طفلة الحوت الأسود القاتل - 45
__ الفصل 45 __
في الواقعِ، كانت اللجنة التأديبية العُليا تشبه المحكمة في سير إجراءاتها، ولعلهم كانوا ينوون الاستعانة بالشاهد هناك بلا شك.
توالت الأحداث سريعًا، وهؤلاء الذين دخلوا وجلسوا في أماكنهم المعدّة لهم كانوا على النحو التالي:
أولًا، تقدّم جماعة من أولئك الذين زعموا أنهم ضحايا هذه الحادثة وادّعوا أنهم كانوا رفاقًا لذلك الشخص، وراحوا يعرضون مظلوميتهم.
“لقد تضررنا مع السيد بايون!”
…كلما فكرت في هذا الأمر أكثر، ازددت
يقينًا بأنهم أضحوكة.
يا لكم من أوغاد! أنتم تزعمون الآن أنكم تعرضتم
للضربِ من طفلةٍ في الثالثةِ من عُمرِها!
أنهم قمامةٌ حقًا.
“أليست تلك الطفلة هي ابنة السيد بايير؟”
لكن الجملةَ التي واصلوا تكرارها، ‘ابنة بايير’ كانت تُستخدم كأنها دواءٌ لكل داءٍ في هذا الموقف.
ويبدو أنهُ لا أحد قد شكك في هذا.
ثم فُتحت الأبواب ودخل أشخاص آخرون.
“أما ذلك الشخص هو خادم لصديقي الذي
كان معي في ذلك اليوم.”
كان هذا الشخص خادمًا لأولئك الأشخاص الذين
كانوا قريبين من موقع الحدث.
لم يكن قد تورط في القتال، لكنه
كان شاهدًا على كل شيء.
كان الخادم يبدو شديدَ الارتباكِ، لكنّهُ راح
يتلعثمُ وهو يحاولُ التحدثَ.
لم تكن كلماتهُ تختلف عن كلمات بايون.
“نعم…كان كل شيء كما قال السيد بايون…حيث أن السيدة قد وجّهت إهانة جسيمة… وأنا…أدليت بشهادتي بناءً على ما رأيته…نعم، كان السيد بايون على حق. لقد كانت إهانة شديدة لا يمكن للعين أو الأذن تحملها…”
لكن طريقة حديثه المتلعثمة وهو
يرتجف أثارت الشكوك.
غير أن الضغط والتوتر الذي يصاحب المشاركة كشاهد في مثل هذا الحدث الجلل كانا كافيين لتبرير حالته.
كل شيء كان يسير وفقًا لما خطط له ذلك الوغد.
‘لعلّه لو قال هذا الكلام أمام اللجنة التأديبية، لما قُبلت شهادته بالكامل…’
من أين تأتي قوة الإقناع في الكلام؟
إنها تأتي من السلطة.
في اللجنة التأديبية العُليا، كان والدي على
الأقل هو الشخص الأعلى مقامًا.
لذلك، كان التوازن محفوظًا إلى حد
ما، وكان الأمر يجري بعدالة.
‘لكن الأوضاع هنا تسير ضدنا.’
عندما انتهت شهادة الخادم الأخيرة، عاد
الهدوء إلى قاعة الاجتماع.
شعرت بأن الحضور من أفراد الأسرة
كانوا يصغون بكل انتباه.
‘هذا ليس جيدًا.’
ولم يكن ذلك سوى الحقيقة، ففي هذه اللحظة الصامتة، تكلمت رئيسة العائلة التي كانت تهيمن على هذه القاعة.
“إذن…الخلاصة هي…”
اخترقت كلماتها القصيرة الفراغ.
“أنتَ بريءٌ مِن أيَّ خطأ؟”
“نعم، هذا صحيح يا جدتي.”
التأكيد الذي جاء من بايون بسلاسة، رغم الارتباك الطفيف، كان مدعومًا بشهادة الشاهد الدقيقة.
كان بايون يهز رأسه بثقة وكأنهُ سمكة
حية تتمايل على الأرض بسعادة.
“حقًا؟ إذن لم يكن من الضروري أن أحضر
هذا الأمر إلى اجتماعنا، أليس كذلك؟”
“بالضبط!”
“…”
يا له من أحمق.
‘هذا الأحمق سيجلب الفشل إلى نفسه، إنه ليس كفؤًا.’
ما أرادت جدتي أن تقوله في الحقيقة هو:
‘إذن أنت تقول إنني أحضرت هذا الأمر إلى الاجتماع
بلا سبب، أيها السمكة الصغيرة الغبية؟’
لكن بايزن، بعد أن أجاب بصوت عالٍ، بدا وكأنه
قد أدرك بسرعة أن هناك شيئًا غير صحيح.
“آه، لا، أنا آسف. لقد كنت متوترًا فأجبت خطأً…! كيف يمكنني القول بأنكِ قد أخطأتِ في عرض هذا الأمر على الاجتماع؟ كانت هذه قضية خطيرة بما يكفي لعقد اللجنة التأديبية العُليا. ومن الطبيعي أنكِ قد نظرتِ في الأمر بجدية.”
لكن بايون، رغم غبائه، لم يكن في موقعه الحالي بلا سبب، فقد حاول تعديل موقفه بمهارة.
كان لديه براعة في تغيير كلامه بسرعة.
“بالطبع، جدتي كانت لها حكمة في هذا الأمر.”
قال هذا ثم ألقى نظرة نحوي، وسرعان
ما تلألأت عيناه ببصيص من الخبث.
“في الواقع، ربما لم تكن جدتي تعلم الحقيقة حول ابنة عمي، لذا أعتقد أنني من حسن الحظ أتيحت لي الفرصة لعرضها عليكم هنا. فما الفائدة من أن تكون ابنة السيد بايير العظيم إذا لم تكن تتمتع بالآداب حتى؟”
آه، يبدو أن عليّ إعادة تقييم هذا الوغد.
لقد أصبح ماهرًا في الإساءة
الخفية، يا لهذا الرأس الفارغ!
“ربما كان التعليم الذي تلقته هو المشكلة.”
‘يا أبي! هل سمعت؟ إنه يتكلم عنك أيضًا!’
توجهت بنظري إلى والدي بتوقعٍ.
‘…حسنًا، لقد خاب ظني. لا، لم تكن
لديّ أي توقعات أصلاً.’
كان والدي يبدو غير مبالٍ.
لا، ربما كان ينظر إليه باستهزاء. أو ربما كان يحتقره؟
“هذا صحيح. في النهاية، فإن سمكة صغيرة غير متعلمة قد أفسدت النظام في أسرتي. هذا ما حدث. والأسوأ من ذلك، يبدو أنها قد أتقنت الأهاناتِ ضد الوالدين منذ سن مبكرة.”
“نعم، هذا صحيح تمامًا!”
راحت جدتي بعد هذه الكلمات تمسحُ ذقنها بتأملٍ.
“هي…لم تحصل على أي اعترافٍ او تقديم لها حتى…ومع ذلك، تجرأت على تحدي أحد الخلفاء.”
راح النظر الحاد لجدتي يتحرك ببطء نحوي.
“لم تراعِ الترتيب للقوى، وتصرفت بتهور كفقمة
غير خائفة…يا لكِ من جريئة.”
طَرْخ!
‘آه، اللعنة.’
أهذا هو مدى قوة رئيسة العائلة؟
قوة الماء التي كانت تمتلكها جدتي
راحت تخنقني كالأفعى.
‘أشعر بالاختناق.’
يداي بدأتا ترتعشان من الضغط
الذي يصعد إلى كتفي.
لا ينبغي أن أستسلم الآن.
‘هذه معركة إرادة!’
في اللحظة التي صررت فيها
على أسناني وتحملت ذلك…
شعرت بشيء ثقيل يرتفع بهدوء فوق كتفي.
وفي نفس الوقت…
‘أصبحت أتنفسُ بسهولةٍ…!’
كان الشيء الذي وُضع على كتفي هو يد والدي.
كانت حرارة اليد باردة، بل أشبه بالجليد.
“كيف قمت بتربية هذه الطفلة؟! لم تعلِّمها حتى الأساسيات التي يقوم عليها مجتمع الحيتان القاتلة.”
“…”
“كيف سمحت لها بالتصرف مثل طفل
هائج بلا أي ضوابط؟”
يا للعجب، لم تتحدث لي جدتي حتى، وكأنها
لا ترى فيَّ قيمة تستحق الحوار.
كان تجاهلًا مُتعمدًا وشاملاً.
“حتى حرية الضعفاء لها حدود.”
لكن الكلمات التالية كانت موجهة فقط لوالدي، وكأنها تقصد أن يسمع هو وحده.
قبضتُ يدي تلقائيًا.
‘إذا قال أبي هنا إنه لم يربِّني بنفسهِ، فسأكون
في ورطة كبيرة.’
حينها ستنكشف كل أكاذيبي التي قلتها حتى الآن.
منذ تلك اللحظة، لن أستطيع التخلص من الوصمة
التي ستظل عالقة بي مهما فعلت.
حتى وإن أصبحتُ أقوى، سيكون من
الصعب تعويض ذلك.
ربما كانت هذه اللحظة…هي التي ستكشف
كيف يفكر والدي حقًا تجاهي.
‘إذا كان والدي يشعر بأن تمثيلي كان مزعجًا، فلن
يجد فرصة أفضل من هذه للتخلص مني الآن.’
كلمة واحدة فقط من والدي قد تهوي
بي إلى القاع.
قبضتُ بشدة على طرف تنورتي.
“…”
إنهُ الفستان الذي صنعتهُ ليّ سمكات الرنجة بكل حب وإخلاص طوال الليل.
ماذا سيحل بهن إذا سقطتُ في الهاوية هنا؟
أنهم أناسٌ بدأتُ للتو أتعلق بهم.
سيكون لذلك بالتأكيد تأثير عليهم.
“لقد ربيتها وفقًا لقواعدي فقط.”
في تلك اللحظة.
شعرت بالدهشة ورفعت رأسي عندما
سمعت صوتًا بطيئًا لكنه قوي.
رأيت خط فكٍ حادًا و نحيل.
“قواعد؟”
“نعم، أخبرتها أن تنتصر دائمًا في القتال.”
كانت عيناه الساطعتان تتناقض مع الهالات السوداء حولهما، مما زاد من تعبيره قوةً.
وحتى اليوم، بدا والدي محاطا بشعورٍ من الأرهاقِ والأحساسِ الفوضوي الذي يحيطهُ دومًا.
حينها أكملَ قولهُ ببساطةٍ:
“بدونِ أيَّ جروحٍ.”
كانت كلماتهُ الأخيرة وكأنها تلومني.
“لقد أخبرتها…إذا كنتِ ستقاتلين، فلتفوزي، وإذا كنتِ ستفوزين، فلتفعلي ذلك دون أن تجرحي نفسك.”
لكن لماذا لا أستطيع أن أشعر بهذه الكلمات
كلومٍ بقدرِ ما أشعرُ بها كتشجيعٍ؟
‘أبي، ما الذي تفكّرُ فيهِ حقًا؟’
لماذا تقف بجانبي هنا؟
ليس لديك أي مصلحة في ذلك.
“الجروح حدثت، لكن ذلك يجب أن يُسأل
عنه شخص آخر وليس ابنتي.”
“هممم؟ هذا مثير للاهتمام.”
“أعتقد أن الأمر مسلٍ بالنسبة لوالدتي.”
“…”
تصلبت ملامح جدتي المبتسمة قليلاً، وأصبحت
نظراتها أكثر حدة.
“نعم، يبدو أنكَ لست ابني الذي كنت أعرفه. كنتَ تتصرف دائمًا بأنانية وبلا مبالاة تجاه أي شخصٍ…إلا أنكَ الآن تدافعُ عن شخصٍ آخر، هذا مشهد لم أكن لأتخيله في حياتي حتى.”
“طالما أنك ترين هذا، فلتري المزيد. لدي سؤال
واحد، متى سيحين دورنا للتحدثِ؟”
“دور؟”
“نعم، بعد أن انتهى دورهم بعد قول كل هذا الهراء لا بد أن يحين دورنا نحن أيضًا.”
تابع والدي الكلام دون أن يلتفت.
“ألا يجب عليكِ سماع ما لدينا أيضًا؟ أليس هذا دورك كرئيسة لهذه اللجنة التأديبية التي طالبتِ أن تشرفي عليها؟”
“…”
أصبحت ملامح جدتي بلا تعبير.
ثم أومأت برأسها قليلاً.
“نعم، يبدو أنه كلام يستحق
الاستماع. حسنًا، تكلم.”
“نعم، استمعي جيدًا.”
“أنتِ بنفسكِ…”
“تحدثي إلى ابنتي.”
في تلك اللحظةِ، لمعت عيناي.
“…!!”
‘ما هذا؟ هل أتيحت لي الفرصة حقًا؟!’
وكما حصلَ مع بايون، ساد الصمت مرة أخرى.
لقد كان ذلك إشارةً ليّ بالكلام!
نظرتُ سريعًا إلى الجهة المقابلة
ورأيت بايون بوجه مستاء.
لكن سرعان ما ارتسمت
على وجهه ابتسامة ساخرة.
تعبير ينم عن ثقةٍ بأنهُ مهما قلت، فلن يغير
هذا من الأمر شيئًا.
“حسنًا، خمس دقائق فقط تكفيني.”
لتندمي بعدها.
“جدتي…”
شعرت ببعض الأشخاص يندهشون
عندما تردد صوتي الواضح.
رغم أنهم شاهدوني عندما دخلت، إلا أنه
بدا وكأنهم قد فوجئوا بهذا مجددًا.
“لدي سؤال واحد فقط.”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي