طفلة الحوت الأسود القاتل - 22
__ الفصل 22 __
“آه! هلِ الأميرةُ غاضبةٌ؟”
“هل هي غاضبةٌ حقاً؟”
“أوه، يبدوُ الأمرُ كذلك!”
“آه! آه!”
قامَ التوأمانِ بنقلي إلى الطابقِ الأولِ رُغْمًا عني، ثمَّ تركاني هناكَ وهما يضحكانِ بمرحٍ، وركضا بعيدًا.
بفضلِ ذلك، وجدتُ نفسي أُراقبُ رحيلهما
دون أن أملِكَ فرصةً للردِّ أو التفاجؤ حتى.
‘كنتُ أنوي أن أُثنيَ عليهما.’
يا لهما من طفلينِ رائعينِ.
هل يجبُ أن أقومَ بالثناءَ عليهما غدًا؟
وهكذا، وجدتُ نفسي في الطابقِ الأولِ، ولم أتوجهْ كالمُعتادِ إلى حيثُ توجدُ العربةُ، بل سلكتُ طريقًا آخرَ.
‘الآنَ وقد فكّرتُ في الأمر، أليسَ هذا الطريقُ
يؤدي إلى الأكاديميةِ المتوسطة؟’
تذكّرتُ حينها ما سمعتهُ اليومَ من
الخادماتِ خلالَ وقتِ الغداءِ.
كنتُ أنوي أن أتحققَ من أمرٍ ما، فقررتُ
أن أذهبَ قليلاً إلى هناك.
‘على أيَّ حالٍ، ستظلّن الخادماتُ
بانتظاري حتى أعودَ، فلا بأس.’
هذه المنطقةُ كانت تابعةٌ للأكاديميةِ الابتدائيةِ، ولا
يوجد فيها خطرٌ يُذكّرُ في الوقتِ الحالي.
لو كنتُ في السابقِ دونَ مواهبٍ عندما كانوا يتعاملونَ معي باستخفافٍ، لكان الأمرُ مُختلفًا، ولكن الآن، وأنا في هذه المكانةِ المشهورةِ، فلا خطرَ عليّ.
‘ليس من قبيلِ المصادفةِ
أنني تذكّرتُ إخوتي اليوم.’
رغم أنني كنتُ أعرفُ بالفعلِ كيفَ
يعيشونَ في هذه الفترة.
‘ولكن، من الضروري أن أكونَ على اطلاعٍ أكثرَ.’
فهناكَ اجتماعٌ للعائلةِ قريبًا.
‘على أيَّ حالٍ، مِن المُحتملِ أن الثلاثةَ
جميعَهم في الأكاديميةِ المتوسطة الآن…’
إذ تقعُ الأكاديميتانِ الابتدائيةُ والمتوسطةُ
بالقربِ من بعضهما البعضِ إلى حدٍّ ما.
لذا، فهما تشتركانِ في نفسِ الحديقةِ، وكما أعرف، إذا تابعتُ السيرَ في هذا الاتجاهِ، سأصلُ إلى الأكاديميةِ المتوسطةِ.
وبينما كنتُ أمشي ببطءٍ، توقفتُ فجأةً.
‘صوتٌ…؟’
سمعتُ صوتًا يترددُ من مكانٍ ما.
رفعتُ تنورتي وبدأتُ أتجهُ نحوَ
مصدرِ الصوت.
وبفضلِ التدريبِ الشاقِّ الذي تلقيتهُ من بايير في الفترةِ الأخيرة، تمكنتُ من تخفيفِ حركتي بحيث لا يشعرُ أحدٌ بوجودي.
وعندما اختبأتُ بينَ الأشجارِ وألقيتُ نظرةً حذرةً، رأيتُ مجموعةً من الفتيانِ يقفونَ على مقربةٍ.
‘هممم؟ هل هؤلاءِ من الأكاديميةِ المتوسطة؟’
منطقةُ عائلةِ أكواسياديلَ يمتدُّ على مساحةٍ
واسعةٍ، تعادلُ حجمَ قريةٍ بأكملها.
كما أنّ جميعُ الأكاديمياتِ التعليميةِ هنا تتبعُ
مبدأ البقاءِ للأقوى.
القويُّ يسيطرُ على كلِّ شيء.
وبالتالي، تتاحُ الفرصةُ للجميع.
نظريًا، حتى مَن هم مِن العائلاتِ الجانبيةِ يمكنهم أن يصبحوا مرشحينَ للخلافةِ إذا أظهروا قوةً كافيةً في الأكاديمياتِ التعليمية.
الشيءُ الذي يحددُ هذا هو قوةُ الماء وللتنافسِ مع الأعضاءِ الرئيسيينَ في العائلةِ، يجبُ على أعضاء العائلاتِ الجانبيةِ أن يُوقِظوا هذه القوة.
كما أن الأطفالُ الذين يتلقونَ التعليمَ في الأكاديميةِ المتوسطةِ تتراوحُ أعمارهم بين ثمانيةِ أعوامٍ إلى سبعةَ عشّر عامًا.
وبعد ذلكَ، يحصلونَ على مكانتهمْ كبالغين.
‘هذا المكانُ لم يكنْ عادةً موضعَ تجمعِ الأطفالِ
كما أتذكّر. فما الذي يجري هنا؟’
وبمقارنةِ أحجامهمْ، بدا أن الفتيانَ
من الأكاديميةِ المتوسطةِ.
ولكن الجوَّ بينهم كانَ متوترًا.
“هاااي، ألا تسمع؟ يبدو أن هذا الأحمقَ أصمّ!”
“ما الأمر؟ هل أنت غبيٌّ؟ هل تتجاهلنا عمدًا؟”
وكما قلتُ سابقًا، الأعضاءُ الرئيسيونَ في العائلةِ يتمتعونَ بتفوقٍ طبيعيٍّ على افراد العائلاتِ الجانبية.
حاليًا، باستثنائي، جميعُ الأعضاءِ الرئيسيينَ
في العائلةِ قد ايقظوا قوةَ الماء.
وجميعُ إخوتي الأكبرِ سنًا يدرسونَ
في الأكاديميةِ المتوسطة.
‘إذاً…’
حينها عبستُ قليلًا.
‘من الطبيعيِّ أن يكونوا مسيطرينَ هنا.’
إذن لماذا يتعرضُ هذا الفتى للتنمرِ هكذا؟
وبينما كان الفتيانُ يحيطونَ بالضحية، رأيتُ
فتى يجلسُ قرفصاءً في المنتصفِ.
رغم أن شعرهُ كان يميلُ إلى اللونِ الرمادي.
لكن بشرتهُ كانت ناصعةً وعيناهُ
زرقاوانِ مثل الجواهر.
…من المستحيلِ أن لا أعرفَه.
ذلكَ الفتى الجميلُ المنكمشُ في تلكَ
الوضعيةِ هو أخي الثالث.
أجينور.
‘دعني أفكّر، كم بيني وبينهُ من فرق؟ خمسُ
سنواتٍ؟ ستُّ سنوات؟’
إذاً، قد تخرجَ للتوِّ من الأكاديميةِ الابتدائية.
حينها قد تذكرتُ كلمات ليلى.
‘أخيكِ الثالثُ كانَ الشخصَ الوحيدَ الذي أثار إهتمامي
وجعلني أشعرُ بالارتباكِ بعدكِ، سيدتي.’
عندما قالتْ ذلك، بدا ليَّ أن شخصيتهُ لم
تتغيرْ كثيرًا عما كنتُ أعرفهُ في الماضي.
‘ولكن لما لون شعرهِ هكذا؟’
هل أخفى لون شعرهِ بأستخدامِ قوة الماء؟
من السماتِ الأخرى للأعضاءِ الرئيسيينَ في العائلةِ هي وجودُ خصلتانِ بيضاويتينِ على جانبي الرأسِ، وهاتانِ الخصلتانِ ميزةٌ خاصةٌ للأعضاءِ الرئيسيينَ فقط.
أخي كانَ يخفي تلكَ الخصلتانِ بقوتهِ الخاصة.
“…ل-لا تفعل.”
ما هذا؟
‘يا لهُ من أمرٍ عجيبٍ.’
عندما صدرَ من أجينور صوتٌ مرتجفٌ
خائفٌ، توقَّفَ الفتيانُ عن الكلامِ لوهلةٍ.
ثم سرعانَ ما نظروا إلى بعضهم البعض
وضحكوا بصوتٍ عالٍ.
“هااي، هل سمعتَ صوتَ هذا الــغبي؟ اعتقدتُ
أنه ماعزٌ. مِيعْ مِيعْ مِيعْ~”
“هوي، أعطني ورقًا. هل سيأكلهُ؟ يبدو أن
لدينا ماعزٍ في عائلتنا!”
“أنا معي ورقٌ! هل أحضرهُ؟”
لقد قلتُ من قبلُ إن الحيتانَ القاتلةَ تُولدُ بطبيعتها بطباعٍ قاسيةٍ، حتى إنه يُطلق عليهم لقبَ ‘بلطجيةِ البحر’ بسببِ عنفها وسوءِ مزاجها.
وهذه الصفاتُ تظهرُ بشكلٍ أكبرَ
كلما كانَ النسبُ أقوى.
إنهم كالوحوشِ غيرِ المروضةِ، يتمتعونَ بمزاجٍ سيءٍ
أو يتصرفونَ وكأنهم أشخاصٌ فقدوا عقولهم.
ومن بينِ هؤلاء، أخي الثالثُ أجينور كان…
‘ذلكَ المجنونُ الذي يستمتعُ بالتعرضِ للتنمر…’
ذلكَ الفتى الجميلُ ابتسمَ بخبثٍ
دونَ أن يراهُ أحدٌ.
حينها نظرتُ إليهِ بشفقةٍ.
‘آه، الآنَ تذكرتُ.’
وكما قلتُ، بعد أن هربتُ من العائلةِ في الحياةِ السابقةِ وعُدتُ أقوى، عدتُ لأهزمَ إخوتي وأستوليَ على مكانِ زعيمِ العائلة.
وبمعنى آخر، لم نواجهْ بعضنا
البعضَ حقًا إلا بعدما كبرنا.
ولذلكَ، لم أكنْ أعرفُ بالتفصيلِ
كيفَ كانتْ أيامُ دراستهم.
لكنني سمعتُ بعضَ الأشياءِ من خدمي وأتباعي.
وكانتْ معظمها مثيرةً للدهشة.
‘هل تتحدثينَ عن أيامِ السيد أجينورَ في
الأكاديميةِ؟ آه! أ-أجينور!’
‘ما بهِ هذا الرجل؟’
‘أظنهُ كان في نفسِ الفصلِ مع أجينور.’
‘وماذا في ذلكَ؟’
‘أمم، الحقيقةُ…أجينور كان في الأكاديميةِ…مُختلفًا
بشكلٍ ملحوظٍ. في البدايةِ، كان يتظاهرُ بأنه أحدُ أبناءِ العائلاتِ الجانبيةِ، ثم بدأَ بتلقي الضربِ والتنمرِ…وعندما ظنَّ الجميعُ أنَّ الأمرَ قد انتهى، قامَ بقتلِ بعضِ زملائهِ تقريبًا.’
اليومَ، كنتُ قد جئتُ لأتحققَ من عدةِ أمورٍ، وكان
من بينها بالتأكيدِ شيءٌ يتعلقُ بأجينور.
ولكنْ رؤيةُ الشخصِ نفسهِ، لا أدري إنْ كان هذا يجب
أن يجعلني سعيدةً برؤيتهِ أم أنَّ الأمرَ مزعجٌ.
‘هذا ما قالهُ خادمي بالضبطِ.’
أجينورُ كان دائمًا أخًا قليلَ الكلامِ.
‘ماذا؟ لماذا تختارُ أن تتعرضَ للتنمرِ وتتحملَ الضربَ؟ لا أستطيعُ تخيلَ ذلكَ! لماذا؟ لا بدَّ أنك فقدت عقلك!’
وكان دائمًا ما يود لعبَ دورِ الشخص المكروه.
ولم أفهمْ لماذا يستمتعُ بتعرضهِ للتنمرِ إلا
بعدَ أن هزمتُهُ في حياتي الثالثةِ…
في ذلكَ الوقتِ، قال إنهُ يحبُّ ذلكَ لأنهُ اللحظةَ
التي ينالُ فيها أكبرَ قدرٍ منَ الاهتمامِ.
إنها طريقةُ تفكّيرٍ لا أفهمها
على الإطلاقِ.
‘يا لهُ من مريضٍ عقلي.’
من المؤكدِ أنه كان ينوي العيشَ بهذهِ
الطريقةِ حتى في هذهِ الحياةِ.
“هااي، كُلْ! قلتُ لكَ كُلْ!”
“يا لكَ من ماعزٍ! لماذا لا تتحدثُ؟ هل تتجاهلنا؟”
بدأَ أحدهمْ بركلهِ، وأصبحَ الجوُّ متوترًا كما لو
أنَّ العنفَ الحقيقي على وشكِ البدأ الآن.
في تلك اللحظة، ارتعشتْ عينُ أجينور.
رؤيةُ ذلكَ أعادتْ ليَّ ذكرى معينةً.
‘لم أكنْ أنوي قتلَ زملائي في البدايةِ…كنتُ فقطَ أفكّرُ في الأمرِ، لكنْ عندما بدأتُ أتلقى الضربَ، لم أشعرْ بشعورٍ جيدٍ…’
بدا على وجههِ أنهُ لم يكنْ يتوقعُ
الوصولَ إلى هذا الحدِّ.
أطلقتُ تنهيدةً بينما التقطتُ
حجرًا بيدي.
‘هل أنا قلقةٌ على أجينور؟’
كلا، بل لأني لا أريدُ أن يُستخفَّ بعضوٍ رئيسيٍّ
من عائلةِ الحوتِ القاتلِ المجنونةِ هذه.
‘لو استخدمَ قوتهُ، فسيقتلُهم جميعًا.’
وأخيرًا، عندما أغلقَ أجينور عينيه
استعدادًا لتلقي الركلةِ، تدخلتُ.
“توقفوا.”
توقفَ الفتيانُ عن رفعِ أقدامهمْ لركلهِ ونظروا إليَّ.
بعدَ تفحصهمْ وجدتُ أنَّ المجموعةَ كلها منَ الحيتانِ القاتلةِ فقط، بدونِ أيٍّ من أتباعِ الحيتانِ أو المخلوقاتِ البحريةِ الأخرى.
هاااه، تمامًا مثلَ فصلنا.
هذهِ مجموعةُ بلطجيةٍ صغارٍ.
‘ الآنَ فهمتُ، الآنَ فهمتُ.’
تسك.
“من تكونين؟”
أكبرُهم حجمًا وأضخمُهم هاجمني بنظراتٍ غاضبةٍ.
ولكن، سُرعانَ ما بدأَ الفتى بجانبهِ يضربهُ على كتفهِ ويشيرُ إليهِ بعجلةٍ وهو يفتحُ عينيهِ على وسعها.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي