طفلة الحوت الأسود القاتل - 59
__ الفصل 59 __
قطبت جدتي جبينها ونقرت بلسانها بامتعاضٍ.
ورغم توبيخ جدتي الحاد، رد والدي
بهدوءٍ، واضعًا ذراعهُ على ذقنهِ.
“لقد تعلمتُ من والدتي.”
“ماذا؟”
“ألم تتصرفي نفس الطريقة مع جدتي؟”
“ما الذي تقولهُ أيها الوقح…؟”
“كما كنتِ تقولين دومًا يا والدتي أن الصغار
يتعلمون من والديهم.”
يا للعجب!
إذًا يبدو أن والدي وجدتي يتشاجران
بهذه الطريقة دومًا.
نسيت مؤقتًا سبب ظهور والدي وأنا أتابع
المشهد بفضول واستمتاع.
‘أحتاج إلى الفشار…!’
سمعت من أتباعي في حياتي السابقة أن والدي كان الشخص الوحيد الذي يمكنه مواجهة جدتي على قدم المساواة.
‘من المعروف أن الشجار يُسمع بشكل
مختلف عمّا يُرى، وهذا بالطبع صحيح.’
فالمشاهدة بالعينين أكثر حيوية وإثارة.
هل هما يتشاجران هنا إذًا؟
ضممت ذراعي إلى صدري حيث كان قلبي المضطرب ينبض بسرعة وحماس وانا أنتظرُ لهيب شجارهم.
ولكنني ندمت بسرعة على تفكيري الطائش هذا.
‘آه، لحظة، لحظة، لما يأتي الماء إلى هنا…!’
يا لها من عجوزٍ وقحةٍ!
حينها أغلقت عيني.
وسرعانَ ما شعرتُ بالاختناقِ من قوةِ الماء
الهائلة التي أطلقتها جدتي.
لم يكن الشجار موجّهًا نحوي، ومع ذلك
كانت الضغوط عليّ هائلةً بقوة الماء هذه.
‘ما شعرت به في اجتماع العائلة
لم يكن شيئًا مقارنة بهذا.’
كنت أعلم ذلك بالطبع، لكنني لم أكن
أتخيل أن يكون بهذا القدر.
‘لقد كنتُ قويةً بهذا الشكل في وقتٍ ما…’
وبينما كنت أتحملُ هذا الضغط، شعرت مجددًا بروح التحدي تتصاعد في داخلي كما حدث في اجتماع العائلة.
كم سيكون رائعًا لو استطعت مواجهة هذا الموقف
بقوتي العظمى في حياتي الثالثة.
ولم يكن التحدي موجهًا لجدتي فقط، بل أيضًا لوالدي الذي كان يتصدى لذلك بكل بساطة.
‘أشعر بالضيق من جسدي الصغير هذا حقًا.’
عندما بدأت أعاني من الاختناق لدرجة أنني
كدت أسعل، شعرت بيد باردة تمسك برقبتي.
“كفى، ألا تخشين خنق ابنتي وقتلها؟”
“تعيش أو تموت، منذ متى وأنت
تهتم بمثل هذه الأمور؟”
يا لها من عجوزٍ مُزعجةٍ، لم تتعلم أبدًا
كيفية التحدث بلطف.
لحسن الحظ، بدأت أتنفس بسهولة أكثر
منذ أن ساعدني والدي، ولكنني كنت أعلم…
كنت أعلم أن قوة الماء لوالدي وجدتي
كانت تتصادم بشدة أمامي.
‘يا لهُ من صراعٍ شرسٍ. إنهُ بالفعل شرسٌ للغايةِ.’
يمكن لقوة الماء أن تظهر بوضوحٍ وحدةٍ مثل السيف الحاد والصلب في عالم الروايات الخيالية.
وكما الآن، كانت تظهر قوة الماء على شكلِ
شعاعٍ أزرقَ ساطعٍ.
ومع ذلك، كانت درجات اللون الأزرق في قوة الماء
مُختلفةً قليلًا بين فردٍ وأخر.
“توقفي عن الكلام الفارغ، أعدكِ إنكِ ستندمين لو
فقدتِ حفيدتكِ التي بدأتِ تهتمين بها.”
ما إن انتهى والدي من كلامه الهادئ، حتى
زادت قوة الماء بغضبٍ وعنفٍ.
‘يا إلهي، هذا المبنى سينهار!’
ومثلما توقعت، بدأت الأرض تهتز وكأنها تعلن بأن
هذا الشجار لن ينتهي عند هذا الحد.
ماذا لو انهار المبنى هنا؟
لن أستطيع الهروب مهما حاولت. لكن والدي
سيتولى الأمر، أليس كذلك؟
لو سقط والدي، سأرفعهُ وأركض!
رغم أن ذلك سيكون مشهدًا مضحكًا، لكنني
شعرت بأنني قد أستطيع فعل ذلك.
لكن في اللحظة التي فكرت فيها بكل
ذلك، اختفت كل قوة المياه فجأةً.
في تلك اللحظة، رفعتُ رأسي بذهولٍ لأرى والدي الذي كان يقفُ أمامي.
كان كل ضغط قوة جدتي قد تم صده بالكامل.
والدي كان يحدق بي وهو يقف بجانبي، وعندما
رأيت وجهه بوضوح، ابتلعت ريقي.
‘ماذا حدث بالضبط؟’
أبعد والدي جسده الضخم ببطء ليكشف عن جدتي الواقفة أمامي.
رغم أن كل شيء حولها كان فوضى – الأوراق، المزهريات، كل شيء قد تحطم – إلا أن جدتي كانت تبتسم بهدوء.
“ما قلتهُ صحيحٌ يا بايير.”
“…”
“لقد ظهرت طفلةُ حوتٍ مميزةٌ للغايةِ، وبالطبع
لن أفسد متعتي بيدي.”
كانت تبتسم بعينيها الداكنتين المتلألئتين.
لو لمستها الآن، سأفقد حياتي حقًا.
حينها أمسكت بهدوء بملابس والدي.
“أبي، لا تدعني أموت.”
كيف يمكنني الموت وأنا في طريقي
لحضور مهرجان التنين.
في تلك اللحظة، شعرت بجسدي يطفو بلطفٍ.
“لن أدعكِ تموتينَ قط.”
“هذا جيّدٌ. تأكد من اصطحابي إلى
مهرجان التنين إذن.”
“….”
كان المكان مليئًا بالفوضى بسبب
صراع قوة الماء هذا.
رفعت جدتي الأريكة المقلوبة بيدٍ واحدةٍ، وبمجرد أن لمست الأريكة المبتلة، امتصت يدها كل الرطوبة منها.
ومن ثم جلست جدتي بثباتٍ على الأريكةِ
التي أصبحت جافةً تمامًا.
“ماذا تنتظر؟ اجلس.”
نظرت تلقائيًا إلى والدي.
وسرعان ما، ارتفعت المياه لتعيد الأريكة المقلوبة إلى وضعها الطبيعي.
ومن ثم جلس والدي أيضًا، وامتص
الماء بيده من الأريكة مثل جدتي.
ككا أنني جلستُ هناك أيضًا.
أوه، إنها جافةٌ حقًا.
“إذًا، لماذا ركضتَ إلى هنا؟”
“لم أكن أركض.”
“امسح العرق عن وجهك وتحدث، أيها الابن الوقح.”
“…”
حينها نظرت إلى جبهة والدي وعنقه، فوجدت
أن هناك بالفعل قطراتَ عرقٍ عليها.
يبدو للحظةٍ أن كل هذه المياه كانت تجعلني
أخلط بينها وبين العرق الذي على جسد والدي.
ولكن جدتي لا تقول الهراء أبدًا.
‘هل حقًا ركضَ إلى هنا من مكان إقامتهِ؟’
لقد كنتُ أفكّرُ في المسافة بين مكان إقامة
والدي ومكتب جدتي رئيسة العائلة.
أنها مسافةُ بعيدةٌ.
بعيدةٌ بما يكفي لركوبِ عربةٍ.
هل ركضَ كل هذه المسافة؟
‘أوه، لا يُمكن حدوث أمرٍ كهذا! هذا
مستحيلٌ، المسافة بعيدة للغاية.’
كان إنسانًا بالكاد يتحرك لدرجة أن حتى
الحلزون قد يبدو أقل كسلًا منه.
“سمعت قصةً مُمتعةً قبل أن أدخل.”
“أنت تتحدث وكأنك لم تسترق السمع مثل الجرذ!”
“هل يُسركِ أن يُقال عنكِ أنكِ مثل الوحوش المفترسة القاسية التي تقتل صغارها كما تفعل الأسود بأشبالها يا أمي؟”
“أيها الوقح!”
“بما أننا متساوون في ذلك، أرجو أن تتجنبِ
مقارناتكِ ليّ بأولئك البرِّيين.”
‘واو، إذًا حتى والدي يكره هؤلاء البرِّيين.’
بالطبع، هذا أمر طبيعي بالنسبة
لنا نحن الكائنات البحرية.
‘إسقاط البرِّيين هو حلمنا!’
كم اضطهدونا هؤلاء الأوغاد.
شعرت وكأنني أكتشفت نقطة مشتركة جيدة بيني وبين أبي، فهززت رأسي راضيةً عن ذلك في داخلي.
‘ولكن، هل من الطبيعي أن يتصرف
والدي بهذه الوقاحة؟’
كان لدي شعور بالقلق.
سمعت أن والدي حوت قاتل قوي، قادر
على مجاراة جدتي في قوتها.
‘لكنني لم أره بنفسي وهو يفعل هذا، أليس كذلك؟’
أنا أعرف جيدًا مدى تفاهة الشائعات أحيانًا.
بالطبع، قد لا تكون بلا أساس تمامًا.
لكن مع تقدم العمر، يضعف الجسد
بينما تزداد قوة الماء.
لأن الخبرة تتراكم في أرواح وأجساد الحيتان القاتلة.
بالإضافة إلى أن الحيتان القاتلة تتقدم في العمر ببطء.
ربما جدتي لا تزال قادرة على القتال
كما كانت في أوجها.
‘وفوق كل شيء، ذهابي مهرجان التنين يتم الموافقة عليه من قبل تلك العجوز.’
لهذا لا يمكنني إلا أن أكون حذرةً.
وإذا انتهى الأمر بوالدي أن يُرمى بعيدًا بسبب جدتي، فقد يعني ذلك نهاية ذهابي الى المهرجان.
‘والدي، أرجوك توقف أرجوكَ عن هذه
التصرفات الطائشة.’
لكنني شعرت بشيء غريب.
لدي انطباعٌ أن جدتي كانت ولا زالت تتسامحُ كثيرًا.
بل بدا وكأنها تستمتع بوقاحة والدي…
‘انتظر لحظة.’
أليس صحيحًا أن تلك العجوز تحب كل ما هو قوي؟
وتحب أكثر القوي الوقح.
وتحب أن تحطم الوقحين بيديها.
عندما نظرت إلى جدتي تذكرت ذلك.
لم يكن مفاجئًا، فعيونها كانت مليئة بالرضا وهي تنظرُ إلينا وكأنها اكتشفت لعبةً جديدةً.
‘همم، يبدو أنني يجب أن أكون حذرةً حتى لا أصبح مثل الروبيان بين أسنان الحوت القاتل.’
تركت حاشية قميص والدي وانسحبت قليلاً.
قليلًا جدًا.
“حسنًا، كان من المبالغة تشبيهكَ
بأولئك البرِّيين.”
اعترفت جدتي بذلك بسهولة وعقدت ساقيها.
لحظة، هل قال والدي أنه سمع قصةً مُمتعةً
قبل قليل؟
“ركضت بسرعة إلى هنا ولكنك لم تدخل، أتساءل ما الذي كنت تفعله بالخارج؟ هل كان الأستماع الى هذا الأمر يجذب اهتمامك حتى وأنتَ كسولٌ هكذا؟”
قالت جدتي ذلك بينما كانت ترخي
ذراعها على مسند الأريكة بهدوء.
“هل تجدُ طفلتكَ جميلةً على الأقل؟”
“…”
عندما لم يجب والدي، انحنت جدتي
قليلاً وأمالت رأسها.
“حسنًا، بما أنك سمعت كل شيء، سأطرح عليك السؤال أيضًا. لقد طلبت مني هذه الصغيرة أن احقق وأحكم في أمرٍ ما، ووجدت أن العقاب واجبٌ. إذًا، ماذا تقترح كعقابٍ بشأن تلك الخادمة؟”
“يجب أن تُقتل.”
“هاه؟”
كنت أنا من نطقتُ تلك الجُملة الأستفهاميةَ الأخيرة.
هاه؟ تُقتل؟
“حسنًا، أنا أفهم ذلك، قد يكون عقابها عادلًا
نظرًا لعدد الأطفال الذين قتلتهم.”
لكن، أليس من الأجدر أن نجري تحقيقًا أولًا؟
حتى لو كانت الأمور مختلفة عن كوريا في عالمي، ولكن ألم يكن من المفترض أن يحصل المشتبه به على حق الدفاع عن نفسه أثناء التحقيق لأثبات الأدلة؟
“طبعًا، يجب أن يُعاقب كل مذنب بنفس
القدر الذي تسبب فيه من الألم للآخرين.”
رغم أنني لا أفهم ما الذي يحدثُ جيدًا، ولكن بدا أن والدي قد أجابَ بحدةٍ حيثُ أنّ قرارهُ قد أعجبَ جدتي.
“جيّد. إذًا، بصفتي رئيسةَ الأسرة، أنقل إليك
أمر التصرف في هذه الحالة.”
“سأتولى الأمر بكل شرف يا أمي.”
بالطبع، سيكون من الجيد أن يتلقى المذنب عقوبته.
“ولكن…عذرًا، هل لن يُجرى أي تحقيق أو
يُشكل فريق تحقيق لهذه المسألة؟”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي