لأجلِ جولييت الجميلة - 8
عندما كانت تتذكرُ تلك الحقيقة،
كانت جولييت تشعرُ بالإهانةِ والمرارةِ.
لذلك، كانت تغضبُ منه.
لكنها بعدَ أن تُطلقَ العنانَ لغضبِها،
كانت تُدركُ أنَّ هذا الأمرَ أيضًا كان يحدثُ لأنه كان مُتسامحًا معها.
كانت تعلمُ ذلك، لكنها رغم ذلك كانت تشعرُ بالغضبِ كلما رأتْ وجهَه.
ما هو السببُ لهذا؟
لو كان يمتلكُ ضميرًا، ما كان يجب عليه أن يطلبَ منها شيئًا.
كان ينبغي عليه أن يأخذَ منها أو يسرقَها بالقوةِ.
كان ذلك سيجعلُها تشعرُ بقليلٍ من الكرامةِ.
ومع ذلك، لم يكن هناك داعٍ لهذا القدرِ من الغضبِ.
فقد قضت جولييتُ بضعَ سنواتٍ معه بالفعل.
وأصبحت إلى حدٍّ ما مُعتادةً على سلوكِه.
ولهذا السببِ، لم تكن تغضبُ منهُ لفترةٍ طويلةٍ.
وعلى الرغمِ من معرفتها بذلك،
لم تستطع جولييتُ التحكمَ في المشاعرِ التي أجتاحتها في تلك اللحظةِ.
بدا الرجلُ وكأنّه أدرك أن هناك خطأً ما عندما رأى تعابيرَ وجهِها المتغيرةَ باستمرارٍ.
“أعلمُ أنكِ منزعجةٌ. لكن أرجو أن تمنحيني بعضَ الوقتِ فقط، ثم…”
كان هذا عذرًا يائسًا ربما لمحاولةِ تصحيحِ الوضعِ.
لكن جولييت لم تنتظرْ حتى يُنهيَ كلامَه.
لذا قالت بصرامةٍ:
“لا.”
كان صوتُها باردًا لدرجةِ أنها فاجأتْ نفسها.
لكنها لم ترمشْ حتى.
“هل تعتقدُ حقًا أن لديكَ الحقَّ في طلبِ شيءٍ مني؟”
“آه….”
شعرتْ ببعضِ الانتعاشِ عندما رأتْ تعبيرَه الباهتَ.
في ذلك الوقت، كانت مشاعرُها متشابكةً بشدةٍ،
وكان الشعورُ بالضغينةِ تجاهه أمرًا مألوفًا.
لكن الضيقَ وعدمَ الراحةِ اللذين شعرتْ بهما بعد ذلك كانا أكبرَ بكثيرٍ،
لذا سرعان ما نسيتْ ذلك الشعورَ بالانتعاشِ.
لذلك، أصبحت جولييتُ أكثرَ حدةً تجاه الشخصِ الذي كان يقفُ أمامَها.
شعرتْ أن ذلك سيخففُ من شعورِها بالضيقِ ولو قليلًا.
“إذا كنتَ تريدُ إمساكَ يدي،
فتوقفْ عن التظاهرِ وقمْ بإمساكِها بالقوةِ كما تفعلُ دائمًا. أليس هذا أسلوبَكَ؟”
“لم أقصدْ حقًا…”
“كفى من هذه الأعذارِ السخيفةِ. أنت تعلمُ جيدًا أنني لن أنخدعَ بها.”
كانت تعلمُ. كانت تعلمُ أن هذه الحدةَ لن تصلحَ شيئًا.
لكن جولييت لم تكن تعرفُ طريقةً أخرى للتعاملِ معه.
كان الحديثُ الوديُّ الذي دارَ بينهما في السابقِ مجردَ نزوةٍ عابرةٍ.
في الواقع، قررتْ أن تنسى تلك النزوةَ تمامًا.
لأنها لم تكن قادرةً على تكرارِها مرةً أخرى.
لذلك، بدلاً من محاولةِ تصحيحِ الأمورِ،
اختارتْ جولييت إكمالَ الطريقِ الذي بدأت فيه.
“توقفْ عن التظاهرِ بأنك تهتمُّ بي. فهذا الأمرُ يزيدُني اشمئزازًا.”
كان قولُ هذه الكلماتِ وبشكلٍ لا يُصدَّقُ، سهلًا جدًا.
* * *
بعدَ ذلكَ اليوم، لم يعد الرجلُ يزورها مرةً أخرى.
شعرتْ جولييت بالغرابة، لكنها لم تُعبِّر عن ذلك بصوتٍ عالٍ.
لم تكن ترغب في الاعتراف حتى بما كانت تفكر فيه داخليًا.
بدلاً من ذلك، أنشغلت بأمورٍ مختلفة.
أمرتْ بتغيير ترتيبِ الأثاث في غرفتها،
وأمرتْ بإزالة اللوحات التي لم تكن متأكدةً مما إذا كانت حقيقيةً أم وهميةً.
كانت الخادماتُ في حيرةٍ،
غير متأكداتٍ مما إذا كانت جولييت تستعيدُ نشاطها أم تستهلك ما تبقى من طاقتها،
لكنهنَ نفذنَ أوامرها بدقةٍ.
بفضل ذلك، تغير منظر الغرفة عدةَ مراتٍ،
لكن لم يكن هناك شيءٌ يرضيها.
بعد أن أمرتْ بملئ كل زاويةٍ في الغرفة بأشياءَ مختلفةٍ،
فكرتْ جولييت في سبب عدم رضاها،
على الرغم من كل التغييرات التي أجرتها.
“إنه أمرٌ غريب.”
رفعت الخادمةُ التي كانت تقرأ بجانب السرير رأسها.
“ماذا تعنينَ، سيدتي؟”
“هناك شيءٌ لا يعجبني، لكنني لا أستطيعُ تحديدَ ما هو.”
ربما لأن الأثاثَ كثير. أليس كذلك؟
عندما نظرتْ إلى الخادمةِ مجددًا،
أدركتْ جولييت أن الكرسي الذي كانت تجلسُ عليه
قد جلسَ عليه الرجلُ سابقًا.
“هل هنالك كرسيٌ آخرُ غيرُ هذا؟”
“عذرًا؟”
“لا أستطيعُ تحمّله.
أحضري لي كرسيًا آخر، وأَخرجي هذا من هنا.”
لم يكن مهمًا أن جولييت نفسها هي من أمرت بوضع هذا الكرسي
بجانبِ السريرِ في اليومِ السابق.
قامت الخادمة فورًا بإزالة الكرسي وأحضرت آخر.
“هذا أفضلُ بكثير.”
تحدثتْ جولييت بصوتٍ عالٍ متعمدةً،
لكن كلامها كان أقرب إلى حديثٍ داخل نفسها.
وبعد ذلك، غيرتْ الكثيرَ من الأشياء.
أمرتْ بتغطية كل التماثيل بالقماش،
وأمرتْ بإزالة جميع الأزهار.
لكنها عندما أدركت أن ذلكَ زادَ من قبحِ المنظر،
أمرتْ بإعادة الأزهار مرةً أخرى.
كل من حولها كانوا يعلمونَ أن هذه الأمورَ كانت مُجردَ نزوةٍ لا معنى لها.
لكن جولييت لم تشأ الإعترافَ بذلك،
لذلك أستمرت بالأمر في نقل الأثاث وإخراجه لفترةٍ من الوقت.
لكن عندما لم يعد هناك شيءٌ يُمكن تغييره،
اضطرت جولييت إلى الاعتراف بالحقيقة.
لم يتغير شيء. رغم كل الفوضى، لم تشعر جولييت بالرضا عن أي شيء.
‘ربما لم تكن المشكلةُ في الأثاث….’
أحيانًا كانت تفكر بهذه الطريقة.
وكلما خطرت لها هذه الفكرة،
كانت تسألُ نفسها، إذا لم تكن المشكلةُ في الأثاث، فما هي المشكلةُ إذن؟
ثم كان التفكيرُ يًتجهُ بطبيعةِ الحال نحو الشخصِ الذي لم يكن قطعة أثاثٍ،
لكنه كان يقف بصمتٍ كقطعةٍ منه.
لكنها كانت تكرهُ الأعترافً بذلك، لذلك كانت تتجاهلُ الحقيقةَ بعنادٍ.
لقد تربَّت جولييت على ألا تنحني أبدًا لأحدٍ غير الملك،
وكانت كرامتها دائمًا ذات أهميةٍ قصوى وأولويةٍ.
حتى لو كانت تحتضرُ، لم تكن تلك الحقيقة لتتغير.
لذلك، لم تُخبر جولييت الرجل عن مرضها،
ولم تدعهُ يعود إلى غرفتها مرةً أخرى.
لم يكن مهمًا إن كان يسعى للحصول على معلوماتٍ حول مرضها من خلفِ ظهرها،
أو إن كان سيأتي على الفور إذا نادتهُ.
* * *
كانَ يومًا عاديًّا تمامًا.
في ذلك الوقتِ، كانت جولييت قد توقَّفت عن تغييرِ الأثاثِ.
بدلًا من ذلك، كانت قد تحوَّلت إلى نَزوةٍ جديدة.
كانَ ذلك بسبب طلباتِها المتكرِّرةِ لتبديلِ الكُتبِ دون إنهاءِ أيٍّ منها،
لذا كانت الخادمةُ التي تقرأُ لها تشعرُ بالإحراجِ.
لكنَّ جولييت لم تكن تقصِدُ إزعاجَ أحدٍ.
هي حقًّا لم تكن راضيةً عن أيِّ كتابٍ.
حاولت الخادماتُ تهدئتَها،
حيث تناوبَ عددٌ منهنَّ على القراءةِ،
وأحضَرْنَ لها الكُتبَ التي كانت تُحبُّها في العادةِ.
وعلى الرغمِ من كلِّ هذا الجهدِ،
لم تستطع جولييت إنهاءَ أيِّ كتابٍ.
في تلكَ الليلةِ، بسبب نَزوةٍ جديدةٍ لها،
اضطرَّت الخادمةُ إلى إحضارِ كتابٍ جديدٍ.
عندما قرأتِ الخادمةُ عنوانَ الكتابِ الثالثِ الذي جلبتْهُ
– وهو المفضَّلُ لجولييت بالمناسبةِ –
ظلت تراقبُ ردَّ فعلِ جولييت، أكتفتِ الأخيرةُ بإيماءةٍ بسيطةٍ.
لكنَّ الجميعَ كانوا يعلمونَ أنَّها لم تكن راضيةً حقًّا.
بدأتِ الخادمةُ تقرأُ بصوتٍ ناعمٍ:
“لقد كُتِبَ هذه الكتابةُ من قِبَلِي أنا أورغاس،
وأُهديه إلى يلين، ابنة السُّلالةِ العريقةِ.”
“عَينَاها مثل أوراقِ الصَّيفِ تجعلُ قلبي يَغلي بالشَّغفِ،
ويدُها النبيلةُ تُشعلُ النارَ تحت جلدي،
وأطرافُ قدميها اللطيفةُ تجعلُ الخضوعَ حلوًا، فكيف لا يكونُ ذلك مستحقًّا.”
“يا ابنةَ الملكِ الأبديِّ، يلين، نَفَسُكِ أغلى من السَّماءِ،
وحياتُكِ أثمنُ من الأرضِ،
ومن أجلِ أمنيَتِكِ الواحدةِ يضحِّي العديدُ من الشبابِ بأرواحهم،
ولكنني، أنا أورغاس، سأقولُ إنَّ قلبي هو الأثقلُ من بينهم جميعًا.”
“من أجلِكِ، لا أهابُ أرضَ الموتِ ولا نهرَ الحياةِ،
وحتى في مواجهةِ السُّمومِ النَّاتجةِ عن الخيانةِ والغدرِ، سأكونُ راضيًا.”
“هذا يكفي.”
هزَّت جولييت رأسَها. لم ترغبْ في الاستماعِ أكثرَ.
قصةُ البطلِ أورغاس كانت من القصصِ التي كانت تُحبُّ الاستماعَ إليها،
ولكن لسببٍ ما لم تكن تشعرُ بالرغبةِ في ذلك اليومِ.
بينما كانت تنظرُ إلى الخادمةِ التي أبعدتِ الكتابَ بناءً على رغبتِها المفاجئةِ،
فكَّرت جولييت حينها ‘من الغريبِ أنني كنتُ دائمًا أحبُّ هذا الكتابَ.’
كانت قصةُ أورغاس تتناولُ حبَّ البطلِ أورغاس
للأميرةِ يلين وماذا حصل نتيجةً لذلك.
في القصةِ، يقومُ أورغاس بالعديدِ من المغامراتِ من أجلِ يلين.
يَجلبُ لها الأحجارَ الكريمةَ التي ترغبُ فيها،
أو ينتقمُ من أعدائِها، أو يتركُها تتلاعبُ به لمجردِ نَزواتِها.
كان أورغاس يُحبُّ يلين بصدقٍ،
ولكن للأسفِ، لم تكن يلين ترغبُ في حبِّه.
في الواقعِ، لم تكن ترغبُ في حبِّ أيِّ أحدٍ.
ولكن الرجالَ لم يقبلوا رفضَها بشكلٍ جيدٍ، وأورغاس لم يكن استثناءً.
لذلك، كما فعلت مع العديدِ من الخُطَّابِ الآخرين،
وضعتْ يلين أورغاس في مواقفَ خطيرةٍ.
كانت تقولُ له أن يقومَ بأشياءَ مستحيلةٍ،
وتعده بأنَّها ستمنحُه حبَّها إذا نفَّذها.
بهذه الطريقةِ، كانت تتخلَّصُ من الخُطَّابِ السابقين.
لكن على عكسِ الرجالِ الذين ماتوا أو تخلوا عنها،
أكمل أورغاس جميعَ المهامِّ التي طلبتْها يلين. ومع ذلك،
عندما قدَّمتْ له الأميرةُ الكأسَ، لم تكن تريدُ أن تمنحَه قلبَها.
رغمَ أنه كان يعلم أن الكأسَ يحتوي على السُّمِّ،
إلا أن أورغاس شربَه. هكذا انتهت القصةُ.
لقد أنتهت هكذا لأنَّ البطلَ الذي كان يروي الحكايةَ قد مات.
على الرغم من أنَّ النهايةَ التراجيديةَ لم تكن على ذوقِها،
إلا أن جولييت كانت تحبُّ قصةَ أورغاس.
ربما لأنَّ ديرين قرأها لها عدةَ مراتٍ بجوار سريرِها عندما كانت طفلةً صغيرةً.
ويعود السبب لأنَّ يلين كانت أميرةً مثلها،
كان ديريان يقرأ لها قصةَ أورغاس كثيرًا.
وأحيانًا كان يُضيفُ بعضَ النصائحِ التي لا داعيَ لها.
“إذا تقدَّمَ لكِ رجلٌ لا ترغبينَ فيه، تخلَّصي منهُ مثل يلين.”
في ذلك الوقتِ، كانت تلك النصيحةُ سابقةً لأوانِها بالنسبةِ لها،
لكن نبرةَ ديريان كانت جادّةً، وكانت جديتُه تُضحك جولييت.
“لكن يا أخي، ماذا لو ظهر شخصٌ مثل أورغاس؟”
“إذا ظهر، أعطِه السُّمَّ أيضًا.”
“كيف يمكنني فعلُ ذلك؟ لقد نفَّذ كلَّ ما طُلِبَ منه.”
“من هو بهذا القدر من الغباءِ يستحقُّ الموتَ بهذه الطريقةِ.”
“وإذا لم تستطيعي فعلَ ذلك، سأقوم بذلك بنفسي.
أنا لا أحتاج حتى إلى السُّمِّ.”
قال ديريان وهو يُغطي جولييت بالبطانيةِ.
بالطبع، كانت تلكَ مزحةً.
كان ديريان غالبًا ما يمزح مع شقيقتِه الصغرى هكذا.
تثاءبت جولييت حينها ودفنتْ جسدَها في البطانيةِ.
“لا عليكَ، لا تقم بقتله. أريد أن أتزوج.”