خلف أبواب الحديقة - ١
…الساعة التاسعة مساء…
…قسم شرطة غيسبادن …
.
.
.
الضوضاء تملأ أرجاء القسم، أصوات الهواتف لا تتوقف، وثرثرة الموظفين وتدافعهم في أروقة القسم تخلق إحساسًا بالفوضى. الأبواب تُغلق وتُفتح بصوت مرتفع، بينما يصرخ أحد رجال الأمن لإسكات شجار قريب. المكان مزدحم، وكل شخص منهمك في عالمه، وكأنّ أي محادثة أو شكوى ليست أكثر من ضجيج روتيني
جلست في زاوية ضيقة أمام مكتب قديم، يعلوه عدد من الملفات المتراكمة. تنظر حولها، وتشعر بالدوار من كثرة الوجوه التي تتبدل أمامها. تختلط مشاعرها بالخوف والتوتر، لكنها تحاول الحفاظ على هدوئها قدر المستطاع.
في تلك اللحظة، انحنى نحوها شرطي في منتصف العمر، شواربه كثيفة وملامحه جامدة تحدث بهدوء وهو يقلب أوراق القضية بين يديه
-إذا أنتي تقولين ان مافعلته كان مجرد دفاع عن النفس
-هراء كيف يكون هذا دفاع عن النفس ورأس ابني ينزف هكذا
قاطعته امرأة في بداية الأربعين ترتدي الحلي الباهضة من رأسها لأخمص قدميها
-نح..ن نحن نعتذر أنسة بيانكا أبنتي الحمقاء لم تكن تقصد هي ربما كانت تريد إخافته قليلا فقط
دافعت امرأة ذات مظهر بسط رغم كونهما بنفس العمر تقريبا إلا ان اختلاف الوضع المعيش بينهما جعل الأخيرة تبدو اكبر بمراحل
-إخافته قليلا فقط !!
أمسكت رأس ابنها والشرر يتطاير من عينها
بينما كان الآخر لايكف عن الأنين بين يديها
-هل أنتي عمياء هنا هل تسمين هذه الإصابة البليغة مجرد مزحة بغرض أخافته قليلأ
-هذه اللعينة المتوحشة سأقوم بإدخالها السجن بنفسي لايمكن ان اسمح بتجول شخص خطير مثلها حول ابني
-لل..لكن سيدة بيانكا انظري للفتاة هي الأخرى تظهر عليها علامات الأعتداء
لنستمع لها على الأقل ..
بصوت مرتبك تحدث الشرطي المساعد لقد كان أصغر سنا من رئيسه
وقد اشفق على الصغيرة حيث من الواضح ان عائلتها لن تقدر على مجابهة عائلة أراكان الفتى الذي ينزف أمامه
دفعه رئيسه بذراعة هذا الاحمق إلا يرى ان هذه السيدة على وشك الانفجار
وهذا الغبي يزيد الطين بلة
-ماذا تقصد لنستمع لأقوالها هل تسمي ما حل بها اعتداء أصلا إلا ترى الفرق بينها وبين ابني مامشكلتك أنت … سيد جوناي قم بظبط موظفك و قم بتعليمهم متى يمكنهم الحديث ومتى يتفضلون علينا بسكوتهم
ابتلع المسكين ريقه بينما قام رئيسه السيد جوناي بتصريفه حيث طلب منه احضار مشروب ما للسيدة
-لاتغضبي انسة بيانكا انه مايزال جديد ومتحمس لاتقلقي نحن سنقوم بتعليمية بشكل جيد على أي حال انسة بيانكا أتمنى ان تعودي للمنزل ابنك يحتاج للراحة
أنا أأكد لك ان العدالة ستأخذ مجراها ..
لم تكن ترغب بالمغادرة قبل ان تتأكد بعينها ان تلك الشيطانة مرمية خلف القضبان لكن مع رئيس قسم الشرطة حق يجب على ابنها المسكين ان يرتاح في المنزل
-حسن لكن لا تتوقعا ان الأمر انتها نحن سنقيم الدعوة وسوف أسخر افضل محامي يجعلك تعفنين سنين طويلة داخل السجن
رمت مالديها بصوت عالي ونظرات حادة موجهة نحو الأم و ابنتها
وما ان انتهت حتى أمسكت ابنها وذلفت من خارج القسم .
– م..مو.. موحامي !محكمة !؟ ماذا يعني هذا كم سيكلّفنا ذلك
ياالهي أي مصيبة هذه التي اوقعتنا بها
صرخت في وجه ابنتها بحدة
-اللعنة لما لا تتحدثين هل لسانك للزينة هل كل ماتجدين هو استخدام قبضتك
-سيدة آنا لا تقسي عليها كثير ربما هي غير قادرة على التحدث من جراء الصدمة
تحدث الشرطي شون لقد سمع آخر الحديث وهو قادم وبيده القهوة
-اللعنة الشخص الوحيد الذي لن يقدر على التحدث بعد الآن هو انا
هيا بنا إلى المنزل تبا لك والدك وحدة هو من سيقدر على التعامل معك
جرت يد ابنتها بقسوة عائدين إلى المنزل
راقب بقلب رقيق الفتاة وهي تجر خائبة من قبل والدتها
لم يستطيع تمالك نفسه خاصة وهو يعلم ان المدعو إيمار ليس بالفتى المسكين و البريء كما تتدعي والدته
-لكن سيد جوناي الا نستطيع ان نراجع كمرات المراقبة الموجودة في مكان الحادثة
وجهه سؤاله بينما كان عائد لمكتبه واضع كوب القهوة فوقه
التفت اليه رئيسه وبنظرات قاتله حذره
-لاتكن احمق شون عائلة اركان ليست سهلة ان علمت أننا تدخلنا بالأمر فلن يسلم القسم منهم
ثم ان مهمتنا تنتهي هنا سيتم رفع الأوراق إلى القضاء وعلى محامي تلك الفتاة ان يبحث عن طريقة لأخراجها
-محامي؟؟ هل تتوقع حتى ان عائلتها ستتمكن من تعين واحد ؟!
-تظل مشكلتهم كان عليها ان تفكر مليون مرة قبل ان تقذف الصخرة على ابن إركان … قم الآن بأنهاء باقي الاجراءت و انا أحذرك إياك والعبث فيما لايعنيك
::
وصلت المرأة إلى البيت ثم قامت بفتح الباب بعصبيه وما ان دخلا المنزل حتى دفعت التي معها بشمئزاز
-تبا لك اغربي عن وجهي لا أريد ان اللمح ظلك حتى غدا سيعود والدك وسيكون حديثنا معه
لم تعد تستطيع ان تتمالك نفسها اكثر انفجرت اخيرا بصوت مقهور ومرتعش يتخلله شهقات متتاليه
-لماذا لا ترين ما أمر به؟ أو تحاولي حتى ان تسمعيني إلا ترين الحالة التي انا عليها الآن لا يعقل انه حتى الشرطي الغريب عني لاحظ وضعي المزري… وأنتِ، أمي، تتجاهلينني بهذا الشكل؟
لم تعد تستطيع تمالك نفسها أكثر لقد انفجرت اخيرا وأخذت تتحدث بصوت مقهور ودموع تخرج من عينيها
-هه حقا هل ترغبين بمعرفة مالذي رأيته لقد كان فتى ينزف من رأسه بشده
وحمقاء مثلك ستذهب إلى السجن وتأخذ سمعة العائلة معها …. الم يخطر فرأسك الصغير فكرة أخرى غير حذفه بهذه الطريقة
-مالذي كنت تتوقعين مني فعله لقد أخبرتك انه كان يضايقني منذ فترة
ورغم تجاهلي له كان يزيد في كل مره…
-إذا ماكان عليك ان تتجاهليه منذ البداية
صرخت بصوت مدوي مقاطعة كلامها ماجعل الأخرى تجفل بصدمة عاجزة عن الرد
-اجل لا تنظري الي بهذه الطريقة وكأنك المظلومة هنا لقد لفتي نظره بطريق ما إذا أما ان تستغلي الأمر أو تتحمليه في النهاية لم يكن مجرد صبي عشوائي فتاة غيرك كانت لتتمسك بهذه النعمة
ظلت في الفراغ مصدومة لا تستوعب ما تفوهت به والدتها التي ما ان أنهت حديثها حتى أدارت ظهرها نحوها ببرود
جرت ذيول الخيبة وراحت تخطو نحو غرفتها حتى ان دموعها قد جفت
من هول ما جرى
دخلت غرفتها بهدوء واغلق الباب على نفسها بأحكام كأنها تطلب من حجرتها الصغيرة حمايتها و احتوائها بشدة
اعتكفت على السرير بوضعية الجنين
تتمنى فقط ان ينتهي كل شئ أو ربما كان من الأفضل ان شئ لم يحدث منذ البداية
:
:
:
أشرقت شمس صباح جديد وانتشر ضؤ الشمس يغطي المدينة كلها
تتمنى المتصلبة فوق السرير لو ان هذا الضوء ينير حياتها كما ينير هذا العالم
تحركت من فوقه بصعوبه تشعر بصداع شديد لم تتمكن البارحة من النوم جيدا
ويبدو أن القلق والتوتر سيصاحبانها طوال اليوم
يقطع عليها سكونها صوت والدتها الغاضب يأمرها بالاستيقاظ والذهاب إلى المدرسة
عبست بشدة أنها حقا لا ترغب بالذهاب اليوم لا تعرف مالذي ينتظرها أو كيف ستواجه الجميع هناك لا بد ان الخبر قد انتشر والجميع الآن بات يعرف بمجريات البارحه
تحول توترها إلى غثيان وهي تتخيل نظرات وهمسات الطلاب من حولها
-اللعنة عليك إلى متى ستجعلينني اصرخ انهضي و انزلي الآن لم يعد لديك وقت كافي
جفلت مرة أخرى تحركت بسرعة لاتريد جعل اليوم اكثر بؤسا
دلفت لتستحمً بعدما ألتقطت عدت الحمام معها ربما فكرة غمر نفسها بالماء البارد تساعدها قليلاً
:
:
:
“مركز شرطة غيسبادن”
كان يجلس أمام الحاسوب يراقب كمرات المراقبة
لقد تمكن من الحصول على تسجيلات ليوم الحادثة
تفحصت عينه المشهد جيدا فتاة بشعر اسود طوله متوسط ترتدي زيها المدرسي
تمشي على مهلها بمحاذاة الطريق
ظهر من بعدها في الصورة مجموعة من الفتيان يرتدون الزي الذكوري الخاص بنفس المدرسة
كانت زاوية الكامرا بعيدة لكن مبدئيا من الواضح أنهم من احتك بها اولاً
بشكل متصلت اقترب منها أحدهم و من الواضح ان عراك لفظي دار بينهما
إنتهى بكون الفتاة تستدير بغضب مكملة طريقها
لكن من الواضح ان هذه النهاية لم تعجب من كانت تحاوره
دنا منها ومجموعته خلفه بخطوتين ما ان وصلت إلى زقاق
حتى انقض عليها يجرها نحو بقعة غير مرئية
ومن معه يساعدونه على حجب الرؤية
مرت دقائق وبطريقة غامضة انفض من كانو معه
تظهر زاوية الكامرا فرارهم من داخل الزقاق ثم انتشارهم
وبعد دقائق أخرى تخرج الفتاة بشكل مترنح وهي مصدومة
توقع ان الأمر ينتهي هنا لكنه تفاجئ بعودتها
مرتبكه تلقي نظرة سريعة لداخل الزقاق وتفر هاربة ثم تعود لتنظر مرة أخرى
وتعيد الكره في النهاية بدا وكأنها تتصل بشخص ما
وما ان أنهت المكالمة حتى جلست القرفصاء خارج الزقاق ورأسها بين قدميها
مرت قرابة العشر دقائق ثم نهضت بسرعة
على ما يبدو أنها هي من اتصلت بالإسعاف حيث اصبح جلي أنها كانت تنتظرهم
::
بدأ اليوم يعلن نهايته الشمس تختفي خلف الأفق و أشعتها تخفت رويدا
بخطوات مثقلة تتجه نحو مكانها المدعو منزل
لا تكاد تستوعب كيف انقضى اليوم
ان النظرات و الهمسات كانت مثل ما توقعت وربما أسوء
شدت حقيبتها بقهر وهي تتذكر بعض ماجرى
-كم هي متوحشة كيف تجرأت على فعل ذلك
-نهاية متوقعة لمغرورة مثلها
-لا اعلم مالذي جذبه فيها أصلا لم تكن شئ من مستواه يالها من جاحدة للنعمة
هه جاحدة للنعمة هل هذه هي الحقيقة أمي و الجميع
هل في النهاية انا فعلا جاحدة لأني لم افسح له المجال
هل اصبح الوضع في النهاية غلطتي ؟؟
رفعت رئسها للأعلى تحاول كبت دموعها
هي الآن تعلم أنها لن تفيدها أبدا ..
لكن فجأة، لمحت هيئة مألوفة على الجانب الآخر من الطريق؛ كان شرطي القسم، جون، واقفًا بملامحه الجادة، يراقبها عن بُعد. تسارعت دقات قلبها، وأمسكت بيدها بقوة على حقيبتها، خوفًا من أن يكون قد أتى ليعتقلها أو يوجه لها تهديدًا جديدًا.
استجمعت شجاعتها وأخذت نفسًا عميقًا، وبدأت خطواتها بالتباطؤ وهي تشعر بالارتباك يسيطر عليها. اقترب جون منها بوجه بدا عليه الهدوء، لكن عينيه كانتا تحملان نظرة تفهم واهتمام، تختلف تمامًا عن أي تعاملٍ رسمي. عندما وقف أمامها، لاحظ كيف أنها تجفل قليلاً وتشيح بوجهها عنه.
-أعلم أنكِ خائفة، لكن ليس هذا سبب وجودي هنا. لم آتِ لأزيد من قلقك.
قالها بنبرة هادئة، محاولًا طمأنتها.
رفعت عينيها نحوه، التردد والخوف واضحان على ملامحها، ثم تلعثمت وهي تقول :
-إذًا… لمَ أنت هنا؟ هل… هل سيأخذونني إلى السحن.
أخذ جون خطوة أقرب، وابتسم ابتسامة خفيفة مطمئنة .
-لا، هذا غير صحيح….أعلم أن الأمس كان صعبًا، و… أعتقدت أنه من واجبي أن أطمئن عليكِ. هذا الشارع يمر بالقرب من القسم، ولم استطع اخراج فكرة مقابلتك من رأسي.
شعرت بشيء من الارتياح يتسلل إليها، لكنها لم تستطع إخفاء قلقها تمامًا. صوتها خرج مرتجفًا، لكنها تمالكت نفسها وقالت
– سيد جون أنا …أنا أريد ان تصدقني ارجوك اقسم لك لم اكن اقصد أذيته
لقت رجوته ان يتركني و شأني لكنه كان يستمر بمضايقتي بل كان يزيد الأمر علي شئ فشئ ….. أنا لم اقصد إلحاق الضرر به أنا فعلا كنت انوي أخافته فقط لكنه اقترب مني بسرعة وحاول نزع ملابسي لم استطع تمالك نفسي ومن الخوف قمت بإلقاء السخرة عليه .
أنهت حديثها ودموعها قد أغرقت وجهها رغم محاولاتها المتكررة لمسحها بأكمام زيها المدرسي
منظرها المزري كسر قلب الشرطي جون
لقد كان متأكد أنها بريئة فهو خير من يعلم شر ذلك الفتى ايمار
لكن من جهه لايستطيع تجاهل تحذير مديره وحقيقة نفوذ عائلة اركان
وجهه أخرى لايستطيع تجاهل هذه الطفلة الباكية أمامها
تنهد بيأس و قام بالتربيت على كتفيها برفق
– يافتاة … توقفي عن البكاء انا اقسم لك سأجد طريقة ما نخرجك بها من هذه الورطة
-حقا هل هناك طريقة هل يمكنك مساعدتي
رفعت نظراتها اليه وراقبته بتفحص لكن مع الأسف لم يستطع إخفاء النظره المتردد والمتشككة من عينيه صحيح انه وعد بذلك لكنه بنفسه لايعلم كيف سينفذ وعده هذا
شاحت بأعينها عينه ومسحت بثيابها ماتبقى من دموعها وبكل يأس تحدثت ..
-شكرا لك ياحضرة الشرطي صدقني ان تصديقك لي ومحاولة مساعدتي يعني لي الكثير..
….على الأقل أشعر الآن ان هنالك شخص ما من حولي يصدقني
أنا اعلم نفوذ عائلة إمار وأنك لن تقدر على مواجهتم
نظر اليها بقهر وقله حيله يشعر بشعور لايطاق وعجز فضيع
-أنا آسف .. أنا اسف حقا لكنني ما أزال عند كلامي أنا أعدك بطريقة ما سأحاول أجاد طريقة نقلب بها الطاولة على ذلك اللعين و والدته أريدك فقط ان تتماسكي وتكوني قويا هل تعديني بذلك
ختم كلامه وهو يحدق في عينها بالمقابل تمكنت من التماس العزيمة فيهما هذه المرة
لقد أعطاها هذا القليل من الأمل وتشبثت بكلماته كآخر قشة
لكن ومع ذلك جزء منها يخبرها بعدم رفع سقف توقعاتها خاصة وهي تعلم من تواجه
حدقت إليه بتلك النظرة التي تجمع بين الرجاء و اليأس ثم ابتسمت بفتور وقامت بهز رأسها موافقه
في النهاية و بكل الأحوال لاتمتلك بيدها امر تغير شئ ما .
::
::
اقتربت الطفلة من المنزل، وما ان أصبحت بمواجه الباب حتى شعرت بالثقل في صدرها؛ وكأن شيئًا بداخلها يحاول أن يسحبها بعيدًا، يحثّها على عدم مواجهة هذا اللقاء الذي لا مفر منه. وقفت لوهلة، جامعة أنفاسها، ثم مدت يدها لتفتحه بهدوء، وما إن خطت قدمها داخل المنزل حتى ارتفعت أصوات الغضب.
كانت والدتها، بملامحها الحادة التي لم تخفِ قسوتها يومًا، تلوح بيدها بعصبية، بينما والدها يقف بجمود بجوارها، مكتفًا بذراعيه، ونظراته تعكس شيئًا بين الغضب وخيبة الأمل. أشاحت بعينيها نحو الأرض، تشعر أنها صغيرة أمامهما .
-اخيراً تشرفينا بحضورك.
بدأت والدتها بلهجة قاسية .
بتردد حاولت اخراج الكلامات من فمها
لكن لم تسنح لها الفرًصة حيث قام والدها بمقاطعة محاولتها بقسوة
-اصمتي .. تبا لك لا يحق لك التحدث أو الدفاع عن نفسك
انتي وعملك الارعن هذا جعلتي كل العائله تقف في مشكلة ضد عائله اركان
بصنيعك هذا حتى أنا قد اصبح في مشكلة كيف تكونين انانية لهذه الدرجة وتتصرفين دون التفكير في مصير العائلة .
رفعت رأسها، ونظرت إلى والدها، محاولة جمع شجاعتها، وقالت بصوت حاولت جاهدة أن تجعله ثابتًا:
-لم … لم اكن أملك خيارًا آخر، كان يحاول أن يؤذيني… ولم يكن هناك من يحمي…
لكن والدتها لم تمنحها فرصة لإكمال جملتها. تقدمت نحوها بخطوات سريعة، وقالت بصوت مليء بالسخرية:
-كنت قد أخبرتك عدة مرات ان أعذارك هذه لن تنفع في شئ اخبرني يا حمقاء كيف نستطيع إثبات انك كنتي تنوين الدفاع عن نفسك فقط
شعرت بالطعنة تتغلغل إلى أعماق قلبها كانت تتمنى أن تجد دعمًا، أن تشعر أن هناك من يصدقها..
لكن بدلاً من ذلك، كان كل شيء ينقلب ضدها.
– أنا .. أعرف أنني لم أكن يوماً ابنتكم المفضلة، لكنني لا أستحق كل هذا اللوم. كنت أدافع عن نفسي… ويفترض بكم كعائلتي ان تكونوا اول من يصدقني ويقف في صفي … وليس العكس من هذا تماما
– اللعنة توقفي عن جعلي الأم السيئة هنا انظري إلى المصيبة التي احضرتها لنا وقارني بينها وبين اخوتك ثم بعد ذلك احكمي بنفسك لما أعاملهما بشكل مختلف
-هراء وكأن هذه هي المرة الأولى التي أحظى بها بهذا التميز انتي لم تحبيني قط رغم كل ما ابذله من اجلك والان عند اول مشكلة حصلت لي تخليتي عني بسهولة.
نظرت إلى عين والديها بقوة و مرة اخرى تخونها الدمووع و تتدفق من عينها
-أنا أعرف بل أكاد اجزم ان كان ماحصل لي حصل نصفه فقط لأخوي لماكانت ردت فعلك هكذا نحومها أنا حقا لا اعلم لما تكرهني هكذا أنا بنتك الوحيدة إلا يفترض بنا ان نكون الأقرب لبعضنا البعض
كان صوتها متمزق ونظراتها مكسورة وكأنها تتوسل من والدتها القليل من العطف و الحنان
-أنت من جعل الأمور صعبا على الجميع .
قالت والدتها بلهجةٍ باردة، وكأن كل كلمة منها تطعنها أكثر
-لقد ؛ سمعت ما دار بينك وبين ذلك الولد من زملائك في المدرسة. كان عليكِ التعامل بحكمة، لا أن تتصرفي بجنون وتسيئي إلى سمعتك وسمعتنا ولو انك بادلته الاهتمام لختلف وضعنا جميعا الآن
– أنا ..أنا حقا لا اصدقك هل هنا ابنتك حقا أخبرك ان ذلك اللعين كان يتحرش بي و يضايقني ثم بكل بساطه هكذا يكون ردك لي.
صرخت بصوتٍ متهدّج، دون أن تستطيع السيطرة على دموعها.
ردت والدتها بغضب مضاعف، متجاهلة أي أثر للحنان أو التعاطف، لتقول بصوت قاسٍ أشبه بصفعةٍ غير مرئية:
-وماهو الرد المتوقع اخبرينا الآن اذهب إلى منزله و افتعل مشكلة
أو يتحدث و يتدخل والدك في الموضع وبعدها تفكر تلك العائلة بالانتقام وتفسد عليه وظيفته …. طبعا لست بحاجة لتذكيرك ان شركة والدك تابعة لاحد شركات عائلة اركان
تراجعت خطوة إلى الخلف، بينما كانت تستجمع كل ما تبقى لها من شجاعة، لتقول بصوتٍ عالي مليء بالحزن والتحدي:
– انا لم اطلب الكثير ارد فقط ان لا أُعتبر غريبة في هذا المنزل ،ان احصل على الحب و الدعم منكم لا أن تحرضني والدتي على ان اصبح عاهرة لفتى أكرهه فقط من اجل المال أنا لست عابدة للمال مثلك افعل أمور قذرة مقابل بضع عملات.
للحظة احتدت في والدتها مشاعر الغضب خاصة بذكرها طرقها الملتوية في كسب المال من خلف رب الأسرة ..
رفعت يدها للأعلى ، وصفعتها بشدة لإسكاتها قبل التفوه بالمزيد .
ما جعل الطفلة ترتد للخلف، شاعرة وكأن العالم بأسره يتجمد . نظرت بصدمة وذعر إلى وجه والدتها، وكأنها بالكاد تستوعب ماحصل .
الدموع تحولت إلى شلال منسكب يغمر وجهها، عيناها تحملان خليطاً من الفزع، والخذلان، صمت عميق أحاط المكان .و لم تجد عبارات أو حتى كلمات قادرة على نطقها في هذه اللحظة لم تجد سوى شعور خانق جعل كل مافي عقلها يختفي .
دون أن تنبس ببنت شفة، تراجعت للخلف، شعرت أنها لم تعد تعرف هذه العائلة اصبح شعور الغربة موحش بشكل قاتل …
بعجل مدت يدها إلى مقبض الباب، فتحته بصمت، ورحلت تركض بسرعة خاطفة ، تاركةً خلفها
في ذلك المكان ..
كل من تبريراتها الغير مسموعة وجروحها المبعثرة .
:
خرجت إلى الظلام، لا تعرف إلى أين تتجه،
قدماها قادتاها بلا وعي نحو حديقة الملاهي المهجورة، المكان الوحيد الذي يشعرها بالقرب من ذكريات طفولتها مع جدتها تلك الحنونة صاحبة القلب الكبير …. لطالما كانت تذهب مع جدتها إلى هذه الحديقة هذا المكان المحبب اليها والذي لم يسبق لها ان شعرت فيه بالخوف والخذلان
::
::
على الطريق السريع، في ساعة متأخرة من الليل حيث الأضواء الخافتة تعكس وهجها على الطريق المبلل بعد هطول مطر خفيف، قاد شاب طويل القامة ذو بنية رياضية دراجته النارية من طراز “ياماها”، بإصدارها الأخير والمحدود. المميزة بلونها الأسود اللامع وخطوطها الفضية، صممت بسرعة وقوة تجعلها أشبه بالوحش الذي يكاد يُحرر من قيوده. صوت المحرك القوي يملأ الليل بصدى يخترق السكون، وكأنها تعبر عن الفوضى التي تشتعل داخله.
كان يقود دراجته بسرعة هوجاء، وكأنه يحاول الهروب من الذكريات التي تطارده. ملامح وجهه الشاحبة بدت غارقة في ذكريات لا تنتهي ودراجته تصدر صوتًا كالرعد، تجوب معه الطرقات المظلمة وكأنها تساعده في إيجاد مخرج لمتاهة الحزن التي تحيط به منذ ١٠ أعوام .
لم يكن يدرك إلى أين يقوده الطريق، لكن شيئًا ما في داخله كان يشده نحو ذلك المكان .
المكان الذي عرفه في طفولته، والذي يحمل معه الكثير من اللحظات السعيدة والضحكات المرحة. كانت هذه المدينة مغلقة منذ سنوات، ومع ذلك لم تتلاشى ذكرياته هنا. الأضواء الباهتة، والألعاب الصدئة، والممرات المظلمة كلها كانت جزءًا من عالمه حينما كانت بجواره .
حدق في الأرجاء بعينين تعكس تعبه تنهد، ثم أطفأ محرك الدراجة ونزل منها، وأخذ خطوات بطيئة تجاه المدخل . نظر حوله، وكأن قلبه يخبره أن شيئًا غريبًا بانتظاره هنا الليلة.
::
::
توجهت الملكومة إلى حديقة الملاهي المهجورة، المكان الذي ترك فيه الزمن بصماته، وكأنها بقايا حكايات قديمة. الحديقة كانت موحشة، تدفنها ظلال ليلية ثقيلة، متشابكة مع ضباب خفيف يعم المكان، متسللاً عبر الألعاب القديمة والأراجيح الصدئة. ضوء القمر الضعيف كان يضيء الطريق، مضيفًا جواً من الرهبة والحنين.
توقفت عند لعبة الحصان الدوّار، ملامح وجهها مزيج بين الشجن والذكريات. لم يكن قد مضى الكثير منذ آخر مرة زارت فيها هذا المكان مع جدتها، لكن الزمن يبدو وكأنه أطول. كانت تتذكر ضحكات جدتها وهي تلتف حولها، تشعر بنبض ذكرياتها، الجميلة تقوست شفتها للأسفل ودموعها التي مالبثت ان تجف انهمرت مرة أخرى … بطريقة ما تراودها افكار سيئة مثل لماذا جدتها هي من فارقت الحياة لماذا الشخص الوحيد الذي كان كل شئ بالنسبة لها يختفي هكذا لما لم يكن شخص آخر هو الذي غادر هذا العالم وجدتها هي التي تبقى …. أو ربما لو كانت هي من غادرت هذا العالم منذ البداية ….
بينما كانت مستغرقة في افكارها ، سمعت فجأة صوت طقطقة قادم من أحد الأبواب البعيدة. التفتت بسرعة، عيناها متسعتان من الفزع، ويدها ترتعش بخوف. حاولت إقناع نفسها بأنه مجرد صوت عابر من أبواب الحديقة القديمة، لكن دقات قلبها المتسارعة لم تسمح لها بتجاهله.
اقتربت من الباب بحذر، وكل خطوة كانت تُثقل كاهلها أكثر. الصوت كان خافتاً لكنه مستمر، كأنه نداء خفي. ترددت لبرهة، ووقفت متجمدة في مكانها، والخوف يسيطر عليها. شعرت بشيء بداخلها يحثها على الهرب، لكنها لم تستطع التحرك.
وقبل أن تتخذ قرار الابتعاد، فجأة، انفتح الباب على مصراعيه بقوة، وصدر منه صوت مدوٍ شبيه بالرعد. تجمدت في مكانها، تشعر كأن الصدى يمزق الصمت من حولها. اندفع من خلف الباب ضوء أبيض ساطع، غمر المكان بشدة يشبه ضوء النهار. حاولت التراجع، لكن الضوء كان ساحقًا، شعرت كما لو أنه يُثبِّتها في مكانها، يشل حركتها تمامًا.
- ثم بدأت تشعر بتيار قوي يشبه الهواء، لكنه كان مختلفًا، كأنه يُمسك بها، يسحبها ببطء نحو الباب المفتوح. قاومت بكل طاقتها، لكن قوة غامضة كانت تشدها أكثر فأكثر، كأنها تلتهمها. فجأة، تحررت قدماها عن الأرض، وبدأت تندفع نحو الباب دون إرادتها، شعرت كما لو أن كل شيء من حولها يختفي، وكل ما بقي هو ذلك الضوء الذي ابتلعها بالكامل.