طفلة الحوت الأسود القاتل - 72
__ الفصل 72 __
– أنا لستُ أفعى! تُوس ليسَ أفعى بل هو تنينُ الماء!
“تنين؟ بأيِّ مظهرٍ تبدو كذاك…”
…إنه مجرَّدُ ثعبانٍ ذو قرون، أليسَ كذلك؟
على حدِّ علمي، التنانينُ في هذا العالم
تشبهُ التنينَ الحقيقي.
لماذا أنتَ أفعى؟
بغضِّ النظر عن ذلك، توقَّفَ تُوس عن الانفعال، ثم نظرَ إلى النافذة وأصبحَ كئيبًا مجدَّدًا.
– أريدُ أن أعودَ بسرعة.
ودونَ سابقِ إنذارٍ، بدأتْ دموعُهُ تتساقط.
في البدايةِ شعرتُ بالارتباك، لكنَّ الآن وبعد مرورِ يومين، اعتدتُ على ذلك، فمسحتُ دموعَهُ بطرفِ كُمِّي بسهولة.
كانَ دائمًا يشعرُ بالحنين.
– إنه لا يستطيعُ حتى الإمساكَ بالشوكةِ دونَ تُوس…
“إذًا لماذا غادرتَ جانبَ سيِّدكَ العزيزِ الذي
يهتمُّ بكَ كلَّ هذا الاهتمام؟”
–…
انظُرْ إلى هذا. مرَّةً أخرى، عندما يصبحُ الموضوعُ مهمًا، يلتزمُ الصمت.
قرَّرتُ التوقُّف عن السؤالِ وركَّزتُ على
التحديقِ في النافذة.
‘حسنًا، سأعرفُ قريبًا.’
فقد بدأنا نقتربُ من القلعة، وقد رأيتُ الآن القلعةَ الضخمةَ تستقبلُنا.
قلعةُ التنينِ العظيمةِ رحَّبت بالعربةِ التي تحملنا.
***
“لا يُمكنني جعلكم تدخلونَ هذا صعبٌ عليّ.”
في الواقع، كانَ بيلوس أكواسياديل يتوقَّعُ كلَّ ما سيحدثُ فورَ دخولِ القلعة.
بمجرَّدِ أن وطأتْ قدماهُ قلعةَ التنين، حدثَ الأمرُ كما توقَّع.
“…الحوت القاتل. آه، هل تقصدُ عائلةَ أكواسياديل؟”
كانَ الردُّ فظًّا وباردًا لدرجةٍ أنَّ فيهِ استهزاءً ظاهرًا.
قالَ هذا ذلكَ الشخصُ الذي قدَّمَ نفسَهُ
بصفتهِ خادمًا لقلعةِ التنين.
على الرغمِ من أنَّ بيلوس لم يزرْ مهرجانَ التنينِ من قبل، إلَّا أنَّهُ كان قد حضرَ عدَّةَ مؤتمراتٍ عبرَ الإمبراطوريةِ عندما كانَ أصغرَ سنًا، برفقةِ جدتهِ، أُوكولا.
في تلك الاجتماعات والمؤتمرات، كانَ من الطبيعيِّ أن يكونَ هناكَ العديدُ من الحيواناتِ البرّية.
‘رائحة…’
نعم. شممتُ نفسَ الرائحةِ الآن.
لقد كانوا يسخرونَ من الحيواناتِ المائيةِ قائلينَ إنَّه تفوحُ منهم رائحةُ زفَر، لكنَّ في الواقع كانت رائحتهم هم أسوأ.
بالطبع، كان كلُّ طرفٍ يحكمُ من وجهةِ نظرهِ الخاصة.
“لقد جئتم من مكانٍ بعيد.”
بدا وكأنهُ يقول: لماذا قطعتم كلَّ هذا الطريقِ
المرهق؟ لا فائدةَ لقدومكم هنا. غادروا.
“سأُبلغُ سيِّدَنا.”
لم يكن غريبًا أنَّ عائلاتِ الحيواناتِ المائيةِ لم تحضرْ مهرجانَ التنين.
فهذا المكانُ كان تجسيدًا للتمييزِ المنتشرِ في جميع أنحاءِ الإمبراطورية.
تذكَّرَ بيلوس كلماتِ جدَّتهِ خلالَ اجتماعاتها معَ عائلاتِ الحيواناتِ البرِّية.
‘لهذا السبب أكرهُ هؤلاء الأوغاد.’
‘هم ضعفاءُ لدرجةِ أن زعنفتَيّ يمكن أن تقذفَهم بعيدًا، ومع ذلك لا يعرفونَ سوى الثرثرة.’
‘أبناءُ الأسودِ القذرون. هل عليَّ أن أقتلعَ أسنانَهم جميعًا؟’
أقسى الإهاناتِ عند المائيينَ كانت تلك المتعلقةُ بالحيواناتِ البرِّية.
كانَ هذا يظهرُ مدى عمقِ الغضبِ والاحتقارِ
الذي كانوا يشعرونَ به.
وما زادَ الطينَ بلَّةً، هو أنَّ هذه الكلماتِ قيلت بعدَ أن قامتْ جدَّتُهُ بقتلِ نصفِ المشاركينَ في الاجتماع.
شاهدَ بيلوس ما حدثَ وكانَ يعتقدُ أن أُوكُولا قامتْ بالفعلِ بما يجبُ فعلُه معهم.
منذُ ذلكَ الحين، لم يتجرَّأ قادةُ الحيواناتِ البرِّيةِ على التحدثِ عندما كانت أُوكُولا حاضرة.
‘ولكنْ ماذا عن هذا الرجل؟’
أُوكُولا أكواسياديل كانت واحدةً من أكثرِ زعماءِ العائلاتِ عنفًا عبرَ التاريخ.
خلالَ سنواتِ شبابِها، كانت تتجولُ
يوميًا وهي مغطاةٌ بالدماء.
صعدتْ إلى الزعامةِ بعدَ أن قتلتْ إخوتَها.
حتى مع طبيعةِ الحيتانِ القاتلة، كانتْ
تُفضلُ المعاركَ بدلاً من تجنبها.
من ناحيةٍ أخرى، كانَ بايير أكواسياديل، الذي يُقالُ إنَّهُ قويٌّ مثلَ أُوكُولا، يعيشُ بهدوءٍ شديد.
بالطبع، كان يقاتلُ إلى حدٍّ ما قبلَ مرضِه، ولكنهُ لم يكن يتجنَّبُ القتالَ فقط إذا جاءَ إليه.
ومنذُ مرضِه، لم يكن يقاتل، لدرجة أنَّ البعضَ شكَّك في كونهِ ما زالَ حيًا.
بالطبع، حتى في صمتِه، لم يختفِ حضورُه.
“…لقد وصلَ العديدُ من الضيوفِ المرموقينَ قبلكم، ولا نعلمُ إن كانت هناكَ أيُّ غرفةٍ فارغةٍ. نرجو تفهمَكم، يا أفرادَ عائلةِ أكواسياديل.”
كيفَ سيتعاملُ بايير معَ مثلِ هذا التصرُّف؟
راقبَ بيلوس بايير ليكتشفَ ردَّ فعلِه، وشعرَ
بخيبةِ أملٍ بسيطة.
رغمَ الإهانةِ الواضحة، ظلَّ وجهُهُ كما هو، بلا اهتمام.
“أيعني ذلكَ أنَّنا لن نتمكَّنَ من البقاءِ هنا؟”
“ماذا؟! لا يُمكننا البقاء؟”
كاليبسو التي كانت بينَ ذراعَي بايير رفعتْ رأسَها فجأة.
في الحقيقة، كانت مشغولةً بتهدئةِ تُوس الذي كانَ يبكي بلا توقُّفٍ في جيبِها الداخلي.
لذا لم تنتبهْ إلى المحادثة، لكنَّ جملتَهُ الأخيرةَ كانت كافيةً لجذبِ انتباهِها.
‘ماذا يعني هذا؟ لا، لا يمكن أن يحدث!’
والأمرُ الآخرُ هو أنَّ كاليبسو كانت تخشى أن يلاحظَ خدمُ القلعةِ وجودَ تُوس ويأخذونَه منها، لذلكَ أخفتهُ بعناية.
ويبدو أنَّ تُوسَ أيضًا لم يكن يرغبُ في مواجهةِ خدمِ القلعة.
لكنَّ الأمرَ الأكثرَ أهميةً الآن هو شيءٌ آخر!
‘لن نتمكَّنَ من البقاءِ في القلعة؟ هذا مستحيل!’
“مُعل–أبي~”
رفعَ بيلوس حاجبَيهِ عندما لاحظَ تغيُّرَ نبرةِ كاليبسو، وكذلك تغيُّرَ تعبيرِ وجهِ بايير.
“ما المشكلة؟”
كاليبسو لم تكنْ تجهلُ التمييزَ الذي يمارسهُ البرِّيُّون ضدهم، لكنها لم تتوقَّع أن يصلَ الأمرُ إلى حدِّ رفضِهم تقديم غرفةٍ واحدةٍ.
وذلكَ لأنَّها، في حياتها الثالثة، كانت زعيمةَ العائلةِ بعدَ أُوكُولا، وكانت تتميزُ بعنفٍ لا يقلُّ عن عنفِ أُوكُولا.
‘ما الذي تقولُه، أيُّها الوغد؟ أعدْ ما قلتَ. ماذا بها الحيوانات المائية؟’
كانتْ كاليبسو من النوعِ الذي يُحطِّمُ الجميعَ للحصولِ على ما تريد، حتى قبلَ بدءِ الاجتماعات.
والأمرُ الآخرُ هو أنَّ مدينةَ التنينِ كانتْ رمزًا لفخرِ البرِّيين.
وذلك لأن التنينُ العظيمُ كانَ يعيشُ على اليابسةِ.
ونتيجةً لذلك، وخاصّةً في هذا المكانِ المُحافظ، كان هناك ميولٌ قويّةٌ لتجاهلِ الكائناتِ البحريّةِ.
وبالنّتيجة، كان هذا السّببُ وراء إظهارِ هذا السّلوكِ حتّى تجاهَ العائلة الرّئيسية البحرية، أكواسياديل.
‘هُمف، مُجرّدُ دخولِ كائناتٍ ذاتِ رائحةِ زفارةٍ إلى قلعةِ الدّوقِ هو إهانةٌ بحدِّ ذاته. إذا كانوا سيعترضون، فسأتصرفُ وكأنني أتنازلُ وأمنحهم غرفةً.’
في الحقيقةِ، كان الخادمُ هنا من الكائناتِ التي
لم تتعاملْ مطلقًا مع أوكولا أكواسياديل.
أمسكت كاليبسو بطرفِ رداءِ بايير وسألتهُ بتوسّل:
“لا يُمكننا النّومَ في قلعةِ التّنين؟ حقًّا…؟”
‘أبي، هذا مستحيل، أليس كذلك؟’
أومأ بايير برأسهِ بخِفّة.
“يبدو أنّ الأمرَ كذلك، بناءً على ما يقولهُ الخادم.”
“آه…”
كانت تلكَ هي اللّحظةُ التي اكتسى
فيها وجهُ كاليبسو بالحزن.
حينها رأى بيلوس قدمًا تطيرُ بسرعةِ الرياح.
“هاااككك!!!”
“آهغ!”
في لحظةٍ، طار خادمُ قلعةِ التّنين، وبدأ
بالسّعالِ بينما رفعَ رأسهُ فجأة.
أو على الأقل، حاول رفعه، ولكنّ الألمَ
كان شديدًا لدرجة أنه لم يستطع رفعه.
في تلك اللحظة، رمشت كاليبسو بعينيها بدهشةٍ.
لم تكن مُتفاجئةً من الضّربةِ بقدرِ ما
كانت تتساءل: ‘لماذا ضربه؟’.
فالأمرُ ليس كما لو أنّ المالَ سيخرجُ
عند ضربهِ كما تفعل العصابات…
“حسنًا، لقد استحقّ الضّربَ على معاملتنا بهذه الطّريقة.”
بينما كانت الأخلاقياتُ المُلتويةُ لبايير
تتألّق، فتح فمهُ مُتحدثًا:
“نحتاجُ إلى غرفةٍ، أليس كذلك؟”
“هاه؟ نعم.”
في اللّحظةِ التي أجابت فيها كاليبسو، ظهرت العديدُ من تيّاراتِ المياهِ بجانبِ بايير.
“ما الذي تنوي فعلَه؟”
“سيأتيكَ الجواب.”
“هاه؟”
“بعد الضّرب.”
“هاه؟!”
صوتُ بايير كان هادئًا ومسترخيًا كالمعتاد، لكنّ التيّاراتِ المائيةَ التي تُحيطُ به كانت تقول شيئًا مختلفًا تمامًا.
شعرَ خادمُ القلعةِ بالقشعريرة.
هذا الرّجل سيقتله، بلا شك…
قوةُ ‘الأرض’ التي تمتلكها العائلةُ الملكيّةُ
وعائلةُ دوقِ النّمر الأسود.
قوةٌ تتعارضُ بشكلٍ واضحٍ مع الكائناتِ البحريّة.
تلكَ القوةُ التي لا يستخدمها إلا كبارُ المُفترسين بينهم…
“أبي، إذا مات، سيُرشدنا شخصُ آخر…”
“أنتِ مُحقّة. سأُحاول القضاء عليه حتى الموت، وربما يُسعفهُ الحظُّ بطريقةٍ ما عند حافة الهاوية.”
كان حديثُ بايير خَشِنًا لدرجةٍ أن الخادمَ والمُحاربينَ الذين كانوا يحرسون القلعةَ بلعوا ريقهم بخوفٍ.
على الرّغم من وجودِ المحاربين والحرس، إلا أنهم لم يتمكنوا من الحركةِ بسببِ الرّهبةِ التي أطبقت عليهم.
بخطواتٍ ثابتةٍ، اقترب بايير، وفي نفسِ اللّحظةِ انطلقت تيّاراتُ المياهِ لترتطمَ بجانبِ وجهِ الخادم.
الخادم، وهو من الكائناتِ ذاتِ الدماءِ المُختلطة
كالنّمس، اختار الخضوعَ بدلًا من المقاومة.
‘إنّهُ ليسَ مُجردَ سمكةٍ، إنهُ يبدو مثل قرشٍ مُفترسٍ…’
الخوفُ المطبوعُ في جيناتهِ أفاقَ غريزته.
“أعتذر، يبدو أن هناك خطأً ما…”
“خطأ؟”
“آهغغ!”
“وكيفَ تنوي التعويضَ عن هذا الخطأ؟”
“…”
“الاعتذارُ بالكلماتِ فقط لا يُساوي شيئًا.”
“ن-نعم، هذا صحيح.”
كاليبسو، التي كانت مرتاحةً في حضنِ بايير، أومأت برأسها بخفّة.
‘همم، من الجيدِ أنني أرسلت الخادماتِ سمكات الرنجة وميسيا والجنودَ مع الحاشيةِ لنقل أغراضنا من العربة.’
وبينما كانت تُشاهدُ هذا، فكّرت كاليبسو بتأمّل:
‘إذا كان الاعتذارُ الذي سيقدمهُ بالكلماتِ فقط، فلماذا يعتذرُ حتى؟ كانَ عليهِ الموت وحسب.’
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي