طفلة الحوت الأسود القاتل - 46
__ الفصل 46 __
“ما الذي تريدينه؟”
كان صوتها باردًا كالجليد، لكنني لم أكترث.
فقد عشتُ حياتي بأكملها في محاولة العثور
على صوت غير بارد يخاطبني.
“القيمة الأساسية لعائلة الحيتان القاتلة هي أن القوي يمكنه فعل كل شيء كما يشاء. بعبارة أخرى، القوي يستطيع أن يفعل ما يشاء، أليس كذلك؟”
‘هذا كلام فارغٌ.’
ابتسمتُ ووقفتُ من مكاني.
‘أوه، إرتفاعي غيرُ كافٍ.’
نظرتُ نحو والدي بنظرة خاطفة.
يبدو أنه كان أكثر تسامحًا ولطفًا
معي اليوم، أليس كذلك؟
أبي، عليك أن تتحمل هذا وتساعدني
أيضًا لمرة واحدة.
وضعت قدمي على فخذ والدي
وصعدت إلى الطاولة.
الآن، أستطيع رؤية الجميع بشكل أفضل.
رغم أن حراس القاعة شعروا بالاضطراب من تصرفي المفاجئ، إلا أنني لم أهتم.
“هذا رائع…!”
سمعت صوت إعجابٍ غريبٍ قادمٍ من أجينور الذي
ظل صامتًا طوال الوقت، لكنني تجاهلته.
“إذن، جدتي. النقطة المحورية في القضية التي جلبتها اليوم هي أن هناك ‘قتالاً’ قد وقع. وأنا في الأصل كنت سأشارك في هذا المجلس التأديبي الأعلى كـ ‘ضحية’. ويمكنكِ سؤال ‘ليلى’، التي شاركت كمديرةٍ للأكاديميةِ، أو اثنين آخرين للتأكد.”
“لدي اعتراضٌ يا جدتي!”
“جدتي، لقد استمعتُ إلى بايون
باهتمام عندما كان يتحدث…”
صرخت بصوتٍ عالٍ يكفي لإسكات صوت بايون.
“لذا إذا سمحتِ بالإنصاف في هذا، سأُريكِ
شيئًا ممتعًا للغاية أيضًا.”
بقيت أنظر إلى بايون بنظرةِ تحدٍ وقلتُ:
“دورك انتهى الآن، حان دوري.”
“سأسمح بذلك. بايون، اصمت.”
“لكن، جدتي…!”
“أوه، بايون. ألم تأمُركَ سيدة العائلة بالصمت؟”
تحدثت زوجة عمي الكبيرة، التي كانت هادئةً طوال الوقت، بنبرة بسيطة لكنها حازمة، فتراجع بايون.
‘لو تركته يتحدث، لكانت جدتي
قد وبخته. يال الخسارة.’
ومن ثم استعدتُ فرصتي مرة أخرى.
“حسنًا، بما أن آرائي تتعارض مع بايون، فلنتحدث عن القتال فقط. كل قتال له منتصر ومهزوم، صحيح؟ المهم هو أنني كنت المنتصرة في هذا القتال، جدتي.”
وضعت يدي على صدري بفخرٍ، وأكملتُ:
“جدتي، كما رأيتِ، لم يأتِ بايون وحده ذلك اليوم، بل جلبَ معهُ حوالي عشرةً من أصدقائهِ. أربعة منهم واجهوا أخي أجينور، والبقية هاجموني.”
في الواقع، كانوا مقسمين ثلاثة لأجينور وسبعة ليّ، لكنني رفعت العدد لصالح أجينور قليلاً.
“لقد تغلبت عليهم في هذا القتال
وانتصرتُ يا جدتي.”
أكملت حديثي قبل أن يتمكن بايون من الاعتراض
مرة أخرى مخالفًا تحذير جدتي.
“بالطبع، قد تكون هناك آراء مختلفة حول معنى الانتصار. لكنني في الثالثة من عمري الآن، وها أنا هنا حية، أشارك في هذا المجلس بكل طبيعتي، وهذا بحد ذاته دليل على أنني المنتصرة، أليس كذلك؟ لقد تغلبتُ على حيتانٍ قاتلةٍ من المستوى المتوسط رغم عمري.”
ساد الصمت في المكان.
بالتأكيد، أدركوا الآن كم عمري.
“حتى شهود بايون تحدثوا باستفاضةٍ عن قوتي،
قائلين إنني، بصفتي ابنة ‘بايير’ كنتُ مقاتلةً بارعةً. إذن، بما أنني المنتصرة، ووفقًا لقيم وقواعد عائلة الحيتان القاتلة، فإنني فعلت ما أشاء لكوني القوي، فما هو الخطأ في ذلك؟”
ابتسمتُ بسخريةٍ وأنا أقولُ هذا.
“حتى لو شتمتُ هؤلاء وطرحتهم أرضًا، فلا يمكنهم
الاعتراض. فأنا القوية والمنتصرة أيضًا.”
“…”
كانت جميع الشهادات التي سمعوها حتى الآن تفترض أنني كنتُ في قتالٍ متكافئ مع هؤلاء الأوغاد.
وهذا يعني أن شهاداتهم تعزز موقفي وتدعم كلامي وأنني أقوى منهم رغم عددهم.
“وبهذا، أستوعب تمامًا قيم عائلة الحيتان القاتلة التي توارثتها أجيالنا، والتي تدعم حق الأقوياء في السيطرة على كل شيء، كما يؤكد ذلك أسلوبكِ المهيب.”
لكن مجرد هذا الكلام لا يكفي لدحض الادعاءات التي تشير إلى أنني المعتدية وأنني أطلقت الشتائم على أهاليهم وبدأت القتال.
لم أكن أنوي التوقف هنا، بل أكملتُ قائلةً:
“لكن، يا جدتي، إذا كان الأقوياءُ هم فقط من يحق لهم فعل ما يريدون، فكيف يعيش كل هؤلاءِ هنا؟ ليس كلهم ينتمون لعائلة الحيتان القاتلة، وأنتِ يا جدتي تعرفين ذلك جيدًا، لذا وضعتِ القواعد.”
“…”
“عائلة الحيتان القاتلة تحمل على عاتقها مسؤولية رعاية وحماية الكائنات المائية الأخرى.”
“…”
“بمعنى آخر، حسم الأمور بالقوة يجب أن يقتصر على النزاعات بين أفراد الحيتان القاتلة فقط، وهذا ما قررتهِ يا جدتي منذ زمن، باعتباره فضيلة من فضائل الأقوياء.”
“…تعرفين الكثير، رغم أنك لم
تتجاوزي الثالثة من عمرك.”
‘نعم، أنا عبقريةٌ رغم أنني في الثالثة من
عمري فقط، أليس كذلك؟’
هذا ما سيحدثُ عندما تعيشين ثلاث حيواتٍ.
تجاهلتُ سخرية جدتي الباردة
وأكملتُ حديثي بثبات.
“لقد دخلتُ فصل ‘الألفا’ وهو أعلى فصل في مجموعة الحيتان القاتلة للأكاديميةِ الأبتدائيةِ، وفي غضون يوم واحد سيطرت على الفصل بأكمله. ووفقًا لما تعلمته من قيم سيدةِ العائلة، أدركتُ أن دور الحيتان القاتلة هو حماية ورعاية الحيتان الأخرى.”
“…”
“في ذلك اليوم، لم أفعل شيئًا سوى حماية أحد زملائي في الفصل. وسبب اندلاع هذا القتال كان تهديد بايون بقتل زميليّ فقط لأنهما كان بجانبي، ولم أتمكن من تجاهل ذلك، فقبلت التحدي.”
رفعت صوتي قليلًا، وأكملتُ:
“جدتي، أين يكمن خطئي في هذا الأمر؟”
أنا المنتصرة، والضحية، والشخص الذي
دافع عن زميله في الفصل.
ارتفع همس الحراس الذين كانوا
يستمعون لتفاصيلٍ جديدةٍ.
جميع الموجودين هنا، باستثناء أفراد عائلة
الحيتان القاتلة، هم كائنات مائية عادية.
على عكس الحيتان القاتلة التي تعيش حياتها دائمًا كأقوياء، قد يجد هؤلاء أنفسهم في مواقف ضعف طوال حياتهم.
بالنسبة لهؤلاء، فإن وجود ضحية بريئة من الكائنات العادية مثلهم في هذا الصراع كان كفيلاً بإثارة عواطفهم.
قد يكون هؤلاء الحمقى قد تجاهلوا عمدًا حقيقة أن بايون ورفاقهُ كانوا يسعون لإيذاء ‘لوكا’ و’لوبا’.
“هل لديك شهود؟”
ها قد جاءت اللحظة المتوقعة.
حينها أخذتُ نفسًا قصيرًا.
‘بالطبع، لن يكون لدي شهود كما لدى هذا اللعين.’
في ذلك اليوم، لم يكن معي سوى التوأم ‘لوكا’ و’لوبا’ اللذين كانا ضحيتين معي، وأجينور الذي قاتل بجانبي.
في تلك اللحظةِ، ألقيتُ نظرة خاطفة على أجينور.
‘أجينور الذي قاتل بجانبي لا يمكن أن يكون شاهدًا
له نفس الأحقيةِ مثل الخادم الذي قدموه كشاهد.’
أشرت برأسي لأجينور، فتلألأت عيناه
المليئتان بالإصرار.
“هل حان دوري الآن؟”
“كف عن الهمس وتقدم.”
رفع أجينور يده، وقالَ:
“يسعدني رؤيتك بعد فترة طويلة يا جدتي.”
“حسنًا يا صغير. يبدو أنك تورطت في هذا
القتال أيضًا، أليس كذلك؟”
كان في صوت جدتي بعض اللين.
هز أجينور رأسهُ وأعادَ سرد ما قلتهُ
تقريبًا بنفس التفاصيل.
“فهمتُ ما تقوله، يا صغير. لكن في النهاية، أنتَ طرفٌ في القتال، وهذا يعني أنك لستَ شاهدًا، إذن هل هناك شهودٌ آخرونَ؟”
بالطبع، لم يكن هناك شهود.
لا يمكنني إحضار التوأم ‘لوكا’ و’لوبا’ اللذين
قد يكونان لا يزالان يتلقيان العلاج.
وفي الأساسِ لا أعتزم إحضارهما.
“ليس لدي شهود.”
“ليس لديك شهود؟”
لكنني كنتُ واثقة من قدرتي على الفوز بهذا
الجدال حتى بدون شهود…!
كنتُ على وشك فتح فمي مجددًا، تحت نظرات جدتي القاسية، عندما قاطعني صوت غير متوقع.
“سيدتي، هل تسمحين لي بالتدخل لقول بضع كلمات؟”
التفتُ نحو الصوت المفاجئ، ورأيت شخصًا
يقف في الصف الثاني من الأسفل.
كان مكانه قريبًا جدًا من سيدةِ العائلة، وهو موقع مميز.
‘من تكون هذه المرأة…؟’
عندما رأيت الشخص الذي نهض، اتسعت عيناي.
كانت امرأة ذات شعر أبيض مجعد مع غرةٍ تغطي
جبينها، وكانت عيناها الكبيرتان مقارنة بحجم حدقة العين تضفيان مظهرًا لطيفًا، رغم أن تعبيرها كان باردًا وحازمًا.
عندما نظرت إلى الرجل الجالس بجانبها، أدركتُ هويتها.
“هل هناك شيء تودين قوله الآن؟”
“أعتذر. ولكن لدي شيء من المهم أن أقولهُ.”
كان والد لوكا ولوبا جالسًا بجوار المرأة.
عندما التقت أعيننا، أومأ لي برأسه تحيةً.
إذن، هذه هي والدة لوكا ولوبا ورئيسة عائلةِ ‘بيلوغا’.
‘إنها لا تشبه والدتي على الإطلاق.’
والدتها كانت تشبه إلى حدٍ كبير
شكلها الأصلي كدلفين أبيض.
رغم أن ملامحها لطيفة، إلا أن تعبيرها
كان باردًا ومخيفًا إلى حدٍ كبير.
“حسنًا، قولي ما لديك. ولكن إن كان
حديثك بلا قيمة، فتوقعي العواقب.”
“هل يمكن أن يكون هناك شكٌ في ذلك؟ أنا فقط
أتدخل لأنني و وزوجي طرفٌ ثالثٌ في هذه القضية، فالتلميذ الذي ذكرت السيدة كاليبسو أنهُ ضحيةٌ في هذا هما أبنائي التوأم.”
ارتفعت همسات الحضور بعد تصريح المرأة.
لكنني كنت مصدومة لسبب آخر.
‘هل كان لدى هذه العائلة من الدلافينِ البيضاء
نفوذٌ كافيةٌ لتحتل هذا الموقع الرفيع؟’
لم أكن أعلم ذلك.
وهذا طبيعي.
كما ذكرتُ عدة مرات من قبل، في حياتي السابقة، لم أعد إلى هذا المنزل إلا بعد انهيارهم.
وفي حياتيّ الأولى والثانية، تم بيعي قبل
أن أتمكن من رؤيتهم حتى.
“سيدتي الموقرة، أودُّ أن أكونَ شاهدةً
في هذه القضيةِ.”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي