طفلة الحوت الأسود القاتل - 14
__ الفصل 14 __
ذلك النطقُ الواضحُ والأسلوبُ الطبيعيُّ في التحدث بسلاسة وسهولة…
لم يستطعْ أحدٌ في هذا الفصلِ تقليدَهُ.
“سعدتُ بلقائكُم.”
لم يخطئوا في سمعهم لهذا.
عندها فقط توقف كارون عن السخرية، وبدأ في تفحصها بعنايةٍ.
“واو، أنها جميلةٌ جدًا…”
“تبدو كدميةٍ. أريدُ أن أتعرفَ عليها.”
“هل ستحب حلوى العوالق النباتية اذا قدمتها لها؟”
“لقد أعجبتني!”
“لم يسألْك أحدٌ عن هذا! أنها ليَّ.”
وكلما كان الأطفالُ أصغرَ، كانوا أكثرَ دقةً في التقييمِ الجماليِّ للآخرين.
بل بشكلٍ أدق، كانوا صريحين بشكلٍ مُفرطٍ.
كما كانت الطالبةُ الجديدةُ كاليبسو التي دخلتْ للتو تبدو في عيونِ هؤلاء الأطفالِ كدميةٍ صغيرةٍ.
“أنا كاليبسو أكواسياديل.”
الشعرُ المربوطُ بشكلٍ فضفاضٍ على الجانبين، والرموشُ الطويلةُ التي تُرى من بعيدٍ، والعينان الزرقاوان اللتان تميزان النسلَ المباشرَ.
كانَ كُل شيءٍ فيها لافتًا للنظرِ.
“سمعتُ أن هذا الفصلَ هو الأذكى والأعلى مرتبةً من بين الفصولِ التي تتلقى التعليمَ هنا.”
على الرغم من أن وجهها كان يبدو جديًا، إلا أن ذلك لم يزدها سوى جاذبيةً.
“لذلك لديَّ توقعاتٌ كبيرةٌ لهذا الفصل، أتمنى أن يكون لديَّ العديدُ من الزملاءِ الذين يلبون توقعاتي.”
كانت العيونُ الحادةُ التي تميزُ الحيتانَ القاتلةَ أقلَّ بروزًا، مما أضافَ جمالًا أكثر إليها.
وعندما قدمتْ هذه المقدمة الطموحة كتعريفٍ عن نفسها، حتى المعلمون شعروا بالارتباكِ ونظروا إلى بعضهم البعضِ بتفاجؤٍ.
“واو، هل سمعتم جميعًا هذا؟ دعونا نرحبْ بزميلتِنا الجديدةِ بالتصفيقِ!”
“هذا رَائِعٌ!”
“مرحبًا!”
“أهلًا بكِ!”
“تبدين جميلةً حقًا!”
ولحسن الحظ، مُعظم أطفال الحيتان الذين يحبون السلام استقبلوا كاليبسو بابتساماتٍ مشرقةٍ وتصفيقٍ حارٍ.
حينها جلستْ كاليبسو وسط الأطفال أو بالأحرى في المقدمة، وكانت تُستقبل بشكلٍ عامٍ بحفاوةٍ بين الأطفال.
“حسنًا، عودوا جميعًا إلى واجبكم اليوميِّ المتمثل في بناءِ النماذجِ بالمُكعباتِ وتقديم النتيجة ليَّ. ومن ينتهي يمكنهُ إخباري بهذا.”
“حسنًا!”
وعندما أُعطي الأطفالُ وقتًا حرًا لهم بدون المعلمة، فبدلاً من التركيزِ على الواجبِ، تجمعوا حول كاليبسو التي جلستْ بمفردها.
حتى أطفال الحيتان القاتلة فعلوا الشيءَ نفسه.
كيف يمكن أن تكون صغيرةً هكذا وتأتي إلى فصلنا؟
هل هي أصغرُ سنًا أم أنها لم تنمو كما يجب؟ لا أعلم!
تبادلتْ هذه المحادثاتُ بين الأطفال ذهابًا وإيابًا.
“همف، تبدو حمقاء غافلة…!”
وفي خضم هذه الأحداث المؤيدة لكاليبسو، تمكنْ كارون أخيرًا من التقليلِ من شأنِ كاليسو بقولهِ ذلك.
“أنتِ…”
التفتتْ كاليسو برأسها عند سماعها هذا، حيث كانَ وجهها مُتجهمًا.
“هل لونُ شعركِ هذا يعني أنكِ من النسلِ المباشرِ؟”
نظرتْ كاليسو إلى الطفل الذي اقتربَ منها.
آه، إنهُ كبيرٌ جدًا.
‘رفعُ رأسي للنظرِ إليه سيؤلم عنقي حقًا.’
كان ذلك الطفلُ يبدو كبيرًا وطويلًا جدًا حتى وهو جالسٌ.
مِن المُحتملِ أنهُ يبلغُ من العمر ثمانية سنواتٍ، لكنهُ يبدو أكبرِ بكثيرٍ من أقرانه.
بالإضافةِ إلى ذلك، عندما اقتربَ هذا الطفلُ، تراجعَ الأطفالُ الذين كانوا يقتربونَ مني، بل حتى أطفالُ الحيتان القاتلة الذين كانوا فضوليين قد تراجعوا أيضًا.
لا يمكن أن يكون ما أفكّر فيه خاطئًا…
‘هل هو زعيمهم؟’
نظرتْ كاليبسو إليهِ بحدةٍ، بينما قامتْ بتحريكِ عنقها قليلاً.
عند استهدافِ الرأسِ، يكونُ الهجومُ الأولُ هو الأهمُّ لأثبات السيطرةِ.
“هل أنتِ مِن النسلِ المباشرِ؟”
لمعتْ عيونُ كاليبسو باللون الأزرق.
‘سأتولى إعادة تأهيل هذا الفصل مُنذ الآن.’
“لو نظرتَ إلى لونِ شعري، لكنتَ عرفت ذلك مُباشرةً.”
تراجعَ كارون قليلًا عند كلماتها هذه.
حينها بدا كارون غاضبًا، وبدأ بالتنفسِ بشكلٍ عنيفٍ.
رأتْ كاليسو هذا وفكّرتْ:
‘لا يوجدُ شخصٌ قويٌ ينفعلُ بسهولة.’
الشخصُ القويُّ حقًا هو الذي يحافظُ على هدوئهِ حتى عندما ينفعلُ.
‘مثل أخي الثاني.’
لحسن الحظ، لم تكن هناك حيتانٌ قاتلةٌ مجنونةٌ أو غيرُ عاديةٍ هنا، أوه كلا أقصدُ حيتانًا مذهلةً…مثل إخوتي.
حسنًا، مقارنة هؤلاء بالأطفالِ هنا ليس عادلاً.
“كم عمركَ؟”
“عمري ثمانيةُ سنواتٍ، ويبدو ليَّ أنكِ مِنْ النسل المباشر…كما يبدو أنكِ صغيرةٌ وقذرةٌ جدًا بالنسبةِ لعمركِ، أليس كذلك؟”
لم تشعرْ كاليسو بالإهانةِ من هذا السخريةِ، بل مالتْ رأسها بشكلٍ لطيفٍ.
رغم أنها كانت تبدو محببةً، إلا أنها تحدثت مُتظاهرةً بالبراءةِ أكثر دون أن تُدرك ذلك.
“ما مدى غبائكَ لتكونَ بهذا الحجمِ ولم تذهبْ بعدُ إلى الأكاديميةِ المتوسطةِ، بل لا تزالُ في هذه الأكاديمية الابتدائيةِ؟”
“بالطبعِ لأنني مميزٌ…ماذا؟”
“أنتَ غبيٌّ حقًا، ألا ترى أنه من الغريبِ أن تكونَ هنا بعدَ كلِّ هذا الوقتِ؟”
ردتْ كاليبسو ببرودٍ، فأحمر وجهُ كارون بغضبٍ.
“التعليمُ في الأكاديمية الأبتدائية للصغارِ وحتى الأكاديميةُ المتوسطةِ التعليمُ فيها إلزاميٌّ للحيتانِ الشبيهةِ بنا. وعادةً ما ينتقلُ الأطفالُ في سنِّ الثامنة إلى الأكاديمية المتوسطةِ.”
لتجاوزِ الصفوفِ، يتطلبُ الأمرُ كُلاً من اللياقةِ البدنيةِ والذكاءِ.
خاصةً الحيتانُ القاتلةُ، يحتاجونَ إلى القوةِ والذكاءِ معًا.
“لا يهمُّ مدى قوتكَ، إذا كنتَ غبيًا فلن تستطيعَ الانتقالَ إلى الأكاديمية المتوسطةِ مهما فعلت. فلماذا تتفاخرُ بكونكَ غبيًا هكذا؟”
كان يجب أن يتوقفَ هذا الأحمق عن التفاخرِ بقوتهِ ويبدأَ في القلقِ بشأنِ مستقبله بسبب غباءه.
في تلك اللحظة، تجمعَ الأطفالُ بشكلٍ متزايدٍ حولهم.
حتى أطفالُ الحيتانِ القاتلةِ كانوا يقتربونَ ببطءٍ.
رفعتْ كاليبسو عينيها الكبيرةَ وألقت نظرةً جانبيةً إلى الأطفالِ الذين حولها.
‘لا يبدو أن ليلى ستتدخلُ…’
إذ أن المعلمونَ كانوا يراقبونَ دون تدخلٍ.
“أ-أيتها القزم اللعين!”
“أيها الطفل.”
حينها ناديتُ طفلًا من بين الأطفال الذين كانوا يشاهدون.
اهتزَّ كتفي الطفلُ عندما ألتقت أعينهُ بنظراتي.
كان لديهِ شعرٌ رماديٌّ بنقوشٍ زرقاءَ داكنةٍ.
عندما نظرتْ كاليبسو إلى شعرِه تذكرتْ أنواعًا مُختلفةً من الحيتانِ.
“هل تنتمي إلى الحيتانِ الرماديةِ؟”
[توضيح/ الحوت الرمادي هو نوع من الحيتان الذي ينتمي إلى عائلة الحيتان البالينية. يتميز هذا الحوت بجسمه الرمادي اللون والذي يغطيه بقع بيضاء ناتجة عن ندوب تركتها الطفيليات البحرية مثل القمل والحيتانيات.]
“هاه؟ أجل! نعم…! هذا صحيحٌ!”
“هل تعرفُ كيفَ تعدُّ الأرقامَ؟”
هزَّ الطفلُ رأسَه بسرعةٍ.
كان سعيدًا لأنَّ أحدًا هنا تعرفَ على نوعِه الذي ينتمي الى الحيتانِ الرماديةِ.
“نعم! أنا جيدٌ في العدِّ!”
“رائعٌ.”
“حسنًا، في البداية هذا الغبيِّ…ما اسمُه؟”
“اسمُه كارون!”
“حسنًا، وما اسمُك أنتَ؟”
“اسمِي جوزيف!”
“أوه حسنًا، جوزيف.”
مدتْ كاليبسو إصابِعَها بثقةٍ نحوَ الطفلِ جوزيف، قائلةً:
“عدَّ لي هذهِ الأصابعَ.”
“وا…حدٌ، اثن…ينِ، ثلا…ثةٌ. أوه أنها ثلاثةٌ!”
“جيدٌ. الآن اذهبْ وأخبرْ كارون الأحمق أن هذا هو عمري.”
“حسنًا! أن الأَميرةُ تبلغُ من العمرِ ثلاثةَ سنواتٍ يا كارون!”
رمشَ كارون بعينيهِ بتفاجؤٍ من هذا.
حينها ابتسمتْ كاليبسو بمكرٍ، قائلةً:
“تسك، هل تريدُ أنْ تكونَ في نفسِ الفصلِ مع طفلةٍ عمرُها ثلاثُ سنواتٍ؟ ألا تشعرُ بالخجلِ من هذا؟”
***
كان وجهُ كارون شديدَ الاحمرارِ.
وكانَ هذا هو ما أردتهُ.
‘لا بدَّ أنَّهُ أدركَ ينفسِهِ وضعَهُ الضعيفَ والأقلَ شأنًا.’
في الواقعِ، لم يكن تأخرُهُ التعليمي شديدًا بالنظرِ إلى أنَّهُ في الثامنةِ من عمرِهِ فحسب، ولكنَّهُ لم يكن بمستوى يجعلهُ يقفُ هنا بفخرٍ.
ما بالُ كونهِ الزعيمَ هُنا؟
‘وحتى في حياتي السابقة لم يَكُن مُستوى الأبناءِ من العائلاتِ الفرعية بهذا السوءِ.’
حينها نظرتُ إلى الأطفال الآخرين الذين قد تراجعوا.
كان من السهلِ تمييزهم بالنظرِ إلى رؤوسِهم وشعرهم الرمادي الذي لا يحملُ أيَّ نقشٍ أو لونٍ آخر.
“هاه؟! ماذا! لا تتفوهيّ بأشياءٍ غيرِ منطقيةٍ! كيف تدّعينَ أنَّكِ في سنِّ الثالثةِ! نحنُ حتى سنِّ الخامسةِ لا نتقنُ الكلامَ بشكلٍ صحيحٍ كالحيتانِ…!”
من أين جاء بفكّرةِ أنَّ كلانا في نفسِ المُستوى؟
نظرتُ إليه بلِا مبالاةٍ ثم أدرتُ رأسي، حينها سمعتُ صوتَ أنفاسِهِ الغاضبةِ في أذني.
وفي تلكَ اللحظةِ…
“آه، لا يمكن!!”
في نفسِ اللحظةِ التي صاحَ بها الأطفالُ حولي، نزلتْ قبضةٌ قويةٌ على المكان الذي كنتُ أقفُ بهِ.
تحطم-!
كان لا يزالُ طفلًا، لكنَّهُ كان أقوى الكائناتِ المائيةِ هنا.
وبسبب قبضتهِ قد تحطمت الأرضيةُ الناعمةُ قليلاً.
لو أنَّهُ صوَّب بشكلٍ أفضلَ بقليلٍ، لكنتُ ربما أصبحتُ مثلَ تلكَ الأرضِ.
“همف! حتى لو كنتِ من النسلِ المباشرِ، فأنتِ ما زلتِ صغيرةً وضئيلة…”
“يبدوُ أنَّكَ بحاجةٍ لتعلمِ الأدابِ أولًا.”
“ماذا؟!”
لا أعلمُ إن كنتُ سأتمكنُ من النجاحِ بذلكَ، ولكن…
ركضتُ نحوهُ وضربتُ رأسهُ برأسي بقوةٍ.
‘سأستخدم رأسي بدلاً من قبضتي، أيها الأحمق.’
…كان هذا مُجَرَّدَ خداعٍ للنَجاةِ، ولكنْ لا يزالُ رأسي أكبر من هذه القبضة الصغيرة أيها الأحمق!
كْوانغ-!
ولكنْ…
هل كانت نتيجة التدريب الجاد لِبايير عنيفةً بعض الشيء؟
تفاجأتُ أكثر عندما رأيتُهُ يطير.
‘…ما هذا؟ هل فعلاً كان التدريب فعالاً؟’
لم أكن أتوقع أن أتمكن من استخدام هذا في المعاركِ الحقيقيةِ.
“آه، لقد اصطدم بالأرض…!”
“لقد طارَ كارون بعيدًا!”
في اللحظة السابقةِ التي ركضتُ فيها، شعرتُ بجسدي يَخِفُّ فجأةً.
كان شعورًا مشابهًا لما شعرتُ به عندما ايقظتُ قوةَ الماءِ في حياتي السابقة.
نظرتُ إلى يديّ بأملٍ، ولكن الماء لم ينبعث منها رغم القوة التي بذلتُها.
ومِن خلال الغبار الطفيف، رأيتُ كارون مُستلقيًا على الأرض.
ربما يبدو الأمرُ مؤلمًا بعض الشيء، و لكن هذا ليس بالأمر الكبير.
لن يموت من هذا أبدًا.
‘آه، أنا أعلم ذلك لأنني كبرتُ وأنا أتعرض للضرب. لذا لا تتظاهر بالألم، أيها الأحمق.’
كانَ كارون يُمْسِكُ رأسَهُ ويئنُّ مِن الألم.
وعندما تلاقتْ أعيننا، أمسكتُ بقطعةٍ من الحجارة التي كانت بجانبي بدون ترددٍ.
‘حتى يوم أمس، كان بايير يجعلني أعمل في تنظيف وترتيب الأشياء مرارًا وتكرارًا حتى أشعر بالإرهاق…’
وباستخدام الحركات التي كنتُ أستخدمها لتحطيم الصخور وحمل المطارق…
بذلتُ قوتي الكاملة، فتحطمت الحجارة التي في يدي.
ووسطَ أصوات دهشة الأطفال، رأيتُ وجه كارون الشاحب، وتحدثتُ قائلةً ببرودٍ:
“هل تنويّ القتالَ؟”
“…”
في معارك الحيتان القاتلة، الفائز يحدد ترتيبهُ وسيطرتهُ هنا.
في تلك اللحظة، نظر كارون إلى الأرض.
مظهره كان مثل جميع الحيوانات المائية التي تعترفُ بالهزيمةِ.
نظرتُ إليه بلا مبالاةٍ، ونفختُ على قبضتي الصغيرة اللطيفة وقلت:
“قالَ ليَّ والدي ألا أتعرضَ للضربِ.”
هذا الفصلُ أصبحَ تحت سيطرتي مُنذ اليوم.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي