كنتُ الحب الغير متبادل للبطل - 003
نظرًا إلى أنَّ حوارات أرييلسا في الرواية الأصليَّة لم تتجاوز العبارة: “يا دوق، تفضَّل الشاي”، لم أكن أعرف الكثير عن أسلوب حديثها أو تصرُّفاتها اليوميَّة.
لذلك، لم يكن أمامي خيارٌ سوى الاعتماد على عذر “التداعيات الناتجة عن السقوط من السُّلم”.
حاولتُ تقليل الوقت الذي أقضيه مع جورج قدر الإمكان.
“أبي، أشعر بالنعاس.”
“حسنًا، نامي جيدًا.”
“آه!”
ضربني جورج بخفَّة على جبهتي بإصبعه، ثم حرص على إحكام أطراف غطائي كي لا يتسلَّل الهواء البارد، وغادر الغرفة.
أخذتُ نفسًا عميقًا، لكنَّ قلبي ظلَّ ينبض بشدَّة.
كان عليَّ أن أعيش من الآن فصاعدًا متظاهرةً أنني شخصٌ آخر، وسط هذه العلاقات والمشاعر التي لم تُوصَف بالكامل في العمل الأصلي.
معرفة أنَّ هذا الشخص الطيب، الذي يُعاملني بلطفٍ شديد، سيموت بطريقةٍ مأساويَّة كانت فكرةً مزعجة وغير مريحة للغاية.
نعم، كنتُ أعلم كيف سيموت جورج لوكمان في بداية القصَّة الأصليَّة، كما كنتُ أعلم بالمصير الذي ينتظر الدوق كايرون.
كان من المُقرَّر أن تقع العديد من الأحداث في هذا القصر، وكنتُ الوحيدة في هذا العالم التي تعرف عنها.
ربما كنتُ شخصًا أكثر أهمية وفائدة هنا ممَّا كنتُ عليه في حياتي السابقة.
إدراك ذلك جلب شعورًا بالخوف العميق الذي كان يضرب صدري، خوفًا ممتزجًا بقليلٍ من الإثارة.
رتَّبت غطائي وأغمضتُ عيني. أردتُ أن أنام بسرعةٍ لأستيقظ غدًا ببشرةٍ مثاليَّة لمقابلة البطل.
❄❅❄
“الموضة الشماليَّة، لا تُعجبني.”
في وقتٍ مبكرٍ من الصباح، فتحتُ باب خزانة الملابس على مِصراعَيه، ولم أجد سوى تنهداتٍ تخرج مني.
كانت الخزانة تحتوي على عدَّة فساتين مصنوعة من قماشٍ صوفيٍّ خشن. تلك الملابس كانت سميكةً وتبدو دافئةً، لكنها جميعها ذات ألوانٍ داكنةٍ وكئيبة. أمَّا التصاميم، فكانت بسيطةً للغاية، وكأنَّ جميع الفساتين نُسَخٌ مكرَّرة من بعضها البعض.
بالنظر إلى أنَّ جورج يتمتَّع بمكانةٍ مرموقةٍ في هذا القصر، بدا لي أنَّ هذه الأزياء تعكس ذوق أرييلسا الشخصي.
لم يقتصر الأمر على كونها شخصيةً جانبيَّةً خجولةً وصامتةً فحسب، بل حتَّى ذوقها في الموضة كان على هذه الشاكلة.
“ذوقها يُشبه ذوق رئيسٍ تنفيذيٍّ في سيليكون فالي¹.”
[الشرح¹: سيليكون فالي (Silicon Valley) منطقةٌ في شمال كاليفورنيا، تُعدُّ مركزًا عالميًّا للتكنولوجيا والابتكار. تضمُّ مقرات شركاتٍ كبرى مثل أبل (Apple) وغوغل (Google)، وتشهد نشاطًا كبيرًا للشركات الناشئة وصناديق الاستثمار. سُمِّيت بذلك نسبةً إلى السيليكون المستخدم في صناعة أشباه الموصلات، وهو رمزٌ للتقدُّم التقني وريادة الأعمال.]
وأنا ألوم ذوق أرييلسا في الملابس، جلستُ على الأرض أمام الخزانة لفترةٍ طويلة.
لكن، بما أنَّ الجلوس هناك لن يُغيِّر شيئًا، ارتديتُ فستانًا آخر يُشبه تمامًا ما ارتديتُه بالأمس، وذهبتُ لأداء عملي.
كان الدوق كايرون جالسًا في مكتبه، في وضعٍ مستقيمٍ كما كان بالأمس، يُراجع السجلات بتركيز.
“صباح الخير، يا دوق.”
ألقيتُ التحيَّة بأدبٍ شديد، مُحاكيةً أسلوب أرييلسا الذي تخيَّلتُه.
أن تُلقي التحيَّة بأدبٍ شديدٍ على شخصٍ يشعُّ هالةً من الجمال الهادئ كان أمرًا أسهل ممَّا توقَّعت. فكَّرتُ وكأنني أقف أمام بوذا في معبد.
لكنَّ كايرون لم يُكلِّف نفسه عناء النظر إليَّ، وقال بصوتٍ حاد:
“سمعتُ أنَّكِ سقطتِ من شجرةٍ بالأمس؟ عودي. يبدو أنَّ تشايرس كان غير مُبالٍ.”
تفاجأتُ لأنَّه تحدَّث إليَّ فجأة.
“لا، ليس الأمر كذلك… حسنًا، ربما قليلًا… لكن…”
بالقول إنَّني “سقطتِ من شجرة”، جعلني أبدو وكأنني تلك الحمقاء في الحيِّ التي سقطت من شجرة كاكي عندما كنتُ صغيرة. في الواقع، كنتُ قد سقطتُ من سُلَّم.
صحيحٌ أنَّني لم أسقط من شجرة، لكنَّ إهمال تشايرس كان حقيقة. أن تطلب من شخصٍ تعرَّض لحادثٍ أن يعود للعمل فورًا كان أمرًا قاسيًا للغاية.
لكن، بسبب تردُّدي ومحاولتي تصحيح الموقف، انتهى بي الأمر وكأنني أؤكِّد أنني بالفعل شخصٌ أحمقٌ سقط من شجرة.
بينما كنتُ أُحدِّق في الدوق، الذي كان مُحاطًا بهالةٍ هادئة، قلتُ بغباء:
“لا بأس.”
كان مكتبه مليئًا بكتبٍ ضخمةٍ مُغلَّفةٍ بالجلد. ومن تعابير وجهه المقطَّبة قليلًا، بدا أنَّه يُواجه مشكلةً ما.
الهالة الهادئة التي أحاطت به كبطل الرواية، مع جبينه المقطَّب قليلًا نتيجة التفكير العميق، أضافت إلى مظهره الوسيم طابعًا مأساويًّا جذَّابًا.
[وُصِفَ الدوق كايرون في الرواية الأصلية بأنَّه غير مُبالٍ بما حوله. كان هذا الوصف صحيحًا جزئيًّا وخاطئًا جزئيًّا.
فقد كان يتجاهل تمامًا ما لا يراه ذا قيمة، لكنه كان يُركِّز بشكلٍ مُفرطٍ على كلِّ ما يعتبره ذا معنى.]
أدركتُ أنَّ هذا هو كايرون الذي وصفته الرواية.
لكنَّ الشعور الذي ينتابك وأنت تتخيَّل شيئًا من خلال الكلمات لا يُقارَن بما تشعر به عندما تراه ماثلًا أمامك بكلِّ تفاصيله.
كان الأمر أشبه بأن تُشاهِد مقطع فيديو منخفض الجودة عبر هاتفك، ثمَّ يأخذ أحدهم الهاتف منك ليضع أمامك شاشة فائقة الوضوح بحجم 80 بوصة.
كان قلبي يخفق بسرعةٍ، ولم أشعر بأيِّ انزعاجٍ تجاه بروده.
هذا هو الرجل الذي يُسيطر على الشمال، الدوق كايرون، الرجل الذي لا يُضاهيه أحدٌ في هذا العالم في الجمال والقوة.
رغم شخصيَّته الباردة والقاسية، كان هو الرجل الذي يمكن أن يجوب العالم من أجل امرأةٍ واحدة.
مجرَّد رؤيته أمامي كان كافيًا لإشعال مشاعري.
حاولتُ جاهدًا كبت هذا الشعور المُتأجِّج داخلي، لكنَّني شعرتُ أنني مُحاطةٌ تمامًا بهالته الجذَّابة.
في الحقيقة، كنتُ قد وقعتُ في حبِّه بالفعل. لقد كنتُ من محبِّي رواية الصحراء الثلجية لدرجة أنني سهرتُ حتى الفجر لإنهائها، على الرغم من أنَّ لديَّ محاضرة صباحيَّة في اليوم التالي.
تساءلت: لو كنتُ قد نمتُ جيدًا في تلك الليلة، هل كنتُ سأتمكَّن من تفادي السيارة التي تجاوزت خط السير واصطدمت بي؟
هززتُ رأسي لأطرد الأفكار الكئيبة وركَّزتُ انتباهي على الدوق كايرون.
لم يبدُ أنَّه كان ينوي توبيخي على مغادرتي غير اللائقة بالأمس. كنتُ أعلم أنَّ السبب ليس أنَّه تفهَّم موقفي، بل لأنَّني لم أكن ذات أهميَّة بالنسبة له.
على الرغم من أنَّ هذا الأمر كان مُحبطًا قليلًا، إلَّا أنَّني كنتُ منشغلة بجماله لدرجة أنني لم أستطع الشعور بالإحباط.
بينما كان يُقلِّب المستندات أمامه، قال بحدَّة:
“الشاي.”
يا إلهي، نسيتُ. أرييلسا كانت في الرواية الأصليَّة مسؤولةً بشكلٍ أساسيٍّ عن تحضير الشاي والحلويات!
“نعم، يا دوق!”
نبض قلبي بسرعة.
كان صوته الحاد وهو يطلب الشاي بشكلٍ جافٍّ وباردٍ كافيًا ليجعلني أشعر بالارتباك.
هل يمكن أن أكون شخصًا غريب الأطوار دون أن أدرك ذلك؟
بوجهٍ متورِّد قليلًا، توجَّهتُ بحذر نحو الطاولة حيث كانت زجاجات الكحول وأدوات الشاي مُصطفَّة.
كانت زجاجات الكحول مختلفةً تمامًا عمَّا اعتدتُ رؤيته، بأشكالٍ وأحجامٍ متنوعة، مصنوعةٍ من زجاجٍ سميكٍ ومعتم.
لكنَّ الألوان البراقة التي انعكست من داخلها كانت فاتنةً وجميلةً بشكلٍ مُذهل.
تأمَّلتُ تلك التفاصيل وتذكَّرتُ مرَّةً أخرى أنَّني الآن داخل عالم الصحراء الثلجية.
مددتُ يدي نحو صندوق الشاي الفاخر المحفور عليه نقوشٌ دقيقة. مرَّرتُ أصابعي عليه ببطء، ثم أغمضتُ عيني وأخذتُ نفسًا عميقًا.
“إذا كان هذا العالم هو حقًّا رواية الصحراء الثلجيَّة…”
ثم خطوتُ إلى الخارج بثقة. شعرتُ بنظرات الدوق الحادَّة تُلاحقني، وكأنَّها تخترق مؤخرة رأسي مجدَّدًا.
عندما عدتُ بعد فترةٍ وجيزة، لم يُكلِّف الدوق كايرون نفسه عناء التظاهر بالاهتمام أو الالتفات إليَّ.
لكنَّني أدركتُ أنَّه كان غاضبًا قليلًا. فقد كان من النوع الذي يلتزم الصمت أوَّلًا عندما يغضب.
لم يكن الخطأ الذي ارتكبتُه في أول يوم عمل لي بسيطًا. ومع ذلك، كنتُ على يقينٍ أنَّني أخوض رهانًا رابحًا.
بأقصى درجات التهذيب، حملتُ فنجان الشاي واقتربتُ من الدوق كايرون، محاوِلةً التركيز بقدر الإمكان حتى لا أفقد توازني أمام هالته التي كانت تشعُّ جمالًا غاضبًا.
وضعتُ فنجان الشاي، الذي كان يتصاعد منه البخار الدافئ، على مكتبه. عندها رفع الدوق كايرون عينيه لينظر إليَّ مباشرةً.
ابتلعتُ ريقي بصعوبة.
“ما الذي تفعلينه؟”
بعدما هربت الخادمة بالأمس بمجرد أن نظرت إلى سيِّدها، واليوم اختفت بعدما طُلِب منها إحضار الشاي، لم يكن بإمكانه تجاهل الأمر هذه المرة.
لكنَّني ابتسمتُ بأوسع ما أستطيع وقلت:
“شاي القرفة، يا دوق. تفضَّل.”
جلس كايرون منتصبًا على كرسيه وأطلق زفرةً قصيرة. بدا أنَّه يبذل جهدًا كبيرًا لضبط أعصابه كي لا ينفجر في وجهي، على الرغم من أنَّ ذلك الجهد لم يكن كبيرًا.
“قرفة؟”
سعلتُ قليلًا لتنقية صوتي ثم أجبت:
“في الواقع، عندما سقطتُ بالأمس من السُّلم، كنتُ أحاول إعداد فطيرة التفاح لك، يا دوق.”
لم أصدِّق أنَّني قلت كلمة “يا دوق” بصوتٍ عالٍ! شعرتُ بارتباكٍ شديدٍ لدرجة أنَّني أغلقتُ فمي فورًا.
كنتُ أريد التأكيد على أنَّني سقطتُ من سُلَّم وليس من شجرة، لكنَّني ندمتُ على الفور، خشية أن يبدو ذلك وكأنَّني أُلقي اللوم عليه.
التفت كايرون بجسده كاملاً نحوي وهو ينظر إليَّ بنظراتٍ حادَّة.
“وماذا بعد؟”
كانت عيناه تقولان بوضوح:
“إذاً؟ هل تُحاولين إلقاء خطئكِ على عاتقي؟”
ابتسمتُ مجدَّدًا وأجبت:
“لكنَّني أظنُّ أنَّك لا تُحبُّ فطيرة التفاح.”
ردَّ ببطء، مقطعًا كلماته بشكلٍ واضح كما لو كان يتحقَّق من كلامي:
“أنا… لا أُحبُّ… فطيرة التفاح؟”
على الرغم من معرفتي بأنَّه غاضب، لم أستطع منع نفسي من الشعور بالسعادة.
كان هذا الرجل، الأقوى والأجمل في هذا العالم، يُركِّز اهتمامه بالكامل عليَّ الآن. شعرتُ أنَّ قلبي ينبض بقوَّة، وكأنَّ هناك دغدغة لطيفة في أعماق صدري.
شعرتُ وكأنَّ هذا يُشبه حالة أحد المعجبين عندما يوبِّخه نجمهم المُفضَّل، لكن بدلًا من الشعور بالانزعاج، يجدون الأمر مثيرًا بشكلٍ غريب.
مع ذلك، عندما سمعتُ صوته وقد تخلَّى عن محاولة كبح غضبه، عدتُ إلى رشدي على الفور.
“هل تقصدين أنني لا أعرف ما أُحبُّ، بينما تعرفين أنتِ ذلك، يا أرييلسا؟”
أجبتُ بسرعة:
“بالطبع لا، يا دوق. كلُّ ما في الأمر أنَّني لاحظتُ أنَّك تستمتع برائحة القرفة الموجودة في فطيرة التفاح أكثر من الفطيرة نفسها. أنت لا تُحبُّ الحلويات بشكلٍ عام، أليس كذلك؟ جرِّبها من فضلك…”
لم أستطع كتم ضحكتي، فبدأتُ بالابتسام أكثر. كنتُ أشعر بالحماس، بل وحتى بالاعتزاز.
‘إذن هكذا يكون الشعور عندما تعرف شيئًا لا يعرفه الآخرون!’
وفقًا للرواية الأصليَّة، كان الدوق كايرون سيخسر قصره في هارفل بسبب مؤامرات الإمبراطور، وينتهي به المطاف في جنوب البلاد كضيفٍ على أحد النبلاء، الذي يكون والد البطلة. خلال تلك الفترة، وبينما يُحاول التكيُّف مع العادات الجديدة والمأكولات المختلفة، سيكتشف أنَّه يُحبُّ القرفة، بل وسيلاحظ أنَّ استمتاعه بفطيرة التفاح كان بسبب رشَّة القرفة الخفيفة عليها.
ما فعلتُه الآن هو تسريع تلك اللحظة، لا أكثر.
خلال يومٍ واحدٍ فقط في هذا الجسد، أدركتُ شيئًا: إذا ركَّزتُ بما فيه الكفاية، يمكنني استرجاع ذكريات أرييلسا. لم تكن دائمًا واضحة تمامًا، لكنها كانت تتعلَّق غالبًا بالمواقف التي أعيشها. ولهذا استطعتُ العثور على مسحوق القرفة في المطبخ.
كان الدوق كايرون، الذي كان يُحدِّق بي طوال الوقت، يُضيِّق عين
يه قليلًا قبل أن يرفع فنجان الشاي ببطء.
بعد أن استنشق الرائحة بحذر، أخذ رشفةً صغيرة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
الفصل إحدى طلبات الفعالية
ترجمة : اوهانا
انستا : Ohan.a505
الواتباد : Ohan__a505