طفلة الحوت الأسود القاتل - 35
__ الفصل 35 __
‘هذه هي المرةُ الأولى التي أشعرُ فيها برُعْبٍ أكثرَ مما شعرتُ به مع أخي الأكبر.’
بالطبع، لم يكن أَجينور مكتوفَ اليدينِ.
لم يتدخل بناءً على أمرٍ مباشرٍ من أخته الصغرى.
ورغم أنهُ كان يتطلع قليلًا…بل وبصراحةٍ كانَ مُتشوقًا حقًا لمعرفةِ ما العقوبةُ التي قد تترتبُ على مخالفةِ الأوامر التي تصدرها أختهُ الصغرى!
ولكنهُ فكّر بأن أخته سَتطردهُ فورًا أن خالف الأوامر.
لا ينبغِ لهُ أن يخيبَ آمال أختهِ.
كَاليبَسُو كانت تواجهُ مجموعةً كبيرةً
وحدها، وهذا كان مذهلاً.
‘مذهلة بحق، ولكن…’
مرت حينها غيمةٌ من القلقِ على وجهِ أَجينُور.
رغم أنها كانت مذهلةً، إلا أن الفجوةَ
في القوة كانت واضحةً.
بالإضافة إلى أن القتالَ ضد مجموعةٍ كبيرةٍ كان يعني بطبيعةِ الحالِ إصاباتٍ وتراكمَ الجروحِ بشكلٍ لا مفرَّ منه.
ومع ذلك، بعد قليل، أدركَ أَجينُور أنه لم
يكن هناك ما يستدعي القلق.
“آه! هذا غير متوقعٍ حقًا.”
حتى أَجينُور، مع كل قدراته، فقد غابَ عن نظرهِ أحدُ خصوم كاليبسو للحظةٍ وجيزةٍ، إذ رأى حوتًا قاتلًا يمدُّ يده نحو لوكا المُغمى عليهِ.
كانت يدُ الحوت أسرعَ من يدِ أَجينُور.
ومع ذلك، بدلًا من لمسِ لوكا، أمسكَ الحوتُ
بأذنه وسقطَ جالسًا بألمٍ على الفور.
ولم يكن هذا كلَّ شيء.
كلُّ الحيتانِ القاتلةِ القريبةِ من أَطينُور فعلوا الشيءَ ذاته، أمسكوا بآذانهم وسقطوا وهم يئنونَ من الألم.
“…أيها الأمير. عذرًا، لكن ما الذي يحدثُ هنا؟”
رفعَ أَجينُور رأسه ببطءٍ ليرى
رجلاً ذا شعرٍ أبيضَ ناصع.
رغم أنه لم يكن يعرفه من قبل، إلا أنه كان يشبهُ
التوأمَ بشكلٍ مدهش.
وكما توقعت، التوأمُ الآخرُ الذي كان
يبكي بحرقةٍ تمسكَ بذلك الرجل قائلًا:
“أبي، أبي! أخي…لا يفتحُ عينيه…! الأمير، الأمير!”
قالَ أَجينُور وهو يمسحُ الدماءَ عن
وجهه ويمطُّ كتفيه:
“سنستمعُ إلى التفسير بعد قليل.”
كان هناك شعورٌ غريبٌ يسري في داخله.
بينما الحيتانُ القاتلةُ حوله كانت ممسكةً بآذانها وتسقطُ على الأرض، كان هو الوحيدَ الذي لم يتأثر.
“يبدو أن المعركةَ على وشك الانتهاءِ
من جهةِ أختي الصغرى أيضًا.”
التفتَ الرجلُ ونظرَ إلى مكانٍ آخر.
حيثُ رأى كَاليبَسُو تضربُ عنقَ أحدهم بقبضةٍ قوية.
“ما الذي يجري هنا!”
وفي اللحظةِ نفسها، صرخَ أحدهم
مُعلنًا انتهاءَ المواجهة.
لحُسنِ الحَظِ، الشخصُ الذي جاءَ لتهدئةِ الأمور كان مديرةَ هذه الأكاديميةِ الأبتدائيةِ، لَيْلَى.
كانت لَيْلَى تراقبُ المشهدَ
للحظةٍ بوجهٍ مدهوش.
كانَ الموقفُ مروعًا إلى درجةٍ لا
يمكنُ أن يتجاهلها المرء.
***
‘يا لَهُ مِن أَحمَق. يَبدو أَنَّهُ لَم يَأخُذ كَلامَ
سورتي على مَحمَلِ الجِدِّ.’
عِندَما قامَ بَايون بِأَخذِ لوكا كَرَهينةٍ
وَتَهديدي، أَدرَكتُ شيئًا مُهِمًّا.
هذا الأَحمَقُ سَيَشعُرُ بِمَرارَةِ النَّدَمِ
لِما ارتَكَبَهُ هُنا.
سَواءٌ كانَ يُدرِكُ ذٰلِكَ أَم لا. أَو رُبَّما قد تَجاهَلَ عَمدًا.
لَكِنَّ في هذا المَكانِ، هُناكَ قاعِدَةٌ غَيرُ مَكتوبةٍ بَينَ الأكاديميتين الابتدائيةِ والمُتَوَسِّطةِ.
“عَلَيكِ أَن تَشرَحَ ليّ الوَضعَ بالكامِلِ.”
لَيلَى التي لَم تَستَطِع التَّغاضيَ عنِ الأَمرِ هذِهِ
المَرَّةَ، أَخَذَتني إلى غُرفَةِ التَّأديبِ.
‘أَجل، لَم يَكُن مِنَ المُمكِنِ تَركُ الأُمورِ على حالِها.’
بَايون كانَ الوَحيدَ الذي خَرَجَ سَليمًا، بَينَما أُولَئِكَ الذينَ هاجَمو كاليبسو مِنَ العائِلةِ الفَرعيَّةِ، كانوا قد أُصيبوا بِجُروحٍ خَطيرةٍ أَو بالِغَةٍ.
وَأَنا؟ هَل أَبدُو بِخَيرٍ؟
‘هُمم، لا أَعتَقِدُ أَنَّني بِخَيرٍ تَمامًا.’
عينٌ واحِدَةٌ بَدَأَت تَصبِحُ ضَبابيةً، يَبدو
أَنَّ الانتِفاخَ بَدَأَ يَظهَرُ.
وَجهي يُؤلِمُني وَساقي تُؤلِمُني بِشِدَّةٍ.
لَيسَ هُناكَ مَكانٌ لا أشعُرُ بِأَلَمٍ فيهِ.
هذا هوَ الأَلَمُ العَضَليُّ الذي يَأتي
عادَةً بَعدَ بَذلِ جُهدٍ كَبيرٍ.
‘حَسَنًا، أَنا مُعتادةٌ على الأَلَمِ العَضَليِّ.’
عَلَى الأَقلِّ يَجِبُ أَن أَشكُرَ والِدي على ذٰلِكَ.
لَقَد كانَ الأَلَمُ العَضَليُّ هوَ أَوَّلَ شيءٍ
اعتَدتُ عَلَيهِ في هذا الجَسَدِ.
“هَل يُمكِنُكِ أَن تُعطِني لَحظةً لأَستَجمِعَ أَفكاري؟”
“بالطَّبعِ.”
قُلتُ هذا لِأَحصُلَ على بَعضِ الوَقتِ
لِأَستَعيدَ تَوازُني.
“دَعيني أُخبِرُكِ مُقَدَّمًا أَنَّني استَدعَيتُكِ هُنا فَقط لِفَهمِ سِياقِ الأُمورِ، وَلَيسَ لأَنَّكِ المُعتَدِيةُ أَو الضَّحيَّةُ.”
كانَت كَلِماتُها تَبدو عادِلَةً.
لَكِنَّ لَيلَى التي كانَت تَنظُرُ إِلَيَّ بِنَظرةٍ مُعَقَّدةٍ
لِلحظةٍ، تَجهَّمَت قَليلًا وَأَضافَت بهُدوءِ.
“لَكِنَّني في النِّهايةِ إِنسَانَةٌ، وَلا أَدري
أَينَ سَتَتَّجِهُ مَشاعِرُ الشَّفَقَةِ لدي.”
“هَل هذا كَلامٌ يَليقُ بِرَئيسَةِ الأَكاديميَّةِ؟”
ضَحَكتُ قَليلًا قائلةً ذلك.
“رَغمَ أَنَّني رَئيسَةُ الأَكاديميَّةِ، إِلَّا أَنَّني
أَعمَلُ وَفقَ الأَوامِرِ التي أَتَلقَّاها.”
لِماذا شَعَرتُ بالاطمِئنانِ في تِلكَ اللَّحظةِ؟
وكَمَا حَدَثَ عفي حياتي السَّابِقةِ إذ ساعدتني ليلى بعدل وكانَت لَيلَى هِيَ مَن أَعلَنَت أَنَّني لَم أَسرِق شيئًا.
‘في حياتي السَّابِقةِ، عِندَما عُدتُ، كانَت لَيلَى
قد اختَفَت مِن هنا. لِماذا يا تُرى؟’
رُبَّما لَو أَستَرجِعُ ذاكِرَتي، سَأَعرِفُ السَّبَبَ.
أَتباعي كانوا دائِمًا كَثيري الكَلامِ.
‘أَتَمنَّى أَن أَتَمَكَّنَ مِن مُساعَدَتِها في هذِهِ الحياة.’
لَكِنَّ هذا لَيسَ المُهِمَّ الآنَ.
“هَل تَحتاجينَ إلى عِلاجٍ؟ يُمكنُكِ أن تَبدأي
بالعِلاجِ إذا كانَ ذلكَ ضَرورِيًّا.”
“لا، أنا بِخَيرٍ.”
هذهِ فُرصَةٌ.
بالتَّأكيدِ، بايون وأتْباعَهُ سَيَذهَبونَ
للعِلاجِ الآنَ، وسَيَأتونَ مُتَأَخِّرينَ.
“هَل بايون وأتْباعَهُ ذَهَبوا للعِلاجِ؟”
“نعم، هذا صَحيحٌ.”
كما تَوَقَّعْتُ.
“أريدُ أن أُوَضِّحَ شيئًا مُقَدَّمًا، هُم مَن بَدَأوا
الهُجومَ أوَّلًا. نَحنُ مَن تَعرَّضَ للهُجومِ.”
“نعم، أنا أُنصِتُ.”
“بالأدَقِّ، لم أَكُنْ أنا، بَلِ التوأم الصِّغار مِن سُلالَةِ
الدلافين البَيضاءِ هما مَن تَعَرَّضَ لِلعُنفِ أوَّلًا.”
“كما أَعلَمُ أَنَّني قُمتُ بِلَويِّ يَدِ بايون، لَكِنَّهُ لَن يَعتَرِفَ بِذلكَ بِسَبَبِ كِبريائِهِ.”
” هَل تُصَدِّقينَ ذلكَ؟ التوأم مِن سُلالَةِ الدلافين
البَيضاءِ لَم يتَجاوَزا السَّبْعَ سَنواتٍ حتى، ولكنهما تعرضا لمثل هذا العنف.”
…رَفَعتُ وَجهي المُتورِّمَ بسبب الضرب وأكملت:
“أَعلَمُ أَنَّ عائِلَةَ الحِيتانِ القاتِلَةِ لا تَهتَمُّ كثيرًا بِحِمايَةِ الأَطفالِ من السلالات الأخرى.”
في هذا العالَمِ السِّلمِيِّ لِتَربيَةِ الأَطفالِ، أشرَسُ
الأشرارِ هُم عائِلَةُ الحِيتانِ القاتِلَةِ.
لا يُوجَدُ لديهم حتى نِظامٌ لِحِمايَةِ الأَطفالِ.
“لَكِنَّ هذا يَتَعَلَّقُ فَقَطْ بِالحِيتانِ القاتِلَةِ
وأفرادها، أَلَيسَ كَذلكَ؟”
“نَعَم، صَحيحٌ.”
الجَميعُ يُولَدونَ في نَفسِ البيئةِ، فَقَطِ الأَقوِياءُ هُم مَن يَنجونَ ويَتَمَتَّعونَ بالحياة.
“وَأَنا أعلَمُ. هُنا تُوجَدُ قاعِدَةٌ يَجِبُ
عَلَى الجَميعِ احترامُها.”
“…”
ابتَسَمتُ داخِلِيًّا وانا أفكّرُ:
‘هَل كُنتَ تعتقدُ أنني سَأَبدَأُ مَعْرَكَةً
بِلا أَيِّ خُطَّةٍ يا بايون؟’
“لا يُسمَحُ للطُّلَّابِ مِنَ الأكاديمية المُتَوَسِّطَةِ بِإلحاقِ
الأَذَى بِطُلَّابِ الأكاديمية الابتدائِيَّةِ.”
بِكُلِّ ثِقَةٍ، بايون اعتَمَدَ على مَنصِبِهِ وبدأَ هذا
الهُجومَ، لكِنَّ هذِهِ كانَت غَلطةً.
كانَ المَكانُ مَفتوحًا وعَلَنيًّا للغاية.
“هذِهِ القاعدةُ تَمَّ فَرضُها مِن قِبَلِ رَئيسة
العائلةِ، جَدَّتي، أليسَ كذلكَ؟ هَل أنا مُخطِئة؟”
“…كلا، أنتِ على حَقٍّ.”
مَسَحتُ شَفَتَيَّ وأخذتُ نَفَسًا عميقًا.
