طفلة الحوت الأسود القاتل - 57
__ الفصل 57 __
حتى أجينور، الذي لم يكن يهتم بوالدي، كان على الأقل يناديه بلقب ‘والدي’.
قامَ بيلوس بإمالة رأسه قليلاً وقال:
“أنا لا أملكُ أبًا.”
أوه…حقًا، إنه الابن الأكبر العاق بكل ما تعنيه الكلمة.
‘لكن، أستطيعُ أن أتفهم ذلك.’
فلم يفعل والدنا شيئًا لأجلنا.
عندما كان أعمامنا الآخرون يحمون أولادهم
ويبنون نفوذهم، ماذا كان يفعل؟
منذ ولادتنا، كان يتجاهلنا تمامًا ولم يكن يهتم بما نفعل.
وبما أن بيلوس هو الأبنُ الأكبر، فمن الطبيعي أن
سنوات إهماله كانت أطول منّا جميعًا.
“يبدو أن الحديث يدور في دوائرٍ مُغلقةٍ، والوقت
يمضي بلا فائدة، لذا سأقولُ ما لدي مُباشرةً.”
“…”
“أريد أن أراقبكِ.”
“لماذا؟”
“مجرد رغبةٍ.”
ظهرت لأول مرة حيوية طفيفة على وجه بيلوس.
“أريد أن أدعمكِ عندما يحين الوقت المناسب.”
“ماذا؟”
للحظة وجيزة، رأيت شيئًا يشبه اللطف يختبئ
تحت ملامح بيلوس الباردة.
‘ما الذي خطر على بالي الآن؟’
هل أصبت بالعمى؟ بيلوس واللطف؟
حتى سمكة الأنشوجة ستمر وتضحك
على هذه الأفكّار.
“لقد أثرتِ إعجابي في اجتماع العائلة. على الأقل، لا أعتقد أنني كنت سأتمكن من القيام بما فعلتهِ وأنتِ في سنكِ هذا. زلهذا السبب أتيتُ لأراكِ مرةً أخرى، لأرى إن كنت جديرةً بدعمي.”
هذه كذبةٌ.
كذبةٌ صريحةٌ وواضحةٌ.
‘هذا الأحمق يدّعي أنهُ سيدعمني؟’
حتى لو حصل فرس البحر على أربع سيقان، سيكون
ذلك أكثر تصديقًا من هذا.
في حياتي السابقة، قاتلني هذا الشخص ولم يستسلم حتى كُسرت وجهه وكبرياءهُ بالكاملِ.
والاستسلام لم يكن بقبول الهزيمة، بل كان بمثابة تقلب غريب بعد أن تحطم عدة مرات.
أتذكر جيدًا التعلق الشديد لبيلوس
بمنصب رئيس العائلة.
كان هادئًا ورزينًا في العادة، ولكن عندما يفقد السيطرة، يصبح مجنونًا بدرجة تجعل التعامل معه صعبًا حتى بالنسبة ليّ.
كان مثالًا حيًا لمقولة ‘الأشخاص الهادئون هم
الأكثر رعبًا عندما يفقدون أعصابهم’.
بدلًا من الارتباك، ابتسمت قليلًا.
كان لدي الكثير لأقوله، لكنني رتبتُ أفكّاري بهدوءٍ.
“حسنًا، فهمت يا أخي.”
رددت بهدوء بينما تقدمت خطوةً للأمام.
ثم أمسكتُ بيد بيلوس.
على الرغم من أنه اهتز قليلاً، إلا أنه
لم يسحب يده بعيدًا.
“في الحقيقة…”
حاولت الابتسام بأكبر قدر ممكن من الإشراق.
“أنا أيضًا أريد أن أصبح قريبةً منكَ.”
وقلتُ هذا بصوتٍ ناعمٍ وهادئ.
وللحظةٍ قصيرةٍ، شعرت بيد بيلوس التي
أمسكتُ بها ترتجفُ قليلًا.
وتغيرت تعابيرُ وجههِ للحظةٍ.
“وأيضًا، لدي شيء أود أن أخبرك بهِ، فهل يمكنكَ الاقترابُ قليلاً؟”
رغم أنه عبس قليلاً، إلا أنه انحنى بهدوء ليقترب بأذنه.
وقفت على أطراف أصابعي، واقتربت من أذنه وهمست بأبتسامة صغيرة:
“من أين أتيت بهذه الحيلة
المكشوفة، أيها الأبن الأكبر؟”
ثم ابتعدت خطوة للخلف ورفعت رأسي مبتسمة.
‘هل تعتقد أنني لن أكتشف خطتك؟’
“تدعي أنك ستدعمني عندما يحين
الوقت المناسب؟ حقًا؟”
“…نعم، ولم لا؟”
“إذاً، هل تستطيع أن تقسم بذلك أمامي بأسم البحر؟”
ضحكت بتهكم بينما أحاول ضم ذراعيّ الصغيرتين.
هل ستفعلها؟ هل ستجرؤ؟ لقد كشفتكَ أيها الأحمق.
من أين تأتي بكل هذه الأكاذيب التي لا يمكن تصديقها؟
“…أنت ذكيةٌ وماكرةٌ حقًا.”
“أنا؟ ألستَ أنتَ من كان يحاول
القيام بمثل هذه الخدعة الفاشلة؟”
في تلك اللحظة، اندفعت لكمة نحوي بسرعة، لكنني تفاديتها وأمسكت بمعصمه.
“إن خطتك ضعيفة، كما هي هجمتكَ.”
“لم يكن هذا هجومًا. فقط، أردت أن أضع
يدي على رأس أختي الصغيرة.”
“هذا الهراء.”
لكن بيلوس يختلف عن بايون.
فبمجرد أن أمسكت بمعصمه، هدأ وسحب
يده بكل سلاسة.
في داخلي، شعرت بخيبة أمل.
لقد أظهر في حديثه المتزن هذا ضربته المفاجئة، مما يوضح أنه لا يزال مجرد طفل.
الشخص الذي أعرفه باسم بيلوس
كان أكثر صرامة وانضباطًا.
على أيَّ حالٍ…
‘الفارق في العمر هو المشكلة! الفارق
في العمر كبير جدًا!’
كان هناك فارق كبير في العمر بيني وبين بيلوس.
فرق كبير جدًا.
بوجه متجهم، تراجعت خطوة للخلف.
وفي اللحظة التالية، تفرقت المياه في المكان الذي كنت أقف فيه، مشكّلة بركة قبل أن تختفي.
لم تكن نية هجومية، فالمياه تراجعت بهدوء.
“حقًا، يبدو أنها كانت خدعة فاشلة.”
قال بيلوس ذلك، موافقًا بلا مبالاةٍ على كلماتي.
“لكنني أتيت اليوم حقًا من أجل التحدث. وإذا حصلتُ على فرصةٍ للقتالِ، كان سيكون ذلك جيدًا، لكن إذا كنتِ أضعفَ مني، فلن يهم الأمر. لا يهمني العنف مع خصم غير متكافئ معي.”
“…”
“ولكن، أصبحتُ الآن أشعر بفضولٍ حقيقي.”
“بشأن ماذا؟ أوه، و هل ستكون هذه
آخرُ مرةٍ نلتقي فيها اليوم؟”
لم أعد أرغب في التحدث، فهززت رأسي وانسحبت للخلف أكثر.
لكن بيلوس فتح وأغلق يده التي أمسكتها
من قبل، ثم ابتسم بخفة.
“هل ستحضرين مهرجان التنين هذا العام؟”
توقفت فجأة بصدمةٍ.
‘…ماذا؟’
“أنا قريبٌ جدًا من جدتي. كنت بجانبها
عندما كانت تتلقى التقارير.”
رَفَّت عيني دون أن أقول شيئًا ثم شعرت بالخوف.
انتظر لحظة، لحظة…هذا…
“حسنًا، لقد أصبحتُ مهتمًا بك. لذا
أريد أن أتبعك بإخلاص.”
‘لماذا ينظرُ إليّ بنفس النظرة التي كان ينظر
بها حينما كنا نتشاجر بشراسة؟’
في حياتي السابقة، ومنذ تلك اللحظة التي بدأ فيها بالكلام بتلك الطريقة، بدأ أخي الأول يتعلقُ بيَّ أكثر من أخي الثالث حتى.
بالتحديد، كان يتعلق بقوتي.
‘لقد كان يظهر كل يوم، يتوسل للقتال، ويعدُّ
بأن يصبح التابع المثالي ليّ.’
ولكن الآن، الآن لا يوجد بيننا أيّ إرتباط.
لذلك جعلني هذا الآن أشعرُ بعدم الارتياح، كما
شعرت في ذلك الوقت.
من الطبيعي أن تكونَ هذا إشارةٌ سيئةٌ بالنسبة ليّ.
‘هذا الوغد، لا يمكن أن يكون…’
“سأذهب إلى هناك أيضًا، لقد أصبحت فضوليًا. حول السبب الذي يجعلكِ ترغبينَ في الذهابِ إلى هناك.”
كما توقعت! إنها مهارته الخاصة.
ذاك الشخص كان خصمًا عنيدًا للغايةِ
حتى أصبح تابعي في النهاية.
حاولت التظاهر بالهدوء وكأنني لم أتأثر، لكن
في داخلي كنت في حالةٍ من الارتباك.
‘هاه؟ لماذا ستذهبُ إلى هناك أيضًا؟’
“إذًا، سأذهب.”
‘أ-أنتَ!’
‘لا، لا يمكن!’
إذا لم أوقفه الآن، ستخرج الأمور عن السيطرة.
ولكن قبل أن أتمكن من قول أي شيء، كان بيلوس قد ابتعد بالفعل.
نظرت إليه من الخلف فقط، ثم وضعت
يدي على وجهي.
“تبًا…”
لقد تدمر كل شيء.
أليس هو الآن يحاول إزعاجي؟
عندما رأيت عينيه الزائغتين، بدأت أشعر بالقلق.
ولكن قبل قليل، لم أتمكن من رؤية شيء
سوى رغبته في انتزاع رقبتي.
لو لم أتصرف وحدث ليّ شيء، لكانت هذه مشكلةٌ أكبر.
‘إذًا، ربما لن أتمكن من الذهاب إلى مهرجان التنين.’
لا شيء أهم من الذهاب إلى مهرجان التنين الآن.
وقفت في الممر، عاجزةً عن التحرك لفترة طويلة.
ثم استجمعت شتات نفسي فجأة.
‘الوقوف هنا لن يساعدني. يجب أن أعود وأفكر.’
وعندما كنت على وشك العودة، اقترب مني شخصٌ ما.
عندما أدرت رأسي، رأيت خادمًا ينحني تحية.
“ها أنتِ هنا يا سمو الأميرة.”
قال الخادم بانحناءةٍ متأنيةٍ وباحترامٍ شديدٍ قد قالَ:
“سيدةُ العائلةِ تطلبُ حضوركِ.”
***
بعد فترة قصيرة، كنت في داخل غرفة ضخمة.
كانت الغرفة مُغطاةً باللون الأسود الباهت…
بدت وكأنها مثالٌ على الديكورات الجنونية الباردة التي
كانت تنتشر كميمز على الإنترنت سابقًا.
كل شيء كان أسود، وإذا كان هناك ثلاجةٌ، لكانت
مليئة بزجاجات مياه معدنية بدون ملصقات.
أو بالأحرى، ربما كانت زجاجاتُ المياه من علامة
تجارية معينة، لكن لن أذكر التفاصيل أكثر فكل هذه الأمور كانت عندما كنتُ في كوريا.
كانت هذه الألوان هي التي ترمز للحوت
القاتل، الأسود والأبيض.
كما كانت جدتي عاشقةً للون الأسود حقًا.
“مرحبًا، جدتي.”
كانت جدتي جالسة أمام مكتب ضخم يبدو أنه من المستحيل إنهاء التقارير التي عليه.
عندما حييتها، رفعت جدتي جسدها
ونهضت من الكرسي.
وضعت يدي على صدري وأنا أحاول التحية، لكن الرد جاء جافاً وبلا مبالاة.
“اجلسي هناك.”
حقًا، جدتي لا ترد حتى على التحية.
على أيَّ حالٍ، الأضعفُ هنا دومًا سيكون بلا كلمة.
لذا حاولت الذهاب والجلوس على الأريكة بهدوء.
‘أنها ضخمةٌ بشكلٍ غيرِ طبيعي.’
كانت الأريكة بحجمها المألوف كالعادةِ.
في الواقع، هذه الغرفة لم تكن غريبة عني أيضًا.
لأني كنت أستخدمها بعد أن أصبحت رئيسة العائلة في حياتي السابقة.
‘لكنني لم أرغب في الاستمرار في استخدام مكان كانت جدتي تستعمله، لذا قمت بتعديل مكان آخر ونقلتُ كُلَّ شيءٍ إلى هناك.’
حتى أنني فضلت أن أجهز مكانًا أكبر من الذي كانت تستخدمهُ جدتي.
كان الأمر كذلك في ذلك الوقت.
لأنني كنت أكره تلك العجوز وأحمل تجاهها الكثير من الضغينة، كان لدي شعور كبير بالأشمئزاز.
على أيَّ حال، أثناء محاولتي الصعود بجهد على
الأريكة وكأنني أصعد درج الأكاديمية.
فجأة شعرت بجسدي يرتفع
ثم سقطت على الأريكة.
“همف، ما أصغركِ بشكلٍ مزعجٍ.”
عندما نظرت للخلف، رأيت جدتي تقتربُ بخطواتٍ واثقةٍ وتجلس بثقل على الأريكة المخصصة لشخص واحد.
ثم نظرت إلي من أعلى رأسي حتى أخمص قدمي.
“في اجتماع العائلة لم تكوني تبدين بهذا الصغر. هل تقلصت في هذه الفترة، يا كعكة الأرز؟”
…هل يمكن حدوث أمر كهذا أيتها العجوز؟
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي