لقد وصلتِ العائلةُ الأقوى - 1
-تشاك.
تدفّقت في ذهني مشاهدٌ عديدة وكأنها تعودُ سريعًا إلى الوراء.
الزمنُ الطويل ارتدَّ فجأة في لحظة.
عندها التقطت أنفاسي التي كنتُ أكتمها.
“هاه!”
و فجأةً، تغيّرت رؤيتي للعالم.
“هاه…هاه..”
كنتُ في قاعة طعام فاخرة وطاولة مليئة بالطعام،
وفجأة هرعت الخادمات إليّ مذعورات من نوبة الفزع التي أصابتني.
“آنسة فانيسا! هل أنتِ بخير؟”
“يا إلهي! ما الذي حدث؟”
في الواقع لم أشعر بأي ألم.
لقد أصبتُ بالدهشة فقط من التجربة الأولى للعودة بالزمن.
“أنا بخير…”
هذا المكان…
‘هل هذا قصر ويندسور؟’
القصر الذي كان والدي يجمع فيه أبنائه غير الشرعيين.
المكان الذي قضيتٌ فيه طفولتي.
‘لقد عدتُ أكثر بكثير مما توقّعت. كم سنةً عدت إلى الوراء؟’
بينما كنت أخمّن، أمسكت بإحدى الخادمات اللواتي بدَونَ مألوفات لي.
“ماريا…؟”
“نعم، آنستي. هل أنتِ بخير؟”
“نعم، نعم. لكن، متى يمكنني رؤية والدي؟”
لن يكون سؤالي هذا غريبًا.
فقد كنتُ أتساءلُ عن هذا الأمر كثيرًا عندما كنتُ في مثل هذا العمر.
كما توقّعتُ، أجابت ماريا بتعبير متأسف دون أيِّ شكٍ.
“يمكنكِ رؤية الدوق إذا قمتِ بإيقاظ قدرتكِ الخاصة.”
“وإن لم أتمكّن من ذلك؟”
في عائلتي، إذا لم تظهر القدرة الخاصة بحلول سن الثانية عشرة،
يتم تصنيف الشخص على أنه “عاجز” ويتم طرده.
لذا، لرؤية والدي، كان عليّ إما أن أوقظ قدرتي الخاصة أو أُصنَّف كعاجزة
وألتقي به لأول مرة وآخر مرة عند بلوغي الثانية عشرة. لم يكن هناك خيار ثالث.
ترددت ماريا لفترة طويلة كما لو كانت تشعر بالأسى، ثم أجابت أخيرًا.
“بعد أن تُقيم آنستي حفلتين إضافيتين لعيد ميلادها، سيأتي الدوق لرؤيتكِ.”
“فهمتُ الآن…”
حتى إن لم أستطع إيقاظ قدرتي الخاصة،
يمكنني رؤية والدي بعد إقامة حفلتين إضافيتين.
‘هذا يعني أن عمري الآن عشر سنوات.’
نظرتُ إلى يدي. رغم أنها يدي، إلا أنها بدت صغيرة وغريبة عني.
‘لقد عدتُ بالزمن عشر سنوات.’
عشر سنوات.
لقد عدتُ للتو، قبل لحظة من موتي، إلى عشر سنوات ماضية.
***
أسرة الدوق فاسنبيرغ.
العائلة التي حتى الإمبراطور ينحني احترامًا لها.
كانت فانيسا جوهرةَ و أميرةَ هذه العائلة.
الدوق فاسنبيرغ، والدها، كان يحبها أكثر من أيِّ شخصٍ آخر،
وكانت الوريثة الثانية للعائلة.
ذلك لأنها امتلكت قدرة غير مسبوقة.
“فانيسا، عليكِ الهروب!”
لكن العائلة التي ظنَّ الجميع أنها ستستمر للابد،
انهارت فجأة في يومٍ واحد.
لقد قُتل والدها وإخوتها جميعًا.
في ذلك الفجر المشؤوم.
على يد شخصٍ واحد.
“سيقوم بقتلكِ أيضًا!”
أمسك حبيبها بيدها وهرب معها. وبينما كانت تهرب، رأت الجثث متناثرة في القصر.
إخوتها غير الأشقاء.
أخوها الأكبر، و أخوها الثاني…
شقيقاتها… ووالدها أيضًا.
لم تصدّق ذلك.
كيف تمكّن شخصٌ صُنِفَ كعاجز من قتل أشخاص أقوياء يمتلكون قدرات مذهلة؟
كيف نجح في ارتكاب هذه المجزرة بسهولة؟
“هل أنتِ فانيسا فاسنبيرغ؟”
أخيرًا، وجدت فانيسا نفسها وجهًا لوجه مع القاتل.
ذلك العاجز الذي تم طرده من العائلة منذ زمن.
ذلك الرجل الذي نجح رغم كل شيء في ارتكاب هذه المجازر.
رايان فاسنبيرغ.
“من هذا؟ سمو الأمير؟ إذا لم تكن تنوي الموت معها، فدع يدها وابتعد عنها.”
تحدث رايان بنبرة ضجرة، مشيرًا إلى حبيبي بحركة يده بلا مبالاة.
“قتل الأبرياء يجعلني أرى كوابيسًا، لذا لا تفعل شيئًا يثير انزعاجي.”
“أرجوك، سامحها.”
بدأ حبيبها فورًا يتوسل لحياة فانيسا.
“هي لم تكن تعلم أي شيء. لقد صغيرة جدًا وقتها و هي بريئة تمامًا… أرجوك!”
“هاهاها! حقًا؟”
ضحك رايان بصوتٍ عالٍ، ولكن عينيه سرعان ما لمع فيهما بريق مخيف.
“لم تكن تعلم؟ الأميرة فانيسا من عائلة فاسنبيرغ لم تعلم بجرائم عائلتها طوال 20 عامًا؟”
“…….”
“كل ما أكلته، وكل ما لبسته، وكل ما استمتعت به في حياتها…
ألم تدرك أبدًا أنه بُنِيَّ بسبب قدراتٍ قذرة؟”
بالطبع، كانت تعلم.
فانيسا كانت تعرف ذلك جيدًا.
القدرة الخاصة تعني السلطة.
وعائلة فاسنبيرغ، العائلة الوحيدة التي تنجب أصحاب القدرات الخاصة،
كانت من الطبيعي أن تسيطر على السلطة.
كما أن الفساد الناتج عن تلك السلطة الساحقة التي لا يُمكن تحديها…كان أمرًا طبيعيًا.
“أرجوك سامحها. لم يكن بإمكانها الهروب من سيطرة الدوق ولا معارضته. أرجوك.”
كان حبيبها يتوسل نيابة عن فانيسا، التي لم تستطع حتى الدفاع عن نفسها.
“اسمع، أيها الأمير. أنا لم آتِ هنا لأُقيّم من هو أكثر إجرامًا ومن هو أقل.
لا يمكنني الوثوق بكلامك، وليس من شأني اتخاذ مثل هذه الأحكام.”
لكن رايان كان حاسمًا وباردًا.
“سأعد حتى عشرة. بعدها، ستكون لديك تهمةٌ إضافية، وهي حماية هذه الفتاة.”
“…….”
“لأجعل الأمور أوضح، سأضيفك إلى القائمة وأرسلك معها إلى الموت. فهمت الآن؟”
حبست فانيسا أنفاسها خوفًا.
كانت تحاول أن تترك يده، لكن حبيبها أمسك بيدها بإحكام أكبر.
“إذا كنت تريد حماية حياتك، فاترك يدها وابتعد عنها. لذا سأعد الآن عشرة… تسعة…”
أصبح عقلها فارغًا تمامًا.
ماذا يجب أن تفعل الآن؟
كانت فانيسا من أصحاب القدرات الخاصة،
مما يعني أنها تستطيع القتال بأيِّ طريقةٍ.
لكنها لم تكن تعرف ما هي قدرة رايان،
لذا لم يكن بإمكانها اتخاذ خطوة متهورة.
ألم يُقتل والدها وإخوتها جميعًا؟
رايان، الذي كان يُعتقد أنه عاجز، أي نوع من القوى كان يُخفيها؟
كيف تمكن من القضاء على أشقائها أصحاب القدرات الخارقة
-من كانوا يحرقون، ويمطرون بالصواعق، ويثيرون العواصف-في وقت قصير جدًا؟
يبدو أن رايان لم يكن ينوي قتل حبيبها. لذا،
ظل يصر على أن يبتعد عن فانيسا.
‘إذا بقينا معًا، فسنقتل معًا. إذن،
لا بد أن تكون قدرته من النوع الذي يشمل المكان بأكمله…’
فكرت فانيسا بتركيز.
تذكرت جثث والدها وإخوتها.
كانت الأجساد سليمة تمامًا.
لم تكن هناك أيُّ جروحٍ، ولا طعناتٍ.
لم يكن هناك أيُّ أثرٍ للمقاومةِ حتى.
فقط أعينٌ مفتوحة متجمدة، وأرواح فارقت الحياة…
“آه…”
في لحظة، أدركت فانيسا.
وفور إدراكها، شعرت باليأس.
‘سنموت سويةً..’
إذا كانت قدرة رايان هي ما ظنت أنها عليه، فلن تكون هناك أي وسيلة للنجاة.
“ستة… خمسة…”
في تلك اللحظة، نظر إليها حبيبها،
وكأنما يودعها، ممسكًا بخدها بحنان وناظرًا في عينيها.
“استمعي إلي جيدًا.”
لكن كلماته الهادئة لم تكن وداعًا.
“عندما تعودين بالزمن، امنعيه من الانتقام، فانيسا.”
“……!”
صُدمت فانيسا. لأنها عرفت ما كان ينوي فعله.
“لا، لا تفعل. إذا فعلت ذلك…”
ارتسمت على وجهه ابتسامة شاحبة، والدموع تتلألأ في عينيه.
خطا نحوها بخطوات مثقلة، حتى لامست جبهته جبهتها، وكأنهما يقتربان للمرة الأخيرة.
“وأيضًا… لا تبحثي عني. لأنني سأظل دائمًا الشخص الذي يدمرُ حياتكِ.”
تجمدت الكلمات على شفتيها، وعجزت فانيسا عن الرد،
بينما انحدرت دموعها بصمتٍ على وجنتيها، كشلالٍ لا ينتهي.
“ثلاثة! اثنان!”
صدى صوت رايان المستهزئ تردد في المكان،
يقترب مع كل عدٍّ كخنجر يمزق اللحظة.
ارتسمت على وجه حبيبها ابتسامة يائسة، وتمتم بصوت يكاد يخنقه الأسى.
“دعينا… دعينا لا نحِبُّ بعضنا البعض من جديد أبدًا.”
***
“آنستي؟”
“آه.”
“هل فقدتِ شهيتكِ؟”
نظرت فانيسا إلى يدها، وهي ممسكة بالشوكة دون أن تحركها.
“يبدو أن حالتكِ ليست على ما يُرام. سأستدعي الطبيب.”
“لا، أنا بخير حقًا.”
هزت رأسها، وفكرت بشخصٍ واحد.
رايان فاسنبيرغ.
أخوها غير الشقيق، الذي قابلته للمرة الأولى على عتبةِ الموت.
كان الابن الخامس للدوق و ابنًا شرعيًا للعائلة، لكنه وُصف بالعاجز.
في الثانية عشرة من عمره، طُرد من العائلة.
وكأنًّ هذا لم يكن كافيًا، ألصق والده به تهمة القتل وأرسله إلى سجن الإمبراطورية.
كانت كل هذه الأحداث قبل أن تولد فانيسا.
‘إذًا، كان هذا انتقامًا…’
لابد أن رايان كان يحمل حقدًا على والده الذي تخلى عنه وألصق به تلك التهمة الشنيعة.
“هوه…”
وضعت فانيسا أدوات الطعام بهدوء.
“آنستي؟”
“آسفة، لا أستطيع الأكل الآن. سأتناولُ الطعام لاحقًا إذا شعرتُ بالجوع.”
في تلك اللحظة، كان رايان لا يزال في السجن بتهمة زائفة.
بعد إطلاق سراحه، اختفت جميع آثاره. لذا، إذا أرادت العثور عليه،
فإنَّ اللحظة التي يغادر فيها السجن ستكون فرصتها الأخيرة.
‘لابد أنه حُكم عليه بأقصى عقوبة عندما كان في الثانية عشرة…’
حسبت الوقت، ثم ركضت فورًا خارج قاعة الطعام.
‘تبقى عامان حتى يُطلق سراحه.’
الآن لم يكن هناك وقت لتضيعه.
كانت فانيسا الوحيدة التي تعرف عن الكارثة التي سيُسببها رايان بعد عشر سنوات.