طفلة الحوت الأسود القاتل - 53
__ الفصل 53 __
بالرغم من أنني أتظاهر وكأن شيئًا لم يحدث، إلا أنني كنت متلهفةً للغاية لمعرفة جواب أبي.
لم أكن أعلم كيف ستكون ردة فعله، لذا كانت أعصابي مشدودةً بانتظار ما سيقولهُ.
ربما لن يحدث شيء على الإطلاق.
كرهت نفسي لأني لا أستطيع
التوقف عن التطلع والتمني.
‘لكن، أليس هذا بسبب ما فعلهُ هو في الاجتماع؟’
لقد وقفَ بجانبي في اللجنة التأديبية.
حتى في أثناء الاجتماع، قامَ بحمايتي.
‘ولكن لماذا فعلَ ذلك؟’
عشتُ ثلاث مرات، أي ما يقرب من ستونَ عامًا، وكان الاعتماد على الآخرين شيئًا نادرًا بالنسبة ليّ.
ومع ذلك، كان هناك شيءٌ خفيفٌ
يتسلل إلى قلبي، يُشبه التوقعات.
لكن كان هناك شيء واحد واضح: أنني كنت
مستعدةً دائمًا للتراجع.
إذا كان الأمر سيؤذيني، فأنا أعرف أنني
سأختار الهرب أو القتال بلا ترددٍ.
“سأسألكِ سؤالًا واحدًا فقط.”
“…ما هو؟”
“الإشاعة التي نشرتها عمدًا…”
حينها شعرت بأنفاسي تتوقف داخلي.
“لقد كنتِ دائمًا تتحدث عن والدكِ وتقولينَ إنه هكذا أو هكذا….وغيرها الكثير من الصفات المُحببة.”
“…”
“في النهاية، هل كان ‘والدك’ مجرد
صورة مثالية في خيالك؟”
كان سؤالًا لم أتوقعه أبدًا.
في تلك اللحظة، جفَّ اللعابُ في فمي.
هل كان يقصد أنني تخيلت والدًا
مثاليًا وتحدثت عنه فقط؟
كان عليّ أن أتخذ قرارًا هنا.
ولم يكن لديّ وقت طويل لأقرر، لذا
تحدثتُ بأجابةٍ قصيرةٍ:
“لا.”
كلا، لم يكن ذلك مجرد صورة مثالية.
“والدي كان الشخص الذي وصفتهُ بأستمرارٍ.”
حتى لو قلت هذا، فإن بايير الذي أمامي
لن يفهم أبدًا ما أعنيه.
كنت أعلم أن كلامي سيكون بلا معنى بالنسبة
له، لكن لم يكن لدي خيار سوى قول هذا.
“أبي يحبني أكثر من أيَّ شيءٍ في العالم.”
لم أستطع محو وجود والدي بالتبني
الذي رعاني بحب.
‘أريد العودة إلى البيت. لا أريد العودة بالزمنِ
إلى الوراء مرةً أخرى هنا.’
لكن ذلك كان بمثابة تمزيق آخر أمل لديّ.
“…أوه.”
لم يسأل بايير المزيد.
كان من المغريب كيف تجاوز الأمرَ بسهولةٍ رغم أنني كنت واثقةً من أنه لم يفهم ما أقلتهُ.
وبدلاً من ذلك، نظر إليّ بوجه مُتجهمٍ قليلًا وقال:
“في النهاية، لا يمكنكِ الاعتراف بي كأب.”
توقفت للحظة.
“…هذا يبدو كما لو أنك تعتزم أن تكون لي أبًا.”
حاولت بجد أن لا يرتجف صوتي.
رغم صعوبة ما قلته، أومأ بايير برأسه بارتياح.
“إذا كنتِ ترغبين في ذلك فلن أمانع.”
‘ماذا؟ ما الذي يحدث هنا؟’
في تلك اللحظةِ، اتسعت عيناي بصدمةٍ.
“هل تكرهين ذلك؟”
كان من المفترض أن أقول نعم.
هذا هو بايير، الحوت الذي…
لأسباب لا أفهمها، قرر أن يلعب دور
أبي في هذه الحياة.
لو استمر في ذلك حتى أبلغ العاشرة من عمري، فلن يتبقى سوى أن احقق هدف أن أصبح عروس التنين.
بمجرد أن تتحدد عروس التنين، من الصعب تغيير ذلك، لذا كان كل ما علي فعله هو البقاء حتى ذلك الحين.
كيف يمكنني أن أرفض هذا؟ ستكون الحياةُ سهلةً
كما فتحت ليّ طريقًا للعودة إلى كوريا.
ولكن…
‘أفكّاري اللعينة.’
ومع ذلك، كانت المشكلة أنني لم أعد
أثق في الأشياء غير المؤكدة.
نعم، لقد شاهدت بنفسي كيف دُمِّر العالم
بسبب أمرٍ غيرُ متوقعٍ.
“ماذا عن السنوات التي تجاهلتني فيها، والآن تظهر وتريد أن أعترفَ بكَ كأبٍ ليّ؟”
“…”
“يا مُعلِّمي، لو لم أكن قد جئتُ إليكَ أولًا، لكانت الأمور قد بقيت على حالها، ولما كنتَ لتبدي أيَّ اهتمامٍ بيّ طوالَ حياتكَ، أليس كذلك؟”
حتى لحظة وفاتك.
نعم، كانت المشكلة أنني لم أتمكن أبدًا من
فهم أفكار أبي ولا مشاعره.
ولذلك، لن أغامر بالدخول في
مياه لا أستطيع رؤية قاعها.
لذا نظرت إلى بايير بوجهٍ جاد ومليء بالإصرار.
“نعم، هذا صحيح.”
اعترف أبي بذلك بشكل أسرع مما توقعت، وكأنه
يقبل الأمر عن طيب خاطر.
“لكن الآن، أنتِ هنا، وأنا هنا كمعلمكِ. ومع ذلك، يبدو
أن هذا وحدهُ لا يكفيكِ.”
كنت أتوقع منه أن يغضب أو
يسألني بإلحاح، لكنه لم يفعل.
بل على العكس، اعترف بكل هدوء، ولم يتوقف
عند ذلك، بل قدم لي عرضًا.
“حسنًا، لنجعل الأمور هكذا…”
ركع بايير ببطء على ركبته أمامي، مما
جعله في مستوى عيني.
كان أشبه بحيوان ضخم يخفض ظهره
لينظر في عيني طفل صغير.
“سأقدمُ لكِ عرضًا.”
لم أتمكن من وصف هذا الوضع إلا بأعتبارهِ إهتمامًا، مع أن تلك الكلمات التي نطقها بايير لم تكن مناسبةً.
“اعترفِ بي كأبٍ لكِ حتى تتحرري من قيود
هذه العائلة وتصبحينَ حُرةً.”
“…”
“حينذاك، لا يهم إن أستمررتِ في مُناداتي بأبي.”
..لقد شعرت بالارتباك.
“لماذا؟”
“لأني أرغب في ذلك.”
“ألا تعتقد أنكَ متعجرفٌ للغايةِ؟ لماذا لا تغضب حتى؟”
“هل كنتِ تنتظرين غضبي؟ آسفٌ
لإحباطك، لكن هذا لن يحدث.”
قد ناديتهُ بابي سرًا في وقتٍ سابقٍ، لذا يمكنني الآن الاستمرار في ذلك أمام الناس وخلق الشائعات كما أشاءً.
لكن…
‘أنا لا أكرهكَ يا مُعلِّمي…’
أشكرك لأنك جعلتني أقوى.
وأتمنى أن تستمر في تدريبي وتكون
حاميًا ليّ ووصيًا عليّ.
لقد انتهت حيواتي السابقة بسبب ما حدث من مأساةٍ في كُلِّ حياةً حينذاك.
ولدي الكثير من الأشخاص لألومهم، أكثر مما يمكنني لومك لأنني لم أتمكن حتى من رؤيتك في جميع حيواتي.
ولكن رغم ذلك، لن أعتبرك أبًا حقيقيًا ليّ.
لأن لدي أبًا واحدًا فقط.
“ما تقولهُ يدل على كونك مُتعجرفًا للغايةِ حقًا. لكن ألا تعتقد أنكَ مُتعجرفٌ حقًا بظهورك فجأةً أمامي وانت تطلبُ ان أعترفَ بكَ كأبٍ ليّ؟”
“…هذا صحيح.”
ابتسم بيير ابتسامة خفيفة وهو يضع ذقنه على يده.
“نعم، الحيتان القاتلة مخلوقات متعجرفة بطبعها. إنها شرسة، متشبثة، وأنانية.”
“…هل تقدم نفسكَ ليّ الآن؟”
“كما أنها كائنات جشعة لا تفلت أي شيء
داخل حدودها. أنتِ بالتأكيد تعرفين هذا.”
ضربَ أصبعهُ الكبير جبيني بلطف.
“لا يبدو أنكِ تنوين التخلي عني، لذا أعتقد
أن لدينا وقتًا طويلًا معًا.”
“…”
“افعلي ما تريدين.”
عندما رفعت بصري بينما كنت أفرك جبيني، رأيت أبي يبتسم لي بابتسامة لم أرها من قبل.
“آسفةٌ يا معلمي، لكنني لا أثق في
الأمور غير المؤكدة.”
“لا تلتّفي في دوائرٍ مُغلقةٍ حول الموضوع وقولي ما تريدين. أليست هذه إحدى مهاراتك المميزة؟”
“هل ستصبحُ وصيًا لي؟”
“إذا كنتِ تريدين ذلك.”
“للأبد؟”
“أيضًا إذا كنتِ تريدين ذلك.”
“إذًا.”
أمسكت بيد أبي الممدودة في الهواء.
كانت يده كبيرة لدرجة أنني بالكاد تمكنت
من الإمساك بإصبعه الصغير.
“اقسم ليّ. إذا كنت لا تكذب، يمكنك أن
تقسم بأسم البحر، أليس كذلك؟”
نظر إلي أبي بعينيه الزرقاوين دون
أن يهرب من نظراتي.
“هل تجد الأمر صعبًا؟ حتى إذا قلتَ هنا
أنك لن تستطيع، سأتقبلُ ذلك…”
ثم أمسكت يده الكبيرة بيدي تمامًا، وكأنها تمنحني الدفء الذي لطالما أحتجتهُ.
ولكن لقد كانت يدهُ يدًا باردةً.
“أنا بايير أكواسياديل، أتعهد أن أقوم بدور الأب لكاليبسو أكواسياديل.حتى نهاية حياتي. وأقسم بكل هذا باسم البحر.”
أخذت المياه الزرقاء تنبع من أيدينا.
رأيت بوضوح كيف التف ذلك التيار المائي
حول معصمي ومعصم أبي، ثم تلاشى.
‘قسم البحر!’
قسم لا يمكن الرجوع عنه، بل إن هذا الأب المجنون
قد أضاف قوة المياه إلى قسمه الآن.
إذا أخل به، فقد يموت أو يفقد كل قوته.
“كما حكمتِ عليّ، لقد راقبتكِ حتى
تمكنت من فهم طبعكِ.”
هل هذا الحوت القاتل مجنون حقًا؟
هل فعل حقًا ما طلبت منه؟
“يبدو أن لا مجال للتراجع بعد الآن.”
ابتسم أبي ابتسامة خفيفة وهو يقول ذلك.
“وماذا ستفعلين الآن؟”
ترددت للحظة عند ملاحظة تعابير وجهه
المتسائلة عند طرحهِ هذا السؤال.
لكن كان ذلك فقط للحظة قصيرة.
‘وماذا سأفعل؟’
هذا جيد.
نعم، قد لا أفهم ما حدث، لكن بغض النظر عن
ذلك، لقد قال إنه سيلعب دور الأب ليّ.
لقد أعلن بشكل حاسم أنه سيكون وصيًا لي، بل
واستخدم القسم ليضمن أنه لن يتراجع.
“إذا كان الأمر هكذا، فلا بأس بأن أغض
الطرف عن سبب طلبكَ لأن تكون أبي.”
“كما توقعت.”
“حسنًا، في بعض الأحيان، التصرف بما يتماشى
مع التوقعات ليس بالأمر السيئ.”
نظرت إلى أيدينا المتشابكة،
ثم ابتسمت ابتسامة عريضة.
“هل يمكنني الاستمرار في مناداتك بِ مُعلِّمي؟”
“…لم تخطئي أبدًا في استخدام الألقاب.”
“ماذا؟ ماذا قلت؟”
“هذا الحرص المبالغ فيه، لم تورثيه مني.”
“أعتقد أنني ورثته من أمي.”
“…”
يبدو أن تصرفي المتوقع قد أزعجه.
قرأت تعابير وجه أبي بطريقتي الخاصة.
“يا مُعلِّمي، إذا كنت تشعر بقليل من الأسف تجاهي، فهل يمكنك تحقيق أمنية واحدة ليّ؟”
عليه أن يقوم بتصرف غير متوقعٍ الآن.
ابتسمت برقة وسحبت يد أبي قليلًا.
“لا أشعرُ بالأسف تجاهكِ، لكنني سأستمع إليكِ.”
“حسنًا.”
كان هناك أمر واحد خطر في ذهني.
“أعتقد أن…مهرجان التنين سيُقام
هذا العام، أليس كذلك؟”
“نعم، صحيح. سيقام في مدينة
التنين، لما تتحدثينَ عن هذا؟”
ابتسمت وأنا أقول:
“هل يمكنك أن تأخذني إلى مهرجان التنين؟”
شعرت أنني قد أستطيع استغلال
هذا الأمر لخلق فرصة.
إذا تمكنت من الذهاب إلى المهرجان…
لا أعلم إن كان ذلك سيجدي نفعًا، لكن…
‘إذا نجح الأمر، سأتمكن من لقاء الدوق التنين مبكرًا.’
على أيَّ حال، تقديمي في اجتماع العائلة اليوم واختياري كعروسٍ للتنين امرانِ مختلفانِ وبعيدان عن بعضهما البعض.
‘بالتأكيد، لقد تم الإبلاغ عني للعائلة
الملكية منذ ولادتي.’
لن يتغير شيء، إلا إذا أصبحتُ رئيسة العائلة.
‘علاوةً على ذلك، يجب أن أبلغ العاشرة من عمري لأصبح عروسًا للتنين، وهذا يعني أنه لا يزال أمامي سبع سنوات من الانتظار. ولكن ماذا لو استطعت تقليص هذا الوقت الآن؟’
لماذا لا أجرب؟
حتى إذا لم أتمكن من المشاركة، فلن
يكون التحدث طلبُ هذا ضارًا.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي