خفايا القصر المؤلم - 12
الفصل: سأريك الشمس يومًا..
استيقظت إيلينا قبل أن يشرق الفجر، حين كان القصر لا يزال غارقًا في سكونه العميق.
فتحت عينيها ببطء، تشعر بالثقل في قلبها، لكنها لم تتردد. كان اليوم مختلفًا.
اليوم، لن تترك إيثان وحيدًا كما حدث البارحة.
جلست على سريرها للحظات، تستعيد أنفاسها.
لم يكن نومها هادئًا أبدًا، بل كان مليئًا بالأحلام التي تخللتها صورة عينين واسعتين بلون الليل، نظرة مترددة بين الحذر والرجاء، صوت هش بالكاد يخرج من بين شفتيه.
زفرت إيلينا ببطء ونهضت.
تحركت بحذر وهي تخرج من غرفتها، تتسلل في ممرات القصر المظلمة.
كانت تعرف جيدًا أن والدها قد عاد، وهذا يعني أن عليها أن تكون أكثر حذرًا.
لم تكن تريد المخاطرة بأن يكتشف أحد ما تفعله.
شقت طريقها نحو المطبخ، حيث كان الخدم لا يزالون نائمين.
دخلت بخفة، عيناها تبحثان عن شيء تأخذه لإيثان.
لم يكن هناك الكثير من الخيارات، لكنها وجدت بعض الخبز الطازج وكوبًا من الحليب، إضافة إلى القليل من الفواكه المجففة التي فكرت أنها قد تعجبه.
لكنها لم تكتفِ بذلك.
نظرت إلى الطاولة، حيث كانت قد تركت بعض الكتب المصورة التي كانت تقرأها مؤخرًا.
كانت كتبًا عن الطبيعة، عن الأشجار والورود، عن عالم لم يعرفه إيثان أبدًا.
لم تفكر كثيرًا قبل أن تأخذها معها.
ربما… ربما يمكنها أن تمنحه لمحة عن العالم الخارجي، حتى لو لم يتمكن من رؤيته بعد.
بمجرد أن جمعت ما تحتاجه، تحركت بصمت خارج المطبخ، عائدة إلى الممرات الخالية.
كان قلبها ينبض بسرعة، ليس خوفًا، بل شوقًا.
لم تتخيل يومًا أن تهتم لشخص بهذا الشكل، أن يكون هناك شخص يشغل تفكيرها إلى هذا الحد.
لكنها لم تستطع إنكار الأمر كانت تريد رؤيته.
كانت تريد أن تتأكد أنه بخير، أنه لم يشعر بالوحدة كما شعرت هي البارحة.
عندما وصلت إلى باب القبو، ترددت للحظة.
أخذت نفسًا عميقًا، ثم دفعته ببطء، نازلة السلالم الحجرية التي صارت تحفظها عن ظهر قلب.
مع كل خطوة، كان الهواء يصبح أكثر برودة، والعتمة تزداد كثافة.
لكنها لم تخف.
وحين وصلت إلى الأسفل، وجدته هناك.
كان إيثان جالسًا في الزاوية كالمعتاد، لكن هذه المرة، كان ينظر إليها مباشرةً، وعيناه تحملان شيئًا مختلفًا.
ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهه عندما رآها، وكأن وجودها وحده كان كافيًا ليمنحه شعورًا بالراحة.
إيثان: لقد أتيتِ…
همس بصوت بالكاد يُسمع، لكن النبرة في صوته لم تكن كسابق عهدها.
لم يكن صوت شخص خائف أو متردد، بل صوت شخص وجد أخيرًا شيئًا يتمسك به.
إيلينا شعرت بدفء غريب يسري في قلبها.
تقدمت نحوه وجلست أمامه، تضع الطعام والكتب بينهما.
إيلينا: بالطبع أتيت، لا يمكنني تركك هنا بدون طعام، أليس كذلك؟
نظر إلى الأشياء التي أحضرتها، ثم إليها، وكأنه يحاول استيعاب الأمر.
ثم، ببطء، امتدت يده وأمسك بقطعة الخبز.
لم يأكلها بسرعة هذه المرة، لم يكن كما كان في الليالي السابقة، حين كان يتناول الطعام وكأنه قد يُنتزع منه في أي لحظة.
بدلًا من ذلك، نظر إليها للحظات، ثم قال بصوت خافت
إيثان: شكرًا لكِ.
كانت هذه أول مرة يقولها لها، وكانت كافية لجعلها تشعر بشيء غريب في صدرها، شيء يشبه السعادة لكنه أعمق من ذلك.
ابتسمت له بهدوء، ثم رفعت أحد الكتب وفتحته أمامه.
إيلينا: رأيت شجرة من قبل، إيثان؟
نظر إلى الصور في حيرة، ثم إليها.
إيثان: شجرة…؟
أومأت برأسها، تشير إلى الرسومات.
إيلينا: نعم، الأشجار موجودة في كل مكان في الخارج. هناك أنواع كثيرة، بعضها طويل جدًا، وبعضها صغير. أوراقها تتغير مع الفصول، وفي الربيع، تمتلئ بالأزهار.
حدق إيثان في الصور وكأنه يراها لأول مرة في حياته، وهو في الواقع كذلك.
كانت عينيه تتمعنان في التفاصيل، وكأنه يحاول نقشها في ذاكرته.
إيثان: إنها جميلة…
تمتم بصوت خافت، وكأنه يخشى أن يختفي هذا الجمال إن قالها بصوت عالٍ.
ابتسمت إيلينا. إيلينا: أجل، إنها كذلك. وهناك أيضًا الورود… انظر، هذا نوع يسمى الورد الجوري، وهذا دوّار الشمس، إنه يتبع الشمس طوال اليوم.
إيثان نظر إلى الصورة بدهشة، ثم إليها.
إيثان: الشمس…؟
تجمدت للحظة، ثم أدركت الحقيقة التي لم تفكر بها من قبل.
إيثان لم يرَ الشمس من قبل.
أحست بغصة في قلبها، لكنها حاولت أن تبقى مبتسمة.
إيلينا: نعم، الشمس… إنها تمنحنا الدفء والضوء، وهي السبب في أن كل شيء في الخارج ينمو.
أغمض عينيه للحظة، وكأنه يحاول تخيلها.
إيثان: هل هي جميلة؟
إيلينا شعرت بحرقة في حلقها، لكنها لم تظهر ذلك.
إيلينا: أكثر مما تتخيل، إيثان.
فتح عينيه ونظر إليها، ثم عاد ينظر إلى الصور.
كان هناك شيء مختلف في تعابيره هذه المرةشيء يشبه الحنين، لكنه أكثر ألمًا.
إيثان: هل يمكنني رؤيتها يومًا ما…؟
لم تستطع الرد فورًا.
لكنها نظرت إليه، إلى الطفل الذي لم يعرف العالم، إلى الفتى الذي لم يرَ الشمس، ولم تعرف كيف يمكنها أن تجيب.
ثم، بحزم لم تكن تعلم أنها تملكه، قالت: نعم، ستراها. أعدك بذلك.
إيثان لم يقل شيئًا، لكنه استمر بالنظر إليها، وكأنه يريد أن يصدقها.
وكأن كلمتها وحدها كانت كافية لإضاءة جزء صغير من عالمه المظلم.
وبينما جلسا هناك، يتشاركان الطعام والكتب والكلمات القليلة، لم تستطع إيلينا إلا أن تشعر أن هذا القبو…
لم يكن مظلمًا كما كان من قبل.
لم يكن العالم قد تغير، لكن شيئًا صغيرًا فيه قد بدأ بالنمو.
وربما، فقط ربما…
كان ذلك كافيًا.
يتبع…..