خلف أبواب الحديقة - 3
::
::
فتحت عينيها بصعوبة ، وكأن جفنيها أثقل من أن يُرفعا…أول ما استقرّت عليه نظراتها كان سقفًا غريبًا بلون رمادي داكن، مزيّن بنقوش فضية بسيطة ، جفلت عينيها قليلا جراء الضوء الخافت المنبعث من الثريا الكرستاليا ، كانت الأجواء هادئة و المحيط من حولها غير مألوف..
عينيها ماتزال تقاوم الإغلاق و صداع خفيف يغزو رأسها ..
و خلال لحظات بدأ الوعي يعود لها شئ فشئ ومالبثت ان شخصت عينيها لحظة استيعابها لما ترى ..
..حركت يدها ببطء، و أستشعرت نعومة الغطاء الثقيل الذي يغطيها… كان لونه أسود حريريًا، مزينًا بحواف فضية تلمع بلطف… شعرت بنسيجه الناعم على أطراف أصابعها، وكأنها تلمس الغيم حاولت النهوض، لكن وخزة حادة في معصمها أوقفتها.. نظرت إلى يدها عاقدة الحاجبين لترى هناك إبرة مغروزة في وريدها، موصولة بأنبوب ينتهي بمحلول معلق على حامل حديدي…
..تسارعت دقات قلبها، و بعجل حاولت رفع جسدها من السرير لتستوعب أكثر أين هي…
…شاحت بوجهها يمينًا ويسارًا، عيناها تجولان بارتباك واضح، تحاولان التقاط التفاصيل ..
الحائط الأملس بلونه الداكن، و ارضية رخامية ملساء تكاد ترى أنكاس السقف من خلالها ،على يمينها ووجدت خزانة صغيرة عليها مزهرية كبيرة تحتوي على مجموعة متنوعة من الورود النظرة ، بينما توسط بيانو كبير الزاوية اليسرى من الغرفة ،
..بدهشة تلفتت بعينيها تستكشف المكان الواسع
بينما تهمس بصوت خافت وخائف …
“أين .. أنا ؟!!”
حاولت مجددًا تحريك يدها الأخرى، لكن الألم في معصمها أوقفها… كانت تشعر بوخز خفيف ينساب عبر ذراعها، وكأن الإبرة متصلة مباشرة بشعورها بالخوف …ارتجفت شفتيها، وزادت وتيرة تنفسها…
:
…للحظة داهم إلى سمعها صوت خطواتٍ هادئة يقترب من باب الغرفة ، ثم تم فتحه ببطء…
دخل رجل ، وجهه جاد لكنه يحمل أثرًا خفيفًا من القلق… تقدم نحوها بخطوات ثابتة، ووقف بجانب السرير، يراقبها بعينين حادتين…
…قال بصوت هادئ …
– لقد استيقظتِ اخيرا ..
نظرت إليه بذهول، ومحاولات التفكير زادت من حيرتها ماذا يفعل رجل البارحة هذا هنا ؟!!
– من… أنت؟ .. و ..أين أنا؟
– أنتِ في منزلي… لقد أغمى عليكِ ولم أستطع ترككِ هناك، فأحضرتكِ إلى هنا
كلماته زادت من ارتباكها.. حدقت فيه بتردد وشك بينما تلعثمت أثناء محاولاتها الرد..
– منزلك؟ … لكن … كيف ؟ و لماذا؟!!
أجابها بصوته العميق ونظرته المتفحصة..
– كيف ؟و لماذا؟! هذه الأسئلة يفترض بها ان تطرح من قبلي أنا ..
ضيق حدقتيه قبل ان يتابع ..
–لقد تصرفتي بغرابه و ادعيتك أن ذلك المكان المهجور هو منزلك … وقبل ان احصل على تفسير منك وقعت على الأرض مغشيا عليك ..
:
:
وتماماً مثل انقطاع عقد الؤلؤ و وتناثر حباته في كل مكان تناثرت داخل رأسها ذكريات الأمس دفعا واحدة غزا رأسها موجة حادة من الصداع وأغمضت عينيها بقوة، محاولة تهدئة الألم، لكن الصور كانت تطاردها بلا رحمة
“المنزل المهجور، السلاسل، واللافتة التحذيرية“
–لا، هذا ليس حقيقيًا… لا يمكن أن يكون حقيقيًا..
تمتمت بصوت متقطع وهي تدفع الغطاء بعيدًا عنها… رغم جسدها الواهن وحركتها المترنحة، أجبرت نفسها على النزول من السرير…
:
و ما أن رأها تهرع بهذا الشكل حتى اندفع نحوها، ماسك ايها بقوة ليمنعها من السقوط…
عيناه الحادتان امتلأتا بالقلق وهو يقول ..
– ماذا تفعلين؟ جسدك بالكاد يتحمل الوقوف…إلى أين تظنين أنك ذاهبة وأنتِ بهذا الشكل؟
تململت في قبضته، تحاول الإفلات، وقالت بصوت ضعيف لكنه مصمم..
– أنا ذاهبة إلى المنزل… لا بد لي من العودة اليه
شد قبضته قليلاً، يحاول السيطرة على أعصابه المتآكلة…نظر إلى وجهها، الذي كان مزيجًا من اليأس والتحدي، وقال بنبرة حملت كل من الغضب والاضطراب ..
– عن أي منزل تتحدثين؟ أخبرتكِ، ذلك المكان المهجور لا يمكن أن يكون منزلك!!
لكنها لم تكن في وضع يسمح لها بالتصديق… قلبها كان متمسكًا بحقيقة واحدة ..
“هذا حلم… نعم، مجرد حلم .. إذا غادرت الآن، سأستيقظ وأجد منزلي، عائلتي، كل شيء كما كان.”
بعينين غارقتين في الدموع، تشبثت به ، وتوسلت بصوت مرتعش..
– أرجوك… دعني أذهب … دعني أعود إلى منزلي … يجب أن أعود الآن …لابد من وجود خطب ما أو لربما أضعت الطريق البارحة … ارجوك دعني اذهب اليه الآن انا متأكده أنني سأجده
كان جسدها يرتجف بين يديه، ونظراتها الحائرة المليئة باليأس اخترقت جدراه ومالبث ان شعر بقلبه يلين نحوها
تنهد، يحاول جمع شتات صبره الذي كاد ينفد، وقال بصوت أقل حدة ..
– حسنا .. لكن لا يمكنكِ الذهاب الآن أنتِ بالكاد تقفين على قدميك.. استريحي قليلاً، … و دعيني أساعدكِ لتستلقي على السرير
حاولت الاعتراض، لكنه أكمل، وهو يضع يديه على كتفيها برفق هذه المرة ثم تابع بنبرة قاطعة لاتحمل مجال للتفاوض ..
– أنا أعدك سنذهب إلى هناك… سأقوم بأخذك إلى منزلك .. لكن ليس الآن .. أحتاجكِ أن تتناولي شيئًا من الطعام أولا.. . ثم نتحدث ..
كانت كلماته كحبل نجاة، رغم أنها لم تستطع استيعابها تمامًا .. توقفت عن المقاومة، وعيناها تبحثان في وجهه عن أي صدق … اخيرا ومع ضعفها المتزايد، استسلمت مستندة إلى قبضته القوية التي بدت الآن أقل قسوة…
::
::
بقيت وحدها في السرير ، أثناء خروجه من الغرفة … ألقت نظرة سريعة حولها مجددًا، محاولة استيعاب الوضع … لكن داهمتها المزيد من ذكريات البارحة ، أشعلت القلق والخوف فيها مرة أخرى …
“حقيبتي… وهاتفي…” تمتمت بصوت مرتجف، واضعة يدها على جبهتها
حاولت استرجاع كل ما حدث منذ الأمس كان الأمر ضبابيًا، لكن شيئًا فشيئًا بدأت تستعيد التفاصيل كيف كانت تحمل حقيبتها عندما دخلت إلى الملاهي المهجورة تذكرت بوضوح اللحظة التي أفلتت فيها الحقيبة من يدها أثناء محاولة الاقتراب من الأبواب الكبيرة المغلقة ..
“تلك الأبواب…” فكرت بعمق تذكرت الضوء الغريب الذي انبعث منها قبل أن تفقد الحقيبة وتُسحب إلى ما وراءها …
عادت بذاكرتها إلى ما قبل كل هذا الحقيبة لم تكن مجرد شيء عابر بالنسبة لها، كانت تحتوي على أغراضها الأساسية ..
هويتها، هاتفها، وحتى دفتر صغير كانت تكتب فيه أفكارها وأحلامها..
“كيف سأجدها الآن؟” تساءلت وهي تشعر بالاختناق …
حاولت تهدئة نفسها، لكنها لم تستطع التخلص من هذا الانزعاج الجديد الذي أضيف إلى مشاعرها المشتتة..أعادت التفكير في الأمر ليس فقط الحقيبة والهاتف، بل أيضاً حقيقة أنها لم تحاول حتى البحث عنهما في خضم كل ما حدث البارحة …
“كيف نسيت الأمر؟” همست، متأملة في الفوضى التي غمرتها منذ لحظة عبورها تلك الأبواب …
وضعت رأسها بين يديها، محاولًة ترتيب أفكارها .. كانت تعلم أن استرجاع الحقيبة والهاتف سيكون مستحيلاً الآن، لكن جزءً منها رفض تقبل ذلك ..
في تلك اللحظة، سمعت خطوات قادمة إلى الغرفة… دفنت وجهها بين يديها بسرعة، محاولة إخفاء قلقها … رغم أن عقلها لم يتوقف عن التفكير…
“هل يمكن أن أطلب منه المساعدة؟”
…تساءلت بصوت خافت، وهي تأمل موافقته على ذلك..
:
:
عاد الرجل إليها حاملاً صينية الطعام بيديه وضعها بهدوء على الطاولة القريبة من السرير، لكنه لم يستطع تجاهل القلق البادي على ملامحها إذ كانت متململة، وكأنها تريد قول شيء ما لكنها مترددة …
اقترب منها وسأل بصوت هادئ ..
– ما الأمر؟
احتارت قليلًا، وترقبته بعينيها قبل أن تنطق أخيرًا..
– حقيبتي… لم أجدها منذ الأمس ، هل رأيتها؟
رفع حاجبيه بتعجب ثم هز رأسه نافيًا..
– لا، لم ألاحظ أي حقيبة .. أين فقدتها؟
تجهم وجهها أكثر، وغاصت في صمت جعل قلبه يضيق بطريقة لم يفهمها مشاعرها بدت وكأنها تسحب منه اهتمامه رغماً عنه .. بعد لحظة قصيرة، حاول تهدئتها وقال بصوت مطمئن..
– لا تقلقي… سنعود إلى الحديقة ونبحث عنها .. وإذا كانت هناك ..سنجدها حتما ..
رفعت عينيها نحوه بامتنان واضح، وكأن وعده هذا حمل عنها همًا ثقيلًا ..ابتسمت بخجل وهي تقول..
– شكرًا لك …
لكن فجأة، تذكرت أمرًا بسيطًا لكنها لم تستطع تجاهله..
– بالمناسبة… ما اسمك؟
سألته وهي تشعر ان حرجها قد ازداد كيف تكون معه منذ البارحة ومع ذلك تنسى سؤالها عن اسمه …
نظر إليها يتأملها بهدوء، قبل ان يصرح به ..
– فابيان …
ما إن نطقه .. حتى شعرت برعشة غريبة تسري في جسدها ولم تتمكن من فهما ، لكن حاولت تجاهل الأمر ومجددًا ابتسمت شفتيها بحياء ثم قالت ..
– سيد فابيان… شكرًا لك على مساعدتي..
ترددت للحظة قبل أن تضيف ..
– وبالمناسبة… أنا إنجيلكا …
:
حين ذكرت اسمها تغير كل شيء … مجددا وكأن لانهاية لها .. الذكريات من البارحة اجتاحتها كالعاصفة .. ولم تعد تسطيع السيطرة على ملامحها التي أظهرت ارتباكًا واضحًا..
ازدردت ريقها و بنبرة مليئًا بالشك سألت ..
– بالمناسبة… كيف عرفت اسمي؟
تجمد لوهلة، وشعر بحلقه يجف … ماذا يمكنه أن يقول؟ هل نطقت به لأنك تشبهينها ؟ أم انك هي مع خطب ما بذكرياتك ؟
من جهه يعلم ان الشبه الفضيع بينهما وحده لايكفي حيث لايمكن لها ان تظل بنفس العمر
لكن ومن جهه أخرى لايستطيع تفسير كيف تمتلك ايضاً نفس الرائحة !!
.. فهي شيء يستحيل ان تتكر في شخصين!!!
:
..تردد للحظات، وأخيرًا نطق بصوت هادئ لكنه مليء بالغموض..
– لأنك… تشبهين شخصًا كنت أعرفه
ثم أضاف معتذرًا، محاولًا تهدئة أي سوء فهم..
– آسف إن أزعجك تشبيهي هذا، ..لكن الشبه بينكما غريب جدًا ..
لم تجب فورًا… بل حدقت فيه للحظة بنظرات مريبة، وكأنها تحاول فهم ما يقصده… لكنها في النهاية قررت تجاهل الأمر ، فقط أومأت برأسها بخفة وقالت بابتسامة خفيفة ..
– لا بأس…أعني فهمت الأمر الآن …
::
::
::
“” هذا لايمكن ان يكون حقيقة “”
نطقت هذه العبارة والصدمة تعلوا محياها
اخيرا تمكنت من القدوم إلى هنا مرة أخرى
لكن لربما كان من الأفضل أنها لم تفعل ذلك
في الخارج كان الجو جميل مشرق و صافي لكن بالنسبة لها كان معتم مخيف ومرعب
:
مرة أخرى انه نفس المنزل المهجور و الخرب من البارحة هذا لا يطاق كيف حصل هذا .. هذه المرة تأكدت من أنها تسلك الطريق الصحيح بغض النظر عن وجود اختلافات لا تتذكر وجودها في السابق !!! …
تأملت الباب المتهالك والقفل المعلق عليه .. شعرت بضيق شديد يضغط على صدرها، وكأنها محاصرة داخل كابوس لا ينتهي ..
اقترب منها بهدوء، وعيناه مثبتتان عليها بمزيج من الشفقة والحيرة .. لم يستطع تجاهل اضطرابها الواضح فقد بدت متأكدة تمامًا من أن هذا المكان منزلها،
مع ان كل شيء أمامه يقول العكس ..
سأل بصوته الهادئ والقلق ..
– يا صغيرة، هل أنتِ متأكدة أن هذا هو منزلك؟
استدارت نحوه، والدموع تلمع في عينيها، قالت بصوت مرتجف لكنه مليء بالإصرار…
– نعم، نعم! أقسم لك، هذا منزلي..كيف لي أن أنسى؟ لقد عشت هنا طيلة 16 عامًا!
راقبها وهي تشدد قبضتيها وكأنها تحاول التمسك بذكرى بدأت تتلاشى من بين يديها .. تنهد بيأس وهو يمرر يده عبر شعره، محاولًا استيعاب الموقف ..
فكر للحظة، ثم قرر أن أفضل حل الآن هو التركيز على ما يمكن فعله…
– حسنًا، لنفعل هذا… سنذهب إلى الحديقة ونبحث عن حقيبتك ولربما نجد هناك شيئًا يساعدنا على فهم مايحدث ..
رفعت إنجيلكا عينيها نحوه، وكأنها تتمسك ببصيص أمل في كلماته أومأت برأسها ببطء، موافقة له على مضض ..
::
::
وصلا إلى الحديقة، والهدوء يحيط بالمكان إلا من صوت الرياح التي تعبث بالأشجار.. بدأ كلاهما يبحث عن الحقيبة بتركيز، لكن كل دقيقة تمر كانت تثقل الأجواء أكثر..
اقتربت إنجيلكا من الباب الذي انبعث منه الضوء الغريب في الليلة الماضية كان مغلقًا بإحكام، وكأنه لم يُفتح قط حدقت فيه بعينين متسعتين، تحاول استيعاب ما تراه..
همست لنفسها وهي تضع يدها على الباب بحذر..
“مستحيل… كان مفتوحًا، بل أنا متأكدة أنه هو من سحبني“
قطع فابيان أفكاره ..
– هل وجدتي شيئًا؟
استدارت نحوه بسرعة، والتوتر جلي على ملامحها ، أرادت أن تخبره أن الباب كان مفتوحًا وأنها سُحبت منه بالفعل لكنها ابتلعت كلماتها في اللحظة الأخيرة .. “ماذا لو اعتقد أنني مجنونة؟”
فكرت في نفسها، وهي تدرك أن قصتها بالفعل تبدو غير معقولة ..
هزت رأسها نفيًا، لكن وجهها كان ممتلئًا باليأس والخوف ..
نظر إليها مطولًا، وكأن مظهرها يكشف عن حكاية أكبر مما تقوله فجأة، توقف تفكيره عند زيها المدرسي حيث بدا مألوفًا، لكن هناك شيء ما مختلف أثار انتباهه…
قال بتردد، وهو يشير إلى زيها..
– يا فتاة، ما اسم المدرسة التي تنتمين إليها؟
رفعت عينيها إليه ببطء وقالت بصوت خافت..
– أنا… أنا أدرس في مدرسة لوريان جولد..
رفع حاجبيه مستغربًا ..
– هل تعنين لوريال جولد؟
– لا! اسمها لوريان جولد، أنا متأكدة..
عقد حاجبيه وهو يغمض عينيه للحظة، يحاول التفكير بهدوء.. لم يسمع قط عن مدرسة بهذا الاسم.. أخرج هاتفه وبدأ البحث بسرعة، لكن النتائج جميعها تشير إلى مدرسة واحدة فقط “” لوريال جولد “”
ناولها الهاتف وقال بصوت حازم ..
– انظري بنفسك… لا يوجد مدرسة بهذا الاسم ربما أنتِ مخطئة..
أخذت الهاتف بيدين مرتجفتين وراحت تتصفحه بذهول فتحت صفحة المدرسة، وكانت كل التفاصيل مطابقة لمدرستها الموقع، المباني، الزي، وحتى الشعار… لكن انتظر!! حدقت في الشعار ولقطت هناك اختلاف صغير…
كان محفورًا على الشعار الموجود على الهاتف كلمة رويال، بينما شارتها المدرسية مكتوب عليها لوريان.. بيأدي مرتعشة نزعت شارتها وتأملتها بجانب الهاتف..
– لا… هذا مستحيل…
همست بصوت خافت، وعقلها يدور.. ما الذي يحدث؟ كيف يكون كل شيء مطابقًا تقريبًا لكن ليس تمامًا؟
شعرت بالغثيان ، وركبتيها لم تعودا قادرتين على حملها.. بدأت تتهاوى على الأرض، ووجهها اصبح شاحب و مزرق…
– إنجيلكا!
ركض نحوها بسرعة، جاثيًا على ركبتيه، أمسك بكتفيها يحاول أن يهزها بلطف لإيقاظها، لكن عيناها كانت زائغتين وكأنها تحاول الهرب من واقعها المرعب…
::
::
::
جلست على الكرسي الخشبي، يديها متشابكتان بقوة في حجرها، وعينيها مثبتتان على الأرض … كانت قد افاقت بصعوبة ورغم أن النسيم البارد كان يلفح وجهها، إلا أن رأسها ضل يغلي بالأفكار والتساؤلات…
عاد الآخر بخطوات ثابتة، يحمل كوبين من القهوة الساخنة توقف على بعد خطوات قليلة منها، يتأملها بصمت للحظات مظهرها البائس ونظرتها الضائعة أثارت في نفسه إحساسًا غريبًا، مزيجًا من الحيرة والشفقة…
قال بهدوء وهو يمد لها كوبا..
–اشربي، ستساعدك على استعادة تركيزك..
رفعت عينيها إليه ببطء، ثم أخذته منه بيد مرتعشة، همست بصوت بالكاد يُسمع ..
– شكرًا…
جلس بجانبها، واضعًا كوبه بجانبه ، تنهد بيأس قبل أن يقول بهدوء ..
– يا صغيرة، لا يمكننا أن نستمر هكذا لابد لنا من التوجه لمركز الشرطة..
انتفضت وهي ترفع عينيها إليه بسرعة، وملامحها ممتلئة بالخوف…
–لماذا؟ لماذا نذهب إلى الشرطة؟
نظر إليها بدهشة خفيفة من رد فعلها، ثم تابع بنفس الهدوء..
– لابد أن نحصل على بياناتك .. حتى لو كنتِ قد فقدتِ هويتك، يمكننا أن نطلب واحدة جديدة ..
كانت عيناها تتابعانه بقلق، وكأنها تحاول استيعاب كلماته، لم تكن مطمئنة ونظرت بعيدًا للحظات شاردة الذهن ثم …. كما لو أن فكرة أنارت عقلها ..
“هذا صحيح الشرطي جون لابد انه يستطيع مساعدتي
لقد صدقني في حادثه الاعتداء و أنا متأكدة انه سيصدق ما أقوله له الان ..”
نهضت بريبة ، تلتقط أنفاسها بصعوبة، ثم خطت ببطء، … متمسكة بأمل يائس يكون فيه ملاذها الأخير…
::
::
::
وصلا أخيرًا إلى مركز الشرطة .. كان المبنى يبدو عاديًا تمامًا، مكونًا من طابقين بواجهة بسيطة تزينها لافتة زرقاء تحمل اسم المركز
طوال الطريق، لم تنبس ببنت شفة كانت خطواتها ثقيلة وكأن الأرض تُثقلها بالمزيد من الأسئلة.. كانت عيناها تتفحص كل شيء، لكنها لم تجرؤ على الإفراط في التدقيق خشية أن تصطدم بمزيد من التفاصيل المربكة التي ستجعل عالمها ينهار أكثر مما هو عليه…
:
أما هو ، فقد كان يسبقها بخطوات ثابتة، لكن لم يغب عن ملاحظته شرودها .. وبين الحين والآخر كان يلتفت ليتأكد من أنها لا تزال خلفه،
بينما في نفس الوقت كانت الأفكار تدور داخل رأسه
.. كانت هذه الطفلة لغزًا محيرًا، وقراره بالتوجه إلى مركز الشرطة كان مجرد محاولة لإيجاد أي خيط يدله على هويتها..
حين وصلا إلى البوابة الرئيسية، وقف للحظة وألقى نظرة سريعة على إنجيلكا، التي بدت وكأنها طفلة ضائعة في مدينة كبيرة .. مال نحوها قليلًا وقال بصوت منخفض ..
–لا تقلقي…. أنا سأكون معك … وسأتأكد أنهم سيساعدونك..
هزّت رأسها بخفة دون أن تنظر إليه.. كانت تعلم أنه يحاول طمأنتها، لكنها لم تستطع التخلص من هذا الشعور الثقيل في قلبها، وكأنها على وشك الدخول إلى متاهة أخرى، أكثر ظلمةً وتعقيدًا…
تقدما نحو الباب، ودفَعه، لتُفتح أمامهما قاعة واسعة مملوءة بمكاتب متفرقة، جلس خلفها رجال ونساء في زي الشرطة.. بعضهم كان منشغلًا بكتابة التقارير، وآخرون يتحدثون عبر الهاتف أو يتعاملون مع مدنيين… كان المكان ينبض بالحركة، لكنه بالنسبة لإنجيلكا بدا صامتًا بشكل مخيف…
اقترب منهما أحد الضباط بعد أن لاحظ دخولهما… نظر إلى الرجل أولًا، ثم إلى الفتاة الواقفة خلفه، وسأل بنبرة رسمية ..
– كيف يمكننا مساعدتكما؟
أخذ زمام المبادرة و تحدث قائلاً ..
– هذه الفتاة تحتاج إلى المساعدة.. يبدو أنها فقدت هويتها ولا تستطيع تذكر الكثير .. نريد التحدث مع أحد المسؤولين لمعرفة ما يمكن فعله
رفع الضابط حاجبيه ونظر إليها بتفحص، ثم أشار إليهما بالتقدم إلى مكتب داخلي..
– اتبعاني.. سأخبر المحقق المسؤول..
اتبع الاثنان الضابط بخطوات هادئة إلى داخل مركز الشرطة.. جلست إنجيلكا على نفس الكرسي الذي جلست عليه يوم التحقيق معها في قضية الاعتداء بدت شاحبة، وظهر الخوف والقلق في عينيها.. كانت تتلفت بين الحين والآخر، تسترق النظرات إلى المكان من حولها.. ما إن لاحظت أن كل شيء في المبنى كما تتذكره تمامًا، حتى شعرت بشيء من الطمأنينة، لكن ذلك لم يكن كافيًا لتهدئتها تمامًا…
رفعت رأسها وسألت الضابط بنبرة مترددة..
–من فضلك، الشرطي جون… هل هو هنا؟
رفع الضابط عينيه من أوراقه ونظر إليها ببرود..
–الشرطي جون في مهمة الآن، ولا أعلم متى سيعود .. إذا كنتِ بحاجة للمساعدة، أنا هنا للاستماع…
بدت علامات الإصرار على وجهها، وقالت بصوت يملؤه التوتر..
– لا.. أنا… أنا لا أريد التحدث إلى احد غيره .. من فضلك،… هل يمكنني الانتظار حتى يأتي ..
تبادل الضابط نظرة مع فابيان، الذي بدا الاخر متفاجئًا من إصرارها…ولم يستطع فهم سبب هذا الإلحاح الغريب على التحدث إلى ذلك الشرطي ، لكنه ظل صامتًا، يراقب الموقف…
حين لاحظ ردة فعله بدأ صبره ينفد، لكنه حافظ على رباطة جأشه، لا سيما مع وجود ابن تلك العائلة ذات السلطة و النفوذ .. وقبل أن يتحدث، التفت فجأة نحو الباب، وقد تغيرت ملامح وجهه إلى ارتياح واضح …
–ها هو الشرطي جون!
وقفت على الفور، تتبع نظرات الضابط إلى الرجل الذي دخل لتوه… لقد كان الشرطي المنشود … وبدأ انه مرهقًا بعد يوم طويل، لكنه لاحظ نظرات الحاضرين نحوه وتوقف متسائلًا …
–ما الأمر؟
تقدمت نحوه بخطوات مترددة، وعندما اقتربت منه، نظرت إليه بتمعن وقالت بتردد..
–أنت… أنت الشرطي جون، صحيح؟
نظر إليها الشرطي بدهشة طفيفة، لكنه لم يظهر أي علامات على المعرفة السابقة بها …هز رأسه وقال بلهجة رسمية ..
– نعم، أنا جون.. كيف يمكنني مساعدتك؟
…ارتبكت وتراجعت خطوة إلى الخلف..
“كيف يمكن أن يكون هو ؟! .. هذا الشخص لايبدو انه يتعرف علي !! “
..لاحظ ارتباكها فسألها بهدوء وهو يقترب منها ..
–هل كل شيء على ما يرام؟ …
رفع بصره يتفحصه بدقه قبل ان يردف متسأل ..
– هل هذا هو من كنتِ متأكدة أنه سيقدر على مساعدتك؟!
التفتت إليه بسرعة محاولة أن تخفي اضطرابها، وقالت بصوت خافت ..
– لا… لا شيء اقصد نعم … أردت فقط التحدث معه
جون، الذي شعر بالغرابة من الموقف، نظر بين الاثنين وقال بصبر..
–حسنًا، أخبريني كيف أستطيع ان أخدمك
بدأ واضح لها أن الشرطي جون لا يتذكرها، وشعرت على اثر هذا الأمر بصاعقة تهز كيانها، لكنها لم تجرؤ على التصريح بذلك… كانت مترددة وخائفة، ولا تزال مشاعر الضياع وعدم الفهم تسيطر عليها بالكامل.. ثم كان كل من صمتها و ارتباكها…
… سبب لجعل الاخر يتدخل أخيرًا.. حيث قال بنبرة جادة ..
–هذه الفتاة ضائعة ولا تعرف أين منزلها… فقدت هويتها أيضًا، لذا جئنا هنا لنحصل على المساعدة
:
التفت جون إلى زميله الضابط بنظرة متفاجئة، وكلاهما تبادلا تعبيرات الحيرة.. ثم سأل جون الطفلة بنبرة مستفسرة
– حسنًا، هذا غريب … لم يسبق لي ان شاهدت فتاة في المرحلة الثانوية تفقد طريق العوده إلى منزلها .. لكن على إيه حال أخبريني، هل يمكنك تذكر رقم هويتك؟“
ابتلعت ريقها بصعوبة، ثم أجابت بتردد ..
–أ… أجل، الرقم هو ١٤٣٨***…
أخذ الشرطي جون الرقم وأدخله في النظام، ثم عبس بحاجبيه وهو يراجع النتائج على الشاشة
–أعتذر، ولكن… هل أنتِ متأكدة من الرقم؟ لا توجد أي بيانات تطابق هذا الرقم في سجلاتنا..
رفعت عينيها نحو الشاشة وهي تصرخ بعدم تصديق ..
– مستحيل! هذا هو رقمي!! حاول مرة أخرى، من فضلك
تنهد ، ثم قال بتوجس ..
– حسنًا، اهدئي.. سأدخله مجددًا .. أعيدي الرقم مرة أخرى ..
كررت الرقم بنفس اللهجة المليئة بالتوتر، وأعاده الشرطي في النظام.. ضغط على الإدخال بسرعة، لكنه سرعان ما أطلق زفرة خفيفة وأدار الشاشة نحو الضابط ، قائلاً ..
– لا شيء.. النتيجة نفسها…
عند سماعها ذلك، تهدمت تمامًا … دموعها نزّلت بغزارة، وبدأت بالبكاء بشكل هستيري، وكأن العالم بأسره يتساقط من حولها.. كان البكاء أشبه بمحاولة للتعبير عن الألم والارتباك الذي عجزت عن وصفه بالكلمات..
:
ما ان شاهدها حتى فزع من مكانه … قفز بعجل من وراء مكتبه واقترب منها بخطوات حذرة محاولا التخفيف من انهيارها ، ركع بجانبها قائلاً بصوت مطمئن ..
– ياصغيرة … تريثي قليلا لربما اختلطت الأرقام عليك .. حسنا مارأيك ….حاولي أخذ نفس واستجماع ذاكرتك لنعيد الكرة مرة أخرى ..
شعر من كان يقف خلفها ، بالاستياء من طريقة اقتراب هذا الشرطي منها .. خطا نحوه وقال بنبرة جافة ، يوضح بها قدرته على احتوائها وحده …
– حسنا هل يمكنك الابتعاد عنها قليلا …. أنت تقوم بإرباكها بشكل اكبر..
وقبل أن يحتدم الموقف، اقترب الضابط منه ، واضع يده على كتفه قائلاً ..
– سيدي، أحتاج إلى التحدث معك على انفراد … هناك أمر يجب أن تعرفه…
نظر إليهما ، ثم إلى الضابط، وقد شعر بكل من التردد و الانزعاج … لكن اصرار الآخر جعله يوافق على مضض … أذ بدا وكأن لديه شيء مهم ليقوله
ألقى نظرة أخيرة عليها قبل أن يخرج معه ، رغم عدم ارتياحه لتركها مع ذلك الشرطي وحدها.
حين كان الاثنان بالخارج ، أخذ من كان متقدما نفسًا عميقًا ثم بدأ حديثه بجدية ..
–سيدي، يبدو أن هذه الفتاة تعاني من خطب ما … قد تكون هاربة من دولتها، ولربما تعرضت لحادثة في الطريق أفقدها ذكرياتها…
عقد حاجبيه بحدة، مستنكرًا هذه النظرية السخيفة … ورد عليه بلهجة حادة ..
– طفلة في المرحلة الثانوية تتخطى الحدود بين دولتين؟ وبزيها المدرسي؟ هل يبدو هذا منطقيًا بالنسبة لك؟
ارتبك الضابط قليلاً أمام النبرة الغاضبة، لكنه لم يستسلم ، أضاف وهو يحاول الدفاع عن نظريته ..
– سيدي، أنا لا أزعم أنني أملك الإجابة الكاملة … لكن عدم وجود سجل وطني لها يجعل الأمر محيرًا للغاية.. ربما تكون فعلا هاربة عبر الحدود … أو لربما كانت مخطوفة ومن كان يعتني بها لم يسجلها رسميًا..
قال نظريته الأخيرة بثقة وكانّها البيان الوحيد والمنطقي لحالتها ..
وقف مكانه، وأخذ يحدق بالضابط بنظرة مشككة، ثم قال بنبرة أكثر هدوءًا لكنها لا تخلو من الغضب المكتوم ..
– إذا كانت مخطوفة ولم تسجل رسميًا، كيف استطاعت الذهاب إلى المدرسة؟ كيف تمكنت من ارتداء هذا الزي المدرسي ؟!!
شعر الضابط بالإحراج ولم يجد ما يرد به فورًا، لكنه قال بتردد
– ربما… ربما المدرسة كانت تغض النظر ، أحيانًا تحدث مثل هذه الأمور في القرى البعيدة …
رغم استياءه ، بدأ يسترجع الأحداث والتفاصيل التي أخبرته بها … وللحظة، مر بخاطره إدراك غريب …المدرسة التي ذكرتها، والتي تتدعي أنها تنتمي إليها… لم يسمع بها من قبل… بل إنه كان متأكدًا تمامًا من عدم وجود مدرسة بهذا الاسم في المدينة أو المناطق القريبة….
صمت للحظات وهو يربط التفاصيل ببعضها… فكرة أنها مخطوفة وفاقدة للذاكرة بدت، بطريقة ما، أقل سخافة من فكرة عبورها الحدود و فقدانها هويتها بهذه الطريقة…ومع ذلك، لم يكن مقتنعًا تمامًا…لكن لايوجد توضيح آخر لعدم امتلاك طفلة في المرحلة الثانويه إلى سجل وطني !! ..
قال بهدوء، وهو يتنهد بيأس كأنما يحاول إقناع نفسه ..
– حسنا هناك احتمال ضئيل … انها بالفعل .. كانت مخفية في مكان ما… أو تعرضت لحادث ادى إلى تشويش ذكرياتها … أعني اعتقد هذا التفسير الوحيد الذي قد يشرح جزءًا مما يحدث لها…
نظر إلى الضابط ثم تابع..
– على أي حال سآخذها إلى المنزل بكل الأحوال لا تبدو الان في حالة علقيه تسمح لها بالإجابة على المزيد من الاسئلة ..
عاد ادراجه اليها .. واقترب بخطوات ثابتة نحوها ، عاقدًا حاجبيه عندما رأى الدموع ما تزال تتدفق بصمت على وجهها …. وكان الشرطي لايزال في محاولة لمواساتها، بل يقترب منها بطريقة لم تعجبه إطلاقًا…. بينما كانت الأخرى مفسحا له المجال تماما !! … زفر بضيق ونفاد صبر، وألقى كلماته بخشونه ..
– حسنا ياسيد تنتهي مهمتك هنا و يمكنك الان العودة إلى عملك … أنا سأتولى باقي الأمر بنفسي ..
رفع حاجبيه بدهشة وقال ..
– سيدي، مع احترامي، لكن لا يمكن ذلك … هذه الفتاة ضائعة، ومن دون إثباتات أو هوية …. ويجب في هذه الحالة أن تظل تحت مسؤولية الشرطة
تجهم وجهه، وبدأت هالته القوية تطغى على المكان … خطا خطوة نحو الشرطي ، وقال بنبرة أشد صرامة …
– ما الذي تعنيه بقولك إنها ستبقى هنا؟ هذه الفتاة ستذهب معي الآن، ولن أكرر كلامي…
التقط الضابط المسؤول إشارات التوتر بين الاثنين، فاقترب بسرعة محاولاً تهدئة الأجواء… رفع يده يفصل بينهما قبل ان يتحدث ..
– ما الأمر
شرح الشرطي الموقف، محاولاً الحفاظ على توازنه وقال بحذر..
– سيدي، السيد فابيان يصر على أخذ الفتاة معه، لكن هذا غير ممكن قانونيًا … الفتاة تحت مسؤوليتنا الآن…
اشتدت نظراته، وبدت وكأنها تكاد تثقب ذلك المتعنت بنارها… كان واضحًا أنه على وشك أن ينفجر، لكن الضابط المسؤول استبق الأمر بخطة سريعة للخروج من هذا المأزق…
– جون، ربما علينا التريث… من الأفضل أن نأخذها إلى المستشفى للتأكد من صحتها العقلية أولاً … لذلك لا بأس ان يقوم السيد فابيان بمرافقتها إلى هناك..
كانت المسكينه غارقة في أفكارها، ولا تعي بالكامل ما يدور حولها، لكن كلمات الضابط اخترقت شرودها
“لابد من ذهابها إلى المستشفى …للتأكد من صحتها العقلية“
توسعت حدقتيها بفزع بينما سرت رعشه في جسدها جراء ما سمعته …
…نهضت من مكانها بغضب ، وبدأت تصرخ بشكل هستيري …
– مالذي تعنوه بذلك؟! … أنا لست مجنونة! … اللعنة تبا لكم …. أنا لا أحتاج مساعدة أحد منكم …. سأعود إلى منزلي بمفردي …
اندفعت محاولة الهرب، لكنه كان أسرع منها…أمسكها بقوة، ويداه أحكمتا قبضتهما عليها… قال بنبرة صارمة، فيما كانت عيناه تشعان بسخط..
– إلى أين تظنين أنك ذاهبة؟! توقفي مكانك هنا والان !
و قبل أن تتمكن من الرد أو المقاومة تراجع جسدها بغتة ، وكأن شيئًا غريبًا يجتاحها…. شعرت بحرارة حارقة تشتعل داخلها، حرارة جعلتها غير قادرة حتى على تحمل ملابسها ….. وفجأة بدأت رائحة مهيجة بالانتشار في الغرفة،
لتحدث فوضى غير متوقعة ..
..بعض الرجال الذين كانوا قريبين منها توقفوا لوهلة، وبدأت أعينهم تتوهج باللون الذهبي، وكأنهم فقدوا السيطرة على أنفسهم…
شعر الرجل الكبير بالخطر وفورا قام بأطلاق هالة مهيمنة و هائجة ، تسببت في تراجع الجميع بخوف… ثم صرخ بصوت محذر مدوٍ ..
– لا يجرؤ أحد منكم على الاقتراب!
حملها على حين غيرة وبحزم بين ذراعيه، رغم أن جسدها المرتعش كان يقاومه .. التفت نحو الضابط المسؤول وأمره ..
– أريد سيارة فورًا! … علينا نقلها إلى المستشفى، والآن ..
حاول الضابط تهدئة الجو بإيماءة سريعة، وأمر بإحضار السيارة … في تلك الأثناء، كانت الصغيرة تئن بصوت مرتجف، جسدها يحترق بتلك الحرارة المؤلمة … بينما كان الآخر ينظر إليها وهو يحاول الحفاظ على رباطة جأشه رغم اضطرابه الواضح . .. وفي خضم ذلك سرعان ماتحولت عيناه إلى اللون الذهبي المشع ، وأنيابه قسرا بدأت بالظهور… كان يبتلع ريقه بصعوبه كطريقة يأسه للسيطرة على غرائزه ..
في دقائق معدودة كان قد وضعها بحذر في مقعد السيارة الخلفي، غمغم بأفكار متضاربة… والرائحة التي كانت تملأ المكان ما زالت تشعل كيانه ..
…مع انها في الوقت نفسه ، كانت تأكد شكوكه….
“اللعنة… كنت متأكدًا منذ البداية… إنها أوميغا.”
:
:
____________________________________________
(ملاحظة: لمشاهدة كل من الفصل الرابع و الخامس يرجى التوجه إلى Wattpad إسم الحساب :- @Joojoo130)