لقد وصلت العائلة الأقوى! - 02
بعد ذلك بعامين.
في التاسع من أغسطس، عام 934 وفقًا لتقويم الإمبراطورية.
صوت ارتطام الحديد.
“السجين رقم 922851، أنت حر.”
فتح الباب الحديدي الثقيل ببطء، ووقف الرجل الذي كان ينتظر تلك اللحظة. كانت الزنزانة الضيقة بالكاد تتسع لجسده الضخم الذي يملؤها بالكامل.
“…….”
راقبه الحارس وهو يتصبب عرقًا باردًا، متوترًا من ملامح الرجل المهيبة والمخيفة.
كان شعره الذهبي يشعّ كأشعة الشمس، وعيناه الذهبيتان تتوهجان وكأنهما نيران متقدة. بدا الرجل كأنه أسد، يجسد اسمه بكل ما يحمله من شراسة وعظمة.
“ماذا تنتظر؟ فكّ القيود، الآن.”
مدّ الرجل معصميه المقيدين ببرود، فتقدم الحارس على عجل لفك أصفاده.
السجين رقم 922851.
في الخامس من أغسطس عام 922، منذ 12 عامًا، ارتكب هذا الرجل جريمة مروعة عُرفت باسم “مجزرة كونراد”.
بسبب هذه الجريمة، تم نبذه من عائلته النبيلة وحُكم عليه بالسجن لمدة 12 عامًا.
كان الابن الوحيد لدوق فاسنبيرغ، أحد أقوى رجال الإمبراطورية، لكنه فقد اسمه وشرفه وأصبح مجرد مجرم تلاحقه الفضيحة والعار.
أما عقوبته، التي لم تتجاوز 12 عامًا، فقد بدت ضئيلة للغاية مقارنة بعدد الأرواح التي أُزهقت بسبب جرائمه.
“سيدي! هل ستغادر الآن؟”
“تهانينا على إطلاق سراحك!”
عندما غادر الرجل بعد أن ارتدى ملابسه وجمع أغراضه القليلة، تعالت صيحات الترحيب من السجناء الآخرين الذين كانوا يعملون في الخارج.
“اعتنوا بأنفسكم!” قال مبتسمًا وهو يلوّح لهم بيده.
لكن الحارس الذي كان يراقب كل شيء تجهمت ملامحه.
هذا السجن، المعروف باسم “أبيسوس”، كان مكانًا مخصصًا للمجرمين الأخطر في الإمبراطورية.
لكن هذا الرجل، رغم أنه واحد منهم، كان يتمتع بهيبة جعلت الجميع ينادونه بلقب “سيدي”.
ودّعه الحارس بصمت دون أن ينطق بكلمة واحدة.
صوت الباب الحديدي وهو يُغلق بإحكام.
خرج الرجل الذي أنهى عقوبته بعد 12 عامًا، وأُغلقت بوابة السجن الحديدية خلفه بإحكام.
“آه، الهواء الطلق هنا رائع.”
بعيدًا، كانت هناك منارة تلمع على الرصيف، وخلفها أفق يمتد بلا نهاية.
بدت الجزيرة، التي لم يكن فيها سوى منشأة السجن، هادئة كأنها لم تعرف شيئًا عن الشر.
“كان يمكن أن تكون لحظة أكثر سلامًا، لولا أنني وجدت وجهًا مزعجًا ينتظرني هنا. أليس كذلك؟”
وجه حديثه بسخرية إلى المستشار العجوز الذي كان يقف في انتظاره.
“لقد كبرت يا بيل. أعتقد أن حياة الخضوع لأوامر والدي قد أنهكتك، أليس كذلك؟”
“أحسنتم عملًا يا سيدي. سررت بلقائكم مجددًا.”
كان بيل، مستشار دوق فاسنبيرغ، يقف بملامح رسمية، وقدم للرجل أوراقًا بجدية واضحة.
“بسبب مجزرة المدنيين التي وقعت قبل 12 عامًا، تسببت في تشويه شرف العائلة بشكل كبير. ولهذا، أمر الدوق بنبذك. لم تعد تملك الحق في استخدام اسم فاسنبيرغ بعد الآن.”
“حسنًا، فهمت. سأنصرف الآن.”
“ومع ذلك، ولأنه قلق بشأن حياتك بعد إطلاق سراحك، فقد قرر منحك إقطاعية لتعيش فيها. أرجو أن تُقدّر كرمه وتقضي ما تبقى من حياتك بسلام.”
“هاه.”
ألقى الرجل نظرة على الأوراق بفتور ثم ضحك ساخرًا.
“ما هذا؟ قطعة أرض لا تصلح حتى للزراعة؟ هل يريدني أن ألعب دور الحاكم هناك؟”
“الإقامة فيها أو عدمها أمر عائد لك تمامًا يا سيدي.”
“بدلًا من هذه الأرض عديمة الفائدة، كان يمكنه أن يعطيني بعض المجوهرات التي يزين بها نفسه.”
“في الواقع، هناك شيء آخر.”
لوّح بيل بيده فجلب أحد الحراس شخصًا آخر كان مختبئًا خلفهم.
ظهرت فتاة صغيرة ذات شعر وردي، شعرها مربوط من الخلف.
كانت ملامحها الجميلة مألوفة بطريقة غريبة، ربما بسبب عينيها الذهبيتين التي ذكّرته بشخص ما.
“مرحبًا، أنا ڤانـــــيسا فاسنبيرغ.”
“هاه؟ فاسنبيرغ؟”
ثم، جاء الإعلان الصادم من بيل.
“إنها ابنتك، يا سيدي.”
“… أي هراء هذا؟!”
“أحضرنا أيضًا سبائك ذهبية بقيمة ثلاثة آلاف غولدن لإبنـــتك. إذا قررتم تربيتها، فستُمنح لكم.”
“ما هذا الهراء؟! من تكون هذه الطفلة أصلًا؟”
“إنها إبنـــتك، سيدي.”
“هل تمزح؟!!!”
صرخ رايان بغضب، مما جعل ڤانـــــيسا ترتجف بخوف.
“ابنتي؟! هل تغير العالم من دون علمي خلال 12 عامًا من حبسي؟! هل أصبح إنجاب الأطفال ممكنًا دون حتى لمس يد امرأة؟!”
“لم يكن لدينا طريقة للتحقق من كل تفاصيل حياتكم الخاصة قبل دخولكم السجن.”
“كنت في الثانية عشرة من عمري عندما دخلت السجن!”
“…”
“حتى أنت تجد الأمر عبثيًا، أليس كذلك؟ من هي أمها؟! إذا أردت خداعي، فأحضر الأم أيضًا لنواجه الحقيقة جميعًا على الأقل!”
“هذا أمر لا يعلمه سوى أنتم، سيدي.”
“هل تعني أنني عندما كنت طفلًا بعمر الثانية عشرة قد ارتكبتُ شيئًا كهذا؟!”
“ليس مستحيلًا.”
“…”
شعر رايان أن النقاش مع بيل عديم الجدوى.
ذلك المستشار الماكر كان يعلم الحقيقة.
كان يعلم أن هذه الفتاة ليست ابنته.
ومع ذلك، كان هناك سبب يدفعه إلى إلقاء العبء عليه بهذه الطريقة وكأنه يبيعها.
“هذه الفتاة هي بالفعل إبنـــتك الشرعية. فهي بلا قدرات.”
“آه، فهمت الآن.”
ألقى رايان نظرة على ڤانـــــيسا المرتجفة، ثم أطلق ضحكة ساخرة.
“بدأت أفهم. عيناها تشبهان عيني والدي بطريقة ما. يبدو أن والدي أنجب طفلة أخرى بلا قدرات بعدي. إذن، ربما هي أختي غير الشقيقة؟”
“لا، إنها إبنـــتك يا سيدي.”
“حسنًا، فهمت. بما أن الدوق لا يريد أن يُتهم بمشاكل في قدراته الإنجابية، قرر أن يجعلها ابنتي ويلقي بها بعيدًا عن طريقه.”
“أرجو أن تحترموا كلماتكم.”
اقترب رايان فجأة من بيل، مغيرًا نبرته إلى الهمس.
“لقد قضيتُ 12 عامًا هنا أدفع ثمن جرائم لم أرتكبها نيابة عن القتلة الحقيقيين. ألا يكفي هذا كقيمة كوني من سلالة فاسنبيرغ؟”
“ما تقولونه غير صحيح. أنتم المذنب الحقيقي في تلك المجزرة.”
“والآن، تريدون مني أن أحمل لقب المجرم مع إضافة عبء طفلة مجهولة، وأن أعيش في أرض مهجورة حتى أموت؟ هل تعتقدون أنني أحمق فقط لأنني تصرفت بامتثال في السجن؟”
نظر بيل ببرود وأكمل بصوت حازم:
“بما أن الطفلة قد أُعلنت بالفعل كإبنـــتك الشرعية، إذا رفضتم تربيتها…”
توهجت عينا بيل بنظرة قاتمة وهو يقول:
“فسأتولى أنا أمرها.”
“يا لك من وغد…”
وسط الأجواء المتوترة بين بيل ورايان، الذي بدا وكأنه يوشك على الانقضاض عليه، تقدمت ڤانـــــيسا فجأة وقد قررت التدخل بشجاعة.
“أبي!”
“يا فتاة، هل تريدين الموت؟ لماذا تقولين إنني والدك؟!”
عبس رايان فورًا وهو يلتفت نحوها.
“سأعيد تقديم نفسي!”
حررت ڤانـــــيسا نفسها من قبضة الجندي الذي كان يمسك بها، وركضت نحو رايان بحماس.
“فتاة بلا قدرات؟ أنا؟!”
“مستحيل!”
هذا الرجل، رايان، يخفي قدرة خارقة مرعبة.
ڤانـــــيسا، التي تعرف هذا السر، كانت تشعر بالخوف، لكنها أدركت أنها لا تستطيع الاستسلام للارتجاف كالبلهاء.
لقد أمضت عامين في التخطيط بعد عودتها بالزمن.
وكانت الخطوة الأولى من خطتها هي أن تتبع رايان.
“اسمي ڤانـــــيسا، وعمري اثنا عشر عامًا!”
“لم أسألكِ.”
“الدوق أعطاني ثلاثة سبائك ذهبية. إذا أخذتني معك، ستكون كلها ملكك!”
“لست بحاجة إليها.”
ردّ رايان بلا مبالاة.
قبضت ڤانـــــيسا على يدها التي تبللت من العرق، محاولَةً السيطرة على توترها.
كوني هادئة يا ڤانـــــيسا… عليكِ أن تبقي هادئة.
إذا لم تتمكن من إقناع رايان بأخذها، فستضطر للانتقال إلى الخطة البديلة، والتي ستجعل الأمور أكثر تعقيدًا.
“إلى أين ستذهب؟”
غيّرت نبرتها إلى صوت متوسل، محاولَةً إثارة شفقتِه.
“أينما ذهبت، ستحتاج إلى تنظيف وغسل الملابس، أليس كذلك؟ يمكنني أن أتكفل بكل هذا… سأفعل أي شيء!”
“حقًا؟”
رفع رايان حاجبه وهو ينظر إليها بنظرة مريبة، وكأنه يفكر للحظة.
“أعدك أن أكون مطيعة تمامًا… أرجوك، خذني معك. لقد طُردتُ من المنزل، ولا يوجد مكان ألجأ إليه…”
“تعالي إلى هنا.”
أمسك رايان يدها بلطف، مما أشعل بداخلها شعورًا بالأمل للحظات قصيرة.
“هل تتناولين الطعام بشكل جيد؟ تبدين صغيرة وضعيفة. ليس من الجيد لطفلة في عمرك أن تكون في هذا الحال.”
ثم، وبكل بساطة، أعادها إلى يد الجندي الذي كان يقف بالقرب منه، وكأنها عبء أراد التخلص منه.
“لا، أرجوك! خذني معك! أرجوك!”
استدار رايان ومضى في طريقه دون أن يلتفت إليها، وكأنه لم يسمع توسلاتها.
صرخت ڤانـــــيسا بأعلى صوتها، تحاول استجداء قلبه الذي بدا كالحجر:
“إذا لم تأخذني، سأموت! أبيييي! أرجوك، خذنيييي!”