لقد تزوجت من إمبراطور النار ولكنه يعتقد انني بشرية ضعيفة. - 6
**6 أوَّلُ نَخب **
كانت الطاولة المستطيلة الكبيرة مصقولة كالجوهرة، تنعكس عليها لمعة غامضة.
رُسمت على سطحها الأسود نقوشٌ ذهبية لطيور، وفوقها صُفَّت أطباقٌ عامرة بأطعمة لم أعتد رؤيتها من قبل.
لحمٌ مطهوٌّ حتى أصبح طريًّا يتفتَّت بسهولة، روبيانٌ ضخم مقسومٌ إلى نصفين، وسرطان بحري موضوع داخل أسطوانة خشبية.
إلى جانب ذلك، وُضعت أرغفة خبز ناعمة على شكل خوخ، وحساء بدا وكأن البيض قد خُفِق ومُزج داخله.
أما ملابس وصيفات التنانين، فكانت تختلف تمامًا عن تلك في مملكتي.
كن يرتدين أثوابًا فضفاضة تُثبت عند الخصر بأربطة، يغلب عليها اللون الأسود وتتخلَّلها حوافٌّ حمراء.
كنَّ أطول مني بكثير، يتمتعن بأجسادٍ أنثوية ممتلئة، فشعرتُ بالتوتر وأنا محاطةٌ بهن.
جلس جِزلهايد-ساما، وأجلسني معه كما لو أنه أمرٌ طبيعي تمامًا، واضعًا إياي على فخذيه.
وقفت وصيفةٌ بجانبه، وسكبت في كأسه شرابًا أبيض اللون، يشبه الخمر.
“ماذا تودين أن تشربي، أنِّيريا؟ شاي الأزهار سيكون جيدًا، فهو مفيدٌ للجسد.”
“آه… في الواقع، يمكنني شرب الخمر. في مملكتي، نُصبح راشدين في سن السادسة عشرة، ويُسمح لنا بالشرب منذ السابعة عشرة. أنا في الثامنة عشرة الآن، لذا فأنا شخص بالغ بالفعل.”
“ممنوع.”
“ممنوع…؟”
كنتُ أرغب في شرب القليل من الخمر لمجاراة الجو وتعزيز الأُلفة، لكنني قوبِلتُ بالرفض القاطع.
شعرتُ بالإحباط. صحيح أنني لستُ من محبي الكحول، لكنني أهوى تجربة الأشياء الجديدة والمجهولة. كنتُ أود معرفة مذاقه على الأقل.
بأمرٍ من جِزلهايد-ساما، أعدَّت وصيفةٌ إبريق شاي زجاجي شفاف أمامي.
ما إن صبَّت الماء الساخن داخله، حتى تفتَّحت أوراق الشاي المجففة على شكل زهرة.
“يا إلهي… هذا رائع! إنه جميلٌ جدًا!”
“أيعجبكِ؟”
“نعم!”
أشعر ببعض الخيبة لأنني لم أتمكن من تجربة الخمر، لكن شاي الأزهار هذا يبدو جذابًا للغاية.
سكبت الوصيفة الشاي في فنجانٍ صغير وقدَّمته لي، فأخذته ونظرتُ إلى جِزلهايد-ساما، الذي لا يزال يُجلسني على فخذيه.
“أمم… يمكنني الجلوس وحدي، أنا بخير حقًا…”
“ارتفاع الطاولة والمقاعد لا يتناسب مع جسدكِ. لم أتوقَّع أن تكوني صغيرةً إلى هذا الحد. إلى أن نجد حلًّا، اعتبريني كرسيًّا لكِ.”
“أمم… حسنًا…”
بالفعل، إن جلستُ على المقعد، فلن تصل قدماي إلى الأرض.
لكن البقاء بهذه الوضعية طوال العشاء… أشعر بالإحراج الشديد.
أنا لستُ طفلة، ولم أتناول الطعام يومًا في حضن رجلٍ من قبل.
ترى، هل يمكنني الالتزام بآداب المائدة في هذا الوضع؟
تصاعدت روائح الأطعمة الشهية، لكنها جميعًا بدت صعبة التناول بطريقةٍ أنيقة.
“أنِّيريا، الطعام ساخن، لذا احذري من أن تحرقي نفسكِ. وإن لم يعجبكِ شيء، فلا تترددي في بصقه.”
“ل… لا، لن أبصق الطعام بالتأكيد… لكن، جِزلهايد-ساما، بما أن الفرصة سانحة، ألا نقوم بنخبٍ معًا؟”
“نخب؟”
“نعم، نشرب معًا في الوقت نفسه، ونقول: نخب!”
“لماذا؟”
يبدو أن التنانين لا يعرفون عادة النخب.
حدَّق إليَّ جِزلهايد-ساما باستغراب، فابتسمتُ بسرور، سعيدةً بفرصة مشاركة تقاليد مملكتي معه.
“إنه تعبير عن الاحتفال والامتنان. تعبيرٌ عن الفرح بلقاء شخصٍ ما، وعن السعادة بقضاء الوقت معًا، وبمشاركة الطعام والشراب.”
“…… فهمتُ.”
اتسعت عيناه قليلًا قبل أن يجيب بإيجاز.
“إذًا، فلنقم بنخبٍ معًا!”
“حسنًا… كيف يتم ذلك؟”
“كل ما عليك فعله هو حمل الكأس ورفعه قليلًا.”
رفعتُ كوب الشاي في يدي قليلًا، ففعل جِزلهايد-ساما الشيء نفسه، رافعًا كأسه الممتلئ بالخمر الأبيض.
“إلى لقائنا السعيد، وإلى هذا الشاي والطعام الرائع… أتطلعُ إلى قضاء المزيد من الوقت معك، جِزلهايد-ساما.”
“…… نعم.”
“نخب!”
رفعنا كوبينا معًا، ثم ارتشفتُ رشفةً من شاي الأزهار، لتملأ نكهته العطرة فمي.
بدوره، رفع جِزلهايد-ساما الكأس إلى شفتيه وشرب القليل منه.
“ليست لدينا مثل هذه العادة، لكنها جميلة. لسببٍ ما، أشعر وكأن الشراب صار ألذ.”
“المشاعر الجميلة تجعل الطعام والشراب أكثر لذة! لهذا، حين نشعر بالسعادة، نقوم بالنخب!”
“همم… إذن، فلنقم بنخبٍ يوميًّا.”
“أنا سعيدةٌ لأنك أحببت ذلك!”
كم هو رائع أن يتقبل تقاليد مملكتي بهذه السرعة!
وضع جِزلهايد-ساما كأسه على الطاولة، ثم نظر إليَّ مباشرةً، بعينين حادتين كأنهما تخترقان روحي.
تحت تأثير نظرته المتفحصة، شعرتُ باضطرابٍ غريب.
“يقال إنكم لا تأكلون الخنافس، لكنكم تأكلون الروبيان وسرطان البحر، أليس كذلك؟”
“نعم، نحن نأكلهما… لكن، لماذا ظننتم أننا نأكل الخنافس؟”
صحيح أنني لم أرَ الروبيان أو السلطعون على طبيعتهما من قبل، إذ يأتيان دائمًا منظَّفين ومجهَّزين للأكل.
ولكن إن دقَّقتُ النظر فيهما، فهما غريبَا الشكل فعلًا. يشبهان الخنافس قليلًا… أو ربما لا.
“في الصيف، يأتي سكان مملكتكم إلى غاباتنا لجمع الخنافس. تلك الغابة، رغم أنها على الحدود، إلا أنها تابعةٌ لأراضينا. نحن لا نمانع أن يجمعوا بعض الحشرات، لكننا كنَّا نظن أنهم يأكلونها، واعتقدنا ذلك منذ زمنٍ طويل.”
“هكذا إذن!”
أخيرًا، فهمتُ الأمر، فوضعتُ يدي على شفتي واهتزَّ جسدي ضحكًا.
“نحن لا نأكلها. بل نستخدمها في ألعاب القتال أو نربيها. الأطفال والرجال يحبون هذه الحشرات.”
“يحبونها؟ تقصدين… مذاقها؟”
“قلتُ لك، نحن لا نأكلها!”
انزلقت كلماتي بشكل عفوي كما أعتاد أن أتكلم عادةً، ثم سرعان ما أدركت ذلك، فالتزمتُ الصمت على الفور.
لكن جِزلهايد-ساما ضيَّق عينيه الحمراوين بسعادة، وكأنه يستمتع برؤيتي هكذا.
—
المترجمة:«Яєяє✨»