقف رايان عن المشي.
“هاها.”
“همم؟”
“أنا مجنون.”
“ماذا؟”
“أنتِ تعرفين جرائمي. إذا غضبتُ، قد تكونين أنتِ التالية. لذا اهربي الآن.”
لما فجأةً؟
أخرج رايان بعض ملابسه، وعلقها على كتفه،
ثم دفع إليّ حقيبة تحتوي على السبائك الذهبية وكأنه يريد التخلص منها.
“اذهبي بينما لديكِ الفرصة.”
كنتُ مصدومة. كيف يمكنه أن يطلب مني الرحيل بعد أن جئنا إلى هنا معًا؟
“آه! انتظر، لحظة!”
لكنه سرعان ما ابتعد.
هل فعلتُ شيئًا خاطئًا؟ لم أكن أفهم سبب تغير موقفه فجأة.
‘كنتُ أعلم أنه سيحاول التخلي عني في وقت ما…’
كنتُ أتوقع هذا الموقف.
ماذا لو حاول ريان أن يتخلى عني، من هي بمثابة العبئ؟
عليَّ حينها أن أُظهر ما لديّ من أوراق لأثبت قيمتي.
لذا كنتُ أخطط للكشف عن جزءٍ من قدراتي الخارقة.
‘لكن ليس هنا…’
نظرت حولي بقلق فقد كانت المدينة مزدحمة بالناس.
وبخطواتي البطيئة هذه لم أتمكن من اللحاق برايان الذي قرر الابتعاد بسرعة.
‘لا، هذا غير ممكن!’
كيف أمسك به؟
***
حاول رايان تجاهل صوت خطوات فانيسا المتعثرة خلفه،
بينما كان يرفع كُمَّ معطفه.
اثنتا عشرة ندبة.
كلُّ ندبةٍ منها كانت علامة لمرور عامٍ في السجن،
حيث كان رايان ينقشها بنفسه.
كان يتحمل ألم تمزيق جسده، ليجدد عزيمته على الانتقام كلما ضعف إصراره.
‘لأن لديَّ شيءٌ يجب أن أفعله..’
الانتقام.
لا، الانتقام كان مجرد ذريعة يُقنع بها نفسه.
لقد خطط لإنهاء سلالة العائلة الفاسدة بيديه.
وكان يعلم جيدًا أنه الوحيد القادر على فعل ذلك.
‘لا يجب أن يلينَ قلبي.’
اليوم، قابل أخته التي لم يكن يعلم بوجودها،
لكن ماذا لو غير رأيه و قرر العيش معها و تخلى عن خطته؟
في الواقع خلال رحلتهما معًا، راوده هذا التفكيرُ المجنون للحظة.
لقد صنعَ لها مكانًا لتحتمي به من الشمس، لكنها لم تدخله.
لقد ظلت يدها الصغيرة تربت على ظهره لمدة ثلاث ساعاتٍ بعد اصابته بدوار البحر،
ربما جعلته يشعر بلمسةٍ حنونة افتقدها طويلًا.
لكن ذلك كان مستحيلًا.
لديه شيء عليه أن ينجزه.
لم يفكر يومًا فيما سيحدث بعد تحقيق انتقامه،
لكن عندما التقى بالناس مؤخرًا أدرك شيئًا.
لقد تم وصمه”كمجرمٍ وحشي”
وبعد تحقيق انتقامه، سيُضاف إلى ذلك لقب قاتل أبيه.
أما فانيسا، فقد طُردت من العائلة،
لكنها ما زالت تملك فرصة لحياة طبيعية ومستقرة.
طالما أنها لم ترتبط به كأبٍّ أو أخٍّ.
‘على أيِّ حالٍ، كنتُ أُخطط للابتعاد عنها، صحيح؟’
نعم كان من الأفضل الإنفصال قبل أن تتعمق المشاعر أكثر.
في تلك اللحظة…
“أبــــــــــــي!!!”
توقف رايان فجأة في مكانه.
وسط المدينة المزدحمة والمليئة بالناس في ميناء صاخب،
ساد الصمت فجأة بسبب الصوت العالي الذي ينادي”أبي”.
“لا تتركني وترحل!”
ابتلع رايان ريقه وهو يدير عينيه في توتر لقد لاحظ أن الناس بدأوا
يلتفتون نحوه ويتبادلون النظرات.
بتردد، استدار للخلف ورأى فانيسا تبكي بحزنٍ،
حاملةً حقيبة تكاد تكون أكبر من حجمها.
“صحيحٌ أنني سأكذبُ إن قلت إنني لا أخاف من أبي! فقد يقتلني حقًا! لكن..!”
“هاه…؟”
راح رايان ينظر حوله بارتباك،
محاولًا تفسير نظرات الناس من حوله.
لقد كان بإمكانه تخيل ما يدور في أذهانهم.
-“قال إنه سيقتلها…؟”
-“هل هذا عنف ضد الأطفال؟”
بالطبع لم يكن يسمع همساتهم حقيقةً، لكنه كان يتخيل ما قد يقولونه.
“لكن، لكن… حتى لو كان هذا أول يوم ألتقيك فيه، فأنا ما زلت ابنتك، أليس كذلك؟”
-“واو، لم يربيها حتى؟”
-“هل أهملها ايضًا ؟”
بدأ رايان يشعر بالرعب. لقد كانت عقوبة العنف ضد الأطفال،
في هذا البلد شديدةً للغاية.
وكونه لم يعد قاصرًا فقد شعر أنه قد يُحكم عليه بالسجن لمدة خمسين عامًا.
تخيل نفسه كهلاً في السبعينات من عمره، يخرج من السجن متكئًا على عصا، يقول:”هاه، أنا رايان، نسخة أبيسوس لعام 962…!”
بينما كان رايان غارقًا في كابوسه الداخلي، استمرت فانيسا بالكلام، بوجهٍ حزين.
“بالطبع، الموتُ أمر مخيف للغاية، لكن…”
‘آآآآه!’
صرخ رايان داخليًا، ثم أسرع بخطواته نحوها.
سواء كان ما تفعله تمثيلًا أو حقيقة، لم يكن يعلم.
لكن كل ما كان يعلمه أن عليه إيقاف تلك الطفلة الجريئة واللطيفة عن الكلام فورًا.
“لكن أبي… آه!”
“آآآه، عزيزتي الصغيرة!”
رفع رايان فانيسا بين ذراعيه فجأةً وبدأ يهزها بحركة خفيفة وكأنه يلهي طفلاً صغيرًا.
“آه، يا لهذه الطفلة اللطيفة~! هل تخافين من بابا بسبب مزحةٍ بسيطة~؟
لا تبكي، لا تبكي! انظري! غوووغو~ غاغا!”
“…….”
نظرت إليه فانيسا بصدمة، لكن رايان لم يلاحظ و ظل ينظر حوله
وهو يتصبب عرقًا باردًا، محاولًا تقييم ردود أفعال الناس.
في تلك اللحظة، لاحظ امرأةً تحمل مظلة تنظر إليه بريبة،
وعندما تلاقت نظراتهما، سارعت بمغادرة المكان بخطوات متسارعة.
“ما بها هذه المرأة؟ هل ذهبت لاستدعاء الشرطة!؟’
مد رايان يده نحوها محاولًا إيقافها.
“لا! انتظري!”
“ما الأمر؟” قالت المرأة بتوتر.
“لا أعلم ما الذي تفكرين فيه، لكن، أيًا يكن، أنا بريء!”
نظرت المرأة إليه باشمئزاز قبل أن تغادر بسرعة.