حينها شَعَرتُ بِلَسعَةٍ في شَفَتي.
كانَ هُناكَ دَمٌ مُتَجمِّعٌ عليها بسبب الضرب.
“هذِهِ قاعِدةٌ قَديمةٌ لَم يَعُد أحدٌ يَهتمُّ
بِها، وَمَعَ ذلِكَ أنتِ تَعرِفينَها جيدًا.”
حينها ظَهَرَ مِنْديلٌ مِن يَدِ ليلى أمامَ عَينَيَّ.
نَظرتُ إلَيها بِثَباتٍ وقلتُ.
“هذِهِ كانَت القاعِدةَ الأساسيَّةَ لِمَنعِ
الفَوضى. أليسَ كذلكِ يا ليلى؟”
كما كان لَدَى ليلى واجِبٌ في التَّعامُلِ
مع الأُمورِ وَفقًا لِهذِهِ القاعِدة.
حينها فَهِمَت ما كُنتُ أُحاوِلُ قَولَهُ.
‘على الرَّغمِ مِن أنَّ ذلِكَ كانَ مُنذُ وَقتٍ طَويلٍ…’
مُنذُ زَمَنٍ بَعيدٍ وتحديدًا في حياتي السابقة، عِندَما كُنتُ طالِبةً في الأكاديمية الابتدائيَّة.
حَتَّى في ذلِكَ الوَقتِ، كانَ بايون يُثيرُ المَشاكِلَ.
لَقَد كانَ يُؤذِي الأطفالَ الصِّغارَ في الأكاديمية
الابتدائيَّةِ تَحتَ سِتارِ ‘لُعبةِ الصَّيدِ’.
وكانَ يَعتَقِدُ أنَّ سُلطتَهُ سَتُنقِذُهُ.
لكنَّ ليلى تَدَخَّلَت، وَفي النِّهايةِ، اتَّخَذَت
اللَّجنةُ التَّأديبيَّةُ قَرارًا غَيرَ مُتَوقَّعٍ.
قَرَّرَت جَدَّتي مُعاقَبَةَ بايون.
‘جميعُنا صُدمنا أنَّ جَدَّتي، الَّتي كانَت تُؤمِنُ
بِقانونِ الغابِ، اتَّخَذَت هذَا القَرارَ.’
لكن لَم يَكنَ السَّبَبُ في إتخاذها لهذا القرار
هُوَ العُنفَ ضِدَّ الضُّعَفاء.
بل كانَ…
‘عَدَمُ الامتِثالِ لِلقَواعِدِ.’
في ذلِكَ الوَقتِ، عَلِمتُ بِوُجودِ هذِهِ القاعِدةِ.
“هذَا أمرٌ لا يُمكِنُ التَّغاضِي عَنهُ.”
لِذلِكَ، تَحدَّثتُ بِثِقَةٍ.
“أُريدُ لَجنةً تَأديبيَّةً بِالتَّعاوُنِ مَعَ الأكاديميةِ المُتَوسِّطةِ.”
أمسَكتُ بِالمِنديلِ بنبل وأكملتُ بِوُضوحٍ:
“بَل أطلُبُ هذَا بِصِفَتِي المُباشِرةِ كابنَةِ العائِلةِ
الرئيسيةِ الكُبرى، كاليبسو أكواسياديل.”
فَتَحَت ليلى فَمَها للتحدثَ إلا أنها أغلَقَتْهُ بِسُرعَةٍ.
حيثُ ظَهَرت لَمْحَةٌ مِنَ الارتِباكِ على وَجهِها.
“اللَّجنةُ التَّأديبيَّةُ قد تَقرَّرَتْ بالفعل يا سمو الأميرة، وسَيَتِمُّ عَقدُها على مُستَوى أعلى. لَقَدِ استَدعَيناكِ لِتَوضيحِ الحَقائِقِ فحسب.”
في تلك اللحظة، ظَهَرَ السُّرورُ على وَجهِي.
لكِنَّ كَلِماتِها التَّالِيَةَ كانَت كافِيَةً لِتَحطِيمِي.
“لكِنَّ، كما تَعلَمينَ، بِصِفَتِكِ طَرَفًا مُعنيًا بهذا، يَجِبُ
أن تَحضُري اللَّجنةَ التَّأديبيَّةَ.”
“وماذا؟”
“زبِما أنَّكِ قاصِرَةٌ، يَجِبُ أن تَكونِي بِصُحبَةِ
وَلِيِّ أَمرِكِ وَفْقًا لِقَواعدِ اللَّجنةِ العُليا.”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي