طفلة الحوت الأسود القاتل - 56
__ الفصل 56 __
الأمر المدهش هو أنه، رُغمَ مظهرهِ الجذاب، لم
يكن يبدو كالفتاةِ بشكل غريب.
على أيَّ حال، لماذا هو هنا؟
المُثير للدهشةِ أنه كان يبدو وكأنه ينتظرني، حيث
كان يستقيم من وضعه بعدما كانَ متكئًا على الحائطِ.
لماذا ينتظرني هذا الشخص؟
على الأرجح، ليس لديه أي عمل
آخر مع الأكاديمية الابتدائية.
يبدو أنه جاء ليبحث عني.
“أريد التأكد مسبقًا، هل أتيت تبحث عني؟”
“نعم.”
“لماذا جئت من أجلي؟”
“أردت التحدث.”
جاء الرد مقتضبًا على سؤالي البسيط.
رغم تجعد حاجبي، ألقيت نظرة
سريعة على الممر.
كان الممر خاليًا، حيث غادر الجميع الأكاديمية.
“لا أعرف عن ماذا تريد أن تتحدث، لكن
اختصر. ما هو غرضك؟”
“…”
لولا حياتي السابقة، لم أكن لأهتم به في هذه
الحياة، إذ لا يوجد سبب وجيه للقاءهِ.
في الواقع، منذ أسبوع فقط، فكرت في تعديل سلوكه في اجتماع العائلة، لكنني تخلّيت عن الفكرة بعد أن أُتيحت ليّ الفرصة للذهاب إلى مهرجان التنين.
‘إنه شخص ذو كفاءة، لذا سيعيش
جيدًا على الأرجح.’
علاوة على ذلك، إذا سارت الأمور على ما يرام وبقيت في منزل الدوق التنين دون العودة إلى هنا، فإن ذلك سيكون مكسبًا لأخي الأكبر أيضًا.
‘ربما سيصبح هو أو أجينور رئيس
العائلة في هذه الحياة.’
نظر بيلوس إليّ ببرودٍ، ثم أظهر تعبيرًا غريبًا.
“…لماذا تتخذينَ وضعية القتال؟”
“ألم تقل أنك تريد التحدث؟”
“إذن ماذا؟”
“أحاديثك ليست بالكلمات فقط، أليس كذلك؟”
هل تظن أنني لا أعرفُكَ؟
رغم مظهره، فأنبيلوس ليس من الأشخاص
الذين يتحدثون بهدوء.
‘سيهاجم.’
كان أخي الأكبر الأكثر حذرًا من بين إخوتي.
‘تحركه يعني أنه واثق من النصر، أو واثق
من قدرته على تحطيم الخصم.’
رمش بيلوس ببطء.
“…هذا ليس صحيحًا.”
ماذا؟ يبدو وكأن كلكاتي أمرٌ غيرُ منطقيٍّ.
“كاليسو أكواسياديل، ليس منطقيًا أن أتحداكِ
في قتالٍ ما في وضح النهار هنا في الممر.”
“كاذبٌ. إذا كان الأمر كذلك، يمكنك نقلُ
المعركة إلى مكانٍ آخر.”
نظرت إليه بريبة، مع تجعد طفيف في ملامحي.
“تقول إنك لم تأتِ للقتال؟ لكنك لا
تتحرك إلا عندما تكون متأكدًا.”
“تتحدثينَ وكأنكِ تعرفيني جيدًا.”
حينها أجبت بكل هدوء.
“إذا جمعتُ المعلومات المتاحة في هذا المنزل، فأنني بسهولةٍ سأجدُ الكثير من المعلومات عن أخي الأكبر، فماذا في ذلك؟”
“هذا صحيح.”
تكتف بيلوس.
فهمت أن هذا ليس مؤشرًا جيدًا.
التكتف هو ما يفعله عندما يكون
في حالة مزاجية سيئة.
‘هل أنا الآن في موقف يجعلهُ مستعدًا لمواجهتي؟’
خطوت خطوة إلى الوراء، مستعدة لتوجيه الضربة الأولى إذا لزم الأمر.
الضربة الأولى هي الفوز!
…ولكن من يعلم إذا كانت ستنجح معه، ولكن مكان القتال يجب أن يكون هنا.
‘لا يجب أن يتغير المكان، فقد رأى كيف
عوقب بايون لذا لن يهاجمني هنا.’
لحسن الحظ، كان مكاننا في الممر.
كما كان الحال مع بايون إذ قد اندلعت معركتي معهُ هنا، لذلك الوضع سيكون بالكامل في غير صالحه.
‘كنت أعتقد أنه سيأتي ليلاً، ولم أتوقع
أن يأتي بهذا الوضوحِ.’
هذا يعني أن هناك احتمالًا أكبر بأن
يأخذني إلى مكان ما.
‘ربما عليّ الحذر من عنقي أولاً.’
“يبدو أنكِ تسيئينَ الفهم، لم آتِ للقتال حقًا.”
“كاذبٌ. تبدو منزعجًا الآن، أليس كذلك؟”
“…لا أعلم كيف عرفت ذلك.”
في تلك اللحظةِ، ضيّق بيلوس عينيه.
في نفس اللحظة، تدفقت مياه
بجانبه وتحركت بلطف.
“لست منزعجًا، بل فقط فكّرتُ بأنكِ غريبةٌ، توقعت أنكِ تعرفيني لأنكِ سمعتِ عني، لكني مجرد طالب مثالي وهادئ في الأكاديميةِ المتوسطة، لا أكثر ولا أقل.”
“…”
صمتي لم يكن لأنني أوافقه، بل لأنني صُدمت.
…أنت طالب مثالي؟ قولها هكذا وكأنهُ يُعلن
أن الحيتان القاتلة أصبحت نباتية.
“حتى أنني لم أقاتل قتالًا واحدًا لم يكن
ضروريًا، ما لم أتعرض لهجومِ أولًا.”
وفجأة، تحولت المياه الرقيقة إلى تيارِ مياهِ كثيفٍ، وفي لحظة واحدة تدفقت مياهٌ أكثر بكثير.
“لذا…كيف عرفتِ أنني أحب المعارك؟”
شعرت بالذهول.
‘تبًا، كم تيارًا مائيًا صنع ذلك اللعين الآن؟!’
يمكن قياس قوة الماء من خلال عدد التيارات
التي يمكن توليدها في نفس الوقت.
من المؤكد أن هذا الشخص ليس في
مستوى من هم في عمره.
يمكنه بسهولة التفوق على معظم البالغين.
“أين يوجد حوتٌ قاتلٌ لا يُحِبُ القتالَ؟!”
“أمم، هل كان هناك أحد من الذين قضيت عليهم قد تجرأ على الكلام ونشر هذه الأمور عني؟ من هو؟ من تجرأ على تحريك لسانه حتى بعد أن تلقى تلك الضربات مني؟”
…هذا الشخص يتفاخر بقوتهِ علنًا.
إنه يقول ذلك بشكلٍ مقصود ليسمعهُ الجميع.
‘لقد أخطأتُ في تقدير الأمر.’
عندما تحدث عن كونه طالبًا مثاليًا، ارتبكتُ
للحظةٍ، لكنني أدركتُ شيئًا فشيئًا.
على الأقل، بيلوس الحالي لم يكن بنفس
شخصية الشخص الذي كنت أعرفه.
وكيف ليّ أن أعلمَ أنهُ كانَ يتصنع؟
هذا لكوني كنت قد سمعت في حياتي السابقة أنه كان هادئًا ومهذبًا في الأكاديميةِ التعليمية.
لكنني لم أكن أعلم أنه كان يتصنع الهدوء!
“ماذا تعني بهذا؟ أوقف هذا الصراع حالًا إلا أذا كنت تنوي قدوم المديرةِ إلى هنا.”
“…”
يبدو أنه لم يقتل أحدًا بعد، لكن من الواضح
أنه فعل كل شيء من الخفاء.
ما الذي فعله في الخفاء حتى أنه
يتصرف بهذا الاندفاع؟
“حاليًا، أنا شخص لا يحب المعارك، ولهذا حتى
جدتي قالت عني أنني شخص ممل.”
“وما علاقتي بذلك؟”
في تلك اللحظة، اختفى التيار المائي الذي كان يتحرك بجاني رأس بيلوس في الحال.
“أعني أنه ليس لدي نيةٌ للقتالِ معكِ. أنا لست
غبيًا لأكرر نفس خطأ بايون.”
“من يعلم؟ ربما تهاجمني من الخلف في
مكان منعزل وتنهال علي بالضرب.”
“فكرت في ذلك بالفعل…هذا غريبٌ. تتحدثينَ وكأنكِ ترينَ ما يدور في رأسي؟”
“لماذا تعترف بهذا بسهولةٍ؟ هل أصبتَ بالجنون؟”
“هذه أول مرة أسمع فيها كلامًا كهذا.”
رد بيلوس بوجهه الجميل والبارد.
وأجبت بلا مبالاة.
“يبدو أن المحادثة لن تكون قصيرة، هل تنوين
أن تظلّي حذرةً هكذا طوال الوقت؟”
“أنا لا أثقُ في أيَّ شيءٍ غيرِ مؤكدٍ. إن كان لديكَ
ما تقولهُ، فقل ما عندكَ وارحل.”
أدرك بيلوس أنني لن أتحركَ من مكاني، فتراجع
خطوةً إلى الخلفِ.
“جيّدٌ. أردت فقط أن أوضح أن ما حدث لبايون يمثل ليّ فرصة ذهبية، ولا أنوي القيام بأيَّ حماقاتٍ.”
“كلما زادت الفرص، ألن ترغب أكثر
في التخلص من منافسيك؟”
“…”
“لا زلتُ ضعيفةً وفي مرمى السهام. إن تسببت ليّ بضررٍ دائمٍ أو قتلتني عندما تكون أقوى، ستكسب بذلك.”
أظهرَ بيلوس بعض الدهشة.
“مثيرٌ للإعجابِ. من المؤكد أن عمي الأول
والثاني يعتقدانِ ذلك أيضًا.”
ابتسمَ بيلوس ابتسامة باهتة.
“وأنا أيضًا أعتقد ذلك.”
أُصبت بالصدمة من سلوكه هذا، وهو
يظهر طبيعته الحقيقية بابتسامة.
“حسنًا، وبعدما استمعتُ لكلامكَ جيدًا. إن حاولت الهجوم هنا، فأنتَ من سيُطرد، ولقد رأيت ذلك بوضوح في اجتماع العائلة مع بايون. سأدعك تذهب الآن.”
“لكنني جئت إلى هنا بدافع حقيقي
للاهتمام بك، يا كالبيسو أكواسياديل.”
“اهتمامٌ؟ بيّ أنا؟”
عندما قال ذلك، شعرت للحظة أنه قد يكون جادًا.
ولكن كيف يمكن أن يُسمى ذلك اهتمامًا بعد أن أعلن مسبقًا عن نيتهِ في قتلي؟
كيف يُمكن أن يبدو هذا وكأنهُ نيةٌ حسنةٌ؟
ظلَّ بيلوس في مكانهِ دونَ حراكٍ.
ثم رد هذه المرة بوجهٍ هادئ.
“ربما إن أحدثتُ فوضى هنا، يمكنكِ أن
تستدعي ليلى أو أحد المعلمين.”
لقد لاحظتُ من التيار المائي الذي استخدمه للتو.
بغض النظر عن مدى تفوقي وإثبات نفسي في أجتماع العائلة، من وجهة نظره، ما زلت لا أستطيع حتى تكوين تيارٍ مائيٍّ بسيطٍ إذ أبدو مثل سمكةٍ صغيرةٍ.
ربما يراني كسمكةٍ غريبةٍ عالقةٍ بين أسنانه، سمكةٌ مزعجةٌ ولكن لم يحن الوقت للتخلص منها بعد.
من جهة، يشعر بأنه يستطيع
التخلص مني في أيِّ لحظةٍ.
لذا أدركتُ أن بيلوس ليس مهتمًا بيّ حقًا.
“لا أرغب في هذا الاهتمام، لذا احتفظ به لنفسك. وليس لدي نية لمواصلة هذه المحادثة.”
“لماذا؟”
“لأن اهتمامك الحقيقي ليس بي، بل بأبي.”
في حياتي السابقة، حتى بعد أن أصبح بيلوس أحد أتباعي، كان دائمًا يشعر بشيء من النقص.
‘كنت أشعر دومًا بالأسف لأنني لم أقاتل الشخص الذي يُقال عنه الأقوى. كنت أرغب دائمًا في مواجهته.’
‘من؟’
‘بايير أكواسياديل.’
كان بيلوس الذي كان ينادي والدي باسمه، مجرد
شخصٍ اعتبر والدي حوتًا ماتَ مبكرًا.
بالنسبة للحيتان القاتلة، هناك دائمًا شخصٌ أو شيءٌ يتعلقونَ بهِ ولو لمرةٍ واحدةٍ في حياتهم.
وفي حالة بيلوس في ذلك الوقت، كان الشخص الذي تعلق به والذي بقيت لديه مشاعر متبقية نحوه هو والدي.
‘ماذا لو كان ذلك هدفه منذ الطفولة؟’
حينها قلت بوضوحٍ وثباتٍ بعد استذكّار هذه الأمور:
“إذا كان لديكَ أمرٌ تريدهُ، فاذهب إلى والدي مباشرةً وليس إليّ. في الوقت الحالي، سيستمعُ لكَ جيدًا.”
إذا كان والدي على علاقة جيدة مع أجينور، فإن والدي
لن يرفض أخي الأكبر حتى لو جاء إليه الآن.
“إذا كنت ترغب في القتال، فاذهب إلى هناك. فلن
يكون هناك شيء يخالف القواعد.”
“لا أدري لماذا تقولينَ ذلك. ولكن ليس لدي اهتمامٌ
بـ بايير أكواسياديل. أنا مهتمٌ بكِ أنتِ.”
في اللحظة التي سمعت فيها هذه الكلمات، شعرت بفضولٍ مفاجئ.
“أخبرني، لماذا تتحدث عن والدنا بتلكَ الطريقةِ؟”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي