طفلة الحوت الأسود القاتل - 4
__ الفصل الرابع __
أذهلـت كاليبسو من صدى هذا الصـوتِ الـبـارد.
‘أن صوتهُ لا يطابق وجـههٌ على الإطلاق.’
كانت عيـناها متدليـتين قليلًا وكان لديه بعض الهالات السـوداء مما جـعل مظـهرهٌ ضعـيفًا وحـساسًا للغايةِ، لكن صوتهٌ لا يـطابق كُل هذا تـمامًا.
حسـنًا، هذا لا علاقة له بكاليبسو على أيَّ حال.
‘مٌنذ البـداية، لقد كان من النـوع الذي لن
يهـتم حتى لو ظهـرتُ وأدعيـت أنني أبنـته.’
لم أقابل بايير كثـيرًا، لكنني كنـتٌ أعرف شخـصيته.
على وجه الدقة، كانت هذه هي القصـص التي سمعـتها من الخدم والتابعين في حيـواتها السابقـة.
‘من توفى كان بايير ؟ أوه، لقد كانَ يكـرهٌ حقًا الأشـياء المزعـجةَ كثـيرًا، وخاصـة الأطفال، إليس كذلك ؟ ولهذا السبـب لم يكلـف نفـسه عناء النـظر إلى طفلـتهِ والتي هي رئيـسةُ هذه العائلة.’
‘أيها الأحـمق اللامـبالي، هل هذا شيء يمـكنك التحـدث عنهٌ مُباشـرة أمام رئيـسةٌ العائلة ؟ على أيَّ حال، أن الأسـماكَ أمـثالكَ ليـست لديهـم عقـولٌ حتى للتفـكير، آه لقد ذكـرني ذلك بالسيد بايير لقد كان يهـتمٌ بالنـظافةِ كثـيرًا على الرغـم من إنهُ مريـض.’
والمثـير للدهـشة أن التابعـين هنا والخدم كانوا
مهتـمين جدًا بـ بايير.
‘من المدهـش إنهم يـتذكرونهُ جيدًا، على
الرغم من إنهُ قد ماتَ بالفـعلِ.’
في هذه العائلة التي تقدس القـوة والجـسد، قد كانَ الأقوى على الإطلاق، لكن جـسدهُ ضعـيف، لذلك كانت مكانتـهُ غريبـةٍ للغـايةِ.
على أيَّ حال، فإن حقـيقة أنهُ يكـره الأطفال جعلت كاليبسو تتـحدثُ بِثـقةً أكثر مما هي عليه مع جـدتها.
“إنه العكـسٌ تمامًا.”
“همم، في أيَّ اتجاه الأكاديمــيةٌ إذن ؟”
“إنها على بُعد مَـسافةً بعـيدة.”
“أوه، حـقًا ؟ هذا سـيء.”
وضعت كاليبسو يدها اللطـيفة على
ذقنها وتذمـرت من هذا.
كان مَنـظرها في الواقع لطـيفًا وجمـيلًا للغاية، لكن بايير كان يحـدق فيها بِصـمت وكأنهُ ينـظرٌ إلى مٌجـرد معدن.
“أنا حقًا بحـاجة للذهـاب إلى هناك، ماذا عن أن تأخـذني إلى هناك يا عمي ؟”
لقد كان صوتـها حازمًا، نظر بايير إلى كاليبسو
وأمال رأسه قليـلًا بإهتـمام.
“كلا.”
مرت نظـرة من الانـزعاج الشـديد على وجـهه.
‘كما هو متـوقع، فهو لا يحـب الأشـياء المُزعـجة.’
بدت تعابيـرٌ وجـهه وكأنهُ يقـول ‘لماذا أنا ؟’.
“حقًا ؟ إذن لا يوجـد شيء يمكـنني القـيامٌ به.”
هزت كاليبسو كتفـيها دون أيَّ تردد، ومدت ذراعيها
بجوار النافورة، وصعـدت، وجلسـت علـيها.
“والآن بعد أن انتهـيت من دراستي، أحتاج إلى تناول شيء ما، فقـد حانَ وقـتُ الطـعامِ.”
حدق بايير في كاليبسو بصمـت حتى جلسـت.
فتحـت كاليبسو الحقـيبةَ التي أحضـرتها معها، سواء كان بايير ينـظر إليـها أم لا لم تهتـم بذلك.
ما أخرجـته من الحقـيبةِ البالية على
شكل دولفـين هو الفاكهة المُجـففة.
لقد كانـت فاكهةً بدأت بِجـمعها واحدةً تلو الأخرى
بعد أن أصبـحت كاليبسو قادرةً على المـشي.
‘لقد جهزت الطـعام لأننـي لم أكن
أعرف كيف سينتـهي الوضع.’
كان المـبنى الذي تعيـشُ فيه كاليبسو مُخـصصًا فقط للأطـفالِ الذين اضطروا إلى البـقاء على قيد الحـياة بمفـردهم لمدة عام أو عامين، لذلك كانت وجـبات الطعام سيـئةً للغايةِ.
وبِمـجرد أن بلغت كاليبسو عامين، بدأت في تخـزين الأشـياء التي يمكـنها الاحتـفاظ بها لفـترة طويلة.
أنهـت كاليبسو وجـبتها وأدارت رأسـها.
“إلى ماذا تنـظرُ يا عم ؟”
لم يكن لدى بايير إجابة على سـؤال كاليبسو المُـباشر.
هل هناك تعبـير وجه واحد لديـهِ فقط ؟
“إذا لم يكن لديـكَ ما تقـولهُ، فلا
تنـظر، حظًا سعيدًا لكَ.”
“…”
هل تظنُ أنكَ فقـط الوحـيدٌ صعـبُ الأرضاءِ هنا ؟ أنا أيضًا صعـبةٌ الأرضـاءِ.
تذمرت كاليبسو في داخلها واسـتمرت
في مضـغ الفاكهة المٌجـففة.
ثم شعـرت بحكة في خدها وفركـتهُ.
لم تلاحـظ كاليبسو ذلك، ولكن بيـنما كانت تتجه نحو النافورة، لامس بعضُ الغـبارِ الموجودٌ على النافورةِ القذرة يديها وفركـته على خدها عن طـريقِ الخـطأ.
ركزت كاليبسو على تناولِ الفاكـهةِ، ولم تدرك حتى أنهُ أصبـح لديـها علامةً سوداء على وجهـها بسـبب الغـبار.
‘أن الطـعام الذي يدعى بكونهِ طـعام الأطـفال ذو مَذاق سيء حقًا، أن مَذاق هذه الفاكـهةِ لذيـذ للغايةِ.’
قبل أن تدرك ذلك، لقد نَسـيت الغرض من المجيء لرؤية والدها وكانت مشـغولةً للغاية بالإعجاب بِـ مذاق الفاكهة.
“سيدي، لماذا تسـتمرٌ في النـظر إليَّ ؟ هل أنتَ جائـع ؟”
“…”
“هل تريـدٌ القـليلَ مِـن هذا ؟”
مدت كاليبسو يـدها في حقيبـتها وأظـهرت
بعض الفاكـهةِ بِلـطفٍ.
فكرتُ في هدفـي الذي فاتّـني مرة
أخرى، وشعرتُ بالأحـباطِ.
“…”
لكنـها لم تحـصل على أيَّ إجـابة من بايير
واضـطرت إلى إعادة الفاكـهةِ.
‘همم، إنهُ قليـلٌ الكـلامِ حقًا.’
كانت كاليبسو مشـغولةً بتـذكرِ العلاقـة التي نسـيتها.
كيف يمكنـها جذبُ إنتـباههِ دون إزعاجـهِ ؟
ومع ذلك، مُعـتقدةً أنه لا توجـد إجابة
في الوقـت الحالي، نهـضت دون تردد.
“شكرًا لكَ على إرشـادي إلى الطـريق، المكانُ هادئ جدًا، هل تقـضي وقـتًا هٌنا بِمٌـفردكَ دائمًا ؟”
“…”
“هل أنت منبـوذ أيضًا ؟ لا أحد
يتـحدثُ إليكَ أيضًا مثلي؟”
عاشَ بايير في أحد المـباني المُـتهالكة في الطرف الغربي.
ورغم أنهُ كان مريـضًا، إلا أنه لم يكن مهـجورًا تمامًا، فعاشَ هكذا رغم أنه لم تكن هناك حاجة للعـيش في هذا المكان الرثُّ والمتـهالك.
كان هذا شيـئًا أثار فضـولٌ كاليبسو أيضًا.
‘هل قد تخـلى عن الحـياةِ مُبـكرًا ؟’
النظرةُ في عينـيهِ تبـدو وكأنهُ قد
تخلـى عن كل شيء بالفـعلِ.
مما جـعل هذا كاليبسو تعتـقدٌ أن هذه
قد تكون الإجابةَ الصحـيحة لسـؤالها.
إذا كان الأمر كذلك، فإن كاليبسو، التي كان لديها ارتباط قوي بالحـياة بشـكل لا يـصدق، لن تتمكن من فهـمهِ على الإطـلاق.
أمالـت كاليبسو رأسـها.
“إذا كان الأمرٌ كذلك، فأنتَ وحيـدًا مثلـيَّ يا عم.”
على الرغم من أنها لم تكـن وحيـدةُ بشكل
خاص، إلا أنها حاولت التـحدث كطـفلة صغيرة.
ولم تكن هذه كلمـاتٍ كاذبـةً حقًا.
في المبنى الذي تعيـشٌ فيه كاليبسو، توجد حيتان قاتلة لا تستـطيع التـحدث أو حيتانٍ أخرى تمـوتٌ مبـكرًا.
ولم يكن هناك سوى مربـيات وخدم
لم يكن لديهم أيُّ اهتـمامٍ بالأطـفال.
‘حتى لو كنـتٌ نملةً عابـرةً لما كانَ سوف ينـظرُ إليَّ هكذا.’
بغض النـظر عما قلـته، عند النـظر إلى وجههِ
الخالي من التـعابيرِ، شعـرتُ بالغضـبِ.
يبدو أنه غـير مٌهتـم بيَّ على الإطـلاق.
قررت كاليبسو التـخلصَ مِن مشاعرِ الندم هذه والمُـغادرة.
‘على أيَّ حال، يبدو أن التابعـين والخدم الذين سـمعتٌ قِصـصهم في حيـواتيَّ السابقة، بدا أنهـم على حق.’
“حسنًا، أعـتقد أنني يجـب أن أعودَ
إلى المـنزلِ الآن، وداعًـا يا عم.”
كانت كاليبسو تعـرفٌ متى تتـحدث ومتى تذهـبٌ.
والآن هو الوقت المُـناسب للتـراجعِ.
“أراكَ مرةً أخـرى لاحـقًا.”
لم تنـظر كاليبسو إلى الوراء حتى لأنـها
أعتـقدت إنهٌ لن يردَ مرةً أخرى.
ونظرًا لكونها مُتعـلقةً جدًا بالحياة، فقد اعتادت
أن تتـطلع إلى الأمـامِ فقـط.
“…”
لذلك، لم تكـن كاليبسو على علـم بالنـظرةِ
الحـادة التي كانـت تركزُ عليـها من الخـلفِ.
بعد مُغـادرة كاليبسو، بقيَّ عـقلٌ بايير فارغًا لفـترةً من الوقتِ، مثل تمـثال حجري، ثم مد يدهٌ فـجأة.
اليد التي فركت المـكان الذي كانت تجلسٌ
فيه كاليبسو أصـبحت مٌغـطاةً بالغـبارِ.
حينها، ظهرت قطراتٌ الـمـاءِ وجعـلت
يد بايير نظـيفةً على الفورِ.
‘اعتـقد…’
لقد مرت فـترة من الوقـت مٌـنذ أن فكـرَّ في شيء ما.
‘أعتـقد أن هذه ابنتـي.’
نظر بايير إلى يدهِ، التي قد نُظـفت بالفـعلِ بِقـطرات الماء.
وفي الوقـت نفـسه، قام بسحـبِ شـعرهِ للخـلف بِتـكاسل.
“همم.”
صوت بطـيء ومٌنخـفض كان يفـكرُ في أمرًا ما.
‘يبدو أن هذه الطـفلة الصـغيرة لا تعلـمٌ بإنني والدها.’
***
هل كنـتَ تٌفـكر بذلك ربما، ‘هي لا تُـعلمٌ بإنني والدها’ إليس كذلك ؟
فكـرتُ بِذلك بينما كنـتٌ أتحـول في الأرجـاءِ.
‘هل هذا مٌمـكن حقًا ؟’
فكرت في هذا أثـناء النـظر إلى والدي بايير.
مـن المسـتحيل أن هذا الشـخص لن يتـعرفَ علي.
تنقـسم عائلة الحوت القاتل إلى نسـب
مُباشـر وأخر نسـب جانبـي.
تظهرٌ قوة الـمـاء عند النـسب المُـباشر غالبًا، ولكن يوجد في بعـض الأحيان من يوقـظ هذه القوة في النـسب الجانبـي.
في هذه الحـالة، أصـبح أولئك الذين ينتـمون إلى النـسب الجانبـي مؤهلـين للمٌـشاركةِ في مـعركة الخلافة العائلية.
‘أنا سليلة مُـباشرة، لذلك أنا مؤهلة للدخـول إلى معركة الخـلافة على أسـاس السـلالةِ وحـدها.’
من يهـتمٌ بالمُـشاركةِ في هذه المـعركة الآن ؟ في هذه الحياة، بعـد أن أصبـحتُ الأقوى، سأتبـاهى بِذلك فقط.
على أي حال، بالعـودة إلى الموضـوع الرئيسي، فإن مظـهر النـسب المـباشر والنـسب الجانبـي مٌخـتلفانِ قليلًا.
النـسب المباشر لديهـم شعر ذو لون أبيض
وأسود، وكأنهُ بِمـثابةِ جلد الحـوت القاتـل.
اما النـسب الجانبـي كان لهُ شـعر رمادي.
‘إلى جانـب ذلك، حتى لو كنتُ سليـلًا مُباشـرًا، فسيكون الأطفـال في الوقـت الحالي متـشابهون، لذلك سيـكون من الصـعبِ التعـرف عليـهم.’
ما الذي ستفـكر فيه عندما تنـظر إلى
طـفل لديـه نفـسٌ شخـصيتكَ ؟
إذا كنتَ لم تلاحـظ ذلك، فأنـتَ أحـمق.
لذا لا بد أنه كان يتـظاهر بعـدم ملاحـظة ذلك.
‘بما أنهُ قالَ إنهٌ لا يحـبُ الأشياء المـزعجة، فلا
بد إنهُ يكـرهٌ الأطـفالَ أيضًا.’
هل يجـب أن أفكـر بعـناية أكبر في كيفية
التعامل مع هذا الأمـر في المـستقبل ؟
‘على أيَّ حال، قبل أن أنتقل وأذهـب إلى الأكاديمــية، أحـتاج إلى التـعرف على أبي قليـلًا على الأقل.’
يُمـكن الالتـحاق بالأكاديمـية في سن الثالثة.
وينطـبق هذا على جمـيع سلالات الحـيتان، وهو أيضًا مبنـى يقع في جزء واحد من قـصر الحوت القـاتل.
من حيـث التـعلم فهـي مثل روضـةِ الأطـفال…
لكن في الواقع، إنهُ مـكان قاسٍ يُتـرك فيه صغار الحيـتان حيـثٌ يتوجـب علـيهم البـقاء على قـيد الحياة.
على وجه الخـصوص، تم التـخلي تمـامًا عن الحـيتان القاتلـة العـدوانية، بغـض النظر عن خلفـيتها سواء كانوا من النـسل المُـباشر أو الجـانبي.
إذا فشل في التـفوق في المـجالات الثلاثـة للـذكاء والقوة الجسـدية وقوة الـمـاء في هذه الأكاديمــية، فسيتمُ التـخلص مـنهم.
‘لذلك أصبـحت الحيتان الأخرى لا تهـتمٌ
بِنـسلها كثـيرًا، يا لها من عائلة لعـينة.’
سيكـون الأمرٌ مزعـجًا للـغايةِ مُنذ
لحـظةَ دخوليَّ إلى الأكاديمــية.
لأنني يجـب أن أظـهر هيمـنةَ سُلالتـي بتقـليد سلوك تلك السيدة العـجوز، حتى لا يتـم طردي بدم بارد.
إذا تم طردي، فسيـتم تأكيد طريق بيـعيَّ لعائلة أخرى، تمامًا كما حدث في حـياتي السابقة.
‘إذا حـدث ذلك، فلن أكون قـادرةً على أن
أصبح عروس التنين كما خططـتٌ.’
ليـس هنـالك خـيار.
سوى الكـشف بطريقة أو بأخرى عن
عبقـريةِ هذا الجـسد.
ولحـسن الحظ، كنـتٌ واثـقة مِن قـدراتـيَّ.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي