عندما أصبحت ابنة الدوق الشرير - 2
__ الفصل الثاني __
لم يكنَ الأمرُ سوى أنني لم أتمكنْ من إحضارِ الماءِ في الفجرِ، كما أمرت السيدةُ مالون، حتى تتمكنَ من شربِ الماءِ الباردِ حالما تستيقظُ، لأنني كنتُ نائمةً.
في ذلك الوقتِ، كنتُ لا أزالُ في التاسعةِ
من عمري، وهو سنٌّ صغيرٌ للغاية.
وعلاوةً على ذلك، كنتُ أُرهَقُ من العملِ الشاقِّ، فما أن يلمسَ رأسي الأرضَ حتى أَغفو.
بالنسبةِ لي، كان الاستيقاظُ في الفجرِ للقيامِ
بمثلِ هذا العملِ أمرًا صعبًا للغاية.
كان هذا كلَّ شيءٍ.
“حتى وإنْ تحدثتُ، فأنتِ لن تفهمي.”
“…”
“عليكِ أن تدركي أنهُ إذا أخطأتِ، فإن الشخصَ الذي يهمكِ سيُصابُ بأذى، وهذا كي تحسني عملكِ في المرة القادمة.”
قالت السيدةُ مالون ذلك بينما كانت ماري، أختي
الكبرى، وأنا، واقفتينِ أمامها.
“آني، أنا لا أُظهرُ الحنانَ دونَ سببٍ. لذا…”
“…”
“إن الطريقةَ الفعّالةَ لتحريكِ أشخاصٍ
مثلكِ هي استخدامُ الشعورِ بالذنبِ.”
في ذلك الوقتِ، لم أكن أدركُ لماذا استدعتْ
أختي ماري بسببِ خطئي.
إلى أن قامت السيدةُ مالون بالإساءةِ إليها أمامي.
حتى اللحظةِ التي بدت وكأنها لن تنتهيَ
أبدًا، انتهت في النهاية.
اقتربت السيدةُ مالون مني وأنا
أُسنِدُ جسدَ ماري المتداعي.
“تذكري هذا، آني. إذا ارتكبتِ خطأً، فإن ماري
هي من ستتلقى العقوبةَ بدلاً منكِ.”
كان وجهها، الذي تظاهرتْ فيه باللطفِ، مرعبًا للغاية.
لحسنِ الحظ، لم تمتْ ماري.
بل إنها حتى طمأنتني حين رأتني أبكي أمامها، قائلةً إن كلَّ شيءٍ سيكونُ بخيرٍ.
على الرغمِ من أنني، بعد رؤيتي لكل ما حدث، لم أشعرْ بأن أيَّ شيءٍ كان بخيرًا.
تلك التجربةُ التي تركت بصمتَها في نفسي وأنا
طفلةٌ، جعلتني عبدةً مطيعةً للسيدةِ مالون.
فقد أصبحت خادمةً عندها، أنفذ كلَّ ما تأمرني به.
سواء كان ذلك أعمالَ التنظيفِ، أو التلاعبَ بالسجلاتِ، أو حتى القيامَ بأمورٍ سريةٍ لإلحاقِ الأذى بالآخرين.
لكن المشكلةَ كانت أنني، رغمَ كلِّ جهودي، كنتُ أرتكبُ الأخطاءَ أحيانًا.
فبعضُ الأمورِ كانت مستحيلةً عليَّ.
كان زوجُ الفيكونتيسة مالون، الفيكونت مالون، مسؤولًا عن إدارةِ السوقِ السوداءِ بصفته وكيلًا عن والدِ زوجته، الكونت سينت.
وكانت السيدةُ مالون تؤيدُ السوقَ السوداءَ، مما
جعلني أنا أيضًا متورطةً في هذا الأمر.
لكن، لم يكن دوري سوى أن أراقبَ ما تقوم به
السيدةُ مالون أو أستقبلَ الضيوفَ…
“تظاهري بأنكِ لم تري شيئًا، أرجوكِ!”
في بعض الأحيان، كنتُ أواجهُ الأطفالَ
الذين كانوا يحاولونَ الهروبَ.
لو كان الطفلُ غريبًا عليَّ، ربما كنتُ
سأخبرُ السيدةَ مالون بهروبهِ.
لكن، ذلك الطفلَ كان أحدَ زملائي في دارِ الأيتامِ.
كانت استغاثتُهُ مُفعمةً باليأسِ، ولم أستطع أن أُوقفهُ.
ومع ذلك، تم القبضُ عليه من قِبَلِ الحارس
الذي جاء من الجهةِ الأخرى.
لم يترددِ الحارس في إبلاغِ السيدةِ مالون بما فعلتُه.
حينها استدعتني السيدةُ مالون أنا وأختي
ماري، وسألتني بابتسامةٍ:
“آني، سمعتُ أنكِ تظاهرتِ بأنكِ لم تري ذلك الطفلَ.”
“لا، لستُ، لستُ، أرجوكِ، أرجوكِ…”
لم أكن أدركُ كيف كنتُ أتحدثُ حينها، لكنني
كنتُ أتوسلُ إليها بجهدٍ كبيرٍ.
حتى أخبرتها أنني مخطئةٌ.
“لقد أخبرتكِ سابقًا، إن أخطأتِ، ستتضررُ
ماري بدلاً منكِ.”
لكن السيدةَ مالون كانت صارمةً.
وكانت نتيجةُ تصرفي الناتجِ عن شفقةٍ
طفيفةٍ تجاه ذلك الطفل أن يُدفعَ ماري الثمنَ.
وكان ذلك الثمنُ فادحًا بالنسبةِ لماري.
فقد قال الطبيبُ إنه لا أملَ في علاجِها.
كنتُ أمسك بيدِ أختي ماري المتقدةِ بالحمى، وأتوسلُ لها، قائلةً إنني آسفةٌ.
أخبرتها أنني لم أستطع إبلاغَ السيدةِ مالون عن هروبهِ
لأن ذلك الطفل كان من دار الأيتامِ مثلَنا.
― “لا بأسَ، آني.”
كانت ماري تُربتُ على رأسي وتومئُ لي بيدِها.
― “لقد فعلتِ الصوابَ.”
ما الذي كان صائبًا؟
― “ليس خطأكِ، أنتِ فتاةٌ طيبةٌ.”
كلا، إنه خطئي.
في ذلك اليوم، قطعت عهدًا على نفسي، مرةً بعد مرةٍ.
من أجلِ ماري، ومن أجلي، سأصبحُ قاسيةً.
لن أفعلَ ذلك أبدًا مجددًا.
لكن، لم تتحْ لي فرصةٌ أخرى.
ماتت ماري بعد بضعةِ أيامٍ.
جسدُها الهزيل، الذي أنهكه سوءُ
التغذيةِ، لم يستطع الصمودَ.
كنتُ أتوسلُ إليها أن تبقى على قيدِ الحياة، أن لا تتركني وحدي، لكنها رحلت.
حتى بعد ذلك، بقيتُ خادمةً وفيةً للسيدةِ مالون.
ربما كنتُ قد تم ترويضي، أو ربما كنتُ هكذا دائمًا.
لم أكن أجرؤ على التمردِ ضدها، ولا حتى
أرغبُ في إزعاجِها.
“أنقذوني! أنقذ…آآآه!”
“أيها الوغد! كيف تجرؤ على الهرب؟”
بإداراتي ظهري للفتى الذي طلب مساعدتي، أدى
تجاهلي هذا إلى موته.
“إذًا هذه المرة…”
“ستكون صفقةً كبيرة…”
وتجاهلي للمحادثات السرية المتعلقة بالأعمال غير القانونية، واتباعي لأوامر السيدة مالون.
كل تلك التصرفات نشأت من هناك.
كانت السيدة مالون سعيدةً للغاية بهذا الجانب مني.
وهكذا، أصبحتُ خادمتها الموثوقة.
وبينما بلغتُ الثامنة عشرة من عمري…
“الآن وقد أصبحتِ بالغةً، يُمكنكِ دخول القصر الإمبراطوري. سأصحبكِ معي في حفل بلوغ ولي العهد.”
رغم أنها كانت المرة الأولى التي أذهب فيها إلى القصر الإمبراطوري، لم أشعر بأيَّ فرحٍ أو حماس.
وحتى عندما وصلتُ إلى القصر، لم يكن الأمر مختلفًا.
كنتُ منشغلةً بخدمة السيدة مالون فور وصولنا.
لم أتمكن حتى من دخول قاعة الحفل الأكثر بهاءً.
“لا يُسمحُ للخادمات الشخصيات
بالدخول إلى قاعة الحفل.”
“إذن، لا بأس. آني، انتظري هنا.”
أخفضتُ رأسي وجلستُ بين الخادمات الأخريات.
مرت الساعات، ثم جاءت السيدة مالون
إليَّ بوجهٍ متوردٍ قليلًا.
كانت تشير لي بالاقتراب منها، ولم تكن وحدها.
كان برفقتها رجلٌ في منتصف العمر بملامحٍ شريرةٍ.
‘الكونت سورغين.’
عرفتُ هوية الرجل من النظرة الأولى.
لقد قابلتُه بضعَ مراتٍ عندما جاء إلى القصر.
ورغم قلة اللقاءات، كنت أتذكره جيدًا لسببٍ واحد.
نظراتهُ كانت مُقززةٍ للغايةِ، ومُشبعةً بالشرِ.
كل مرةٍ كان يحدق بي من أعلى إلى أسفل، ويلعق شفتيه بشكلٍ مثيرٍ للاشمئزاز، جعلني هذا لا أنساهُ أبدًا.
“آني، هناك أمرٌ عليكِ أن تقومي به.”
شعرتُ بالقلق يتسلل إلى نفسي عند سماع تلك الكلمات.
حاولتُ أن أنفي الأمر في عقلي، لكن الكلمات
التالية دمرت أملي تمامًا.
“الكونت سورغين طلبكِ.”
نظرت السيدة مالون إلى الكونت بعينين ضيقتين، ثم ربتت على كتفي، وأشارت إلي بإصبعها الأيسر المائل.
كان ذلك إشارةً منيعةً بأن عليّ الطاعة.
“لقد تلقيتُ الكثير من المساعدة من الكونت في السابق. لذا عليكِ أن تخدميهِ بأمتنانٍ جيدًا دونَ أيَّ إزعاجٍ لهُ. هل تفهمين؟”
“شكرًا لكِ. سأذكّرُ دائمًا ما أظهرتهِ من
لطفٍ أيتها الفيكونتيسة.”
“لا شكر على واجب. أتمنى أن تستمتعَ خادمتي
بخدمتكَ أيها الكونت. والآن، سأعودُ إلى الحفل.”
بعد أن أنهت حديثها، دخلت السيدة
مالون قاعة الحفل مجددًا.
نظرت إليَّ الخادمات الأخريات بعيونٍ مُشفقةٍ.
“لنذهب.”
أمسك الكونت سورغين بمعصمي فجأةً وسحبني بقوة.
‘لا يجب أن أتركهُ يسحبني!’
لكنني لم أتمكن من فعل شيء.
قوة يده كانت أشد مما توقعت، كما أن التمرد على أوامر السيدة مالون كان أمرًا صعبًا بعد كل تلك السنين من الطاعة.
كل ما استطعتُ فعله هو محاولة إبطاء الوقت الذي يُسحب فيه جسدي بأقصى ما أستطيع.
ويبدو أن تصرفي هذا أزعجَ الكونت قليلاً.
وبينما كنا نسير في الممر، دفعني فجأةً بقوة إلى الجدار.
“ليس هناك قانونٌ يُلزمنا بالدخول
إلى الغرفة، صحيح؟”
“آه…”
شعرتُ بألمٍ في كتفي عندما ارتطم بالجدار، ولم ألبث أن أحكمت قبضتي عليه.
نزع الكونت سترته الرسمية حينها.
‘عليّ الهرب.’
لم أفكّر في العواقب أو أيَّ شيءٍ آخر.
كانَ ذلك هو تفكّيري الوحيد.
ما إن نهضتُ وأنا أترنح حتى أمسك بشعري بعنف.
“إلى أين؟!”
“آه!”
ألقاني على الأرض مرةً أخرى.
وكان يقترب مني بضحكةٍ متدنيةٍ عندما…
بُوومْ-
اهتزَّ المكانُ بعنفٍ.
كانتِ الهزَّةُ قويةً بما يكفي لتجعلَ انهيارَ القصرِ الإمبراطوريِّ في الحالِ أمرًا غيرَ مستغرَبٍ.
“م-ما هذا؟”
بدا أنَّ الكونتَ سورغين قد ارتبكَ، إذْ بدأ
ينظرُ حولَهُ بقلقٍ.
في تلك اللحظة، اهتزَّ المكانُ مجددًا.
رفعتُ رأسي فرأيتُ السقفَ متصدِّعًا بشكلٍ كبيرٍ، حتى بدا أنَّه قد يسقطُ في أيِّ لحظةٍ.
وبينما كان الكونتُ مرتبكًا، غيرَ قادرٍ على اتخاذِ أيِّ إجراءٍ، شعرتُ أنَّ هذهِ فرصتي للهربِ.
‘الآن!’
دفعتُ الكونتَ بكلِّ قوتي، فسقطَ على الفورِ إلى الخلفِ.
ما إنْ وقفتُ سريعًا وكنتُ على وشكِ الركضِ، حتى حدثَ انفجارٌ كبيرٌ في الحائطِ الذي كنتُ أجلسُ بجوارهِ للتوِّ، وانهارَ بالكاملِ.
“أنتِ، أيتها المرأةُ…أُغغ!”
ابتلعَ الحطامُ الكونتَ بالكاملِ.
رغمَ أنَّه لم يكنْ هناكَ شيءٌ يبدو قابلًا للاحتراقِ، إلَّا أنَّ النارَ لم تتوقَّفْ عن الاشتعالِ، واستمرَّتْ في اللهيبِ.
ومن بينِ الأنقاضِ المشتعلةِ، لم تكنْ سوى
يدِ الكونتِ بارزةً خارجَ الركامِ.
بينما كنتُ متجمِّدةً في مكاني، ظهرَ رجلٌ غريبٌ
يخترقُ النيرانَ من الجهةِ المقابلةِ.
كانَ يبدو في أوائلِ الثلاثيناتِ من عمرِهِ، مرتديًا زيًّا أسودَ قاتمًا يتناسقُ مع لونِ شعرِهِ.
معَ كلِّ خطوةٍ خطاها، كانتْ كمُّ سترتهِ
المترهلةِ يتمايلُ كأنَّهُ رداءٌ.
‘ذو ذراعٍ واحدة؟’
لكنَّ ذلكَ لم يجعلهُ يبدو ضعيفًا.
رغمَ الهيبةِ التي كانَ يوحي بها، كانَ القربُ منهُ يزيدُ الشعورَ برائحةِ الدمِ الثقيلةِ.
إلى جانبِهِ، كانَ هناكَ طائرٌ أحمرُ ضخمٌ يَحْلِقُ في الهواءِ، يبدو مثلَ كتلةٍ من اللهبِ، مما أضفى شعورًا بالغربةِ.
-اقتل! اقتل! اقتل!
صدى غريبٌ، غيرُ معلومِ المصدرِ، بدأ
يدوي بشدةٍ في رأسي.
‘ما هذا…؟’
شعرتُ وكأنَّ روحي توشكُ على الانفصالِ عن جسدي بسببِ هذا الشعورِ الغريبِ الذي لم أختبرْهُ من قبلُ.
تجمَّدتُ في مكاني، حتى التقتْ عيني بعيني الرجلِ.
في تلكَ اللحظةِ، تسلَّلتْ قشعريرةٌ إلى جسدي بالكاملِ.
كانتْ عيناهُ بلا بؤرةٍ.
كانتْ عيناهُ الحمراوتانِ، بلونِ الدمِ الذي لطخَ ملابسَهُ، هيَ عينَ رجلٍ فقدَ عقلَهُ تمامًا.
‘سوفَ يقتلني.’
كانَ ذلكَ شعورًا غريزيًا.
-اقتل! اقتل!
تزامنًا معَ الصدى الذي كانَ يدوي
في رأسي، بدأ الرجلُ ببطءٍ يرفعُ يدَهُ.
وبينما كنتُ أنظرُ إلى يدِه الموجهةِ
نحوي، أغمضتُ عينيَّ بشدةٍ.
“آآه!”
شيءٌ ما ضربَ رأسي بقوةٍ.
تشوَّشتْ رؤيتي وبدأتْ بالتلاشي.
لم أفقدْ وعيي، لكنْ شعرتُ بشيءٍ رطبٍ يغطي رأسي.
بعدَ أنْ طرفتُ عينيَّ عدةَ مراتٍ، أدركتُ أنني ملقاةٌ على الأرضِ.
كما أدركتُ أنَّ ما ضربَ رأسي كانَ جزءًا من السقفِ الذي انهارَ.
الدمُ المتساقطُ من رأسي كانَ يلطخُ الأرضَ.
‘مؤلمٌ…’
لم أكنْ وحدي من سقطَ.
الرجلُ أيضًا كانَ تحتَ الأنقاضِ.
ولم يكنْ يتحركُ، فقدْ كانَ مغمضَ
العينينِ، ويبدو أنَّه فقدَ وعيَهُ.
فجأةً، لاحظتُ أنَّ الطائرَ الأحمرَ الكبيرَ الذي كانَ يطيرُ حولَ الرجلِ قدْ اختفى.
حتى الصدى الغريبُ الذي كانَ يفزعُني قدْ توقفَ.
بدأتِ الأرضُ تهتزُّ قليلًا مرةً أخرى.
ثمَّ رأيتُ مجموعةً من الناسِ يركضونَ نحونا.
إحدى النساءِ التي كانتْ ترتدي رداءً تفقدتْ الرجلَ الملقى على الأرضِ قبلَ أنْ تتحدثَ.
“لقدْ وجدناه! إنهُ الدوقُ المتمردُ، بيلوك!”
الدوقُ بيلوك…؟
هلْ هوَ هذا الرجلُ؟
ولكنْ، لماذا يُطلقُ عليه لقبَ المتمردِ؟
بينما كنتُ أتمتمُ بيني وبينَ نفسي بذهولٍ عن هذا، لاحظتُ حذاءً أنيقًا يتقدّمُ نحوي.
في تلك اللحظة رفعتُ بصري قليلًا، فرأيتُ شابًا
ذا شعرٍ أشقرَ بدا من مظهرهِ أنهُ بين الصبا والشباب.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي