لقد خُتمت وأنا أحاولُ إِنقاذَ العَالم - 1
مقدمة
كما كان الحال بالأمس، لن يكون هناك أي زبون اليوم أيضًا.
هذه نبوءة مطلقة بحد ذاتها.
“روز تايلر. يا لكِ من حمقاء وغبية.”
داخل المكتب الصغير الذي لا يحتوي سوى على أريكة للزبائن ومكتب للعمل، جلست روز القرفصاء على الكرسي وهي تتمتم.
شعرها البني الناعم الذي كان يميل إلى الوردي فقد بريقه وأصبح باهتًا، وعيناها البنفسجيتان اللتان كانتا تتلألآن كحلوى البنفسج الحلوة غمرهما الحزن العميق.
“في النهاية، هذا ما انتهى إليه اختياري، إنه لأمر مثير للسخرية.”
اختفت كلماتها التي لم يكن هناك من يسمعها وسط الضوضاء المتسللة من خلال النافذة الرقيقة.
‘لو رأت السيدة براون جلوسي بهذه الطريقة، لكانت قد أطلقت العنان لمحاضرتها المعتادة…’
قبل شهرين من الآن.
هربت روز من العاصمة رومبرتون إلى ليندن، وأنفقت كل ما لديها من مال لفتح هذا المكتب لكسب لقمة العيش.
وكانت النتيجة كارثية.
فقد استغرق الأمر أسبوعًا بعد الافتتاح حتى تحصل على أول زبونة لها، وهي سيدة عجوز طلبت منها العثور على كلبها الضائع، وكانت تلك الزبونة الأولى والأخيرة.
حتى مع وجود زبائن، كان الأمر مشكلة.
فقد كانت طاقة روز السحرية تتلاشى باستمرار، ومعدل تعافيها كان ضئيلًا جدًا، مما يعني أن إلقاء تعويذة بسيطة يتطلب منها المجازفة بحياتها.
وما زاد الطين بلة، هو أن كل خياراتها منذ “ذلك اليوم” انتهت إلى الندم، حتى باتت معنوياتها في الحضيض، تحفر طريقها إلى الأسفل، إلى أعماق الأرض.
رفعت رأسها محاولة استجماع قواها، لكن السماء خلف الزجاج كانت تبدو وكأنها تتنبأ بمستقبلها.
فقد مر الربيع الزاخر بعطر الأزهار، واقترب الصيف المشمس الساطع، لكن سماء مدينة ليندن الصناعية ظلت رمادية كما كانت دائمًا.
نظرت روز إلى السماء الملبدة بالدخان، التي لم تتغير أمس ولا اليوم، وربما لن تتغير غدًا أيضًا، فشعرت وكأن صخرة جاثمة على صدرها، تخنق أنفاسها.
“هذا لا يُطاق!”
صرخت روز أخيرًا، غير قادرة على كبح غضبها.
“عملي فاشل! لا مال لدي! لا يمكنني العودة إلى رومبرتون لفتح عمل هناك، وقوتي السحرية على وشك النفاد!”
مستقبل روز الآن بات محصورًا بين خيارين: إما أن تموت جوعًا لعدم قدرتها على توفير نفقات معيشتها، أو أن تموت جفافًا بسبب استنفاد طاقتها السحرية. لقد وصلت إلى حافة الهاوية حرفيًا.
طرق، طرق، طرق.
في اللحظة التي بدأت فيها روز توبيخ نفسها والندم على قراراتها، سمعت صوت طرق على الباب.
“طرق؟”
ظنت لوهلة أنها مجرد هلوسة.
لكن لحسن الحظ، لم تكن كذلك، فقد انفتح باب مكتبها، الذي لم يستقبل زبونًا منذ شهر ونصف.
“هل هذا هو مكتب هامبتون لأبحاث القوى الخارقة؟”
لهجة راقية من الطبقة الأرستقراطية في رومبرتون.
من مجرد سماع الصوت، أدركت على الفور.
هذا زبون مربح.
“أجـل! مكتب هامبتون المتخصص في التحقيق في الظواهر الخارقة والقدرات الخاصة والمحاضرات…”
نهضت روز فجأة، كما لو كانت تنتظر هذه اللحظة، لكنها عندما رأت وجه الزائر، بدأ حماسها يخفت تدريجيًا.
“مرحبًا… بك…”
الشاب الذي دخل عبر الباب كان طويل القامة، أطول من معظم الرجال.
كتفاه العريضتان، وساقاه الطويلتان المستقيمتان، منحاه هيئة مهيبة كمعابد حجرية قديمة.
بدلة فاخرة مصنوعة من أجود الأقمشة غطت جسده العضلي بإحكام، وقفازاته المصنوعة من جلد الماعز الأبيض لا شك أنها من النوع الفاخر.
أما العصا المصنوعة من خشب الأبنوس التي يحملها، فمن المؤكد أن ثمنها يتجاوز كل الأموال التي كسبتها روز حتى الآن.
شعره الأشقر الداكن مصفف بعناية باستخدام البومايد، وأنفه المستقيم، وحاجباه الداكنان، وعيناه الزرقاوان اللتان تشعان بالذكاء، كلها عكست برودة قاسية، في حين أن شفتيه المشدودتين أظهرتا حزمًا لا يتزعزع.
كانت روز تعرف هذا الرجل.
بل إن السبب الرئيسي وراء هروبها من العاصمة رومبرتون إلى ليندن كان هذا الرجل نفسه.
ولعدة أسباب مختلفة أيضًا.
“أخيرًا وجدتكِ، آنسة أولغا بلافاتسكي.”
رغم أنه مجرد اسم مستعار تخلت عنه، إلا أن سماعه بصوته جعلها ترتجف كما لو أنه نادى اسمها الحقيقي.
بدأت روز تتراجع خطوة بخطوة وهي تحاول التفكير في طريقة للخروج من هذا الموقف.
جيمس ر. دوترش.
مالك شركة دوترش، المورّد الرئيسي لأفخر الأقمشة لمتجر “فيلوز” الأشهر في المملكة، وكذلك للعائلة المالكة.
ورائد صناعة السكك الحديدية الصاعد.
و…
“هاهاها… سيدي، يبدو أن هناك سوء فهم، أنا لستُ أولغا بلافاتسكي.”
“لا تكذبي. هل تعلمين كم أنفقتُ من المال للعثور عليكِ؟”
“لا أفهم ما الذي تتحدث عنه…”
“ألا تعتقدين أنه عليكِ تحمل المسؤولية، أيها المستحضِرة، آنسة أولغا بلافاتسكي؟ أو بالأحرى، آنسة أليس هامبتون هنا؟”
عندما نطق بكلمة “المسؤولية”، شعرت روز بقشعريرة تجتاح جسدها، وتجمد الدم في عروقها.
“مسؤولية؟”
‘لا يمكن أن يكون بسبب “ذلك”.’
لا، مستحيل. لا يمكن لشخص عادي أن يلاحظ ذلك أبدًا.
مستحيل، مستحيل تمامًا.
حاولت روز إنكار الأمر والتغاضي عن وخز ضميرها، لكن الرجل ابتسم ابتسامة جانبية وقال:
“المسؤولية عن تلك الليلة التي قضيتها معي.”
يا إلهي.
“والمسؤولية عن الجرأة على ترك علامة على جسدي ثم الهرب.”
يا إلهي، يا لها من كارثة. يا ربّاه!