طفلة الحوت الأسود القاتل - 32
__ الفصل 32 __
ثانيًا، أَتلان.
يُمكنُ القَولُ إِنَّ هذا الشَّخصَ يُشْبِهُ
إلى حَدٍّ كَبيرٍ شَخْصِيَّةَ بايون.
غاضِبٌ، عَنيفٌ، سَريعُ الانْفِعالِ، وَحَتَّى قاسٍ.
‘إِذا كانَ هُناكَ اختِلافٌ، فَهُو أَنَّ أَتلان يَميلُ لِلمُزاحِ وَالمُشاغَبَةِ أَكثَر؟’
إِذا كانَ أَخي الثَّالِثُ، أَجينور، يَنتظِرُ بِفارغ الصَّبْرِ أَن يَرتكِبَ القَويُّ خَطَأً لِيَسْتَغِلَّ الموقِف لِقتْلِه، فَإِنَّ أَتلان يسْتمتِعُ بِالتَّلاعُبِ بِالآخَرينَ، وَخاصَّةً الأَقوِياء.
كانَ يسْتَمتعُ بِرؤْيةِ الدِّماء تسيلُ في المعارِكِ.
إِذْ كانَ مَهُوسًا بِالانْتِصارِ في المعَارِكِ الَّتي يمكِنُ أَنْ يَربحها بِسُهُولةٍ دُونَ القِتالِ، ولكنَّهُ كانَ يصِرُّ عَلَى القتال حَتَّى النِّهايةِ، لِينتهِيَ بِهِ الأَمْرُ بِالنَّصْرِ بَعدَ أَنْ يتلذَّذَ بِرُؤْيةِ الكَثيرِ مِنَ الدِّماءِ.
إِنَّهُ شَخْصٌ مَجنُونٌ.
‘…إِنَّ هذا المَكانَ مُزعِجٌ حَقًّا، فَهُناكَ الكَثيرُ
مِنَ المَجانينَ في هذِهِ العائِلَة.’
‘تَفصِلُهُم شَعْرَةٌ واحِدَةٌ عَنِ الجُنُونِ الكُلّي.’
لَو تَقَدَّمَ خَطْوَةً واحِدَةً أُخرى، لَكُنتُ اعتبَرْتهُ مجَرَّدَ مَجْنُونٍ.
وَلَكِنَّ هَذا الرَّجُلَ كانَ ذَكِيًّا بِما يَكْفِي لِيُدرِكَ حُدودَهُ، فلمْ يَكُنْ يُفْرِطُ في سَفكِ الدِّماءِ لِدرجةٍ تَضُرُّ بِموقعهِ.
كانَ ذلِكَ تَصَرُّفًا يُشْبِهُ إِلَى حَدٍّ كَبيرٍ تَصَرُّفَ الحُوتَ القاتِلَ الماكِرَ.
أَخَذْتُ نَفَسًا عَميقًا وتمَدَّدتُ بَعدَما وصلتُ إِلَى هذَا الاسْتِنتاجِ.
قرَّرتُ تَأْجيلَ التَّفْكيرِ في جُنُونِ
أَجينور حَتَّى وَقتٍ لاحِقٍ.
‘عَلَى الأَقلِّ لَن أُواجِهَ أَتلان في الوَقتِ الحاضِرِ.’
وكَما هوَ الحالُ مَعَ أَجينور، فَإِنَّ أَتلان سَيَكونُ في الأَكاديميَّةِ المُتَوَسِّطَةِ في الوَقتِ الحاضِرِ أَيضًا.
مِنَ المُحْتَمَلِ أَنَّهُ في مُنتَصَفِ السَّنَةِ الدِّراسِيَّةِ الآنَ، لِذلِكَ مِنْ غَيْرِ المُرجَّحِ أَنْ أَلتَقيَ بِهِ.
“لوكا.”
“أَجل يا سُموَّ الأَمِيرَةِ!”
“هل رأيتِ لوبا؟”
“نعم. هل يمكنكُما الجلوسَ هنا؟”
دعوتُ التوأمَين للجلوسِ بجانبي، بعدما كانا منشغلَينِ باللعبِ بالقطارِ.
ولكن بدا واضحًا أنهما كانا في مرحلةِ نشاطٍ شديدٍ، حيثُ لم يتمكّنا من الجلوسِ بهدوءٍ لفترةٍ طويلةٍ، لذا فتحتُ فمي بسرعةٍ.
“أنتُما توأمانِ، أليس كذلك؟ وتربطُكما علاقةٌ جيّدةٌ.”
“علاقتُنا ليست جيدةً!”
“ليست جيدةً!”
“ليست جيّدةً؟”
نظرَ لوكا ولوبا إلى بعضِهما البعضِ وأومآ برأسِيهما.
“يقولُ لنا والدُنا إنه يجبُ أن نكونَ لطيفينَ دومًا معَ بعضِنا… ولكن لوبا يدّعي دائمًا أنه الأخُ الأكبرُ ليّ.”
“لأنّي الأخُ الأكبرُ بالفعلِ!”
“هذه كذبةٌ. ما تدّعيهِ هو مجرّدُ ادّعاءٍ لتبدوَ ناضجًا.”
“هذا مضحكٌ. سموّ الأميرةِ، أن لوكا يكذبُ دائمًا!”
“كلا، أنا لا أكذبُ.”
“بلى أنتَ تكذبُ.”
“آه…”
“يا أطفالُ، من فضلكم، لا تتشاجروا. اهدأوا.”
شعرتُ بأزمةٍ قادمةٍ حيث قد أكونُ السببَ في شجارٍ بين التوأمَينِ اللذَين كانا على وفاقٍ جيّدٍ في البدايةِ.
جلستُ بينهما بسرعةٍ محاولةً تهدئتهما.
وبينما كان كلٌّ منهما يُمسكُ بيدي، بدا أنهما قد نسيا خلافَهما وسرعانَ ما عادا إلى الضحكِ.
“واو، إذا تشاجرنا، هل سموّ الأميرةِ
سوف تمسكُ بأيدينا؟”
“يبدو أنها سوف تمسكُ بأيدينا حقًا!”
“لا تستغلّوا ذلك، أيّها الأشرارُ الصغارُ.”
“هيهيهي.”
في تلك اللحظة، تنهدتُ بعمقٍ، وقلتُ:
“هل لديكما إخوةٌ آخرون؟”
“لا، أمي لا تريدُ إنجابَ المزيدِ من الأطفالِ.”
“لأن والدَنا مشغولٌ!”
“حقًا؟”
عادةً ما لا يُنجِبُ الزعماءُ العديدَ من الأطفالِ.
كانت جدّتي استثناءً لذلك.
“لكن لدينا العديدَ من أبناءِ العمِّ!”
“الكثيرَ منهم!”
“حقًا؟”
بدأ الأطفالُ الذين كانوا يلعبونَ بالقربِ منّا يتجمّعونَ حولنا، ربما بعد أن أثارتهم محادثتُنا.
***
“سمو الأميرة.”
كنت في طريقي للعودة، بعد نهاية
اليوم المدرسي في الأكاديمية.
إلا أنني التقيت بشخص مألوف أمام الفصل.
كانت ليلى.
“نعم. هل لديكِ عملٌ معي؟”
شعرت بالدهشة لأنها كانت
تقف كما لو أنها تنتظرني.
“كلا، ليس كذلك. لقد جئت فقط لأتحدث
مع معلمة هذا الفصل لبعض الوقت.”
إذا كان الأمر كذلك، فهذا سيكون أكثر غرابة.
كان بإمكانها استدعاء المعلمة إلى مكانها، أليس كذلك؟
ألم تكن تفعل ذلك عادةً؟
حسب معرفتي، كانت ليلى نادرًا ما تخرج
من مكتبها كرئيسة مجلس الإدارة.
والآن بعد أن فكرت في الأمر، الأ يبدو أننا
قابلنا بعضنا البعض أكثر مما ينبغي؟
“إذًا، لماذا لم تستدعي المعلمة الى مكتبكِ؟”
“أحيانًا، يتطلب الأمر رؤية الأمور مباشرة.”
ترددتُ قليلاً ثم سألتها:
“هل الأمر يتعلق بمجموعة الحيتان القاتلة؟”
“…”
ابتسمت ليلى، ابتسامة خفيفة بالكاد تُلاحظ، بعد أن بقيت صامتة للحظة، ثم قالت:
“معظم ما أقوم به مرتبطٌ بعائلة الحيتان القاتلة.”
لقد تملصت من الإجابة مباشرة بهذا الشكل.
هززت كتفي بلا مبالاة.
في الحقيقة، كنت أرغب في التحدث أكثر مع ليلى
ولو لمرة، لكن اليوم لم يكن الوقت المناسب.
الأطفال لم يغادروا جميعًا بعد وكانوا ينظرون
بفضول نحو مكان وقوفنا.
ويبدو أن قولها بأنها جاءت لرؤية المعلمة لم يكن
كذبًا، فقد كانت المعلمة تنتظر بقلق في مكان قريب.
“سمو الأميرة.”
“ماذا؟”
عندما كنت على وشك الانصراف، نادتني ليلى فجأة.
“هل تعلمين أن اجتماع العائلة سيكون قريبًا؟”
اجتماع العائلة.
كنت أعلم بذلك بالفعل من خادماتي
الثلاث سمكات الرنجة.
عندما أومأت برأسي، ظهر على وجه
ليلى بعض الدهشة والتعجب.
“هل أخبركِ السيد بايير بذلك؟”
“ليس كذلك، ولكن هناك مصدر آخر.”
“إذا لم يكن هو، فمعلوماتك سريعةٌ إذًا؟”
هذا بسيط للغاية.
في الواقع رأيت الأخوات سمكان الرنجة يتحدثن عن ذلك بكل بساطة، فظننت أن الأمر قد انتشر في كل مكان.
‘أليس هذا خبراً معروفاً للجميع؟’
هززت كتفي مجددًا بلا مبالاة وانا
انتظر كلمات ليلى التالية.
نظرت ليلى حول الممر ثم ركزت نظرها عليّ.
ثم انحنت برشاقة لتكون على مستوى عيني.
“كوني حذرة، يا سمو الأميرة.”
كان صوتها خافتًا.
ثم عندما انحنت برأسها لتهمس في أذني، قالت
بصوتٍ خافتٍ جدًا لدرجة أنه بالكاد يصل إليّ:
“لقد كان من المعتاد أن يختفي كل المرشحين
الواعدين قبل اجتماع العائلة.”
لم أُصَب بالذعر.
بدلاً من ذلك، نظرت إلى ليلى بعينين صافيتين.
ثم ارتسمت على وجهي ابتسامة جميلة.
“لا بأس. سيحميني والدي.”
“نعم، هذا صحيح.”
ابتسمت ليلى بدورها، ولكن سرعان ما اختفى
أثر الابتسامة عن وجهها وقالت:
“ولكن لا تتهاوني، يا سمو الأميرة. هذه
العائلة الكبيرة مليئة بالفجوات والخطر.”
“شكرًا على النصيحة.”
قلت ذلك، لكنني أصبحت أكثر جدية، مدركةً
أن والدي لن يحميني فعلًا.
‘يبدو أن ليلى قدمت لي هذا التحذير
لأنها تتوقع حدوث شيء ما.’
وعندما اقتربت من الدرج، رأيت التوأمين
لوكا ولوبا فجأة كما لو كانا ينتظرانني.
‘أوه، لقد أفزعاني حقًا.’
كالعادة، انتظر التوأمان هذه اللحظة، وحملاني
بسرعة إلى أسفل الدرج.
‘… يبدو أنني اعتدت على هذا الآن.’
“شكرًا لكما. احترسا في طريقكما.”
“نعم! إلى اللقاء! نلتقي بك غدا يا سمو الأميرة!”
“إلى اللقاء، يا سمو الأميرة!”
لم يكن اليوم هو اليوم الذي يأتي فيه والدهم لاصطحابهما، لذا أخذهما شخص آخر.
وعندما التفت، توقفت فجأة.
“آه، لقد أفزعتِني حقًا.”
كان أجينور يقف هناك مرتديًا
ملابس مريحة وغير رسمية.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي