لأجلِ جولييت الجميلة - 3
‘لقد كنت أعرف أن هذا سيحدث…..’
عضت جولييت شفتها السفلى. لقد أدركت هذا بالفعل.
بالطبع ما الذي سيعرفه؟ زوجها الحالي لم يكن يستطيع حتى أن يخمن ما كانت تتحدث عنه.
ورغم معرفتها بذلك، فقد أثارت هذه الفوضى. كان كل ذلك بسبب القلق.
منذ أن استيقظت في الفجر المبكر، ووجدت السجادة الحمراء المألوفة والمختلفة قليلاً،
بدأ قلب جولييت يخفق بسرعة.
لم ترى مثل هذا السقف منذ وفاة ذلك الرجل.
وعندما أدركت ذلك، اجتاحها قلقٌ مرعب. كان ذلك شعوراً لم تشعر به من قبل في حياتها.
كان الأمر كما لو أن هذا القلق كان حيًا و يضرب قلبها بلا توقف.
لذلك، فعلت جولييت كما أمرها قلقها وركضت.
نزلت الدرج بسرعة، وعبرت الحديقة بدون تفكير، وركضت عبر الممرات.
لم تركض في حياتها بهذه السرعة إلا نادراً. خاصة بعد أن أصبحت بالغة،
كان يمكن القول إنها لم تفعل ذلك أبداً.
لهذا السبب، عندما وصلت أخيراً أمام باب ذلك الرجل،
شعرت بدوار وكانت تشعر بألمٍ شديد في صدرها.
اقترب بعض الناس منها وهي تتوقف لالتقاط أنفاسها. كانوا فرساناً وخادمات.
حاولوا إيقافها عن التصرف دون تفكير، لكنهم لم يجرؤوا على لمسها أو إيقافها تماماً.
ربما لأنهم كانوا يعرفون مكانتها العالية وأيضًا لأن سيدهم كان يحترمها كثيرًا.
أبعدت جولييت بيدها من كانوا يحاولون مساعدتها.
كان لديها أمر تريد القيام به فوراً و حتى الأنتهاء منه، لم تكن تهتم بما يحدث.
رفعت جولييت رأسها بهذا التفكير.
في تلك اللحظة، فُتِحَ الباب.
ربما بسبب الضجة، كانت تعلم أنها أثارت فوضى كبيرة منذ الصباح.
لقد خرجت من غرفة النوم بدون أن ترتدي شيئاً فوق ملابسها،
ووصلت إلى غرفة نوم شخصٍ آخر دون أن تعطي أي إشعار.
كان من الصعب على الرجل الذي يتمتع بسمع دقيق وحواس حادة أن يتجاهل هذا الموقف.
على الرغم من أنها كانت متأخرة بالفعل،
إلا أنها كانت بحاجة إلى التصرف بحذر للحفاظ على بعض الكرامة.
لكن جولييت لم تستطع فعل ذلك.
ففي اللحظة التي فُتِحَ فيه الباب وظهر الرجل،
لم تستطع منع نفسها من مسح دموعها التي بدأت تفيض.
كان هذا لأن الرجلُ أمامها حيٌّ يرزق، لذلك كان هناك سبب لذلك.
بالطبع، كان وجهه الوسيم يظهر عليه التعب،
وكان مظهره المعتاد المرتب غير موجود، لكنه كان حيًا بالتأكيد.
بعد أن أدركت هذا الواقع، لم تستطع أن تبقى هادئة.
لذلك، احتضنت جولييت جسمه الضخم الذي كان ضعف حجمها وبدأت بالبكاء.
لم يعد يهمها الحفاظ على كرامة الأميرة أو هيبتها الملكية.
بدلاً من ذلك، قامت بلكم صدره بقبضتيها وبكت وأظهرت غضبها.
على الرغم من أن ما خططت لقوله إذا رأتهُ مرةً أخرى لم يكن هكذا،
لكنها فعلت ذلك على أيَّةِ حال.
ربما لهذا السبب، تحدثت دون وعي عن ماضٍ لم يكن موجودًا.
” هل تعرف؟ أنا، آه!، لم أطلب أبدًا شيئًا مثل هذا. لم أطلب منكَ أن تفعل ذلك!”
“لذا لا تفعل ذلك أبدًا مرة أخرى.”
بعد أن قالت ذلك، شعرت جولييت فوراً بالندم.
ربما لم يفهم حتى نصف ما قالت.
فإن وفاتهُ في هذه المرحلة، كانت مجرد مستقبل لم يتحقق بعد.
قرارُ جولييت لتصحيح كل الجروح، اللوم، الصمت،
وسوء الفهم بالطبع جاء بعد مرور فترة طويلة من الزمن من هذا الوقت.
لكن الرجل أمامها لم يسألها عن أيِّ شيء.
“أعدُّكِ.”
بدلاً من ذلك، وافق على فعل ما طلبته بسهولة.
جولييت كانت مذهولة من جوابه الطائع.
سألت وهي تومض بعينيها:
“هل تعرف حتى ما الذي أقصده؟”
ثم ظل الرجل صامتاً للحظة، وإحمَّرَ وجهه وقال: “لا أعرف.”
كان ردَّهُ الصريح والبسيط لدرجة أنه لولا احمَّرار وجنتيه وهروبه من نظرتها،
لكانت شعرت بالإحباط أو ربما حتى غضبت من هذه الإجابة.
ولكن الآن، كل ما أستطاعت فعله هو التنهد.
في الماضي، كانت ستعتقد أنه يحاول خداعها.
و ربما كانت ستظن أنه يحاول أن يخفي الحقيقة ويغطي عينيها بالكذب.
لكن الآن، أدركت أنه لم يكن يكذب.
في الماضي، لم تكن جولييت تعرف ذلك.
كانت كلمات الرجل دائمًا تبدو لها كأنها مجاملات زائفة.
كانت تشعر أنه كان يحاول فقط إرضائها حتى لا تغضب.
لذلك، لم تصدق جولييت أي شيء يقوله.
لكن عندما تخلت عن كل التحيزات ونظرت في عينيه الزرقاوتين، لم ترى أيَّ كذب.
فجأةً، جاءتها هذه الفكرة:’ربما كان هكذا منذ البداية…’
لذلك، بدلاً من مهاجمته، احتضنته مرة أخرى.
“لم أكن أعلم أنك هكذا…، لذلك…”
“جـ… جولييت؟”
“أنا آسفة، حقًا آسفة…”
“لن أفعل ذلك مرة أخرى، حقًا…”
ولكن الكلمات الأخيرة لم تصل إليه ففي تلك اللحظة، أستسلم جسدها الواهن وفقدت وعيها.
****
أول ما شعرت به جولييت كان صداعًا مروعًا.
جعدت جبينها بسبب الألم في جبهتها. كانت تشعر بألم حول عينيها، وكان حلقها يؤلمها.
كان وجهها ملتهبًا وجسمها كله يؤلم. كانت تعرف هذا الشعور جيدًا.
ربما كانت نزلة برد أو حمى و كان من الممكن أن تكون كلتا الحالتين.
أنتظرت حتى يهدأ الألم قليلاً، ثم فتحت عينيها ببطء.
أول ما رأته كان سريراً لم تره من قبل.
رأت جولييت سجادة بلون غير مألوف أيضاً، فبدأت ترمش بعينيها.
كانت تعتقد أن لون سجادتها كان أخضرًا داكنًا وليس أزرقًا.
لكن هذا لم يكن الشيء الغريب الوحيد.
كانت النقوش المطرزة على الفراش وملمسه مختلفاً بشكل طفيف عما كانت تعرفه.
أدركت جولييت أن هذا المكان كان غريبًا، فسحبت الجرس بجانب سريرها.
دخلت حينها خادمةٌ حصلت عليها من الدوقية.
“هل ناديتني يا سيدتي؟”
“أعطِني كوبَ ماء.”
أنحنت الخادمة بخفة وهي تساعدها بلطف على النهوض.
وضعت الخادمة وسادة خلف ظهر جولييت وأعطتها كوبًا من الماء،
فسألت جولييت: “أين نحن؟”
“هذه غرفة السيد.”
“ماذا؟”
قالت الخادمة مجددًا بعدما أخذت الكأس من يدها.
“هذه غرفة السيد، سيدتي.”
“لماذا أنا في غرفة هذا الشخص…؟”
ثم تذكرت كيف كانت تتمسك بالرجل وتبكي حتى النهاية.
شعرت جولييت بالصدمة وأخذت نفسًا عميقًا.
‘يا إلهي، هل أُغمي عليّ في وسط هذا….’
رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي تفقد فيها الوعي،
إلا أنها كانت المرة الأولى التي يحدث ذلك أمام ذلك الرجل.
شعرت بالارتباك ومررت يدها على وجهها.
“لكم من الوقت أغميَّ عليَّ؟”
“حوالي ثلاث أو أربع ساعات.”
حسناً لم يكن وقتًا طويلًا، ولكن لو أنها احتلت غرفة شخص آخر بدون إذن، فالأمر مختلف.
شعرت جولييت بالخجل وأغمضت عينيها.
“يجب أن أعود إلى الملحق. استعدي لذلك.”
لكن الخادمة توقفت للحظة قبل أن تتحرك وأخرجت كلامًا غير متوقع.
“سيدتي، في الواقع السيد ترك رسالة.”
“ما هي؟”
“قالَ إن عليكِ البقاء هنا اليوم مهما كان الأمر مزعجًا،
وأنه لا ينبغي لكِ التحرك فورًا حفاظًا على صحتكِ. وفي الحقيقة، الطبيب زاركِ منذ قليل.”
قامت الخادمة بتحريك عينيها في محاولة لفهم مشاعر جولييت.
“كما قال إن السيد سيكون في مكانٍ آخر، لذلك لا داعي للقلق من مواجهته.”
أضافت الخادمة هذه الكلمات وهي تراقب رد فعل جولييت،
وكأنها كانت تخشى أن تكون جولييت قد شعرت بالإهانة.
عادةً، كانت جولييت سترفض وتعبس وجهها على الفور، لذا كان هذا الأمر متوقعًا.
بالطبع، لم تعد جولييت تفكر في التصرف بعناد،
لكنها لم تكن ترغب في البقاء في غرفة شخص آخر.
في النهاية، ربما كان من الأفضل أن ترى وجهه وتقول شيئًا.
فكرت جولييت بعقل مشوش وقالت في النهاية: “أذهبي وأخبري الدوق إن كان بإمكانه الحضور الآن.”
* * *
نظر إينوك إلى الباب الذي بدأَ يُفتَح ببطء وأخذَ نفسًا عميقًا.
كان البابُ المصنوع من خشب الأبنوس مألوفًا له.
كان يدخل ويخرج من هذه الغرفة كل يوم، لذا كان طبيعيًا أن يعرفه.
لكن الشخص الذي سيكون خلف الباب لم يكن مألوفًا له على الإطلاق.
كان إينوك يرغب بشدة في الصراخ: “توقف، أنتظر لحظة لا أريد الدخول الآن!”
لكن بالطبع، كان هذا كلامًا غير منطقي. من يجرؤ على أن يجعل ذلك الشخص ينتظر؟
الشخص الذي كان خلف ذلك الباب لم يكن أي شخص آخر سوى جولييت.
زوجته النبيلة والبريئة. المرأة التي لا يمكن التنبؤ بها أكثر من أي خيانة أو هجوم.
رغم أنه أستسلم منذ وقت طويل لفهم مشاعرها،
إلا أن إينوك كان لا يزال يتفاجأ بتصرفات جولييت.
هل ستكون غاضبةً هذه المرة؟ حاول أن لا يركز على مشهد الغرفة ويفكر فقط.
‘لابد أنها غاضبةٌ جدًا….’
وكان محقًا في ذلك، فقد تذكر أين وضعها لتنام.
عند التفكير في جولييت التي لابد أنها استاءت فور استيقاظها
لِمعرفتها للمكان الذي كانت فيه، أراد أن يعض لسانه.
حتى وإن كان مضطربًا، لماذا أختار غرفته؟
لكن لم يكن هناك مكانٌ آخر قريب ودافئ ومناسبٌ لها غير هذه الغرفة.
كانت الغُرف الأخرى إما باردةً جدًا أو بعيدةً أو متواضعة جدًا.
على الأقل، الغرف التي كانت تخطر بباله في ذلك الوقت.
‘لم أكن أقصد ذلك حقًا….!’
حسنًا إذا أُعطيَّ فرصةً ما للدفاع عن نفسه فكان إينوك يخطط للدفاع عن نفسه بهذه الكلمات :”بصدق، لم أجد مكانًا أفضل من هذا.”
ثم ستتجهم جولييت بلا شك. وربما ستجعد وجهها وتدير رأسها بعيدًا.
عند تخيل هذا، أراد إينوك أن يخنق نفسه و يموت لما فعله في الصباح.
‘يا لكَ من أحمق، كان يجب عليك أن تجد مكانًا آخر مهما كان..!’
لكن مهما حدث، كان عليه أن يرد على نداءها أولاً ثم يفكر بالموت.
دخل إينوك الغرفة بهدوءٍ قدرَ المستطاع.
“سمعتُ أنكِ أستدعيتني.”