سيدتي الشريرة، هلّا خبزتِ لنا بعض الخبز، من فضلكِ؟ - 01
“حريق!!”
صوت أحدهم يصرخ من بعيد.
كان الحريق يلتهم كل شيء من حولي. ألسنة اللهب الحمراء تحيط بي من كل جهة، والدخان الكثيف يخنق أنفاسي.
بدأت أسعل بقوة، ولم أتمكن من التوقف.
“هل سأموت بهذه الطريقة؟”
لم أصدق ما يحدث.
لطالما كان حلمي، منذ كنت طفلة شغوفة بالخبز، أن أمتلك مخبزي الخاص.
كان هذا الحلم هو الهدف الوحيد الذي سعيت لتحقيقه طوال حياتي.
حصلت على شهادة الخبّاز المحترف، والتحقت بالعمل في أحد المخابز.
كنت أعود إلى المنزل يوميًا مع آثار حروق وكدمات على يديّ وذراعيّ.
كثيرًا ما فكرت في الاستسلام بسبب المدير المتسلط والعملاء المزعجين.
لكن في كل مرة كنت أذكر نفسي بحلمي وأتشبث به.
بعد سنوات من العمل الشاق وتوفير المال بصعوبة، تمكنت أخيرًا من تحقيق حلمي.
فتحت مخبزي الصغير اليوم.
لكن فجأة…
كان مخبزي يحترق أمام عيني.
“هل سأموت في يوم الافتتاح، قبل أن أستقبل حتى أول زبون؟”
بدأت الرؤية تتلاشى، وشعرت بجسدي يفقد إحساسه شيئًا فشيئًا.
يقولون إن الإنسان يرى شريط حياته يمر أمام عينيه قبل أن يموت، لكنني لم أرَ ذلك.
بدلًا من ذلك، رأيت أنواعًا من الخبز لم أصنعها قط تتدحرج أمامي.
مددت يدي محاولًا الإمساك بها، لكن لم أستطع الوصول إليها.
خرجت من بين شفتيّ المتشققتين كلمات واهنة.
“الخبز…”
“دينغ!”
وسط السكون الذي عم أذني، دوى صوت رنينٍ خفيف يشبه صوت الأجراس.
ثم ظهرت أمامي كلمات ذهبية متألقة في الهواء.
<<لقد وصل نداءك إلى عالمٍ آخر.>>
<<التنين المحب للخبز استجاب لك!>>
<<سيتم استدعاؤك إلى عالمٍ آخر!>>
ثم أظلمت الدنيا تمامًا.
—
لا أعلم كم من الوقت مضى.
“هاه!”
فتحت عينيّ فجأة، فوجدت نفسي ممدة على سريرٍ في غرفة غريبة.
كانت الغرفة فسيحة لدرجة أنها قد تكون صالة استقبال، وتزينها أثاثات فاخرة بتصاميم مستوحاة من العصور الوسطى.
نظرت حولي في حيرة قبل أن أستجمع شتات نفسي وأقوم من السرير.
كان الفستان الليلي الذي أرتديه مزينًا بالدانتيل المتطاير ويصدر صوتًا خفيفًا مع كل حركة.
تقدمت إلى منضدة الزينة، ونظرت إلى المرآة.
في المرآة، نظرت إلي فتاة أشبه بدمية.
كانت تبدو في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من العمر، ملامحها غريبة عني تمامًا.
شعرها الأشقر ينساب كخيوط العسل، وعيناها زرقاوان تلمعان كنجمتين.
بشرتها ناعمة كالعاج وشفافة كأنها من نور.
لكن لم يكن لدي وقت للإعجاب بجمالها.
“من… من هذه؟”
همست بذهول، أصابعي تتحسس زجاج المرآة.
عندها، قطع طرقٌ على الباب صمتي، لتدخل امرأة أنيقة المظهر.
“يا آنستي، هل استيقظتِ؟”
شعرت بتجاعيد تعتلي جبيني وسألتها بنبرة مشوشة:
“آنسة؟ هل تعنينني؟”
في تلك اللحظة، تردد مجددًا في أذني صوت الأجراس المألوف.
“دينغ!!”
ظهرت كلمات أخرى في الهواء.
<<تحذير! تصرفك لا يتطابق مع الهوية الحالية.>>
ظهرت الكلمات الذهبية للحظة قصيرة، ثم تلاشت كالدخان.
هل كان مجرد وهم؟
أخذت أفكر في الأمر.
كانت المرأة التي ترتدي زي خادمة ينتمي للعصور الوسطى قد خاطبتني بلقب “آنسة”.
تأملت وجهها قليلًا، ثم أدركت الموقف.
غرفة غريبة.
وجه لا أعرفه.
وخادمة تناديني بـ”آنسة”.
بدا الأمر مألوفًا للغاية. أكثر مما ينبغي.
“يبدو أنني انتقلت إلى عالم آخر.”
“بل يبدو أنني تجسّدت في جسد شخص آخر.”
في تلك اللحظة، اقتربت الخادمة التي كانت مطأطئة الرأس بخطوات حثيثة.
وضعت أمامي وعاءً عريضًا ممتلئًا بالماء.
“لقد أعددت لكِ ماءً لغسل وجهكِ.”
غسلت وجهي بهدوء دون إبداء أي مقاومة.
قرأت العديد من الروايات عن التجسد في أجساد شخصيات أخرى، وكنت أعرف جيدًا أن إبداء أي استغراب أو طرح أسئلة كـ”من أنا؟” أو “أين أنا؟” لن يؤدي إلا إلى إثارة الشكوك.
بعد أن انتهيت، أسرعت الخادمة بتجفيف وجهي ويداي بقطعة قماش نظيفة، بيدين حذرتين مليئتين بالتردد.
كانت تتجنب النظر في عينيّ وكأنها تخشى ردة فعلي.
عندما التقت أعيننا، ارتبكت فجأة وتراجعت بخطواتها بسرعة. ثم انحنت وقدمت اعتذارها:
“أعتذر بشدة يا آنستي!”
“…”
كان يبدو وكأنها تتوقع أن أصفعها أو أوبخها.
“آه… هل يُعقل أنني في هذا النوع من السيناريوهات؟”
في روايات الفانتازيا الرومانسية التي قرأتها، تنقسم قصص التجسد إلى نوعين رئيسيين:
إما أن تتجسد البطلة في شخصية فقيرة وبائسة ولكنها طيبة القلب،
أو أن تتجسد في شخصية شريرة مدللة تمتلك المال والسلطة لكنها سيئة السمعة.
وبالنظر إلى رد فعل الخادمة، بدا واضحًا أنني من النوع الثاني.
مصير الشخصيات الشريرة في مثل هذه القصص دائمًا ما يكون محتومًا.
“اهدئي… يمكن النجاة من كونك شخصية شريرة إذا لعبتِ أوراقكِ بشكل صحيح.”
استرجعت أحداث العديد من الروايات التي قرأتها سابقًا، وبدأت أستعد لما هو قادم.
ارتديت فستانًا مزخرفًا طويلًا بمساعدة الخادمة.
طرق الباب فجأة، ودخل رجل يرتدي سترة أنيقة وقميصًا مرتبًا. كان يبدو بوضوح أنه كبير الخدم.
“آنستي، الماركيز يطلب حضوركِ.”
أومأت برأسي ووقفت.
“الماركيز… إذن أنا ابنة ماركيز.”
بمجرد أن انتهيت من التحضيرات، تبعت كبير الخدم بصمت.
كنت أمشي في ممر طويل مفروش برخام فخم، محاولَة التصرف وكأن الأمر عادي تمامًا.
ألقيت نظرات خاطفة على تفاصيل المنزل. كان القصر مذهلًا وفخمًا بشكل مبالغ فيه.
في منتصف أحد الممرات، كان هناك لوحة ضخمة معلقة على الحائط.
كانت اللوحة العائلية تصوّر رجلًا وامرأة يحتضنان فتاة صغيرة بشعر أشقر.
وفي تلك اللحظة، سمعت صوتًا منخفضًا يأتي من الأسفل.
“شوين.”
استدرت نحو مصدر الصوت.
عند أسفل الدرج، وقف رجل في منتصف العمر بجسد ممتلئ، يشبه تمامًا الرجل الذي رأيته في اللوحة.
“هذا إذًا والدي، الماركيز.”
بدأت أنزل الدرج بحذر كي لا أتعثر بذيل فستاني الطويل.
حينها فقط لاحظت وجود صبي صغير خلف الماركيز.
كان الصبي ذا شعر رمادي ومظهر هزيل إلى درجة جعلت من الصعب تخمين عمره.
يداه النحيلتان ووجنتاه الغائرتان أثارتا شعورًا بالشفقة.
ألقى ظلال شعره غير المرتب ظلالًا داكنة فوق عينيه، مما أضفى عليه مظهرًا كئيبًا.
شعر الصبي بنظراتي الموجهة نحوه، فرفع عينيه ليقابل نظرتي.
وفي اللحظة التي التقت أعيننا، شعرت بشيء غريب.
تحدث الماركيز مخاطبًا إياي:
“شوين، قدمي التحية.”
قطبت جبيني قليلًا.
“شوين؟ يبدو مألوفًا نوعًا ما.”
بينما كنت أحاول استرجاع ذاكرتي، أشار الماركيز إلى الصبي قائلاً:
“هذا الصبي سيعيش في القصر من الآن فصاعدًا. عامليه كما لو كان أخاكِ الصغير.”
“ماذا…؟”
“بناءً على طلب خالتك مارينكو، قررت أن أكون وصيًا عليه.”
وضع الماركيز يده على كتف الصبي وتابع:
“اسمه إيزيال، وهو أصغر منك بعامين. يبلغ من العمر 11 عامًا.”
شعرت بصدمة جعلتني أتجمد في مكاني.
“إيزيال؟”
“إيزيال، المتعاقد مع التنين الأسطوري؟”
كان هذا اسمًا مألوفًا للغاية. إنه نفس اسم الشرير في الرواية التي كنت أقرأها قبل وفاتي.
“لا يمكن! هل أنا تجسدت داخل تلك الرواية؟!”
كنت في حالة من الذهول التام.
عنوان الرواية كان “هذه الحياة مع التنين.”
كانت واحدة من روايات الفانتازيا التي حظيت بشعبية كبيرة بفضل حبكتها القوية وتطوراتها المشوقة.
ملخص القصة كان كالتالي:
البطل، الذي قتل ظلمًا، يُبعث من جديد في عالم آخر ويتعاقد مع تنين أسطوري.
ومن ثم يبدأ رحلته لجمع رفاقه في مختلف أنحاء القارة.
لكن السبب الحقيقي وراء شهرة الرواية لم يكن البطل، بل الشرير.
إيزيال، المتعاقد مع التنين الأسطوري أكاتريان.
كان إيزيال أقوى شرير في القصة، يتمتع بقوة تضاهي البطل نفسه.
ارتكب العديد من الجرائم البشعة وكان دائمًا ما يضع البطل في مواقف يائسة.
كان طبيعيًا أن يكرهه القراء:
– “أوه، مجددًا مع هذا [[لفظ]] إيزيال!”
– “متى سيُقتل هذا [[لفظ]] إيزيال؟”
لكن كل شيء تغير عندما تم إصدار فصل خاص عن ماضي إيزيال، مرفقًا برسوم توضيحية مذهلة.
اتضح أن إيزيال وُلد كابن لسيّد برج السحر.
ورغم مكانته الرفيعة، انفصل عن والده في عمر السادسة.
منذ ذلك الحين، مرّ إيزيال بكل أنواع المعاناة التي يمكن تخيلها.
كان ماضيه الحزين كافيًا لقلب مشاعر القراء نحوه.
أصبح الجميع يدافع عنه بشكل غريب.
– “لا أصدق! إيزيال بريء! أنا وأنت الآن واحد!”
– “لقد كان البطل هو الظالم الحقيقي، إيزيال هو الضحية.”
حتى أنني بدأت قراءة الرواية بفضل منشور على الإنترنت يمدح إيزيال باعتباره شخصية أكثر عمقًا من البطل نفسه.
منذ ذلك الحين، أصبح إيزيال الشخصية المفضلة للكثيرين، بمن فيهم أنا.
لكن خلفية إيزيال كانت مؤلمة للغاية.
بدأت حياته في التغير عندما تعاقد مع التنين الأسطوري أكاتريان.
بعد هذا الحدث، غرق إيزيال في ظلام الانتقام ضد كل من ظلمه، بدءًا من أقرب الأشخاص إليه.
وكانت أول من استهدفهم هي أخته بالتبني، عندما كان يعيش في قصر الماركيز.
تلك الفترة كانت الأسوأ في حياة إيزيال، حيث عاش في كنف عائلة فيليسياتا.
رغم أن الماركيز كان رجلًا باردًا إلا أنه لم يكن سيئًا.
لكن المشكلة الحقيقية كانت ابنته الوحيدة…
وجه ملائكي وقلب خالٍ من الرحمة.
لقد عذّبته أشد العذاب.
أطعمت إيزيال الحشرات، وضربته حتى غطاه الغبار، وحرّضت الماركيز فيليسياتا ضده.
بل وصل بها الأمر إلى اتهامه زورًا بقتل أحد الأشخاص، مما أدى إلى طرده من العائلة.
إذا كان إيزيال قد أصبح شريرًا، فإن السبب في ذلك كان شقيقته بالتبني عديمة الرحمة.
القراء الذين انغمسوا عاطفيًا في مأساته أطلقوا عليها لقب “خبزة”.
وعندما انتقم إيزيال أخيرًا من شقيقته انتقامًا مروعًا، شعر القراء بسعادة غامرة.
– “أخيرًا نالت خبزة جزاءها!”
– “إيزيال، من الآن فصاعدًا ستعيش طريقًا مليئًا بالزهور!”
– “وداعًا خبزة. لن نتكبد عناء وداعك.”
حتى أنا شاركت يومها وكتبت تعليقًا:
– “وداعًا خبزة، لقد كان لقاءً قذرًا وآمل ألا نلتقي أبدًا مجددًا.”
لكن الآن…
بينما كنت واقفة مصدومة، نظر إليّ الصبي بحذر وقال:
“شوين… أختي الكبرى.”
الاسم المستعار: خبزة.
الاسم الحقيقي: شوين فيليسياتا.
ذلك هو الجسد الذي تجسدت فيه!
“أنا خبزة؟!”