خفايا القصر المؤلم - 3
الفصل: اللقاء الذي يعيد الذكريات
عندما اقتربت إيلينا من الباب، خفق قلبها بشدة.
كان يراودها شعور غريب، خليط من القلق والحنين، وهي على وشك اللقاء بصديق طفولتها
كانت ذاكرتها ترفرف كالفراشات حول صورة ذلك الفتى الذي كان يشاطرها الكثير من لحظات الطفولة البريئة.
كان هناك شيء مختلف الآن، شيء أثقل في الأجواء. كان الوقت قد مر، وأصبح كل منهما شخصًا آخر.
وقفت إيلينا لبضع لحظات في الباب، تتأمل المكان، كما لو أنها كانت تحاول إعادة بناء كل شيء من الذاكرة.
كانت الغرفة واسعة وهادئة، والأثاث يحمل نفس الطابع الذي كانت تتذكره، رغم أن الزمن قد طوى بعض التفاصيل.
حينما فتحت الباب أخيرًا، لم يكن أمامها سوى حقيقة واحدة: كان صديق طفولتها هنا، كما كان ينتظرها، لكنه كان يختلف عن ذلك الفتى الذي كانت تعرفه. ملامحه صغيره، ، لكن في عينيه، كانت نفس تلك العيون التي كانت تبحث عن الأمان والطمأنينة في أيام الطفولة.
شعره بني وعيونه الرمادية
وعندما رآها، ارتسمت على وجهه ملامح القلق، ثم نهض فجأة من الأريكة وكأن جسده لا يستطيع الانتظار أكثر. كانت تلك اللحظة مليئة بالتوتر، ولم تكن بحاجة للكثير من الكلمات لتعرف أنه كان يشعر بشيء عميق في قلبه.
ديمتري: كنت قلقًا عليك حقًا. خفت أن أخسركِ، هل أنتِ بخير؟ هل تشعرين بأي ألم؟
لم تستطع إيلينا أن تخفي ابتسامتها الرقيقة. كانت تدرك كم هو حساس، وكم أن قلقه كان يعبر عن محبته الكبيرة لها.
إيلينا: لا يا دميتري، أنا بخير. لا داعي للقلق.
أمسك بيدها برفق، وكأن لمس يدها كان الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها أن يطمئن.
نظرت إلى عينيه، شعرت بالراحة، وكأن الزمن قد توقف لحظة عند ذلك الحين. لكن القلق لم يغادر ملامحه، فقد كانت الأسئلة تملأ عقله، رغم كلماتها التي حاولت تهدئته.
دميتري: حسنًا، خفت عليكِ حقًا.
كانت كلمات بسيطة، لكنها كانت مليئة بالشعور بالذنب والخوف من أن تكون قد مرّت بشيء صعب.
تلك الكلمات كانت تعكس كم كان صديقًا حقيقيًا، وكيف أن أي شيء يمكن أن يحدث لهما كان يسبب له القلق.
إيلينا: (تضحك برفق) أنت دائمًا القلق.
دميتري: لماذا تضحكين؟
ضحكت إيلينا أكثر، ثم أومأت برأسها قائلاً:
إيلينا: أنت لست بحاجة للقلق كثيرًا. أنا بخير حقًا.
بعد مغادرة صديق طفولتها عائدًا إلى قصره، خيّم الهدوء على قصر إيلينا.
كانت الليلة مظلمة، والسكون يملأ المكان إلا من صوت خطواتها الخفيفة وهي تتجه نحو غرفتها.
أغلقت الباب خلفها ببطء وجلست على سريرها، تحتضن الوسادة بشيء من القلق.
كان ذهنها مليئًا بالأفكار المتضاربة والذكريات التي تلاحقها.
كانت إيلينا قد عادت بالزمن، ولكن هذا لا يعني أن الألم الذي عاشته قد تلاشى.
كانت تعرف أن أمامها فرصة لإعادة كتابة حياتها، ولكن هل ستنجح؟ أم أن الخوف الذي حكمها في الماضي سيظل عائقًا أمامها؟
نظرت إلى سقف غرفتها المزين بنقوش قديمة، وأخذت نفسًا عميقًا. “لا… هذه المرة سأكون مختلفة.
هذه المرة، لن أسمح للخوف بأن يسيطر عليّ،” همست لنفسها بثقة لم تعهدها من قبل.
تذكرت كيف كانت تعيش مقيدة بخوفها في الماضي.
كان والدها دائمًا يحيطها بالغموض، يبعدها عن أسراره ويمنعها من استكشاف القصر بحرية.
كانت تعلم بوجود شيء غريب في ذلك القبو المغلق دائمًا، لكنه كان بالنسبة لها رمزًا للرهبة والقيود التي فرضها والدها عليها طوال حياتها.
ولكن الآن، بعد عودتها بالزمن، شعرت بجرأة جديدة تسري في عروقها.
كانت تعلم أن لديها فرصة ثانية لفهم الحقيقة، لمعرفة الأسرار التي أخفاها والدها عنها، ولمواجهة كل ما كان يخيفها في الماضي.
“لا مزيد من الخوف،” قالت بصوت واضح هذه المرة. نظرت إلى النافذة، حيث كان القمر يضيء السماء بنوره الخافت.
كان المشهد يبدو وكأنه يدعوها إلى التحرر من كل ما كان يثقل كاهلها.
بدأت تضع خطة في ذهنها.
كانت الخطوة الأولى هي كشف أسرار القبو.
ماذا كان يخفيه والدها هناك؟ ولماذا منعها من الاقتراب منه طوال 19 عامًا؟ كان هذا السؤال يلاحقها منذ طفولتها، لكن الخوف منعها دائمًا من المحاولة.
“سأعرف كل شيء، وسأواجه أي شيء يقف في طريقي،” قالت بإصرار.
شعرت بنبضات قلبها تتسارع وهي تفكر في الخطوة التالية.
لم تكن هذه مجرد محاولة لفهم الماضي، بل كانت بداية جديدة لحياة خالية من القلق والتردد.
هذه المرة، ستعيش كما تريد، وستتخلص من الظلال التي كانت تطاردها دائمًا.
أنهت إيلينا أفكارها وقررت النوم مبكرًا استعدادًا ليوم جديد مليء بالتحديات.
أغلقت عينيها، لكنها لم تشعر بالخوف أو القلق كما كانت في الماضي.
على العكس، كانت تشعر بالحماس.
في أعماقها، كانت تعرف أن رحلتها لن تكون سهلة، لكنها كانت مستعدة لمواجهة كل شيء.
سواء كانت الحقيقة في القبو أو أسرار والدها، كانت إيلينا مصممة على كشفها.
يتبع……