سيدتي الشريرة، هلّا خبزتِ لنا بعض الخبز، من فضلكِ؟ - 02
كان ماركيز فيليسياتا على وشك المغادرة بسبب أمر طارئ، وترك لي مسؤولية الاعتناء بإيزيال.
قال لي وهو يطلب برفق:
“تناولي الشاي معه، ثم خذيه في جولة داخل القصر.”
بعد وداعه، جلست أنا وإيزيال في غرفة الاستقبال.
تبعتنا إحدى الخادمات وقامت بتحضير الشاي.
بينما كانت أوراق الشاي تنقع ببطء، انتشرت رائحة عطرة لطيفة في أرجاء الغرفة.
سكبت الخادمة الشاي في الكوب، فرفعت الكوب بحذر واحتسيت رشفة صغيرة.
كدت أحرق لساني من حرارة الشاي، لكنني تماسكت وحرصت على ألا يظهر شيء على ملامحي.
حينها سألتني الخادمة بخوف:
“سيدتي… هل أعجبك طعم الشاي؟”
أومأت برأسي بإيجاز ووضعت الكوب برفق على الطاولة.
تنفست الخادمة الصعداء بصوت منخفض، وكأنها قد نجت لتوها من عقاب وشيك.
تراجعت سريعًا وكأنها تهرب من خطر محدق.
من الواضح أن الخادمات كنّ يرتعبن من شوين فيليسياتا.
“حسنًا، هذا أمر يمكنني تغييره مع الوقت.”
لم يكن من المستغرب أن تتغير تصرفات طفلة مراهقة مع تقدمها في العمر.
لكن الأمر الذي شغلني أكثر كان كيفية التعامل مع إيزيال.
رغم أن القرّاء كانوا يميلون إلى تبرير تصرفاته لاحقًا، إلا أن الحقيقة هي أنه كان شريرًا بكل معنى الكلمة.
حتى قبل بلوغه، كان ينظر إلى البشر وكأنهم مجرد حشرات، ويقضي على كل من يعترض طريقه بلا تردد.
أما شوين فيليسياتا، فقد كانت واحدة من أكثر الشخصيات التي تسببت في بؤسه، وكانت هدفًا رئيسيًا لانتقامه القاسي.
رغم أن الرواية لم تدخل في تفاصيل الانتقام بسبب التصنيف العمري، إلا أن ذلك لم يمنع القراء من الشعور بالارتياح الشديد عندما حدث.
لقد كانت شوين مكروهة جدًا، لدرجة أن لا أحد تعاطف معها.
“كيف انتهى بي المطاف في جسد هذه القمامة؟!”
حبست تنهيدة كادت تفلت مني.
لكنني تماسكت وقلت لنفسي:
“لا بأس، يمكنني النجاة إذا لعبت أوراقي بذكاء.”
لحسن الحظ، كان الوضع الآن في بداياته.
إيزيال لم يكن قد كوّن أي مشاعر تجاهي بعد، سواء أكانت كراهية أو غيرها.
إذن الحل بسيط.
سأعتني به جيدًا وأتجنب إيذاءه بأي شكل، وأحرص على بناء علاقة ودية معه.
بهذه الطريقة، لن يفكر في الانتقام مني لاحقًا.
“إنه ليس سيئًا في جوهره.”
ما جعل إيزيال شخصية محبوبة رغم كونه شريرًا هو أنه كان شخصية معقدة.
رغم طبيعته العنيفة، إلا أنه كان يرد الجميل ويقوم ببعض الأفعال النبيلة بين الحين والآخر.
– “طفلنا المسكين كان في الأصل ملاكًا بريئًا!”
– “هذا كله بسبب شوين والتنين المجنون. لقد أفسداه تمامًا!”
أنا أيضًا كنت أعتقد ذلك.
نظرت إلى إيزيال، الذي كان جالسًا أمامي.
كان يجلس عند طرف الأريكة بهدوء شديد ورأسه منخفض.
من الواضح أن الأثاث الفاخر في القصر كان يشعره بعدم الارتياح.
جلس بلا حراك وكأنه يحاول تقليل وجوده لأقصى حد.
كان هادئًا لدرجة أن وجوده بالكاد يُلاحظ.
“كيف يمكن لهذا الفتى، الذي يبدو هشًا وغير مؤذٍ، أن يصبح شريرًا مخيفًا في المستقبل؟”
لم أستطع تصديق الأمر، مهما فكرت فيه.
كان جسده النحيل يجعل من الصعب تصديق أنه في الحادية عشرة من عمره.
بعد أن افترق عن والده، نجا إيزيال ثلاث مرات من الموت بأعجوبة.
لقد كانت حياته مأساوية للغاية لدرجة أنني شعرت بالغصة في حلقي حتى أثناء قراءتي للرواية.
أما الآن، وأنا أراه أمامي، بدا لي أكثر بؤسًا وضعفًا، فشعرت بقلبي ينقبض من شدة الشفقة.
“كيف يمكن لطفل صغير وضعيف كهذا أن يتحمل كل ذلك…؟”
“يجب أن أكون لطيفة معه بأي ثمن.”
لم يكن الأمر متعلقًا بمستقبلي وحده، بل لأن إيزيال كان بالنسبة لي شخصية مفضلة لم أحتمل رؤية بؤسه.
الأهم الآن هو ترك انطباع أول جيد.
كما يقول المثل، “لا أحد يسيء لمن يبتسم في وجهه”.
نظرت إلى إيزيال محاوِلة أن أرسم على وجهي ابتسامة دافئة ولطيفة.
أو بالأحرى، حاولت ذلك.
“دينغ!”
في تلك اللحظة، رنّ صوت جرس، وظهرت أمامي فجأة كلمات في الهواء:
<<تحذير! هذا التصرف لا يتطابق مع الشخصية.>>
<<عدد التحذيرات المتراكمة: 2>>
<<تنبيه: عند تراكم 3 تحذيرات، سيتم تفعيل الوضع التلقائي.>>
“ما هذا بحق السماء؟!”
كنت قد رأيت كلمات مشابهة في وقت سابق، لكنني اعتقدت أنها مجرد وهم.
اتضح الآن أنها كانت حقيقية.
لكنني لم أستطع فهم معنى التصرف “غير المتطابق مع الشخصية”.
لم يكن لدي وقت للتفكير بعمق.
كان إيزيال ينظر إليّ بعينين متسائلتين، وكأنه مستغرب من تصرفي.
“••••••أختي؟”
فتحت فمي لأتكلم:
“سعدت بلقائك••••••.”
لكن قبل أن أكمل جملتي، رنّ الجرس مجددًا.
<<تحذير! هذا التصرف لا يتطابق مع الشخصية.>>
<<عدد التحذيرات المتراكمة: 3>>
<<سيتم تفعيل الوضع التلقائي لمدة 5 دقائق.>>
“الوضع التلقائي؟ لحظة، ما هذا؟”
سرعان ما وجدت الإجابة.
بدأت شفتاي تتحركان من تلقاء نفسها.
“أهذا الشحاذ الحقير سيكون أخي؟”
لم أستطع تصديق الكلمات التي خرجت من فمي.
“والدي أيضًا… عليه أن يقول شيئًا معقولًا ولو لمرة واحدة.”
شفتاي التي رسمت ابتسامة ساخرة بدت وكأنها ملك لشخص آخر.
كنت أشاهد نفسي أتصرف بطريقة مهينة ومتعجرفة، دون أن أتمكن من إيقاف ذلك.
“ما هذا الجنون؟!”
هل يمكن أن يكون الوضع التلقائي يعني أنني أتصرف كما كانت شوين فيليسياتا تفعل في الأصل؟
على عكس صدمتي وشعوري بالعجز، لم يقل إيزيال شيئًا.
لكنه كان يحدق إليّ من خلف خصلات شعره الطويلة بنظرة باردة كالثلج.
“••••••.”
لقد أفسدت كل شيء!
الانطباع الأول كان كارثيًا بكل المقاييس!
“كيف أعيش في هذا الجسد إذا لم أكن قادرة على التحكم فيه؟!”
وكأن النظام قرأ صرخاتي الداخلية، رنّ الجرس مرة أخرى.
“دينغ!”
<<سيتم إيقاف الوضع التلقائي بعد انتهاء المدة المحددة.>>
<<الوقت المتبقي: 3 دقائق و21 ثانية.>>
ابتلعت ريقي بصعوبة.
كنت فقط أتمنى ألا يتصرف هذا الجسد كما يشاء، لكن للأسف، كانت التوقعات السيئة صحيحة.
بدأت يدي وذراعي تتحركان من تلقاء نفسها.
ما أمسكت به يد بيضاء كان إبريق شاي مملوء بالماء الساخن.
شعرت بمقبض الإبريق الساخن تحت راحة يدي.
بدأت يدي ترتفع تدريجيًا.
“هل يمكن أنني… سأسكب هذا الماء المغلي على إيزيال؟”
في تلك اللحظة، عبرت فكرة بسرعة في رأسي.
كان هناك أثر حروق على الكتف الأيمن لإيزيال في الرواية.
“هل فعلتها شوين؟!”
إذا كان الماء يغلي، فسيترك مثل هذا الأثر.
عضضت على أسناني.
كان عليّ أن أوقف هذا بأي ثمن.
كيف يمكنني أن أسكب الماء المغلي على شخص مفضل لدي؟
بينما كنت أحاول أن أضغط على يدي، شعرت بألم شديد في رأسي، وكأن عقلي سينفجر.
تمكنت بالكاد من إمالة يدي المرتعشة.
“دينغ!”
سقط الإبريق على الأرض وتحطم إلى قطع.
الألم جاء بعد فوات الأوان.
كان يدي التي تلامست مع الماء المغلي تشتعل.
بدأت اليدين و الأصابع التي لامست الماء تشعر بألم حارق شديد.
كانت الخادمات المذهولات تجري نحو الأريكة في اللحظة التي أدركن فيها ما حدث.
“آ، سيدتي؟!”
“هل أنتي بخير؟”
شعرت بالألم وأنا أمسكت يدي الحمراء، وجثوت على الأرض.
“آه، لا، لست بخير.”
كان الألم شديدًا للغاية، كما لو أنني تعرضت للوخز بمئات من الإبر.
“هل فقدت عقلي؟ هل كنت سأفعل ذلك؟”
تذكرت أنني كنت قد نسيت تمامًا أنني في جسد شوين، وأردت أن أصرخ “أنتِ تستحقين أن تموتي”.
أسرعت إحدى الخادمات بالخروج من الغرفة.
“سأذهب لإحضار الطبيب!”
أما البقية، فحاولن لف يدي بمنديل بارد في محاولة لتخفيف الألم.
وبينما كن يجمعن شظايا الإبريق، كنت أرى كيف أنهن كن يلقين نظرات متبادلة بيني وبين إيزيال.
ربما ظنن أنني قد سكبت الماء المغلي على إيزيال عن طريق الخطأ.
كنت أبتلع أنينًا خافتًا بسبب الألم، ثم نظرت إلى إيزيال.
كان يجلس على الأريكة، يراقبني بهدوء.
من خلال خصلات شعره المبعثرة، كانت عيناه الأرجوانيتان تراقبني بوضوح.
بدت عيناه مليئة بالحيرة.
عندما تلاقت أعيننا، شعرت بأنني فقدت توازني.
دوار في رأسي، وسمعت صوت الجرس مرة أخرى.
<<سيتم إلغاء الوضع التلقائي.>>
<<سيتم تطبيق عقوبة الإلغاء.>>
<<سوف تفقدين الوعي.>>
انقلب العالم من حولي، وعيني تغلق شيئًا فشيئًا.
أعتقد أن انطباعي الأول قد فشل تمامًا…
* * *
استفاقت وعي بعد عدة ساعات.
مع مرور الوقت، بدأ يدي تتورم وتحمّر بشكل شديد.
كانت أطراف أصابعي المحروقة مليئة بالفَقاعات الصغيرة.
عندما رآني الطبيب، تنهد بعمق.
كان الطبيب المعالج المباشر لعائلة فيليسياتا.
لم يسأل الطبيب عن التفاصيل، على الأرجح لأنه سمع ما حدث من الخادمات.
قام بوضع مرهم على يدي ولفها بالضمادات.
ثم تحدث بعد أن انتهى من العلاج.
“سيدتي، كيف فكرتِ في القيام بهذا؟”
لم يمر يوم واحد، لكن الأخبار قد انتشرت بسرعة في القصر بأكمله.
“قالوا إنكِ كنتِ ستسكبين الماء المغلي على الشاب الجديد، ثم سكبتِه على يدكِ بدلاً من ذلك.”
بالطبع، لم يكن هذا مفاجئًا إذا فكرت في سلوك شوين في الماضي.
فهي لم تتردد في سكبه على الخادمات من قبل.
ثم أضاف الطبيب وهو يعبس وجهه.
“لقد وعد اللورد بأن يكون الوصي عليه، لذا أصبح هذا الشاب الآن مثل الابن بالنسبة له.”
“••••••.”
“من فضلك، لا تواصلي إيذاء إيزيال.”
نظرت إلى الطبيب الصالح بهدوء.
“كم أفتقد هذا…!”
عندما جاء إيزيال للانتقام، كان يخطط لسحق عائلة فيليسياتا،
والشخص الوحيد الذي نجا كان الطبيب هذا.