طفلة الحوت الأسود القاتل - 24
__ الفصل 24 __
هاجمَ أجينور بقوةٍ شديدةٍ، ناهضًا على قدميهِ.
‘آه! إنَّها قوةُ الماءِ.’
تجنَّبَت الضربةَ في الوقتِ المناسبِ، حيثُ
مرَّ تيارُ الماءِ فوقَ كتفِي.
لحسنِ الحظِّ، لم يكنِ أجينور ماهرًا في استخدامِ قوةِ الماءِ، إذ لم يستطعْ توليدَ أكثرَ من تيارٍ واحدٍ.
‘يا مُعلِّمي! آه! آاااه! لقد انتهيتُ من تنظيفِ
الأرضيةِ، فلماذا ترشُّ الماءَ الآن…؟’
‘كان يجب عليك وضعُ الممسحةِ في مكانِها المناسبِ.’
‘ماذا تعني بذلك؟ هل كان عليّ أن أتكهَّنَ بمثلِ هذا
قبلَ ثلاثِ ثوانٍ؟ آه، حسنًا سأفعل! سأفعل!’
‘إذن هذا هو السببُ….في أن المعلم كانَ دائمًا يطلقُ تياراتِ الماءِ أثناءَ التنظيفِ…ربما كان يريدُ أن يعلِّمني هذهِ الرشاقةِ.’
لم يكن لديَّ أيُّ اعتراضاتٍ أثناءَ التدريبِ، ولكن الآن
عندما أدركتُ فائدتَهُ، شعرتُ بشيءٍ غريبٍ.
عندما لم تنجحْ قوةُ الماءِ، هجمَ
أجينورُ مرةً أخرى.
ورغمَ أنَّ سرعتَهُ كانت مذهلةً.
لم يستغرقِ الأمرَ أكثرَ من ثلاثِ ثوانٍ حتى
أمسكتُ بهِ وأطرحتهُ أرضًا.
هذهِ المرةِ، جلستُ بجانبهِ بدلًا من أن أضايقَهُ.
“هل سبقَ أن تفاديتَ حجارةً أثناءَ الركضِ؟”
“كلا، بل كيف سأواجهُ مثلَ هذا الموقفِ في الأصل؟”
“لقد حدثَ هذا ليّ. ربما لهذا السببِ أنتَ بطيءٌ.”
ثم أضفتُ ضربةً خفيفةً على رأسهِ بعد كلماتي هذه.
“آه! هذا مؤلمٌ!”
‘هل شعرَ والدي بنفسِ الشعورِ عندما
كانَ يراني هكذا؟’
نظرتُ إلى أجينورَ بنظرةٍ تعبِّرُ عن الأسى
المُزيفِ، وقلتُ بسخريةٍ:
“ضربتُك لتشعرَ بالألمِ. هل تظنُّ
أنني ضربتُك لأمدحَك؟”
“…!!”
في النهايةِ، بدأتْ دموعُ أجينورَ تتجمعُ في عينيهِ
وهو مستلقي على الأرضِ.
حتى طفلُ الحوتِ القاتلِ الذي يظهرُ ميولًا
سيكوباتيةً يمكنهُ أن يشعرَ بالألمِ.
[توضيح/ تعني السيكوباتية الاعتلال النفسي، وتشير إلى الاضطراب في الشخصية الذي يتسم بالاستمرار
في السلوك المعادي للمجتمع وضعف التعاطف والندم والأنانية، والسلوكيات غير المقيدة التي لا تتوافق مع السمات العامة للمجتمع بهدف جذب الانتباه بشتى الطرق.]
‘يبدوُ أنَّهُ لن ينهضَ مرةً أخرى.’
أخيرًا، فقدَ أجينورُ عزيمتَهُ.
وعند رؤيةِ هذا وقفتُ على قدميّ.
رغمَ أنَّ أجينورَ ارتعشَ، إلا أنَّهُ رفعَ
نصفَ جسدِهِ وجلسَ مُترددًا.
عيناهُ كانت مليئةً بالاستياءِ والحيرةِ وهو ينظرُ إليَّ.
“أنتِ…كم عمركِ؟ كيف يمكنكِ أن تكوني قويةً هكذا؟”
‘هل لم يسمعْ من قبلُ متى وُلِدَتْ شقيقتهُ الصغرى؟ أم أنَّهُ لم يهتمَّ لذلك؟ حتى الأطفالُ الآخرونَ أشاروا لولادتي قبلَ قليلٍ.’
فكّرتُ في هذا، في حين لا يزالُ
أجينور يبدو مشوشًا وهو يتمتمُ.
“هذا غيرُ معقولٍ…هل تناولتِ دواءً
أو عقاقيرًا غريبةً لزيادةِ القوةِ؟”
“لنكن صادقين، ألا تعتقدُ أن المشكلةَ
تتمثل في ضعفِك؟”
“…”
ورغم أنَّ كبرياءَهُ قد أُصيبَ، إلا أنَّ
أجينور لم يعترضْ بعدَ الآن.
لقد أدركَ الفارقَ في القوةِ وتقبَّلَ
الترتيبَ الجديدَ.
ومع ذلك، ظلَّ ينظرُ إليَّ بخوفٍ.
‘في هذه المرحلةِ، يمكننا أن نتحدثَ
بشكلٍ منطقيٍّ.’
نفضتُ الغبارَ عن تنورتي، وجلستُ
بجانبهِ مرةً أخرى.
ارتعشَ أجينورُ بمجردِ اقترابي، ونظرَ
إليَّ بعينينِ مليئتينِ بالحذرِ.
‘انظرْ إلى تلكَ العيونِ، إنَّها مشتعلةٌ بالعزيمةِ
للهجومِ مرةً أخرى عندما تسنحُ له الفرصةُ.’
يبدو أنَّهُ لم يُهزمْ تمامًا بعدُ.
هذا صحيحٌ، إن كان قد انهارَ
بهذه السهولةِ، لما كانَ أخي.
“لقد خسرتَ اليومَ، أليسَ كذلكَ؟”
نظرَ أجينورَ إليَّ بعنادٍ.
ثم فتحَ فمَهُ بغضبٍ، قائلًا:
“من قال إنني خسرتُ.”
“جرِّبْ أن تناديني ‘أختي العزيزةَ’.”
“ل-لا أريدُ!”
نظرتُ إلى أجينورَ بعينينِ نصفِ
مغلقتينِ وقلتُ بصوتٍ خافتٍ.
“ألا تريدُ أن تصبحَ قويًّا؟”
حينها توقَّفَ أجينورُ عن الكلامِ.
ثم نظرَ إليَّ بعمقٍ. حيثُ كان هناكَ اهتمامٌ في عينيهِ.
“هل…هل هناكَ طريقةٌ لأصبحَ قويًّا؟”
في تلك اللحظة، شعرتُ بشفقةٍ
خفيفةٍ تتسللُ إلى قلبي.
‘أنا وأشقائي الثلاثةُ قد تُرِكْنا بمفردِنا في الواقعِ.’
لقد تمَّ التخليُ عنَّا تقريبًا، حيث أنَّ والدَنا، الوصيَّ الرئيسيَّ علينا، لم يكن معنا.
رغم ذلك، كان لدى أجينورَ وإخوتي الآخرينَ بعضُ المواهبِ القويةِ التي ساعدتهمْ على البقاءِ.
لكن هذهِ المواهبَ وحدَها لم تكنْ كافيةً، وكان
عليهمْ أن ينجوا بأيِّ ثمنٍ.
‘لقد وجدتُ فكرةً جيدةً أثناءَ التعاملِ معَ أجينورَ.’
نظرتُ إلى يدي.
لديَّ قوةٌ أكبرُ مما توقعتُ.
لم أكنْ أتصوَّرُ أنني سأصبحُ قويةً بما يكفي
لأطرحَ أجينورَ أرضًا في هذا العمرِ.
بالطبع، يمكن أن يعودَ الفضلُ في ذلكَ إلى
تدريبي المكثَّفِ تحتَ إشرافِ مُعلِّمي.
حينها سمعتُ صوتَ تنفُّسٍ ضعيفٍ.
كان صوتَ شخصٍ اتخذَ قرارًا مهمًّا.
“كيفَ…كيف يمكنني أن أصبحَ
قويًّا مثلِكِ، يا أختي العزيزةِ؟”
عندما رفعتُ رأسي، رأيتُ وجهًا يشبهني تمامًا.
في عيني أجينور الزرقاوتينِ كانت
تشتعلُ رغبةٌ عارمةٌ في القوةِ.
‘في النهايةِ، لقد تخلَّى عن كبريائِهِ.’
الطمعُ، والتشبثُ.
كلُّها مشاعرٌ فطريةٌ موجودةٌ بداخلي أيضًا.
“عندما تلتقي بأولئك الأشخاصِ
مرةً أخرى، لا تضربْهم ولا تقتلْهم.”
عند هذا عبسَ أجينور وأغلقَ فمَهُ بإحكامٍ.
‘هل إن التنمرَ عليهم كان مجردَ هوايةٍ له؟’
“ولا تفكِّرْ في قتلهم سرًّا ودفنهمْ.”
‘إذا كانت هذهِ هي هوايتهِ، فماذا يكونُ
تخصصهُ؟ دفنَ الناسِ؟’
“كيف تعرفيني جيدًا هكذا بالرُغمِ
من أننا التقينا لأول مرةٍ اليوم…؟”
‘يبدو أن هذا الصغير، قد تعلَّمَ ما هو مكانَهُ
في التسلسلِ الآن، إذ أصبحَ أكثرَ تهذيبًا.’
بالطبع، ربما كان ذلكَ بسببِ القوةِ التي أظهرتُها له.
“عدمُ قتلِهم أفضلُ. في النهايةِ سيُكشفُ
الأمرُ، هل تظنُّ أن الكبارَ لن يلاحظوا؟”
“…”
حينها تذكرتُ قصصًا سمعتُها عن أيامِ أجينورَ
المدرسيةِ من بعضِ الأشخاصِ المقربين منه.
‘بعدَ أن عاقبوا السيد أجينورَ بشدَّةٍ لاعتدائِهِ
على زملائِهِ، اكتشفوا لاحقًا أنَّ زملاءَهُ هم مَن بدأوا بالإساءةِ، حيثُ شتموا والدتهُ، ولكنَّ في ذلكَ الوقتِ، لم يُؤخذ هذا الأمرُ على محملِ الجدِّ، لأنَّ بايون كان يُمسك بزمامِ الوراثةِ بصفتهِ مُرشحًا رئيسيًا للخلافةِ. ومنذُ ذلكَ الحينِ، بدا أنَّ أجينورَ أصبحَ أكثرَ جرأةً وقسوةً. أمَّا ذلكَ الفتى الذي تعرض للضربِ منهُ، فقد أصبحَ ضحيَّةً ترتجفُ خوفًا كلَّما رأى أجينورَ.’
تذكَّرتُ العقوبةَ الصارمةَ التي
تلقَّاها أجينورُ في طفولتِهِ.
‘لم أُدرك حتى الآن أنَّ اليومَ الذي أنقذتهُ فيهِ الآن هو ذلك اليومُ الذي عوقبَ فيهِ في حياتي السابقة.’
فكَّرتُ للحظةٍ، حيث يبدو أنَّ هذا هو
التوقيتُ المناسبُ…
‘هل هذا يعني أنِّي أصلحتُ اللحظةَ التي بدأَت
فيها مشاكل أخي؟’
في حياتي الثالثةِ، كان كرهُ الجميعِ موجهًا
نحو أجينورَ بسببِ أفعالِهِ هذهِ.
كان يتعمَّد جعلَ الآخرينَ يكرهونهُ ليستمتعَ
بانتباهِهِم، ثم يستخدمَ هذا كذريعةٍ لقتلِهِم.
‘طالما أنني أقوى من هذا الفتى
القاتلِ، يجب أن أعدِّل سلوكَهُ.’
ظللتُ جالسةً على الأرضِ وسندتُ
ذقني بيدي، ومن ثم قلتُ:
“إذا كانتْ هناكَ طريقةٌ لتصبحَ أقوى، فهل
ستتبعني بدلًا من اتباعِ طريقتِكَ هذه؟”
نظرَ إليَّ أجينورُ بعمقٍ قبلَ أن يجيبَ بهدوءٍ.
“سأستمعُ وأقرِّرُ. لأنَّ قوتَكِ خارقةٌ للعقلِ حقًا…”
“أعلمُ أنني مدهشةٌ.”
“…”
“ولكنْ بمجردِ أنْ أخبرَكَ بالطريقةِ، ستفعلُ
كلَّ ما أقولُهُ. ولا يُسمحُ لكَ بالقتلِ حتى تهزمني.”
“كلا! لن أفعلَ!”
“حقًا؟ إذنْ عِش حياتَك بضعفٍ هكذا كما تشاءُ.”
نهضتُ ونفضتُ الغبارَ عن تنورتي
وكأنني لا أكترثُ بما يفعلهُ.
“في المرةِ القادمةِ، سأذهبُ إلى أتلان
وأخبرهُ نفسَ الشيءِ عن عرضي هذا.”
أتلان، كان اسمَ أخي الثاني.
وبمجردِ سماعِ هذا الاسمِ، اشتعلتْ
عينا أجينورَ الزرقاوتانِ بالنارِ.
“كلا! سأفعلها! سأفعل ما تطلبينَ!”
“جيد. إذنْ اتبع كلامي، حسنًا؟”
“…”
حينها مددتُ يدي نحوَ أجينورَ.
لقد عبسَ أجينورُ بشدَّةٍ وتجاهلَ
يدي محاولًا النهوضَ بنفسهِ.
حينها ابتسمتُ ولمستُ رأسَ أجينورَ وهو
ينهضُ، وقلتُ وأنا أربتّ على رأسهِ:
“اسمي كاليبسو.”
“كالنِبسو؟”
“كاليبسو.”
“كاليبسو…”
رغمَ أنَّهُ أبعدَ يدي عنه، ظلَّ ينظرُ إليَّ بتركيزٍ.
“أعرفُ اسمكَ. أخي الثالثَ، أجينورَ. صحيحٌ؟ سررتُ بلقائِكَ، لطالما تمنيتُ رؤيتَكَ.”
“…”
للحظةٍ، تغيَّرتْ ملامحُ أجينورَ بشكلٍ طفيفٍ.
“حتى أهزمكِ، هل حقًّا، لا أستطيعُ قتلَ أحدٍ؟”
“إذا شعرتَ بالظلمِ، فحاولْ مواجهتي مرةً
أخرى. إذا هزمتني، افعلْ ما تشاءُ.”
ثمَّ رأيتُ نظرةً غريبةً في عيني أجينورَ.
‘في حيواتي السابقةِ، لم يكنْ هذا الأخُ من
النوعِ الذي يستسلمُ بسهولةٍ بعدَ خسارةٍ.’
كان هذا الأمرُ مشتركًا بين جميعِ إخواني
الثلاثةِ، لكنَّ أخي الأصغرَ كان الأشدَّ عنادًا.
تلك النظرةُ في عينيهِ كانت مزيجًا
ما بين نية القتلِ والاهتمامِ.
وبالنسبةِ للشخصِ العادي، ربما لن يكونَ
هذا النوعُ من الاهتمامِ مرحَّبًا بهِ.
‘لكنَّ الأمرَ مختلفٌ بالنسبةِ ليّ.’
طالما أنني أقوى، لا يهمني إذا كانَ هذا الأخُ يولي اهتمامًا غريبًا يحوي نية القتلِ في داخلهِ.
“لا يهمني بأيِّ طريقةٍ تفوزُ، حتى
لو استخدمتَ أيَّ وسيلةٍ.”
“أيُّ وسيلةٍ؟”
“مثل مهاجمتي في الليلِ فجأةً، أو أثناءَ تناولِ
الطعامِ. هذا هو ما تنوي إليهِ، أليس كذلك؟”
حينها أشرقَ وجهُ أجينورَ على الفورِ.
اختفى الظلامُ الذي كان يغطي وجههُ، وحلَّتْ
محلهُ نظرةٌ مشرقةٌ.
“اتفقنا. لن أتراجعَ.”
‘…ألم يكنْ من المفترض أن يكونَ وجهُ أخي هذا الذي يحملُ نيةَ قتلِ شقيقتهِ الصغرى أقلَّ جمالًا؟’
‘يبدو أنَّ إخوتي ليسوا طبيعيينَ أبدًا.’
في تلك اللحظةِ، مددتُ يدي لأجينور.
“جيدٌ، سأخبركَ الآنَ كيفَ تصبحُ أقوى.”
وبسببِ صغرِ يدي، لم أستطع الإمساكَ سوى
بإصبعٍ واحدٍ من يدهِ، ولكنْ ذلكَ كانَ كافيًا.
“هناكَ شيءٌ واحدٌ عليكَ الالتزامُ بهِ. طالما تلتزمُ
به، يمكنكَ فعلُ أيِّ شيءٍ آخرَ باستثناءِ القتلِ.”
ابتسمتُ وأنا أنظرُ إلى وجهِ الفتى
الصغيرِ الذي امتلأَ بالفضولِ.
ولم أنسَ أن أهزَّ قبضتي أمامَ وجههِ
كنوعٍ من التحذيرِ.
“عليكَ الالتزامُ بما أقول الآن…”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي