طفلة الحوت الأسود القاتل - 15
__ الفصل 15 __
“عذرًا، السيدةُ ليلى…”
كان الشخصُ الذي نادى ليلى بملامحٍ مذهولةٍ
هي المعلمةُ آيكا من صفِّ الألفا هذا.
آيكا التي كانت أحدَ أقرباء ليلى البعيدين، كانت تحتفظُ بهدوئِهَا عادةً، ولكنها الآن لم تكن كذلك.
وقد فهمت ليلى تمامًا تعابير وجهِ آيكا.
“هل مِن المُمكنِ حقًا أن يتمكنَ أحدهم من توليدِ
هذه القوةِ دون أن يُقِظَ قوةَ الماءِ؟”
كانت ليلى تشعرُ بنفسِ الشعورِ أيضًا.
“لقد ايقظتِ قوةَ الماءِ أيتها السيدة
ليلى. لذا رجاءً، قولي شيئًا حولَ هذا.”
“هيا أخبريني ما الذي يحدثُ
هنا أيتها السيدة ليلى…”
المعلمةُ المساعدةُ لصفِّ الألفا آيكا، أضافت كلماتها
مُلحةً على معرفةِ هذا بوجهٍ شاحبٍ كما لو أنها رأت شبحًا.
وبوجهٍ خاصٍ، كانت تعابيرُ وجهِ آيكا مزيجًا من
الدهشةِ والترقبِ وكأنها صحفيةٌ عثرت على سبقٍ صحفي!
“أن هذا مُذهِلٌ حقًا…”
فكّرت ليلى أن ما حدث اليوم سينتشرُ خلالَ في يومٍ واحدٍ عندما تذكّرُت أن جدَّ آيكا من ناحيةِ الأم كان ينتمي إلى عرقِ الأسماك الطائرة…
كلا، بل ربما هذه المرة قد ينتشرُ الخبرُ بشكلٍ
واسعٍ ليعلمهُ جميعُ الأقرباءِ الفرعيين.
على الأقل، لم يكن هناك حوتٌ قاتلٌ تسبب في هذا
النوعِ من الحوادثِ في الثلاثين عامًا التي تولت فيها ليلى الأدارة.
حتى أخوها الذي كان معروفًا بأنهُ بلطجيٌ
ومثيرٌ للشغبِ لم يحقق هذا الرقم القياسي.
“عند رؤية هذا، أشعر إنهُ ينبغي ليَّ أن
أعلم بما يحدث بشكلٍ أفضلَ…”
تغيرت ملامحُ وجهِ ليلى إلى الجدية، ومن ثم قالت:
“لقد وُلد مرشحٌ قويٌّ آخرُ للخلافةِ.”
ومع ذلك، ظهرت ابتسامةٌ صغيرةٌ
لم تستطع إخفاءها على شفتيها.
إذا كان هناك شيءٌ فاتَ ليلى، فهو أن هذه
المرة لم يستغرق الأمرُ يومًا كاملاً لأنتشار الخبر.
بل قد انتشرت جميعُ هذه
الشائعاتِ في نصفِ يومٍ فقط.
***
“هذا مُدهِشٌّ!”
“أنتِ أروعُ مِن أمي حتى!”
مرّت ساعةٌ منذ أن تمت مُعاقبة كارون.
أعتقدت أن الأطفالَ هنا لطيفون، ولكن عندما يتكررُ كلامهم باستمرارٍ، يصبحُ الأمرُ مملًا.
“أيتها الأميرة، علّميني أيضًا!”
…الإعجابُ والثناءُ أمرانِ جيّدانِ، ولكن ألا تظنون
أن ساعةً واحدةً في فعل هذا كانت طويلةً وكافيةً بالفعلِ أيها الأطفال؟
الحوت القاتل هو حيوانٌ يتبع التسلسلَ الهرميَّ، لذا فقد أدركَ كارون موقعهُ بعد ضربةٍ واحدةٍ.
إذ لقد دفعتُهُ للجلوسِ في آخرِ مقعدٍ
بعد سحقهِ في تلك المعركةِ.
ولذلك، كانَ كارون يجلسُ الآن هناك ببؤسٍ.
بل لقد قدمتُ لهُ كرسيًا وسميتُه ‘كرسي التفكير’ مما جعل الأطفال يضحكونَ ويستمتعون كثيرًا بذلك.
لقد عَنيتُ بذلك الكُرسي جعلْ
ذلك الأحمق يفكّرُ في أفعالهِ.
حيثُ اتضحَ أن جميعَ الأطفالِ في هذا الفصل، قد تعرضوا للضربِ من قِبَلِ هذا الأحمق، باستثناء بعض الحيتانِ القاتلةِ.
أليس من الغريبِ أن يضربَ الأطفالُ بعضهم بعضًا؟
في الأصلِ، لقد كنتُ متساهلةً
مع الحيتانِ غيرِ القاتلة.
‘من يحبُّ السلامَ أكثر مِن هؤلاء؟’
يجب أن يقاتل من يحبون
القتال مع بعضهم البعض.
إذ أن الجزء الوحيد الذي أعجبني في إخوتي هو
أنهم كانوا يقاتلون فقط مع الحيتانِ القاتلة.
‘أم…أنهم كانوا يتقاتلونَ مع أيَّ أحدٍ يتحداهم؟’
على أيَّ حالٍ، لم يكونوا أشخاصًا يضربونَ الأطفالَ الهادئين الذين يبحثونَ عن السلام…
سُحقًا، أنَّ الأحداثَ التي في ذاكرتي ضبابيةٌ حقًا.
‘أخي الثالث فحسب هو الذي
كان مجنونًا دونَ سببٍ.’
هززتُ رأسي مؤيدةً أفكّاري هذه.
وفي تلك الأثناءِ، لم يتوقف تَصفيقُ
الأطفال وإعجابهم المُستمرِ بيِّ.
“يا أطفال، ألن تفعلوا واجباتكم اليوم؟”
حتى المعلمين كانوا ينظرون إليَّ بعيونٍ متألقةٍ أو بملامحٍ غيرِ قادرةٍ على إيقافِ ما يحدث من فوضى.
حينها أدركت أنهُ لا مفرَّ من ذلك، فقلتُ بهدوءٍ:
“كونوا هادئين جميعًا.”
نفضتُ يدي ووضعتُ إصبعي السبابة على
شفتي، قائلةً ذلك للأشارةِ إلى وجوبِ صمتهم.
في تلك اللحظةِ، لقد اكتشفتُ للتو كيفيةَ
جعل الأطفال هادئينَ في لحظةٍ.
توقف الأطفالُ عن الضحكِ وكأنهم
كانوا ينتظرون أوامريّ.
كان هناك طفلٌ يغطي فمهُ بيدهِ حتى.
آه، إنهم لطفاءٌ حقًا.
وفوقَ ذلك، أدرك أطفالُ الحوت القاتل من العوائل الأخرى أن التسلسل الهرميَّ في هذا الفصل قد تحدد واستسلموا بطواعيةٍ ليَّ.
آه، هذا مُرِيحٌ حقًا.
“اجلسوا جميعًا. الحوت المُمتاز يجب
أن يتلقى التعليمَ بجديةٍ.”
“أجل!”
“نعم!”
وبعُمرِ الثلاثةِ أعوامٍ، وفي أولِ
يومٍ ليَّ في صفِّ الألفا هذا…
لقد سيطرتُ على الفصل.
‘هاااه، هذه هي قوةُ كونكَ الزعيمَ هُنا، أنَّ الاهتمامُ
الذي يحصلُ عليهِ الزعيمُ رائعٌ حقًا.’
لقد كانَ هذا هو الإنجازُ الذي حققتهُ اليوم.
…أشعرُ وكأن التفكّير المُستمر بهذا
الأنجاز لن يدعني أنامُ طوالَ الليلِ.
***
وها أنا في طريق عودتي بعد انتهاء
التعليم في ذلك اليوم.
“هااااه، لقد كانَ يومًا مُثمرًا حقًا.”
سرتُ نحو العربة حاملةً الحقيبةَ
التي حملتها صباحًا في يدي.
عند التفكّير في الأمر، كان يجبُ عليَّ الآن النزول من الدرج الذي صعدتهُ بجهدٍ في الصباح.
ورغم أنني أطلقت تنهيدةً خفيفة، لم
يكن لدي خيارٌ آخر.
وبما أنني أصبحتُ الزعيم في الفصل اليوم، يمكنني
تحملُ مثل هذه المشقةِ البسيطة.
والمشكلة هي أن صفي موجودٌ في أعلى
طابقٍ هنا، مما يعني أنني سأعاني كلَّ صباحٍ.
“حسنًا، يجب أن أعتبرهُ ثمنًا للوصولِ إلى
اعلى رتبةٍ في هذه الأكاديمية.”
كما أنَّ كارون الذي عوقبَ اليوم بسبب تمرده لم يتمكن من النهوض من ‘كرسي التفكير’ طوالَ اليوم.
وعلى الرُغمِ من أن المعلمات قد حذروني
من كارون إلا أنني لم أهتم بهذا.
جميعُ المعلمات في الرتبة الأعلى كانوا
من الحيتانِ القاتلة أو من أقاربها.
ولهذا السبب، بعد أن شهدوا معركةَ التسلسلِ
الهرمي في هذا الفصل اليوم، لم يتدخلوا أبدًا.
كان ذلك بمثابةِ اعترافٍ ضمني بقدراةِ الأقوى.
بل إن المعلمةَ المساعدةَ في هذا الصف كانت تنظرُ
إليَّ بعيونٍ لامعةٍ ومترقبةٍ إلى حدٍ مُزعجٍ.
وعندما حذرتني المعلمةُ لمرةٍ فحسب، لم
تتحدث معي وتزعجني مرةً أخرى.
‘لن يتم نقلك إلى صفٍ آخر بعد الآن، بل يبدو أننا لن نراكِ لمدةٍ أطولَ في هذه الأكاديميةِ الابتدائية حتى.’
أما ليلى، فقد تركت ليَّ هذه الجملة فقط
بعد إنتهاء الدرسِ ومن ثم قد غادرت.
“أعتقدُ أنَّ الحياةَ في الأكاديمية ستصبحُ
مُمتعةً حقًا مِن الآن فصاعدًا.”
وبالطبع، خطتي لم تكُن البقاءَ هنا لفترةٍ طويلةٍ.
على أيَّ حالٍ، كنتُ أخطط للبقاءِ هنا
حتى سنِّ العاشرةِ فقط.
وبمعنى آخر، يجب أن أحقق إنجازًا
كبيرًا قبل سن العاشرة ومن ثم أغادر.
‘واثقةٌ من إمكانيةِ قياميَّ بذلك.’
فتحتُ قبضتيَّ ونظرتُ إلى الدرجِ الذي أمامي.
كانَ الوقتُ قد حانَ لمواجهةِ التحدي الصغير الذي أمامي في الوقت الحاضر، تاركةً التفكّيرَ في المُستقبلِ مؤقتًا.
“هاااه، لنعتبر هذا أيضًا تحديًا يجب
تجاوزهُ لإثبات نفسي لجدتي.”
ولكن تبًا، مَن بنى هذا الدرج بهذا الارتفاعِ؟
أطلقتُ تنهيدةً خفيفةً وكنتُ على وَشكِ نزولِ الدرج.
“أيتها الأميرة!”
“أيتها الأميرة!!”
رفعت رأسي ورأيتُ حينها طفلينِ بشعرٍ
أبيضَ ناعمٍ ينظرانِ إليّ.
كانت ملامحهما المُتألقةِ وشعرهما اللامعِ وعيناهما الكبيرتانِ تجعلهما يبدوانِ كأطفالِ الدلافين.
‘هل هما من أطفالِ الدلافينِ البيضاء؟’
كانت الدلافين البيضاء أو كما تعرفُ ب ‘بيلوغا’
معروفةً دومًا بين الحيتانِ بذكاءِهَا.
‘ولكن يبدوا أنهما ما زالا صغيرينِ
حتى الآن، أليس كذلك؟’
ولكن بما أن عمرهما أكبرُ مني لذا فهما أطولُ
منيَّ، إذ كانَ عليَّ النظرُ إلى الأعلى مرةً أخرى.
“لماذا تقومانِ بِمُناداتيَّ؟”
“نريدُ أن نحييك!”
“أهلا!! أهلا!!”
وبعد يومٍ من الدراسة معهما، وجدت أن هذين
الطفلين هما مِن أذكى الأطفالِ في الصف.
في الواقع، الدلافين البيضاء تُعرف
بذكائها بين الحيتان.
حتى في عالمي السابق، كانت تُعرف الدلافين
بأنها قادرةٌ على التواصلِ مع البشر.
بالإضافةِ إلى ذلك، رُغمَ أنهم يميلونَ إلى اللهو والمرح طوالَ الوقتِ، إلا إنهم يحبونَ السلام مما يجعلهم غير متوافقين مع الحيتان القاتلة.
‘ربما تعرضا لأكبرِ قدرٍ من التنمر.’
وكما في حياتي السابقة، لم يكن هناك
أطفالٌ يتحدثون بحيويةٍ مثلهم.
إنهم أذكياءٌ، وعمومًا يُحبّون العدالةَ، ولا يُحبّون
القيامَ بأيِّ شيءٍ يُخالفُ مبادئَهم.
لذلك، كانوا غيرَ متوافقين مع الحيتانِ
القاتلةِ الطاغيةِ والمتسلطةِ.
‘أنا أفعلُ فقط ما أريدُ. أنا ذكيّ، لذلك
يمكنني فعلُ ما أشاء.’
هذا الأمرُ كان ينطبقُ على الدلافينِ البيضاءِ التي أمامي الآن، وكذلك الدولفينِ الذي كان مستشاري المقربَ في حياتي السابقةِ.
“أيَّ تحيةٍ؟”
عندما تذكّرتُ مساعدي السابقَ الذي كان أعزَّ
عليّ، لم أستطعْ طردَ هذين التوأمينِ الصغيرينِ.
ولكن، كان عليّ العودةُ إلى المنزلِ ثم الذهابُ
إلى منزلِ بايير بدونِ تأخيرٍ.
“لقد أنقذتِ صفَّنا!”
“أنقذتِ صفَّنا!”
“أنتِ بطلةٌ!”
“بطلةٌ!!”
‘حسنًا، إذا كانت التحيةُ التي سيقولونها ستكون لطيفةً لهذه الدرجةِ، فيمكنهما تحيتي عشرَ مراتٍ كُلَ يومٍ.’
عقدتُ ذراعي وهززتُ رأسي عند أفكّاري هذه.
إذا كانت هذه التحيةُ تُشيدُ بعظمتي، فيمكنني
تقبّلها أكثرَ من مئةِ مرةٍ في اليوم.
“أنا حوتٌ قاتلٌ، لذلك أحبُّ سماعَ المديحِ.”
“هل تحبينَ ذلك؟”
“أحبُّ ذلك.”
“الأميرةُ هي الأفضلُ!”
“الأميرةُ رائعةٌ!”
“حسنًا، حسنًا. أنا رائعةٌ.”
قرّرتُ أن أنزلَ الدرجَ مع توأمِ الدلافينِ البيضاءِ بلطفٍ.
وبالرُغمِ من أنني لم أرغبْ في أن يروني أعاني
من نزولِ الدرجِ، إلا أنني شعرتُ بالأرتياحِ معهم.
“كارون ضربني بشدةٍ! رأسي الآن بهِ انحناءٌ.”
“وأنا أيضًا، رأسي بهِ انحناءٌ.”
“لقد أخطأ كارون في فعلته هذه. ولكن
أليس رأسُكما طريًا بطبيعته؟”
“آه، كيف عرفتِ ذلك؟”
“كيف عرفتِ ذلك؟”
“أليس جلدُكما رقيقًا حتى سنِّ العاشرةِ؟ بل أليس
هذا هو حالُ جميعِ الدلافينِ البيضاءِ؟”
وبينما كنتُ أتذكرُ معلوماتٍ مُتقطعةٍ من حياتي السابقةَ، نظرَ إليّ توأمُ الدلافينِ البيضاءِ بعيونٍ مُتألقةٍ.
“هل تعرفينَ الكثيرَ عن الدلافينِ
البيضاءِ، أيتها الأميرةُ؟”
“لستُ جاهلةً.”
كانت إجابتي عاديةً، ولكن نظراتهم كانت أكثرَ بريقًا من نظراتِ المُعلمةِ المُساعدةِ في الفصل حتى.
“هذه أولُ مرةٍ أجدُ فيها أحدًا مُهتمًا بنا!”
“أجل! أولُ مرةٍ!”
“أمي تقول أنهُ يجبُ أن نكونَ لطفاءَ مع الأشخاصِ
الجددِ الذين يهتمون بنا مُنذ المرةِ الأولى! لذلك كنا لطيفينَ مع أبي أيضًا!”
“نعم! لقد كنا لطيفينَ!”
“…أعتقدُ أن هذا ليس ما قصدتهُ أمكُما.”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي