طفلة الحوت الأسود القاتل - 26
__ الفصل 26 __
عائلةِ الدّلافينِ البيضاءِ، أو كما تُعرفُ بـ ‘عائلةِ بيلوغا’.
كانت هذه العائلة، كما ذَكَرتُ سابقًا، لا علاقةَ
ليّ بها أبدًا في حياتي السّابقةِ.
ورغمَ أنّ الدّلافينَ البيضاءَ تُعتَبرُ من الكائناتِ الذّكيةِ، إلّا أنّ هذه العائلةَ قد اختَفَت بالفعلِ عندما عدتُ إلى عائلتي في حياتي الثّالثةِ.
والمسؤولُ عن القضاءِ على هذه العائلةِ لم يكن
سوى ‘بايون’ الابنِ البِكرِ لِعَمّي.
يمكنُ القولُ إنّ بايون هو الأقربُ ليكون
رئيسَ العائلةِ القادمِ في الوقتِ الحالي.
ولكنْ، للحديثِ عن هذا الموضوعِ، يَتطلّبُ الأمرُ شرحًا موجزًا عن عائلةِ الحيتانِ القاتلةِ المباشرةِ.
‘في الأصلِ، كانت زعامة عائلةُ الحيتانِ القاتلةِ
تنتقلُ من الجدةِ إلى الابنةِ أو إلى الحفيدةِ.’
ولكن جدّتي الحاليةُ أوكولا أكواسياديل رغم شهرتها
بأنّها مُقاتلةٌ عظيمةٌ، كان لديها عيبٌ واحدٌ فقط.
وهو عدمُ قدرتها على إنجابِ ابنةٍ.
وبعدَ أن أنجبت ثلاثةَ أبناءٍ فقط، أعلنت جدّتي
فجأةً بقولها: ‘سأختار خليفي من بينِ أحفادي’.
وبالطّبع، عمّي الأول وعمّي الآخرُ اعتَرَضا، ولكن
ما الذي كانَ بإمكانِهِما فعلُه؟ فقد قرّرت الزّعيمةُ ذلك بالفعل.
وأدركا أنّه إذا لم يتكيفا بسرعةٍ مع هذا، قد
يفقدانِ الفرصةَ المتاحةَ لهما.
لذلك، حَوَّلا أنظارَهما سريعًا
نحو أبنائهما.
‘في الحقيقةِ، حتى لو كانَ الأمرُ يتعلّقُ بنقلِ السلطةِ إلى أحد أبنائها، لم يكن لديهم الثّقةُ في التّغلبِ على بايير.’
بالإضافةِ إلى ذلك، قالت جدّتي أيضًا:
‘إذا كان هناك حفيدٌ بارزٌ بما فيه الكفايةِ، سأفكرُ
في منحهِ الخلافةَ!’
كانَ هذا ضروريًّا، لأن جميعَ أبنائها
أنجبوا أبناءً ذكورًا فقط.
وفي ظلِّ هذا الوضعِ، كان بايون الابنُ الأكبرُ لعمّي، يتصدرُ السباقَ ليصبح الخليفةَ.
ولكنّ المشكلةَ أن بايون لم يكن شخصًا جديرًا بالثقةِ…
‘كانَ قاسيًا وعنيفًا، أليس كذلك؟’
حتى معَ الأخذِ في الاعتبارِ الطّبيعةَ القويةَ والوحشيةِ لهذه العائلةِ، كانت أفعاله قاسيةً للغايةِ ليتمَّ ارتكابُها من قبلِ شخصٍ لم يبلغ بعدُ سنَّ الرُّشدِ.
حتى إخوتي، المعروفينَ بقسوتهم، كانوا يهزّون
رؤوسهم مؤيدين بعضهم البعض عند التّفكّيرِ في أفعالهِ الوحشيةِ قائلينَ أنها قذرةٌ للغايةِ.
‘ما يزيدُ الأمورَ سوءًا هو أنّ كلَّ أفعالهُ
كانت مُوَجَّهَةً نحو الضّعفاءِ.’
كان يتظاهرُ باللّطفِ، لكنه كان
يعشقُ العنفَ بشكلٍ لا يُوصَفُ.
لذلك، بينما كان يتظاهرُ بالهدوءِ أمام جدّتي، كان
دائمًا ما ينفّذُ أعمالًا خبيثةً في الخفاءِ.
وكانت أهدافُه للعنفِ دائمًا من بين
عائلاتِ الأتباعِ مثل الدّلافينِ البيضاءِ.
‘أستطيعُ أن أسترجعَ تلك الذكرياتِ.’
أذكّرُ أنّه عندما عدتُ للعائلةِ في حياتي السّابقةِ، كنتُ أجمعُ المعلوماتَ عن هذه العائلةِ.
ورغمَ أنّني نسيتُ بعضَ التفاصيلِ لأنّها لم تكن ضروريةً في الوقتِ الحاليِّ، إلا أنني أستطيعُ أن أسترجعَ الكثيرَ منها الآن.
‘وأيضًا أتذكّرُ ما حدثَ من مأساةٍ لعائلةِ بيلوغا.’
وبينما كنتُ غارقًا في أفكاري، انتهى الدرسُ فجأةً.
“كونوا حَذِرِينَ في طَريقكُم!”
“سنكون حَذِرِينَ!”
كانَ التوأمُ لوكا ولوبا يُلَوّحان ليّ بينما
كانا يحملانني كما لو كنتُ على العرشِ.
كنتُ أُلوّحُ لهما بينما التقت عيناي برجلٍ
ذو شعرٍ أبيضَ يشبهُ التوأمَ تمامًا.
‘هممم؟ يبدو مظهرهُ تمامًا مثل التوأمِ.’
رآني الرجلُ هو أيضًا، وابتسم
بلطفٍ بينما أومأَ برأسهِ.
ظننتُ أنه ربما يكونُ قريبًا للتوأمِ، لذلك
أومأتُ برأسي بالمقابلِ.
“أبي!”
“أبي!”
كان صوتُ النّداءِ الذي سمعتهُ بعدها جعلني مَذهولةً.
…بغضِّ النّظرِ عن كونهم مخلوقاتٍ بحريةٍ، ألا يبدو أنّ والدهم شديدُ الشّبابِ؟
‘حتى لو قيل ليّ إنّه أخٌ أكبرُ للتوأمين بفارقٍ
عمري، كنتُ سأُصَدّقُ ذلك.’
حينها لمستُ رقبتي بدهشةٍ.
‘تذكرتُ أن لكلِّ نوعٍ من الكائناتِ البحريةِ
خصائصَ مميزةً في هذا العالمِ…’
كما نمتلكُ نحن الحيتانُ القاتلةُ قوّةَ الماءِ.
وكل الكائناتِ البحريةِ، بل وحتى الشخصياتِ
الرئيسيةِ في القصةِ الأصليةِ، تمتلكُ قدراتٍ خاصةٍ.
البطلةُ، على سبيلِ المثالِ، تمتلكُ قوّةَ شفاءٍ
فريدةً، وهذا ما جعلها محورَ القصةِ.
ولكن بالنسبةِ للكائناتِ البحريةِ…كنتُ أحاولُ
تَذَكُّرَ القُدرةِ الخاصّةِ لعائلةِ بيلوغا.
‘أظنني أتذكرُ شيئًا…’
وبينما كنتُ أراقبُ ظهرَ الأبِ والتؤأمين، شعرتُ بوزنٍ خفيفٍ دفعني جانبًا وكدتُ أفقدُ توازني لوهلةٍ، لكنني استعدتُ توازني بسرعةٍ.
‘شعرتُ بشيءٍ يقتربُ بالتأكيد.’
كنتُ غارقةً في أفكّاري لدرجةِ أنني تركتُ حذري.
نظرتُ خلفي لأجدَ كارون ينظرُ بابتسامةٍ متغطرسةٍ.
‘ماذا؟ هل أصبحت لديهِ الجرأةُ الآن؟’
“…”
عندما نظرتُ إليه بوجهٍ مُتجهمٍ دون أن أنطق بكلمةٍ، بدأت ملامحهُ المتغطرسةُ تتلاشى تدريجيًّا وظهرت على وجههِ ابتسامةٌ متوترةٌ.
بدا ليّ أنه يتصببُ عرقًا، مما جعلني أتساءلُ
عن سببِ قيامه بهذا الأمرِ.
‘أذكرُ أنه كان يتهامسُ مع بعض الأشخاص أثناءَ
الدرسِ. وحتى عندما التقت أعيننا، لم يكن يُبالي.’
كنتُ أعرفُ تلك الابتسامةَ جيدًا.
وأعرفُ جيدًا طبيعةَ أمثالِ كارون.
‘إنّها تمامًا تلك الابتسامةُ التي ترتسمُ على وجوهِ الحُثالةِ عندما يجدون من يقفُ وراءهم ويساند أفعالهم القذرة.’
حينها حرّكتُ رقبتي قليلًا وفتحتُ فمي، قائلةً:
“إذا كنتَ ستبدأُ مشكلةً وسترتعدُ خوفًا
بعدها، فلا تتراجعْ بسرعةٍ بعدَ ذلك.”
“ما–ماذا؟!”
“لأنك ستبدو أحمقًا حقًا.”
“…!”
احمرَّ وجهُ كارون غضبًا وبدأ يُحَدّقُ بي بحنقٍ.
“أنتِ تتفاخرينَ الآن، أليس كذلك؟ لكن
هذا لن يدومَ طويلًا!”
“هل تمزح معي؟ هل تظن أنّني سأكون فخورةً
بهزيمتكَ؟ إنهُ حتّى لا يُعد كتمرينٍ بعد الأكلِ.”
“…ه-هذا!”
بكلِّ صراحةٍ، لم يكن كارون يستحقُّ أن أتعاملَ معهُ.
فهو ليس قويًّا بما فيه الكفاية.
غبيٌّ للغايةِ ويُظهرُ كلَّ شيءٍ بسهولةٍ، بالإضافة
إلى أنّه لا يتحكمُ بأعصابهِ جيدًا.
‘سيكونُ مصيرُه الموتَ المُبكرَ.’
ليس غريبًا أنّني لم أكن أعرفُ اسمه من
قبلُ حتى في حيواتي السابقة.
“أنتِ تتفاخرينَ الآن، لكن قريبًا ستُطردينَ! الأيامُ
التي ستُغادرينَ من هنا ستكون قريبةٌ!”
…أن أُطرد؟
‘ماذا يعني ذلك؟’
عَبَسْتُ قليلًا بسببِ ما سمعته.
‘إذا طردوني، فهذا رائعٌ بالنسبةِ ليّ، أليس كذلك؟’
إذا خرجتُ من هنا بسلامٍ دون أن أفعلَ شيئًا، فلن
أحتاجَ إلى المزيدِ من العناءِ. ستكونُ فكرةٌ رائعة.
لكنْ، يبدو أنَّ كارون فهمَ تعابيرَ
وجهي بطريقةٍ خاطئة.
ربما ظنَّ أنَّني شعرتُ بالخوف، لأنَّهُ ابتسمَ بسخريةٍ على وجههِ الذي كانَ لا يزالُ مُحمرًّا بغضبٍ.
“هذا سيحدثُ لأنَّكِ ضربتِ أحدَ أتباعِ بايون!”
“مهما كنتِ قويَّة، فلن تصلي لمستوى بايون!”
هل حقًّا ضربتُ أحدَ أتباعِ بايون؟
متى حدثَ ذلك؟ حينها تذكَّرتُ شيئًا.
آه، ربما…
“كيف لشخصيَّةٍ مثلَ رئيسةِ العائلةِ أن تقبلَ بذلك؟ من المؤكد أنَّهُ إذا تركوكِ على قيدِ الحياةِ، ستعرقلينَ طريقَ السيدِ بايون.”
لا بدَّ أنَّ هناك بعضَ الأتباعِ من عائلةِ الحيتانِ الجانبيَّةِ الذين أتوا إلى المكانِ الذي كنتُ أعيشُ فيهِ قائلين أنهم أتباعٌ للأحمقِ بايون.
‘لقد أعلنوا بألسنتهم أنَّهم يتبعونَ
بايون، وحاولوا ضربي.’
يبدو أنَّه كان يتحدثُ عن هؤلاء.
بخلافِ هؤلاء، لم أضربْ سوى هذا
الكارون وأخي الثالثِ أجينور.
‘أرأيتم؟ أنا محبةٌ للسلام ومن الدعاةِ لهُ.’
و عندما أدركتُ ما يحدثُ، شعرتُ بالمللِ.
ابتسمتُ بهدوءٍ ولوَّحتُ بيدي باستخفاف.
“آه، حسنًا. اذهب وأخبره. أخبره
أنَّني أودُّ أن يطردوني بسرعة.”
“ماذا؟ هل تظنينَ أنني أمزح؟ أنا جادٌّ بالفعل!”
“حسنًا، حسنًا. تحدَّث بوضوح، ولا تتلعثم.
آه، هل هذا صعبٌ بالنسبة لك؟”
“إييك…!”
كان الممرُّ هادئًا تمامًا بعد انتهاء
جميعِ الأطفالِ من الدراسة.
توقعتُ أنْ يفرَّ كارونَ هاربًا بذيلهِ مثل الكلاب، لكنْ
ما حدثَ كانَ مفاجئًا.
لقد أصبحَ وجههُ مُحمرًّا للغايةِ وبدأ يتحركُ بترددٍ.
ثم فجأةً اندفعَ نحوَ إحدى الخزائنِ
المزخرفةِ في الممر.
هذا المبنى، كان مبنيًا على ذوقِ ليلى و جدتي، لذا كان مزينًا بتحفٍ عتيقةٍ هنا وهناك.
ومن بينِ هذه التحفِ كان هناك سيفٌ حقيقيٌّ، وليسَ مجردَ نموذج، وهو ما أمسكَ بهِ كارون في يده.
‘يا للدهشة، هل يظنُّ أنَّهُ سيفوزُ إذا أمسكَ
بسلاحٍ؟ ماذا يدورُ في رأسهِ حقًّا؟’
رغمَ أنني فكّرتُ بهذا، إلا أنني أصبحتُ أكثرَ حذرًا.
مهما كنتُ قويةً وسريعةً، إلا أنَّ جسدي
ما زالَ جسدَ طفلةٍ.
إذا أصبتُ بالسيف، سأتعرضُ لجروحٍ.
وبالأخصِّ عندما يكونُ هذا السيفُ في يدِ
شخصٍ قويٍّ ولكنهُ غبيٌّ مثلَ كارون.
سيجعل كارون من هذا سيفٌ طائشٌ
بلا شكٍ بسبب تحركاتهِ الخرقاء.
“ل– لن أترككِ تفلتينَ بفعلتِكِ…”
“كفى من الثرثرة، هيا هاجمني. لا تحاول
تقليدَ أدوارِ الأشرارِ التافهين.”
“أنتِ!!!”
صرخَ صرخةً ملؤها الغضب، واندفعَ نحوي كما لو كان وحشًا هائجًا، غيرَ قادرٍ على تحملِ الخزي أو الهزيمة.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي