طفلة الحوت الأسود القاتل - 47
__ الفصل 47 ___
“…أُذِن لكِ.”
كان الأمر غريبًا.
عادةً ما تتجاهل جدتي كُلَّ من ليسوا أقوياء.
‘هذه العجوز لا تعترف أبدًا بالذكاء دون القوة.’
وعلى الرغم من ذلك، فإن عائلة بيلوغا
ليست بتلك العائلة ذات القوة الجبارة.
ربما لو كانت تشتهر بالذكاء، لكان الأمر مختلفًا.
‘قيل إن والد التوأم كان عبقريًا لدرجة لفتت انتباه جدتي. هل لهذا السبب قد وافقت؟’
بينما كنت أفكر في ذلك، تقدمت زعيمة عائلة بيلوغا التي مُنحت الإذن بالكلام، متوجهة بخطى ثابتة.
وكان روبا والد لوكا ولوبا يرافقها.
“لا أظن أن جميع الحضور على معرفةٍ بيّ، لذا اسمحوا لي أن أقدّم نفسي. أنا إيليا بيلوغا زعيمة عائلة بيلوغا ووالدة الأطفال الذين أنقذتهم الأميرة كاليبسو، كما ذكرتُ سابقًا.”
عند اقترابها، تبيّن لي أن لوكا ولوبا ليسا بعيدين الشبه عنها، لكنهما يميلان أكثر في الشبه إلى والدهما.
ثم وجهت إيليا تحيةً إلى بايير وأجينور أيضًا.
‘لقد حيّتني أولاً. هذا غريب.’
أشعر بشيء غامض.
بعدها، سارت إيليا إلى مكانها كما فعل
الشهود السابقون وبدأت بالحديث.
“ما سأقوله الآن هو سردٌ دقيقٌ نيابةً عن أطفالي لوكا ولوبا، الذين كانوا ضحايا في هذا، بصفتي الوصية عليهما. وللعلم، أحد أطفالي كان يعاني من إصابات خطيرة في الرأس، سواء خارجية أو داخلية، وكان يصارع الموت حتى استعاد وعيه صباح اليوم.”
تفاجأت عند هذه الكلمات ونظرتُ إلى روبا.
ما هذا؟ ألم يقولوا إن لوكا لا يوجدُ خطرٌ
على حياتهِ؟ هل كانت تلك كذبة؟
“لقد كاد طفلي أن يفقد حياته بسبب
لكمة السيد بايون.”
شعر روبا بنظرتي، فرفع يده بحركة خفيفة تغطي فمه وهمس ليّ “شش” وكأنُ يجب تغطية هذه كذبة.
هل يمكن للشاهد أن يكذب؟ بالطبع يمكن.
‘لقد كذبوا هم، فلمَ لا نفعل نحن ذلك أيضًا؟’
أخفيت ابتسامتي.
الدلافين البيضاء هذه…أُعجِبتُ بهم.
هذا الخطاب يهدف إلى التأثير على
مشاعر العامة من الحاضرين هنا.
“أكنُّ كل الاحترام لعزيمة وشجاعة الحيتان القاتلة. وأتعهد بأن أظل تابعةً لها كزعيمةٍ لعائلةِ الدلافينِ البيضاء. وأؤمن أن معاركها مقدسة وتميز بين الأقوياء وتزيدهم رفعة، ولكن…”
“…”
“لماذا كان على طفلي أن يصارع
الموت بسبب معاركهم؟”
ليس من النادر أن تقوم الحيتان القاتلة بمضايقة الكائنات البحرية الأخرى.
وأحيانًا، تصل الأمور إلى القتل.
“من موقفي كزعيمةٍ تمثل كل التابعين، لا يمكنني التغاضي عن هذا الفعل. إذا كان هناك من يتعرض للأبرياء الضعفاء، فهذا يضر بمكانة الحيتان القاتلة التي نحترمها.”
لقد ظل زعماءُ الحيتانِ القاتلةِ يتحركون ضمن حدودٍ معقولة، لأنهم أدركوا أن تجاوز الحد لن يفيدهم في النهاية.
‘ولهذا السبب، كانَ بايون يمارس عنفه
في الأماكن التي لا تراها جدتي.’
ورغم ذلك، فإن ما حدث الآن أصبح رسميًا
لأن القضيةَ الآن أمام جدتي.
