طفلة الحوت الأسود القاتل - 63
__ الفصل 63 __
بالقرب مني كان يجلس أبي بهدوء.
نعم، لقد كنت في تلك اللحظة في عربة
متجهة إلى مدينة التنين.
وكنت أشعر بحماسة داخلية تملأ قلبي، فالأمرُ
كان رائعًا.
“سنركب العربة معًا.”
“…ماذا؟ لماذا؟”
“لأني والدكِ.”
“ماذا تقصد؟ في بعض العائلات، يركب
الأفراد بشكل منفصل.”
“أنتِ في الثالثة من عمركِ فقط.”
“هذا مضحكٌ للغايةِ، أن كان مُعلّمي يعلمُ بهذا فلماذا تقومُ برمي الصخور على طفلةٍ في الثالثةِ مِن عُمرها؟”
“…”
“لا تجد ما تقوله، صحيح؟”
“إنها أوامري كمعلم وعليكِ الألتزامُ بها عند التدريب.”
“إنهُ تصرفٌ غيرُ نزيهٍ!”
رغم بعض المشادات، إلا أنني كنت سعيدةً لأنني كنت أركبُ نفسَ العربة مع أبي، ولو كان ذلك نصفَ إجباري.
حتى أنني أحببت محاولة أبي أن
يكون والدًا بشكل مفاجئ.
لكن هذا لا يعني أن شخصيته تغيرت بين عشية وضحاها ليصبح شخصًا عطوفًا.
فهو لم يكن من النوع الذي يمكنه فعل ذلك.
حتى أنني لم أشعر بالأسف على فقدان اللحظات الممتعة مع الخادمات الجميلات وميسا أيضًا حيث كانوا جميعًا في العربةِ الأخرى.
كان أبي هادئًا جدًا، لدرجة شعوري بأنني
سأغفو في أيَّ لحظةٍ كانت.
ولكن، لم أستطع النوم!
نعم، كان هناك مشكلة أخرى غير أبي…
لقد كنت أنظر إلى الجهة المقابلة أمامي
بعينين منزعجتين.
‘لماذا هو موجود هناك أيضًا؟’
اللعنة، لن استطيع النوم حتى!
أمام عيني، كان هناك شرير آخر إلى جانب أبي.
وهو أخي الأكبر بيلوس.
لقد حصل على إذن من جدتي للمشاركة في مهرجان التنين، وها هو يجلس في العربة معي، وأمامي مُباشرةً!
‘هل أكل هذا الأحمق شيئًا مسمومًا؟ لماذا
يشاركنا في الجلوس في هذه العربة أيضًا؟’
لقد كنت أفكّرُ في اللحظة التي بدأنا فيها الرحلة.
‘لماذا! أريد الذهاب أيضًا! أريد الذهاب، أريد
الذهاب يا أختي الصغيرة!’
“حاول إقناع جدتك بذلك.’
‘آه، مستحيل أن يحدث ذلك…لم أحصل بعد على الاعتراف الكامل منها. لماذا، لماذا! يجبُ أن تأخذيني معكِ كوني أولَ أتباعكِ!’
‘منذ متى أصبحت أول أتباعي؟ ليس لدي أتباع.’
‘هذا ليس عدلاً! لقد أخذتِ مني شيئًا ثمينًا…!’
‘وما هو ذلك الشيء؟’
‘ولائي~؟’
‘أتخلى عنه إذن.’
‘هذا ليس عدلاً!’
قبل بضع ساعات من المغادرة، ذهبتُ
لأودعَ أجينور.
لقد كان يتصرف كطفلٍ مدللٍ، يتقلب على الأرض كما لو كان صرصورًا مقلوبًا، حتى أنني نعتُه بذلك، فتلقيتُ نظرةً غاضبةً من عينيهِ المليئتينِ بالدموعِ.
‘أنتِ حقًا حوت قاتل بارد ومتبلد!’
‘…أليس هذا شيئًا لا ينبغي لكَ قولهُ؟ على أيَّ
حال، شكرًا على الإطراء.’
على الرغم من أن أجينور كان يصرخ لعدم قدرتهِ على الانضمام إلي، إلا أنه في النهاية لم يتمكن من الحضور.
فمهما كانت قوته، لم يكن يستطيع
تجاوز حاجز جدتي.
‘في غيابي، اعتنِ بعائلة بيلوغا. تأكد من أن تحمي
التوأم لوكا ولوبا، وخاصة لوكا.’
‘هاه؟’
لقد ذهبت إلى أجينور لأودعهُ ولأطلبَ منهُ
أن يهتم بعائلةِ الدلافينِ بيلوغا في غيابي.
ففي حال لم أعد، لم أرد أن أتركهم بلا
حمايةٍ، لذلك طلبتْ منهُ ذلك.
على الرغم من أن الحيتان القاتلة، مثل أجينور، قد تبدو شرسة، إلا أنهم يهتمون بمن يحبون بشكل كبير.
‘هل هذت هو اختبار يُمنح لأولِ أتباعكِ؟’
‘…لماذا تسعد بكلمة اختبار؟’
‘أن هذا نوع من التعذيب…’
‘إذا أكملت أكثر، فسوف أناديكَ
بِالمُختلِ العقلي يا أجينور.’
‘همم، هل كل ما علي فعله هو مراقبة عائلة بيلوغا؟ هل يجب أن أحميهم كما فعلنا عندما قاتلنا معًا؟’
‘نعم.’
‘إذاً، أختي الصغيرة، هل سنقاتل معًا مرة أخرى؟’
‘…’
‘لقد كان ذلك ممتعًا.’
ما أغفلت عنه هو أن أجينور كان لا يزال
طفلًا أكثر مما كنت أعتقد.
شعرت زكأنني ألقي نظرة على البراءة التي
لم يفقدها أخي الثالث بعد.
‘أريد أن أفعل ذلك معكِ مرةً أخرى. ستفعلين ذلك إذا عدتِ، أليس كذلك؟’
‘…إذا عدت.’
‘حسنًا، حينها سأصبحُ أولَ أتباعكِ.’
لقد أجبت بنعم تحت ضغط كلمات أجينور عليّ، لكنني لم أكن متأكدة من أنني سأتمكن من الوفاء بهذا الوعد.
كنت أشعر بشيء غريب وأنا أنظر إلى
أخي الثالث الذي يبتسم ببراءة.
‘لقد وعدني بحماية عائلة بيلوغا، وأثقةٌ
بأنه سيفي بوعده.’
بعد أن رتبت أموري بهذا الشكل، عندما كنت على
وشك المغادرة، ظهرت جدتي مع بيلوس.
“طالما أنكِ ستذهبين، لا تعودي ما لم تكسرِ
أنوف هؤلاء البريين المزعجين. هل فهمتِ؟”
تحية جدتي كانت أقرب إلى تهديد منها إلى وداع.
كان أبي هو من كان يستمع، رغم أنني لم أكن
متأكدة إذا كان يصغي بجدية أم لا.
كانت طريقة أبي في الاستماع بنصف
أذن وتجاهل النصف الآخر مذهلة.
كنتُ أظن أننا سنتشاجر
مرةً أخرى أمام العربة.
“وأيضًا، هذا الفتى سيذهبُ معكِ.”
قالت جدتي هذه الكلمات ثم مضت بخفة.
وقد تركتنا وحدنا مع بيلوس.
“وداعًا يا جدتي، أوه وأيضًا يا كاليبسوا أكواسياديل كما
أخبرتكِ، سأرافقكِ في هذه الرحلة.”
“…أنتَ حقًا عنيدٌ، هل كنتَ جادًا في ذلك؟”
“نعم. أنا دائمًا أفي بما أقول.”
ثم قال أنه سيصعد إلى العربة معي، مُبررًا
أنّ ذلك بأمرٍ تلقاهً من جدتي.
كانت هذه آخرُ كلماتٍ سمعتها من بيلوس اللعين.
‘يا لهُ من مجنونٍ.’
كان قد مضى ثلاثة أيام على مغادرتنا لمنزل جدتي حيث يقطن أفراد العائلة الرئيسية.
‘لقد مرت ثلاثةُ أيامٍ كاملةٍ دونَ
أن ينطقَ بكلمةٍ واحدةٍ.’
إنهُ عنيدٌ حقًا.
المشكلة أن هذا العنيد يرفض النزول من العربة مهما حدث، وكأنه يصر على مرافقتي حتى النهاية.
لذلك، كان بيلوس هو السبب الرئيسي في
هذا الصمت المزعج وغير المريح.
نظرت إليه بحقد بينما كان يقرأ كتابه
بوجهه اللامع، ثم زفرت بغيظ وأنا أفكّرُ:
‘لماذا أصبحت رحلتي المُمتعة بهذا الشكل؟’
لو كان هناك شخص لديه عقلٌ هنا، لكنت أمسكت بتلابيبه وصحت:
‘البقاء هنا جنون، دعنا نهربُ الآن!’
‘لا، عليّ أن أتحمل قليلًا. قبل كُلِّ نهايةّ
سعيدةٍ، توجد دائماً عقباتٌ وصعوبات.’
عليّ أن أعتبر هذا بمثابة تطهير روحي قبل أن ألتقي بالدوق التنين وأعود إلى المنزل بسلام.
‘عليّ أن أضبط نفسي، عليّ أن أتحكم في عقلي.’
ولكن، في نفس الوقت، كنت أشعر بالفضول.
ما الذي كان يدور في ذهن بيلوس اللعين؟
أن نرحل معًا، أو بعبارة أخرى أن نغادر القصر الرئيسي للحوت القاتل الآن، كان قرارًا محفوفًا بالمخاطرِ بالنسبةِ لهُ أيضًا.
فقد كانت عائلة بايون في حالة سقوط.
وعندما يسقط المتصدر، عادة ما تتنافس المجموعة الثانية بشراسة لتحتل مكانه.
كان بيلوس هو الوريث الأعلى مكانة في
المجموعة الثانية مع سورتي.
‘ظننت أنه سيبقى في العائلة ليستغل
الفرصة وينقض على بايون.’
هذا ليس من طبع بيلوس أكواسياديل الذي أعرفه.
فهو الأكثرُ عقلانيةً وهدوءًا
…وأيضًا الأكثرُ جنونًا إذا تعلّق الأمرُ بشيءٍ ما كهذا.
‘هل فعلاً ضغطتُ على الزر الخاطئ؟’
بدأت أندم على استفزازي لبيلوس.
‘أستحقُ ما جنيته.’
لأنني جعلت هذه الرحلة شاقة للغاية.
“مُعلِّمي هذه هي المرة الخامسة التي أسأل فيها: اليوم هو اليوم الثالث، هل يمكنني فقط أن أستقل العربة مع خادماتي ومربيتي ميسيا؟”
“سأجيب للمرة الخامسة: لا يمكن.”
“رجاءً، لا ترد بنفس النغمة، فهذا يُحزنني يا مُعلِّمي.”
نظرتُ إلى والدي بوجهٍ عابسٍ.
“إن وجود المربية معي أفضلُ ليّ كطفلةٍ في الثالثة.”
“لكن وجود الوالدين مع الطفل أفضل.”
…هذا إذا كان الوالدان بشرًا لطفاء مثل والدي
في كوريا، وليس أنتَ يا مُعلِّمي.
كنت أخشى أن يُظهر وجهي مشاعري المتوترة.
هل يجب أن أشعر أنني أخضع للتدريب
حتى في العربة؟
بالإضافة إلى أنني كنت فعلاً أخضع للتدريب.
كان ذلك في اليوم الأول من ركوبنا العربة، حينما أعطاني والدي ثلاثة حصى وقال لي:
“ارمِ.”
“ماذا؟”
“ارمِ الحصاة بيدٍ واحدةٍ والتقطِها.”
قال إن ذلك سيساعد في تطوير
ردود فعلي أو ما شابه.
والأسوأ أنه استخدم قوة الماء ليزيد السرعة، فبدا الأمر وكأنني أقوم بفن الأكروبات في سيرك داخل العربة.
[توضيح/ الأكروبات هي مصطلح يُستخدم للإشارة
إلى فنون العروض البهلوانية التي تتطلب مهارات
بدنية فائقة، مثل التوازن، والقفز، والدوران في الهواء، والتسلق، وغيرها من الحركات التي تعتمد على مرونة الجسم وقوته وفي هذه الجملة بدا وكأن كاليبسة تتلاعب بالحصاةِ في عرضٍ بهلواني بسبب زيادة
بايير للسرعةِ بقوة الماء.]
‘إنهُ مُعلِّمٌ صارمٌ حقًا…’
لم أندهش حتى عندما رأيت وجه بيلوس
المُعبّرِ عن إستغرابهِ وهو ينظرُ إليَّ.
بدا وكأن تعبيرهُ يقول: ‘ما الذي يفعلهُ هذا المجنون؟’ ولكني تجاهلته بثقة.
على أيَّ حال، منعني والدي للمرة الخامسة
من تغيير العربةِ مجددًا واستسلمت في النهاية.
رغم أن مسند الظهر كان مُريحًا، إلا أنني لم أعد
أشعرُ بالراحةِ بسبب جلوسي لفترةٍ طويلةٍ.
تنهدت بعمق واستندت إلى والدي.
“احترامُ حرية الطفل هو أيضًا جزءٌ
من دور الوالدين، يا مُعلِّمي.”
“يجب التفريق بين الحرية والتمادي، وبين
الرعاية والإهمال.”
“تتحدثُ جيّدًا رغم أنك تركتني
مهملةً لثلاثِ سنواتٍ.”
“…”
وعندما لم يأتني ردٌ، رفعت نظري وشعرت
بوخزةٍ من نظرات والدي المُحدقة.
“ألم تقولي أنهُ يجبُ أن أقومَ بدور الأب جيّدًا؟”
“..متى قلتُ هذا؟”
قلت متفادية النظر إليهِ:
“لم يحدث ذلك أبدًا.”
…رُغمَ أنني كنت قد نشرت شائعةً كاذبةً
بأنّ والدي يُعاملني جيّدًا.
وعندما شعرتُ أنني أثرتُ الشكوكَ، لم
أجادل أكثر وخفضت نظري بهدوء.
حينها اقتربت يد والدي مني.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي