خفايا القصر المؤلم - 9
فصل: لا تتركني وحيدًا
كان القبو صامتًا، باستثناء صوت أنفاس إيلينا المتقطعة، وصوت ارتجاف الفتى الجالس على الأرض أمامها.
كانت لا تزال تمسك بعنقها، تشعر بآثار قبضته القوية قبل لحظات، بينما هو كان ينظر إليها بعينين واسعتين، خائفتين، مرتبكتين، وكأنه فتي ضائع وجد نفسه فجأة في مكان لا يعرفه.
؟؟؟؟؟: من أنتِ؟
صوته كان ضعيفًا، مليئًا بالتردد، وكأنه لم يتحدث منذ زمن طويل.
إيلينا لم تجب فورًا، عقلها لا يزال يحاول معالجة ما حدث.
قبل لحظات فقط، كان هذا الفتى يحاول قتلها، والآن؟ يرتجف كأنه هو الضحية.
أخذت نفسًا عميقًا، ثم تقدمت ببطء، متجاهلة الألم في حلقها.
أيلينا: انا… إيلينا.
إيلينا نظرت إلى الفتي بتردد، كانت عيونها تتنقل بين شعره الأسود القصير والمبعثر وعينيه البنفسجيتين اللامعتين.
لم يكن شكله يشبه أي شخص آخر، كانت عيونه تحمل شيئًا غريبًا، وكأنها تخفي قصصًا غير مفهومة وراء لونها الفاتن.
لكن شكله غير مألوف
توقفت على بعد خطوات منه، تراقب تعابيره المتغيرة.
كان يحاول فهم كلامها، لكن ملامحه كانت تائهة، كأن الكلمات غريبة عليه.
؟؟؟؟؟: إيلينا…
همس بالاسم، ثم نظر حوله، عيناه تتحركان بسرعة في الظلام، قبل أن يعود ببصره إليها، وكأنها آخر خيط يمكنه التمسك به.
؟؟؟؟؟: أنا… لست خائفًا…
لكن صوته كان يخالف كلامه. كان يهتز، عيناه ممتلئتان بالقلق.
إيلينا لاحظت كيف ضغط على ركبتيه بشدة، أصابعه انغلقت على نفسه، وكأنه يحاول مقاومة شيء داخله.
“ايلينا:( في نفسها ) هل هو يحاول مقاومة نوبة أخرى؟؟”
تحركت خطوة أخرى، لكن فور أن فعلت ذلك، ارتد للخلف بسرعة، يختبئ بين ذراعيه، وكأنه يتوقع أن تضربه.
توقفت، رفعت يديها ببطء، محاولة أن تبدو غير مهددة.
أيلينا: انا لن أؤذيك.
كان جسده لا يزال مشدودًا، لكن عينيه تابعتا النظر إليها. ثم همس: أنتِ… مثلها…
تجمدت للحظة.
إيلينا: مثل من؟
لكنه لم يجب. بدلًا من ذلك، بدأ جسده يهتز، وأنفاسه تسارعت، وكأنه على وشك أن ينهار.
؟؟؟؟: جائع…
كان صوته بالكاد مسموعًا، لكن إيلينا أدركت ما يعنيه.
لم تكن تعرف متى آخر مرة حصل فيها على طعام، لكن بالنظر إلى جسده النحيل، وعينيه الغائرتين، لم يكن صعبًا التخمين.
نظرت إلى مفتاح الذي تحمله، ثم إلى الممر الذي جاءَت منه. إذا عادت الآن، فقد تستيقظ الخادمات، لكن لا يمكنها تركه هكذا.
إيلينا: انتظر هنا.
استدارت، لكنها توقفت عندما سمعت شهقة خفيفة.
عندما التفتت، رأت الفتي ينظر إليها بذعر حقيقي.
كان جسده يرتجف بقوة، وعيناه متسعتان وكأنه طفل على وشك أن يُترك وحيدًا في الظلام.
؟؟؟؟؟: لا…
همس، صوته بالكاد يخرج.
ثم رفع يده المرتجفة، وكأنه يحاول الإمساك بها لكنه لا يجرؤ على اللمس.
؟؟؟؟؟: لا… تذهبي…
إيلينا شعرت بوخزة في قلبها.
لم يكن هذا تصرف شخص يبلغ من العمر أكثر من 15 عامًا ، ولا حتى تصرف شخص عنيف. كان هذا الفتي ضائعًا، متروكًا في قبو بارد، خائفًا من الظلام ومن أن يُترك وحيدًا مجددًا.
ترددت للحظة، لكنها في النهاية جثت على ركبتها أمامه، ناظرة مباشرة إلى عينيه.
أيلينا: انا لن أذهب، سأعود بسرعة.
لكنه ظل يحدق بها، غير مقتنع، وكأن قلبه لا يصدق الوعود بعد الآن.
إيلينا فكرت بسرعة، ثم نزعت الشريط الحريري الذي كان يربط شعرها، ومدته نحوه.
إيلينا: انظر، هذا شريطي. عندما أعود، سترى أنه لا يزال معي. هذا يعني أنني أوفيت بوعدي.
نظر إلى الشريط للحظات، ثم مد يده ببطء، وأخذه منها بحذر، وكأنه أغلى شيء في العالم.
؟؟؟؟؟: حسنًا…همس أخيرًا، رغم أن عينيه لا تزالان متردّدتين.
إيلينا ابتسمت له بهدوء، ثم وقفت، واتجهت إلى الباب، هذه المرة وهي تدرك أن هناك شخصًا ينتظر عودتها.
يتبع…