رواية المجتمع الراقي - 1
01. المرأة متقلبة
“سأبيع نفسي.”
ارتفع حاجب الرجل الأيمن ببطء عندما سمع كلمات أديل. عندها، أدركت أديل ما تفوهت به.
يا إلهي، ماذا الذي قلته للتو؟
شحب وجه أديل.
انحني واعتذري فوراً، أديل بيبي.
ولكن على عكس أفكارها، خرجت الكلمات من فمها بهدوء تام:
“أعطني الدور الذي ذكرته. بعني. سأصبح أغلى سيدة في سانتنار.”
تعرقت راحة يدها، حتى أصبحت قطعة القماش التي كانت تستخدمها في تلميع الأحذية مبتلة.
كان يأسها كبيراً إلى هذا الحد. لكن السؤال هو، هل وصل هذا اليأس إلى الرجل أمامها؟
“……”
كان شعر الرجل أسود كليل البحر. شعره الأزرق الذي يمكن وصفه بلون البحر أو البرونز، كان يناسب ملامحه المميزة تماماً.
الرجل الذي كان يحدق في أديل أشعل سيجاراً بهدوء.
ارتفعت سحابة دخان هادئة، وشعرت أديل بسرعة برائحة اللوز والشوكولاتة الداكنة.
ألم يسمعني؟
“أنا…”
بينما فتحت أديل فمها مرة أخرى، التقت عينيها بلمعان ذهبي عبر الدخان.
لقد كانت تلك عيناه. باردة بشكل مرعب.
توقفت أنفاس أديل.
كانت عيناه بلون ذهبي منعش وحاد. بفضل شكل عينيه الجريئتين، بدا كأنه شمس الصيف.
لكن اللون وحده لم يكن كافياً لإخفاء قسوته.
بدا وكأنه شخص أخذ فقط الجلالة من الشمس وتخلص من كل دفئها.
هكذا كانت عيناه.
إنه شخص قد حصل على كل الامتياز من الإله.
كانت هذه الجملة التي يستخدمها النمّامون لوصف “سيزار بونابارت” أمامها. أدركت أديل فوراً السبب.
سيزار بونابارت.
الرجل الذي أصبح عضواً في المجلس في سن مبكرة جداً.
على جانب والده، ورث دماء النبلاء العظماء من عائلة بونابارت، ومن جانب والدته كان من العائلة المالكة عبر البحر في أوركوينينا.
لا أحد في سانتنار يمكنه مجاراته من حيث النسب، وقد منحه الإلاه و القدر مظهراً رائعاً أيضاً.
الرجل الذي تتوق إليه جميع سيدات سانتنار، ويحسده جميع الرجال.
فقط عندها أدركت أديل مدى سخافة تصرفاتها. كانت ملابسها المتسخة بملمع الأحذية مبتلة بعرق بارد.
ومع ذلك، حتى لو استطاعت العودة بالزمن، كانت أديل ستتخذ نفس القرار.
“نحتاج إلى امرأة.”
في اللحظة التي سمعت فيها هذا الكلام موجهًا إلى صديقه.
“امرأة لنبيعها لعائلة ديلا فالي، متظاهرين بأنها من بونابارت.”
أدركت أديل أنها كانت آخر فرصة منحتها لها إلهة البحر. كانت يائسة لهذا الحد.
“أفيل. سمعت أنك في الحقيقة فتاة؟”
ما زال صوت العجوز نينو الغاضب يتردد بوضوح في أذنيها.
كان العجوز نينو هو الشخص الذي يشرف على صباغي الأحذية في الشوارع. كل من يلمع الأحذية في فورناتي يجب أن يكون تحت إمرته.
“لقد قمت بخداعنا جيدا حتى الآن. يا لك من فتاة ملعونة. هل أنت فعلاً خرساء؟”
“……”
“على أي حال، يجب أن تكوني حذرة. أنا لا أتعامل برفق مع الفتيات. إذا لم تتمكني من دفع رسوم الحماية، يجب أن تكوني مستعدة للعواقب.”
عيناه المليئتان بالشهوة كانتا تتفحصان صدرها.
في النهاية، اكتشف أمرها. ليس فقط أنها ليست رجلاً، ولكن أيضاً أنها ليست خرساء.
كان معروفاً أن العجوز نينو لديه علاقات مع القوادين في أزقة الأحياء الفقيرة في كيمورا.
كان بإمكان أديل تخيل مستقبلها وهي تُسحب إلى تلك الأزقة بسهولة.
إذا تمكنت فقط من دفع رسوم الحماية، يمكنها تجنب ذلك، لكن منذ ذلك اليوم، بدأ الآخرون يتجنبونها.
عاشت لعدة أيام على قطعة خبز شعير سوداء واحدة. اليوم، لم تأكل حتى ذلك. لكن المال كان لا يزال بعيداً عن الكفاية، وكان غداً موعد تسليم رسوم الحماية.
عندما حصلت أديل على فرصة لتلميع حذاء رب عائلة بونابارت في ساحة سانسالينا، شكرت إلهة البحر بصدق.
وعندما أدركت أن الآلهة لم تمنحها مجرد بعض القطع الذهبية، بل نعمة أكبر، تسارع نبض قلبها.
“هل أنت جاد؟ هل تنوي حقاً خداع عائلة ديلا فالي؟”
“أنا أبحث بالفعل عن امرأة مناسبة. ليس من السهل العثور على نبيلة ساقطة.”
“كنت أعلم أنك مجنون، لكن لم أعتقد أنك بهذه الدرجة من الجنون.”
حتى بالنسبة لأديل، بدت الفكرة جنونية.
لكن بالنسبة لصباغ أحذية على وشك الجنون، كانت كإعلان إلهي.
يمكنك فعل ذلك.
ما إن انتهى سيزار من الحديث، حتى ملأت همسة صغيرة رأس أديل ودفعها إلى الأمام.
“سأبيع نفسي.”
ألقت أديل بحياتها.
***
ضيّق سيزار عينيه وكأنه يقيس شيئًا. حتى التجاعيد الخفيفة حول عينيه كانت متناسقة تمامًا كأنها مرسومة بفرشاة دقيقة.
في اللحظة التالية، تحدث الرجل الوسيم بشكل لا يصدق.
“هل أنت عذراء؟”
كانت عيناه الذهبيتان تومضان ببطء بينما سأل. كانت نظرة نظيفة، خالية من أي دناءة.
بفضل ذلك، فهمت أديل فوراً النية وراء سؤاله.
“نعم، أنا عذراء.”
“هممم.”
كان سيزار، الذي كان يأمل أن تتراجع، يبتسم وهو يعبس.
“أنا مندهش أن صباغة الأحذية في فورناتي تعرف ما هي العفة.”
بالرغم من أن كلماته قد تُفهم على أنها سخرية، إلا أنه لم يكن هناك أي عدوانية في نبرته.
أجابت أديل، التي ترددت للحظة.
“أعتقد أنني أفهمها أفضل من جاكومو.”
انفجر سيزار ضاحكاً.
كان جاكومو نبيلاً مشهوراً بكونه زير نساء.
كان يعني أن المكانة الاجتماعية لا تجعل الأمر مختلفاً كثيراً.
“حتى أنا لا أعرف ما هي.”
تحدث الطائش من عائلة بونابارت بلهجة مرحة. ما زال ابتسامته على شفتيه.
لم تستطع أديل إلا أن تلاحظ أن ابتسامته كانت ساحرة كما يُشاع، بل وأكثر.
غمازات عميقة تناسب فمه الواسع، ابتسامة عين تخفي نظرته الباردة، وشامة صغيرة ومغرية عند زاوية عينه.
حتى مع كل هذه العناصر المتناقضة مجتمعة، كان جذاباً بشكل مرعب. لم يكن غريباً أن الكثير من السيدات يرغبن فيه.
“هل سمعت، جود؟ يبدو أن هذه صباغة الأحذية تتحدث أفضل من لوكريتسيا.”
تحدث الرجل الوسيم إلى صديقه الجالس بجانبه.
“الآنسة ديلا فالي تتلعثم فقط أمامك، سيزار.”
“لدي بعض الجاذبية. لكن هذا لا يعني أنها ليست غبية.”
قال سيزار، وهو يمسك بسيجاره.
ضحك جود، الذي كان جالساً بجانبه، ضحكة خفيفة تدل على عدم تصديقه.
“يجب أن تعرف الآنسة ديلا فالي كيف هي شخصيتك.”
جود. جود روسي.
عرفته أديل أيضًا. كانت الصحف غالباً تقدم له بصفة “صديق سيزار”.
لكن بالرغم من هذه الإشارة العرضية، كان هو أيضًا وريث العائلة النبيلة الكبرى في فورناتي.
وريث عائلة روسي، الذي كان قد سحب شعره البني إلى الخلف تماماً، استدار لينظر إلى أديل.
“آنسة. هل تنوين حقاً الانضمام إلى هذه الحيلة؟”
“أنا أديل بيبي. ونعم، إذا سمحتم لي.”
بدا الشك في عيني جود روسي الخضراوين.
“الآنسة أديل بيبي. لا أشك في قدراتك العقلية، لكن هذا ليس بالأمر السهل. هل تفهمين الوضع فعلاً؟”
كان من المؤكد أنه من سمات النبلاء أن يقول إنه لا يشك في ذكائها بينما يوصل ما يريد.
نظرت أديل إلى سيزار لفترة وجيزة قبل أن ترد.
الطائش من عائلة بونابارت كان يراقب محادثتهم بنظرته الباردة المعتادة، ولكن متظاهراً بالمرح.
قررت أديل أن التعامل مع جود روسي أفضل من مواجهة سيزار، فتحدثت بوضوح.
“أول
اً، أعتذر عن التنصت. هل يمكنني شرح ما سمعته للتأكد من أنني فهمت بشكل صحيح؟”
“هه… تفضلي.”
“البداية هي الاتفاق بين عائلتي بونابارت وديلا فالي.”
استمرت أديل، حريصة على ألا يتشقق صوتها.
“منذ زمن طويل، اتفق رؤساء عائلتي بونابارت وديلا فالي على زواج ابنة من عائلة بونابارت من ابن من عائلة ديلا فالي.”
“هذا صحيح.”
“لكن الزواج لم يحدث في ذلك الوقت، وتم تمرير الاتفاق مكتوباً.”
—
**ملاحظات**
1) اقتباس من مكيافيلي عن لورينزو دي ميديشي من كتاب “الأمير”.
——–
باقي الفصول على مدونتي : هنا