لا يوجد طفل سيئ في هذا العالم - 53
الفصل 53
بينما كانت إيديث تنوي تقديم شكر بسيط، تفاجأت بالكلمات التالية التي جعلتها تنظر بسرعة إلى الكاهن.
“إذا تم تجريد أحد النبلاء من لقبه، تُمحى جميع السجلات المتعلقة به، ويتم نقل الكتب التي تحتوي على سجلاته السابقة.”
تجريد اللقب. لم يخطر في بالها هذا الاحتمال، فتوسعت عيناها دهشة. فجأة، بدأت العديد من الأمور التي لم تستطع فهمها تصبح واضحة.
“شكرًا جزيلًا على مساعدتك في كل شيء!”
“لا داعي للشكر. لا يمكنني تجاهل مصاعب سيدة نبيلة.”
سارعت إيديث بوضع قبعتها بإحكام مجددًا، ثم انطلقت بخطوات سريعة. كان الموعد المحدد يقترب، ولم يعد لديها أي شيء لتفعله في هذا المكان.
بينما كانت تغادر قاعة السجلات بسرعة، كان الكاهن الذي أبدى لطفه معها يتابعها بنظره.
وبمجرد أن اختفت عن الأنظار، وجه الكاهن نظره إلى النقطة التي كانت إيديث قد فتحت فيها نافذة حالتها.
‘سيدة نبيلة تمتلك طاقة مقدسة… هذا مثير للاهتمام.’
لمعت في عينيه الزرقاوتين النقيتين، اللتين لا تشوبهما شائبة، ملامح فضول واضحة.
**
مر يوم منذ عودة إيديث من قاعة السجلات، لكن عقلها لا يزال مثقلًا بالأفكار.
‘هل يمكن القول إن عائلة مولت لم تعد موجودة في الإمبراطورية؟’
عند التفكير بالأمر، كانت العائلة قد أخرجت طفلًا وُصم من الكنيسة كشيطان في بلد تهيمن فيه السلطة الدينية. كان ذلك كافيًا ليجعل وجود العائلة خطرًا كبيرًا.
لذلك، لم يكن من المستغرب أن تكون العائلة قد أُبيدت تمامًا. وبالتالي، لم يكن سكاييل يتجنب استخدام اسم مولت، بل لم يكن بمقدوره استخدامه، لأنه ببساطة لم يعد موجودًا.
لكن، إذا كان الأمر كذلك، لماذا بقي سكاييل سالمًا؟ هل لأنه ساحر؟
عدم وضوح الوضع جعل إيديث تشعر بالمزيد من الإحباط.
كانت قد بدأت هذه المهمة على أمل كشف جذور العائلة، ولكن مع عدم قدرتها على الوصول إلى السجلات، أصبحت جهودها بلا فائدة. وبهذا، عادت إلى نقطة البداية.
‘لا يمكنني الذهاب إلى الكنيسة لسؤالهم عما حدث بالتفصيل…’
كان ذلك أكثر خطورة من زيارة قاعة السجلات بكثير. إذا كانت السجلات الموجودة قد أُدرجت ضمن الكتب المحرمة، فمن غير المحتمل أن ترحب الكنيسة بأي تحقيق في هذا الأمر الحساس.
علاوة على ذلك، السبب الذي جعلها تتنكر وتعمل بمفردها هو رغبتها في كشف الأمور دون الحاجة إلى مساعدة أحد، وإلا، لن يكون هناك فائدة.
“دوقة! انظري إلى هذا!”
بينما كانت تكتم تنهيدة في خضم إحباطها، سمعت صوتًا يناديها بلهفة. كانت تلك فيفيان التي جاءت إلى قصر دوقية ديفيون لرؤية بيكي.
“ما الأمر؟ هل حدث شيء ما؟”
أسرعت إيديث بالتوجه نحوها، ظانة أن شيئًا طارئًا قد حدث، لكن فيفيان وبيكي بدتا بخير تمامًا.
كان بيكي مستلقيًا على العشب، مظهرًا بطنه الممتلئ بشكل يبعث على الاطمئنان. بدا بصحة جيدة، ولم يكن هناك ما يدعو للقلق بشأنه.
“بيكي عبقري، على ما يبدو.”
شعرت إيديث وكأن علامة استفهام ظهرت فوق رأسها. كانت فيفيان جادة جدًا لدرجة جعلت الأمر يبدو بعيدًا عن كونه مزحة.
“بالحديث عن اللعبة التي ذكرتها الدوقة، بيكي قد وجد كل الحلوى التي أخفيتها بالفعل! ولم يمر حتى خمس دقائق منذ أن بدأ! أليس هذا دليلًا على أنه ذكي للغاية؟”
اللعبة التي أشارت إليها فيفيان كانت لعبة “نوزوورك” المصنوعة خصيصًا.
هي لعبة تهدف إلى تعزيز حاسة الشم لدى الجراء الصغيرة وتخفيف التوتر عنها. وبما أنها لم تكن موجودة في هذا العالم، طلبت إيديث من أحد الحرفيين صنعها باستخدام القماش.
بدت اللعبة للوهلة الأولى وكأنها مجرد قطع قماش مهلهلة، مما جعل فيفيان لا تهتم بها كثيرًا في البداية. لكنها أظهرت اهتمامًا كبيرًا عندما أخبرتها إيديث أن هذه اللعبة تساعد على تنمية ذكاء الجراء.
طلبت فيفيان تجربتها بنفسها، وبعد أن شرحت لها إيديث الطريقة، قامت بإخفاء قطع صغيرة من الحلوى بعناية بين القماش، ثم نادت بيكي بوجه متحمس.
وكان ذلك منذ حوالي خمس دقائق فقط، وفي هذا الوقت القصير، تمكن بيكي من العثور على جميع الحلوى وأكلها.
“يبدو أن بيكي تكيف بسرعة. عادةً ما تتيه بعض الجراء في البداية.”
على الرغم من أن الحديث عن عبقرية بيكي كان مبكرًا بعض الشيء، إلا أن إيديث أيدت فيفيان بابتسامة؛ إذ بدت فيفيان سعيدة للغاية.
“أليس كذلك؟ كنت أعلم ذلك! بيكي، يبدو أنك عبقري. من الآن فصاعدًا، لن أنعتك بالغبي مرة أخرى.”
رفعت فيفيان بيكي بعناية وألصقت خدها بفروه الناعم. وردًا على حبها، بدأ بيكي بتقبيلها بحماس.
نظرت إيديث إليهما، متناسية همومها للحظة. عندما كانت فيفيان مع بيكي، كانت تبدو سعيدة حقًا، وبيكي كان يبادلها الشعور نفسه.
“بيكي يحب اميرة كثيرًا، أكثر حتى من الحلوى.”
“وهذا طبيعي. من يعتقد أنه أعطاه الحلوى؟”
قالت فيفيان ذلك وكأن الأمر بديهي، لكنها كانت تعانق بيكي بحنان بالغ، وظهرت على شفتيها ابتسامة مريحة.
مر الآن حوالي شهرين منذ أن بدأت فيفيان بزيارة قصر دوقية ديفيون. في البداية، كانت تخفي قلقها وتحاول التصرف بثقة، لكنها مع الوقت تأقلمت وأصبحت تقضي وقتًا ممتعًا مع بيكي.
في تلك اللحظات، كانت تتخلص من قناعها كـ اميرة وتضحك بحرية، وكأنها تحررت ولو مؤقتًا.
—
[إشعارات صندوق كنز الطفل الذهبي]
الاسم: فيفيان فاليسيا
العمر: 11 عامًا
مستوى التقدير: 79 /100
مستوى التوتر: 61 /100
مستوى التركيز: 60 /100
الحساسية: 70 /100
مستوى الحزن: 70 /100
إشباع الرغبة: 48 /100
لكن، لم يكن هناك تغيير كبير في المؤشرات العامة لفيفيان.
على الرغم من زيارتها المتكررة للقاء بيكي، إلا أن مشاعر الحزن والتوتر لم تنخفض كثيرًا؛ إذ ترتفع هذه المؤشرات مرة أخرى بمجرد عودتها إلى المنزل.
هذا يعني أن المشكلة الأساسية لم تُحل بعد.
هل ستجد فيفيان السلام يومًا ما؟
تمنت إيديث أن تحقق ذلك أثناء إقامتها هنا.
“بالمناسبة، هل أعددتِ هدية جلالة الإمبراطور؟”
سألت فيفيان فجأة بينما كانت تستعد لفراقها مع بيكي بعد قضاء وقت ممتع.
قريبًا، سيُقام حفل الرقص السنوي بمناسبة عيد ميلاد الإمبراطور. وكانت إيديث قد تلقت دعوة باسم دوقية ديفيون لحضور الحدث.
“ليس بعد. لقد فكرت في العديد من الخيارات، لكنها ليست سهلة.”
كان سكاييل قد قال إنها ليست بحاجة للقلق كثيرًا، لكن الأمر لم يكن بسيطًا كما قال. شعرت إيديث بأنها كدوقة عليها أن تُظهر ذوقها المناسب، لأن الناس بالتأكيد سيتحدثون عن الأمر بطريقة أو بأخرى.
“جلالة الإمبراطور يحب النباتات كثيرًا. بالطبع يستمتع بالنباتات الزينة، لكنه يفضل النباتات التي لها استخدامات عملية أكثر.”
شعرت إيديث ببعض الدهشة. بدا الأمر وكأن فيفيان كانت تعرف ما تفكر فيه وتقدّم النصيحة مسبقًا.
“لدي دين لكِ، يا دوقة. وأعتزم سداده شيئًا فشيئًا.”
لم تكن إيديث متأكدة ما إذا كان الدين يتعلق ببيكي أم بحفلة فيفيان الأولى التي أفسدتها. لكنها لم تهتم كثيرًا؛ فقد أسعدها اهتمام فيفيان بالأمر.
كان بإمكانها التغاضي عن الموضوع باعتباره أمرًا ماضيًا، لكن حقيقة أن فيفيان لم تتجاهله واهتمت بمساعدتها جعلتها تشعر بالامتنان.
كانت تريد مدحها على طيبتها هذه، لكنها اكتفت بابتسامة راضية.
“سيكون ذلك مفيدًا حقًا يا اميرة . شكرًا لكِ.”
“…ليس اميرة . يمكنك مناداتي فيفيان.”
اتسعت عينا إيديث في دهشة من الاقتراح المفاجئ. وبعد أن قالت فيفيان ذلك بنبرة متحفظة، بدا عليها الإحراج، فقفزت إلى العربة دون أن تنتظر ردًا.
“فيفيان!”
قبل أن تُغلق الأبواب تمامًا، نادت إيديث بصوت مرتفع.
“تعالي لزيارتنا مرة أخرى. سأجهز لكِ لعبة أكثر متعة في المرة القادمة.”
لوّحت بيدها، وترددت فيفيان للحظة لكنها لوّحت بدورها.
راقبت إيديث عينيها البنفسجيتين المتوهجتين بالفرح، وهي تبتعد مبتسمة بسعادة.
***
حلّ أخيرًا يوم ميلاد الإمبراطور.
كان هذا اليوم واحدًا من أكبر الفعاليات السنوية في إمبراطورية روبيدون.
قبل أيام من الاحتفال، كانت العاصمة في حالة صخب مع تحضيرات المهرجان.
أما الآن، فقد امتلأت الشوارع بالموسيقى والرقص.
فتح الإمبراطور خزائن القصر الملكي بسخاء لتقديم الخمر والطعام احتفالًا بهذه المناسبة، وكان الشعب يرد الجميل بإقامة احتفالات في الساحات، يرمون فيها الورود وأوراق الزهور الملونة وهم يمدحون الإمبراطور.
“هكذا يكون الاحتفال!”
كانت إيديث في طريقها إلى القصر الإمبراطوري لحضور الحفل، ولم تستطع إخفاء إعجابها بالمناظر البهيجة التي شاهدتها من نافذة العربة.