ولم يعد بالإمكان إخفاؤها.
“لذا…آمل أن تُدركي مدى خطورة
هذا الوضع أيتها الرئيسةُ.”
أنهت إيليا حديثها بحزم.
بدا بايون وكأنه على وشكِ الانفجارِ فورًا.
‘جميل! تدخلت عائلة الدلافينِ البيضاء، مما أربك
الطرف الآخر وجعل الأجواء مائلةً لصالحنا.’
انتهزت الفرصة ورفعت يدي.
“جدتي، رغم أن أجينور شارك في هذه المعركة، فإنه يستطيع على الأقل إثبات وجود زملائي التوأم لوكا ولوبا من الدلافينِ البيضاء في ذلك الوقت.”
“نعم…هذا صحيحٌ.”
أجاب أجينور بسرعة متفقًا معي.
هذا رائع.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تقدم
روبا ليكون الشاهد التالي.
لقد خرج مع إيليا لهذا الغرض، ليكون شاهدًا.
أكد روبا تفاصيل ظهوره في نهاية
المعركة وتدخله لإيقاف بايون.
“أنا من أخبر مديرةَ الأكاديميةِ بهذا الوضع. وكان هناك العديد من الخدم معي كشهود، ويمكن استدعاؤهم.”
بعد انتهاء شهادة روبا تغيّر الجو تمامًا لصالحنا.
“جدتي الكريمة، أود التأكد من شيء أخير قبل إنهاء حديثي. هل يُسمح لي باستدعاء شخص للمشورة بدلاً من الشهود؟”
بعد الحصول على الإذن، نظرتُ نحو الشخص
الذي كان يجلس بهدوء حتى الآن.
“ليلى.”
كانت ليلى تجلس في الصف الأمامي، فلم أكن
بحاجة لرفع صوتي.
“أود تأكيد ما قلتهُ أنا في غرفةِ التحقيقِ أمام لجنة التأديب. حينها، لقد سألتكِ سؤالًا ما.”
“أنا أستمع.”
“يوجد قاعدة أساسية لا يمكن انتهاكها
بين الأكاديمتين المتوسطة والأبتدائية.”
حان وقت إظهار آخر أسلحتي.
ابتسمتُ براحة، وقلتُ:
“لا يمكن لطلاب الأكاديميةِ المتوسطةِ أن يؤذوا
طلابَ الأكاديميةِ الابتدائية تحت أيَّ ظرفٍ كانَ.”
“صحيحٌ.”
“هذه هي القاعدة تم إعلانها من قِبل زعيمة
الحيتان القاتلة، جدتي الحالية.”
“…صحيح.”
التفتُ برأسي وأخفيت يدي المرتجفة خلف ظهري.
ما سأقوله الآن قد يُثير غضب جدتي العظيمة.
“جدتي، هل سمعتِ؟ تم انتهاك القاعدة التي
وضعتِها للحفاظ على النظام ومنع الفوضى.”
حينها ارتعش حاجبا جدتي.
“القاعدة التي وضعتها وأكدتِ عليها بنفسك.”
لم يكن لجيلنا أن يعرف هذه القصة.
لقد انتهكِ بايون القاعدة وأوقع نفسه في
ورطة لكونهِ لم يكن يعلم بها.
“كيف عرفتِ هذا، أيتها الصغيرة؟”
وكما توقعت، جاء ذلك الصوت البارد القاسي، فابتلعتُ
ريقي وأشرت إلى والدي، وقلتُ:
“كيف لا أعرف؟ أبي كان دائمًا يروي لي
الكثير من القصص عنكِ، جدتي!”
أبتسمتُ ببساطة.
في مثل هذه المواقف، الابتسامة هي
أفضل وسيلة للمرور بسلام.
شعرت بنظرات والدي تتجه نحوي ببطء
وكأنه يوبخني، لكنني تجاهلتُ ذلك.
آه، لماذا؟ لأنني قد تجاهلتُ الكثيرَ اليوم
من أجلكَ، لذا تجاوز الأمر هذه المرة يا أبي.
“جدتي العزيزة، أعظم ذنب ارتكبه بايون هو تحدي القواعد التي وضعتِها بجرأةٍ، وضرب أطفالٍ بريئينَ. أليس هذا انتهاكًا للقاعدة؟”
“جدتي! لديّ اعتراضُ. هذا الادعاء
سخيفٌ ولا معنى لهُ!”
عند هذه الكلمات، ابتسمت في داخلي.
‘كنت أعلمُ أنكَ ستقولُ ذلك.’
ولكن ماذا ستفعلُ الآن عندما أقوم بهزيمتكَ؟
“ادعاءٌ سخيف؟”
“نعم! أيُّ قاعدةٍ هي هذه؟ في عالم البقاء للأقوى! القوة تعني سحق من هو أضعف، أليس كذلك؟”
“…إذن، أنت تعترف بأنك ضربت طفل
الدولفين الأبيض حتى صارع الموت.”
“نعم، هذا صحيح، لكن لم يكن هناك خيارٌ آخرُ ليّ…!”
هززت رأسي وتدخلت في الحديث ببطء.
“جدتي! بايون اعترف للتو في هذا الاجتماع المهم…بأنه كذِّبَ عليكِ. كيف يجرؤ أن يفعل ذلك أمامك؟!”
“…!!”
في تلك اللحظةِ، ظهرَ على وجهِ بايون تَعبيرٌ مَذعورٌ.
حينهة حاولَ عمي إسكاتهُ بسرعة.
‘لكن قد فات الأوان بالفعل. أيها
الأغبياء. بايون أنا أعرِفُكَ جيّدًا.’
لأنك حتى في حيواتي السابقة…كنت دائمًا تتسبب في تدمير نفسك بسبب طبعك الوحشي والغبي والمحب للعنف.
لكن هذه المرة، دمرتَ نفسكَ بسرعة أكبر.
“كما رأيتِ، لقد انتهك بايون
القاعدة التي وضعتِها يا جدتي.”
على عكس نبرتي القوية السابقة، حافظت
على هدوئي الآن.
“في النهاية، ما الهدف من هذا القتال؟ يجب على الأطفالِ أن يكبروا أولًا للقيامِ بمثل هذه الأمور.”
“…”
‘لقد أحسنتُ. رأيتُ التجاعيد تزداد في
جبين جدتي عند كلماتي هذه.’
“لكن، لم يكن الأمر معركةً بين الحيتانِ القاتلة فقط؛ بل تورط فيهِ طفلٌ ضعيفٌ من الدلافينِ البيضاء، في تجاهلٍ تامٍ للقاعدة الصارمة التي وضعتها جدتي، ومحاولة شريرة لتغطية ذلك تحت ستار كونهِ ‘حادثًا’. لقد رأيتِ هذا كله، أليس كذلك يا جدتي؟”
أشرت إلى بايون بابتسامة ساحرة، وأكملتُ:
“جدتي، كيف يمكن لهذا الشخص أن يكون وريثًا
مُحتملًا لكِ، ليواصل مسيرتكِ العظيمة والمهيبة؟”
تحولت ابتسامتي فجأة إلى ثقةٍ تامة.
“إنه شخص لا يُضاهي حتى قدارتي!”
وقبل أن أكمل كلامي، انهالت عليّ نظرة
حادة وقاسية من جدتي.
وفي اللحظة ذاتها، بدأت زوايا فمها بالتحرك، لتصدر بعدها ضحكة حادة.
“ها، هاها. آهاهاهاها!”
ملأت ضحكتها المرتفعةُ القاعة، ثم عادت عيناها الداكنتان إلى النظر نحوي مجددًا.
“كم أنتِ جريئةٌ…”
لم يكن هناك صوتٌ حادٌ، ولا نظرةٌ قاتلة.
كانت عيناها السوداوان تشعان فقط
بوميضٍ من الفضولِ الباردِ.
“نعم، لا يُثير اهتمامي من هُزم على يد طفلةٍ في الثالثة من عمرها وأُطيح بهِ على يدها.”
“ج–جدتي!”
“اصمت. هل لديك شيء لتقوله الآن؟ إن كنت لا تريد أن تُطرد حتى من موقعك الحالي، فمن الأفضل أن تُغلق فمك، أيتها السمكة الحمقاء.”
“…”
انتهى الأمر.
في تلك اللحظةِ، سمعتُ في أذني رنينَ جرسِ النصرِ.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي