طفلة الحوت الأسود القاتل - 27
__ الفصل 27 __
لقد رميتُ الأوراق التي أخذتها من التوأم بحركةٍ سريعةٍ على الأرضِ وتراجعتُ، إذ ما فعلهُ كان مُفاجئًا ليّ حقًا.
صوتُ حركةِ السَّيفِ كان عاليًا جِدًا.
‘حتى ولو أصبحَ هذا السيفُ
باليًا وقديمًا، كانَ لا يزالُ حادًا.’
وبالفعل، كان من الصعبِ التَّعامُلُ معه قليلًا
مع التغييرِ الذي أحدثهُ كارون بأخذهِ للسِّيف.
وبشكلٍ أدقَّ، كان من المؤسف أنَّ أطرافَ
هذا الجسدِ الذي أنا عليهِ كانت قصيرةً.
“هاهاها! أنتِ تهربُين فقط، أليس كذلك؟ أليسَ
هذا دليلًا على خوفِك؟!”
لو لمَسَها السَّيفُ لكانت عكست الهجومَ، ولكن
هذا السَّيفَ كان يدورُ بعشوائيةٍ في الهواءِ قبلَ
أن يتمكَّن من لمسِ أيِّ شيء.
‘لو هاجمتُ من على الدَّرجِ، لكنتُ دفعتُه.’
وفي الوقت ذاته، اتخذتُ قراري.
في النِّهاية، كان سيفُهُ يتحرَّكُ
بعشوائيةٍ بسببِ الخوف.
حتى لو تركتُه، كان سيهلكُ بنفسِهِ، لكن
لم يكن لديَّ الكثيرُ من الوقت.
‘لديَّ الكثير من الأشياء لأفعلها اليوم.’
قرَّرتُ في النِّهاية تحمُّل قليلٍ
من الإزعاج.
‘هل تعتقد أنَّني لم أقاتل من قبل؟’
إذا ذكّرت فقط عددَ المعارك التي خضتها في محاولتي لتولي رئاسة العائلة، فسيكون العددُ بالمئات.
وإذا أضفتُ الحروبَ إلى ذلك، كم سيكون العدد؟
حسنًا، وما اخترتُهُ في النهايةِ
هو تحمُّل قليلٍ من المخاطرة.
‘هذا الأحمقُ لا يملك القدرة الكافية.’
وبينما كنتُ أتفادى السِّيفَ ببراعةٍ.
وجهتُ رأسي نحو مسار السَّيف، فتوقَّفَ
كارون للحظةٍ قصيرة.
‘نعم، أفكارٌ كثيرةٌ تخطر ببالك الآن، أليس كذلك؟’
من الخوفِ من أن أهاجم شخصًا من الأسرة الرئيسية، إلى التَّردُّد البريء للطفل الذي لم يقتل أحدًا مِن قبل.
لم يكن هذا الأحمق مثل إخوتي
المجانين أو المهووسين بالدماء.
في لحظةِ توقُّفِ السَّيف، تجنَّبتُ الضَّربةَ بسهولة، لكن شفرةَ السَّيفِ لمستْ وجنتي برفقٍ.
وفي الوقت نفسه، رفعتُ قدمي وضربتُ
بقوةٍ على صدر كارون.
كانت ضربةً مُدمرة حقًا.
لقد وضعتُ وزنًا فيها، لذا يجب أن
تكون مؤلمة جِدًا، أيها الغبي.
كلينك!
“كُح! كُح! كُح!”
“عندما تمسك بسلاحٍ يتجاوزُ قدرتكَ، هذا
ما سيحدثُ لكَ أيها الأحمق.”
قلتُ ذلك بهدوءٍ بينما كنتُ أعودُ
لألتقطَ الأوراقَ.
…أو هكذا كنتُ أنوي.
وفي الوقت ذاته، شعرتُ بوخزةٍ
في ظهري، فتنهَّدتُ وتحركتُ بسرعة.
“ما هذا، ما الذي يحدث هنا؟”
التفتُّ نحو الصوت المألوف، ورأيتُ سيفًا
يطفو في الهواء، محاطًا بتيارٍ من الماء.
كانت هذه قوةُ الماء.
‘الشخص الوحيد في هذه الأكاديميةِ التعليمية
الذي يمكنهُ استخدام قوة الماء هو…’
استدرتُ نحو مصدر الصوت، وها
هي ليلى تقفُ هناك.
كانت هناك عدة معلمين خلفها، لكن لم
يكن بإمكاني رؤيتهم بسبب ليلى.
نظرتْ ليلى إليَّ وإلى كارون بوجهٍ
صارمٍ ودقيقٍ، ثم تقدمت نحونا.
“السيفُ الموجود في الخزانةِ الزخرفية
ليس للتهديد أو الضرب، يا سيد كارون.”
كان صوتها جافًا ورسميًا للغايةِ.
لكن، لماذا شعرتُ للحظة، بنظرةٍ
حادةٍ تلتمع في عينيها؟
“كوني رئيسةً لهذا المبنى، فكرةُ أن حادثةً دمويةً
كانت على وشكِ الحدوث هنا ليست مريحةً أو أمرًا سارًا ليّ.”
“أنا فقط…”
“القوةُ تأتي مع المسؤولية. هذا ما يُعلَّم في كل صفوف الأكاديميةِ التعليمية هنا، لا أعتقد أنكَ تجهلُ هذا، يا سيد كارون.”
“أنا فقط، فقط…!!”
“هذا يكفي. سأسمعُ باقي
الكلام في غرفة العقوبات.”
بإيماءةٍ حازمةٍ من ليلى، تقدّم المعلمون الذين
كانوا خلفها، واقتادوا كارون بوجوهٍ صارمةٍ.
للحظةٍ قصيرة، شعرتُ كأنهم نظروا
إليّ، لكن لم تدم تلك اللحظةُ طويلًا.
وسرعان ما أصبح الممر خاليًا، وبقيت أنا وليلى فقط.
ولأنني كنتُ لا أزال مُترددةً في الانحناء لالتقاط
الأوراقِ، أستقمت على الفور، قائلةً:
“شكرًا لكِ.”
رفعت ليلى حاجبها قليلاً فقط عند شكري لها.
وبوجهها الجاف والرسمي. قالت:
“لا داعي للشكر. لقد تصرفتُ كما يجب أن أفعلَ
بصفتي رئيسةً لهذه الأكاديمية.”
“لكن، ليلى. أنتِ لا تتصرفين هكذا عادةً
إلا في الاجتماعات الرسمية للمجلس
التأديبي، أليس كذلك؟”
ليلى التي أعرفها كانت هكذا.
على الرُغمِ مِن أنني أعرفها من حياتي
السابقة، لا أعتقد أنها قد تغيرت الآن.
“أعلم أنه من الصعب التدخل في موقفٍ لا تعرفين
سببهُ. إذ عليكِ أن تبقي مُحايدةً. ومع ذلك، أشكركِ حقًا على مساعدتي.”
تغير تعبير ليلى للحظةٍ وهي تنظرُ إلى وجهي.
“أنتِ شخصٌ يجب أن يحافظ دائمًا على
الحياد ويسمع من كلا الجانبين.”
حينها عادت ليّ ذاكرتي البعيدة.
حيث أن ليلى دومًا كانت الشخص العادل.
الشخص الذي وقف بجانبي
بالعدل، سواء أردت أم لا.
“لذلك شكرًا لكِ.”
“…لقد بدأتُ أشك فيما إذا كنتُ أتحدث مع أحد
طلاب الشرف المتفوقين في الأكاديميةِ المتوسطة.”
تنهدت ليلى بصوتٍ مُنخفضٍ وأكملت قائلةً:
“لأكون صريحةً، كنتُ سأوقفُ كارون حتى لو كان شخصٌ آخرَ في مكانكِ. لأن هذا هو دوري.”
حسنًا، إذا لم أكن أنا، هل كارون الأحمق سوف
يستل السيفَ على شخصٍ آخر في الأصل؟
“من يدري، ربما لديَّ عداوةٌ كبيرةٌ مع كارون
لذا فعل هذا معي. ومع ذلك، سأعتبرُ أنكِ وقفتِ
بجانبي. شكرًا لكِ.”
عند سماع هذه الكلمات، تغير تعبير
ليلى بشكلٍ غير محسوس.
كانت على وشكِ التربيت على رأس كاليبسو،
لكنها توقفت وتنهدتْ، قائلة:
“أنتِ شخصٌ غريبٌ حقًا.”
مع تنهيدةِ ليلى، أسقط تيار الماء السيفَ واقتربت مني لتُعطيني الأوراق التي كانت على الأرضِ.
حينها أخذت الأوراقَ بترددٍ.
“لا داعي لأن تشرحي الموقف. لقد
سمعتُ كُلّ شيءٍ بالفعلِ.”
“سمعتِ كُلّ شيءٍ؟”
“الطابق الأول من الأكاديميةِ الابتدائية
ليس مكانًا مانعًا للصوت.”
الحوت القاتل الذي يمكنهُ استخدامُ
قوةِ الماء لديه أيضًا حواس متفوقة.
يبدو أنها سمعت محادثي مع كارون
قبلَ أن تأتي إلى هُنا حتى.
حسنًا، لقد تم حل جزءُ مِن المُشكلةِ.
و لكن لا يزال لديَّ بعضُ الأسئلةِ.
إذا سمعت المُحادثةَ فحسب، ربما
لم تعلم كل التفاصيل.
“همم، هذا يبدو غريبًا بعض الشيء. هل أحتاج للذهاب إلى غرفة العقوبات التأديبية للشرحِ أيضًا؟”
“لا، ليس عليكِ ذلك.”
لقد استفززتُ كارون بشكلٍ واضح، لذا كنتُ
أعتقد أنه يجب أن أذهب.
‘إذا ذهبتُ إلى غرفة العقوبات معًا
وشرحت الموقف، ربما…’
لا أعتقدُ إنهُ في هذا الوضع سيوجدُ أحدٌ
يدافع عني دون ترددٍ.
“لا تحتاجين إلى الذهاب إلى غرفة العقوبات. لأن ذلك الشخص لا يريد ذلك.”
“ذلك الشخص؟”
“نعم.”
تيار الماء الذي كانت تتحكم فيه ليلى
رفعني بلطفٍ في الهواء.
وبفضل ذلك، وجدتُ نفسي أنظر
في عيني ليلى مباشرةً.
“لقد طلب السيد بايير مني أن أعتني
جيدًا بالسيدة كاليبسو.”
“ماذا…؟”
توقفتُ للحظة بصدمة.
‘هل سمعتُ هذا بشكل صحيح؟’
لم يكن لديّ وقتٌ للحفاظِ على هدوئي.
ظهرت علامات الدهشة على وجهي قبل أن
أحاول إخفاءها، ولكن كان الأوان قد فات.
“أنا مدينةٌ للسيد بايير.”
ابتسمت ليلى قليلاً، وتحدثت بعدما فسرتْ تعابيري.
“بل الأصحُ أن أقول إنني أتبع السيد بايير.”
ماذا؟ ليلى تتبعُ بايير؟ تابعةٌ لوالدي؟
هذا أمر مذهلٌ، ولكن…لم يكن هذا ما صدمت منهُ.
‘والدي طلب منها أن تعتني بي؟ لماذا؟ متى؟’
تحركت شفتاي قليلًا ثم توقفت.
كنتُ أريد أن أسألها مباشرةً، لكن
كان عليَّ أن أكونَ حذرةً.
‘لقد كذبتُ كثيرًا حولَ والدي بعد كل شيء…!’
إذا قلتُ شيئًا خاطئًا، قد يتم كشفُ كذّبتي.
حينها شعرتُ بقلبي ينبضُ بسرعةٍ.
‘كيف يمكنني أن أَسألَ دون أن أُفَضِّح نفسي؟’
لقد كان موقفًا مُعقدًا للغايةِ.
ليلى التي بدا أنها تفهمني، ابتسمت برفقٍ، ولكنَّ كان
من المُستحيل أن تعرف ما في قلبي حقًا.
“هذه هي المرة الأولى التي أتلقى فيها مثل هذا الأمر من ذلك الشخص. لم أكن أظن أنه سيطلب شيئًا كهذا.”
“أمم…”
ابتسمتُ بطريقةٍ محرجةٍ، حيثُ شعرتُ بعرقٍ
باردٍ يتسلَّل إلى ظهري ببطءٍ.
***
‘ما هذا؟ ما الذي حدث؟’
بعد أن غادرت الأكاديمية، صعدت إلى العربة حيثُ بدأ العرقُ الباردُ يسيل من جبيني.
وعندما وصلتُ للعربةِ بعد فترةٍ طويلةٍ، كانَ على وجه الخادمة نظرةٌ وكأن لديها الكثير من الكلمات التي تُريد قولها، ولكنها لسببٍ ما لم تتفوه بأيٍّ منها.
كان هذا أمرًا مُرحبًا به بالنسبة ليّ، ولكن ذلك جعلني أستمرُ في التعرقِ طوالَ الوقت، وهذا ما لم يكن ذلك أمراً مُحببًا ليّ.
‘أممم…ماذا عليَّ أن أفعل؟ هل
من المناسب الذهاب اليوم؟’
كان يومي يسير كالمعتاد.
بعد انتهاء اليوم الدراسي، كنت أتوجه
نحو المبنى الذي يسكن فيه والدي.
لكنَّ قدماي كانتا ثقيلتين
ومرتجفتين اليوم…
‘آه…ماذا لو كان والدي المرعب
بانتظاري عندما أصل؟’
…لقد تخيلت الأمر.
‘يبدو…أنكِ لقد استمتعتِ كثيرًا بخداعي
طوال الوقت، أليس كذلك؟’
‘هل كانَ ذلك مُمتعًا؟ يبدو أنكِ كنتِ تعتقدين
أن كُلّ شيءٍ تحت سيطرتكِ.’
لقد تخيلت والدي وهو ينطق بهذه الكلمات المرعبة.
فكّرت للحظةٍ في عدم الذهابِ، ولكن لم
يكن بأمكاني تجاهلُ الأمرِ إلى الأبد.
أنا مِن النوع الذي يفضلُ مواجهةَ
الأمور فورًا، مهما كانت صعبةً.
‘حسنًا، لابد من مواجهتهِ الآن لأفهمَ ماذا حدث!’
وعندما وصلتُ إلى منزلِ بايير، كانت ملابسي
قد ابتلت تمامًا مِن العرق.
حدّقتُ في الأوراقِ التي كنت أحملها
بين يدي بوجهٍ مُضطربٍ.
‘لقد كنتُ أشعر بالسعادةِ حقًا عندما رأيت
هذه الأوراق لأولِ مرةٍ، ولكن الآن…’
في تلك اللحظةِ، تنهدتُ بعمقٍ.
اليوم، كانَ منزل بايير يبدو وكأنهُ قلعةُ شيطانٍ
تنفثُ هالةً من الخطر، ولكن ما باليد حيلة.
‘عليَّ أن أذهبَ…آه، فلأذهب الآن.’
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي