لَم يكنْ يَملِكُ المَوهِبةَ أو الشَّجَاعةَ أو القُوةَ العقلِية، وخاصَّةً الصَّبرَ، مثلَ كاليبسو.
في الواقِع، كانت أعظَمَ ميزةٍ لهذا الحُوتِ القاتِلِ هي قُدرَتُهُ على الاعتِرافِ والتَّقبُّل.
“سَأصبِحُ أَقسَى ضِمنَ حُدودِ قُدراتي، يا مُعلِّمي.”
أن يُنادِيَ والدَهُ بالمُعلِّمِ؟ لِمَ لا.
يُمكِنُهُ ذلك.
مادامَ هُناكَ منْ سيُدَربُه، فما المَشكلةُ؟
“أراكَ تُدرِكُ مَكانتَكَ.”
“بِهذهِ الفِطنَةِ قد نَجَوتَ طَوالَ هذه السَّنواتِ.”
علاوةً على ذلكَ، بدا أنَّ بايير لمْ يَنظُرْ بِسلبِيةٍ إلى هذهِ القُدرَةِ على التَّقبُّلِ المُتواضِعِ لأَجينور.
في الواقِع، إنْ حَاوَلَ أحدُهمُ القِيامَ بِأمرٍ مُستَحيلٍ بِدافِعٍ منَ الشُّعورِ بالنَّقصِ، فلَن يُجلبَ ذلكَ سوى المَتاعِبِ لنَفسِه.
“هَـهِك، هَـهِك. انتهى، انتهى الأمرُ، أليسَ كَذلكَ…؟”
“أَجل. يُمكِنكَ التَّوقُفُ.”
عِندما شَعَرَ أَجينور بِأنَّ كاليبسو تَقتَرِبُ، هَرَعَ بسُرعةٍ إلى النَّافورةِ.
كانَ هُناكَ مَنشَفَةٌ مُطوِيَّةٌ بعِنايةٍ على النَّافورةِ، وفي داخِلها ماءٌ مُثلَجٌ عَائِمٌ.
أَخَذَ أَجينور المَنشَفَةَ بسُهولةٍ.
وفي الوَقتِ نفسِه، أَطلَقَ أَجينور تيارًا منَ الماءِ مِن داخِلِ النَّافورةِ لِيَرفعَ الماءَ المُثلَجَ إلى الهواءِ.
وَوَصلَ أَجينور بخِفَّةٍ إلى حيثُ كانت كاليبسو تَترَنَّحُ بِإرهاقٍ.
“أحسَنتِ يا أُختي الصَّغيرة، لقد بَذلتِ جُهدًا كبيرًا حقًّا!”
حتى وَسطَ إرهاقِها، فَتَحَت كاليبسو عَينيها بِدَهشَةٍ منَ التَّغييرِ الذي طَرَأ على نَبرةِ صَوتِه.
‘ما هذا؟ هل جُنَّ؟’
كانت في حالة شُرودٍ قبل ذلك.
اعتَقَدَت كاليبسو أنَّ بايير قد أَرهقَها بشكلٍ كبيرٍ، لذا أصبَحَت تَرى الأوهامَ.
…ولكنَّ ما هذا الآن؟
كانَ هناكَ بَريقٌ يُشبِهُ ضَوءَ النُّجومِ في تِلكَ العُيونِ الزَّرقاءِ التي لَم تكُن مَوجودةً من قَبل.
‘…ما خَطبُه؟ هل هو الجُنون؟’
شعَرَت بِبعضِ الهَوسِ والجُنونِ في تِلكَ العُيونِ الزَّرقاءِ.
شَعَرَت كاليبسو بِالعَرقِ البارِدِ يَتَصبَّبُ منها عِندَ رُؤيةِ هذا.
…لقد رَأَت هذه النَّظرَةَ من قَبل.
‘لقد هَزَمتني، امضِ عليَّ فَحسب.’
نعم، عِندما سَحَقت أَجينور تمامًا في ذَلكَ اليوم.
في مَعركَتِها الأخيرةِ معَ أَخِيها الثَّالثِ.
مُنذُ ذلكَ اليومِ، اعترفَ أَجينور بِها كَزعيمَةٍ وتَبِعَها حتى المَوتِ.
…هذهِ نفسُ النَّظرَةِ.
‘كلا، لِمَاذا يَفعَلُ هذا الآن؟’
شعَرَت كاليبسو بِالحَيرةِ غيرِ المعتادةِ وهي تُفكِّرُ باستمرارٍ بِ ‘لماذا؟’.
لَم تَسحَق أَجينور كما فَعَلَت في السَّابقِ، ولَم يكُن هُناكَ قِتالٌ جَدِّيٌّ مُنذُ ذلكَ الحِينِ، بل على العكسِ، كانت نَظرَتُهُ الآنَ أَكثرَ وُدًّا من ذي قبل.
حتى في طَلبِهِ، كانَ صوتُهُ يَحملُ نَبرةَ تهديدٍ، وكأنَّ طِباعَ الحيتانِ القاتلةِ لا يُمكنُ أن تزولَ أبدًا.
حينَها ضحِكَت كاليبسو بعدَ أن استرَخَت أخيرًا.
“حسنًا، قُلْ ما تُريد. دعني أسمع.”
“نعم… في الواقعِ، أنا مبهورٌ بتدريبِكِ حقًّا.”
“ماذا؟”
“أنتِ مُذهِلةٌ للغايةِ يا أُختي.”
كانت كاليبسو قد شعرت بالتفوقِ سابقًا بسببِ القوةِ العظيمةِ التي اكتسبَتْها في حياتِها السابقةِ، لذا لم تكنْ تشعُرُ بقدرٍ كبيرٍ من الرضا عن إنجازاتِها الحاليةِ، لكنها أومأَت برأسِها على الرغمِ من ذلك.
“…أمم، شكرًا لك.”
لم تكن كاليبسو قادرةً على تقييمِ مدى عظمتِها أو قوتِها بشكلٍ موضوعيٍّ.
وكانَ معلمُها في نفسِ الوضعِ، لذا كانَ مدى قوتِها وعظمتِها شيئًا لأحظَهُ أجينور فقط.
“إذن… أنا لدي أخوين. آه، تعلمين بهذا، أليسَ كذلك؟”
“نعم، أعلم.”
‘كيفَ لا أعلمُ بهذا؟’
حينها ابتسم أجينور بسعادةٍ عندَ ردِّ كاليبسو.
لم يكن يخفي شعرَهُ هنا، لذا كانت خصلاتُهُ التي تمثلُ الرمزَ الكاملَ للعائلةِ المباشرةِ واضحة.
وعندما ابتسم أجينور، الذي يشبِهُ بايير كثيرًا، توقفت كاليبسو لوهلةٍ.
وهي تتساءل… هل كانَ هذا ما سيبدو عليهِ والدُها لو ابتسمَ؟
“اسمُ أخي الثاني هو أتلان.”
“نعم. أعرف. وماذا بعد؟”
“أودُّ منكِ أن تُدمريهِ.”
“نعم… كلا، ماذا؟”
توقفت كاليبسو فجأةً بينما كانت تفكر.
‘ماذا قالَ للتو؟’
كانَ الأشقاءُ الثلاثةُ بلا شكٍ إخوةً، لكن لم تكن بينهم أيُّ عاطفةٍ أخويةٍ.
بل كانوا ينظرون إلى بعضِهم البعض بازدراءٍ وكأنهم خصومٌ يجبُ سحقُهم في يومٍ من الأيام.
“أنتِ بلا شكٍ قادرةٌ على ذلك.”
ولم يكن لأجينور مشاعرُ طيبةٌ تجاهَ شقيقِهِ الأكبرِ، أتلان.
أتلانُ ذلك الأخُ المتهورُ والعنيفُ…
بالنسبةِ لهُ، لم يكن شيئًا مقارنةً بأختِهِ الصغيرةِ الموهوبةِ والمثيرةِ للإعجابِ.
حينها ظهرت ابتسامةٌ مشرقةٌ على وجهِ أجينور، قائلاً:
“أرجوكِ، اجعليهِ غيرَ قادرٍ على النهوضِ.”
لن أكونَ الوحيدَ الذي يتعرضُ لذلك يا أختي.
***
“شُوُوو! القطارُ يُغادِرُ الآن! شُووو!”
“تشي تشي بو بو! القطارُ ينطلقُ الآن!”
كان هذا وقتَ الراحةِ.
رغمَ أنَّ الفصلَ الألفا هو الأفضلُ في الأكاديميةِ التعليميةِ، إلا أنَّ وقتَ الراحةِ لم يكن يختلفُ كثيرًا عن أيِّ حضانةِ أطفالٍ أخرى، إذ كانَ صاخبًا للغايةِ.
بالطبع، كانَ هناك بعضُ صغارِ الحيتانِ القاتلةِ الذين يتظاهرونَ بأنهم بالغونَ، حيث كانوا جالسين بمظهرٍ جادٍّ.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 31"