خفايا القصر المؤلم - 11
الفصل: هل هذا مجرد حلم؟
بعد أن أحضرت له الطعام في الليلة السابقة، لم تستطع إيلينا التوقف عن التفكير في الصبي المحبوس في القبو.
نظراته، خوفه، حتى طريقة تناوله للطعام بسرعة وكأنه يخشى أن يُنتزع منه.
كلها أمور علقت في ذهنها.
لم يكن مجرد ولد عادي يعيش في العتمة؛ كان أكثر من ذلك.
كان غارقًا في الوحدة بطريقة لم تستطع فهمها بعد.
في تلك الليلة، ظلت تتقلب في سريرها، محاولةً طرد الأفكار التي تراودها، لكن صورة عينيه وهي تتسعان عندما رآها لم تفارقها.
لم يكن خوفه مجرد خوف عادي، كان شيئًا أعمق، وكأنه يتوقع أن يراه وحش بدلًا منها.
عندما بزغ الفجر، لم تتمكن من مقاومة الرغبة في العودة إليه.
تحركت إيلينا بصمت في القصر، تتفادى الخدم والعاملين بحذر.
كان قلبها ينبض بسرعة، ليس من الخوف، بل من الترقب.
لم تكن تعرف كيف سيكون حاله اليوم، لكنها شعرت بداخلها أن عليها الذهاب.
حملت معها بعض الطعام هذه المرة أيضًا—قطعة خبز طازجة وقليلًا من الحليب.
ربما كان هذا كافيًا ليمنحه بعض الطاقة، وربما أيضًا ليشعر أن هناك من يهتم به، ولو قليلًا.
عندما وصلت إلى باب القبو، أخذت نفسًا عميقًا ثم دفعته برفق، نازلةً عبر الدرج الحجري.
مع كل خطوة، كان الجو يصبح أكثر برودة، أكثر ظلمة. لكنها لم تتوقف.
عندما وصلت إلى الأسفل، رأت إيثان جالسًا في نفس الزاوية التي تركته فيها الليلة الماضية.
لكن هذه المرة، لم يكن متقوقعًا على نفسه كما كان من قبل.
رفع رأسه ببطء عندما سمع وقع خطواتها، وعيناه، اللتان كانتا دائمًا ممتلئتين بالخوف، بدتا أكثر هدوءًا هذه المرة.
إيثان: لقد أتيتِ… همس بصوت بالكاد يُسمع.
إيلينا ابتسمت برقة وجلست أمامه، تضع الطعام بينهما. إيلينا: بالطبع. وعدتك بذلك، أليس كذلك؟
بدا وكأنه لم يتوقع أن تفي بوعدها.
ظل ينظر إليها للحظة، ثم نظر إلى الطعام، وكأن عقله لم يستوعب بعد أنه ليس في حلم.
نظر إليها إيثان للحظة، ثم إلى الطعام أمامه، لكن يده لم تمتد لتمسك بالطبق.
كانت هناك مسافة كبيرة بينهما، لا يمكن تفسيرها بالكلمات البسيطة.
كانت تلك المسافة عبارة عن جدار من الشكوك، من الحذر الشديد، وكأن قلبه مغلق أمامها ولا يمكن الوصول إليه بسهولة.
إيثان (بصوت خافت): لماذا؟
كان سؤاله بمثابة صدمة لها.
هي التي كانت تقف أمامه، تقدم له الطعام بشكل غير مشروط، لكنها لم تكن قد توقعت أن يأتي سؤال كهذا.
لماذا؟! هل من الغريب أن تهتم بمساعدة شخص بحاجة إليها؟
إيلينا (مفاجأة): لأنك تحتاج إليه.
لكن إيثان بقي صامتًا، نظر إلى الطعام وكأنه يدرسه بحذر، وكأن تلك القطعة من الخبز تمثل أكثر من مجرد طعام بالنسبة له، وحليب ايضا.
ظل يحدق بها لعدة لحظات وكأن عقله يحاول تحليل دوافعها. ولم يكن ذلك الرفض الظاهر ليتغير بسهولة.
إيثان: لكن….لا أحد يهتم بي … لماذا أنتِ ؟
كلمات إيثان كانت ثقيلة، مليئة بالشعور بالخذلان.
كانت الحقيقة واضحة في نبرته، لم يكن قد اختبر العناية الحقيقية من قبل، لم يعرف ماذا يعني أن يكون هناك شخص يهتم به دون أن ينتظر مقابل.
كلمات إيثان جعلت قلب إيلينا ينقبض، وتجمعت في عينيها دمعة من الحزن، لكنها لم ترد أن تضعف أمامه.
إيلينا (ابتسامة دافئة): لا أعرف… لكني لا أريد أن أراك تتألم هكذا.
في تلك اللحظة، لحظات صمت طويلة مرت بينهما، كما لو أن الزمن توقف ليترك كل منهما يواجه شعوره الخاص.
إيثان الذي لم يكن قد تذوق طعم الرعاية من قبل، وإيلينا التي كانت تحاول إنقاذه، لكن لا تعرف كيف.
أمسك إيثان بقطعة الخبز أخيرًا، لكن يده كانت مرتجفة قليلاً.
ظل يحدق بها كما لو كان يحاول فهم ما يحدث.
هل هي حقًا شخص يهتم به؟ أم أنها مجرد شخص سيتركه في النهاية.
إيثان: أنا… لا أذكر آخر مرة…. اخر مرة تحدثت فيها إلى أحد.
جعلتها هذه الكلمات تتوقف، كانت كالصاعقة في عالمها.
كيف يمكن لشخص أن يعيش في عزلة كهذه؟ لم تكن تعلم كيف يمكن أن يكون الوضع هناك، في هذا القبو المظلم الذي يحيط به، لكنها شعرت فجأة بعبء كبير على قلبها.
إيلينا: ألم يكن هناك أحد هنا؟
هز رأسه ببطء، وكأن الفكر نفسه يحاول أن يجد إجابة لذلك السؤال، لكن الواقع كان واضحًا.
لا أحد كان يهتم به.
لا أحد كان يراه سوى كعبئٍ ثقيل.
إيثان: كان هناك صوت فقط… رجل يأتي أحيانًا.
أجاب إيثان كأنه يروي قصة قديمة، وكأن ذلك الرجل كان أكثر من مجرد شخص عابر.
كان جزءًا من حياته التي ابتعدت عنها الإنسانية.
لم يكن يثق في أن يكون هناك شخص آخر سيفهمه أو يهتم به.
شعرت إيلينا بشيء ثقيل في قلبها.
كانت تعرف أن والدها شخص قاسي، لكنه لم يسبق لها أن رأت بعينيها نتائج أفعاله.
لم تتخيل قط أن يكون أحد ضحاياه بهذا الشكل.
كانت تتخيل أن إيثان كان مجرد ضحية لعقاب أبدي، وأنه كان مجرد فتى ضائع في عالم لا يعترف به.
إيلينا: هل كان يؤذيك؟
تردد إيثان للحظة، عيونه تملأها الأسئلة، ثم همس بصوت بالكاد مسموع.
إيثان: دائما.
كلمات إيثان جعلت دماء إيلينا تغلي في عروقها.
كان من الصعب عليها أن تقف هنا، أن تكون شاهدة على مثل هذا الألم الذي كان يحمله هذا الفتى.
قلبها يمزقها التفكير في المعاناة التي عاشها، وكل ما كانت تشعر به هو ضرورة حمايته بأي ثمن.
لكنها قررت أن تتنفس بعمق وتبتسم له، لأن تلك اللحظة كانت تتطلب أن تكون قوية.
تحاول أن تكون تلك النقطة المضيئة في حياته المظلمة.
إيلينا: هذا… مجرد خبز، عندما تخرج من هنا ستتناول أطعمة ألذ بكثير!
قالت ذلك لتخفف من التوتر، لتهدئ من قلقه، فرفعت الأمل في قلبه للمرة الأولى.
إيثان رفع رأسه ببطء، ولكن عينيه كانت مليئة بمزيج من الحيرة والدهشة.
وكأنه لأول مرة، بدأ يرى العالم من منظور مختلف.
إيثان: الخروج… هل يمكنني ذلك؟
كان صوته يحمل نغمة أمل ضعيفة، كما لو أنه لم يجرؤ على الحلم بذلك يومًا.
كانت تلك اللحظة تحمل معاني كبيرة بالنسبة له، أكثر من مجرد كلمات.
إيلينا (بحزم): بالطبع! لن تبقى هنا للأبد، أنا متأكدة من ذلك.
كانت كلماتها تحمل نوعًا من القوة التي لم يعرفها إيثان من قبل.
كانت كأنها وعد، لا مجرد أمل ضائع.
لكنه لم يصدق تمامًا، فرفع نظره إليها ببطء وكأن كل كلمة جديدة لا يستطيع تصديقها بسهولة.
إيثان: لم يخبرني أحد.. بهذا من قبل…
كان حديثه مليئًا بالشعور بالعزلة واليأس، وكان واضحًا أن إيثان لم يتلقَ وعودًا بالحرية من قبل.
كانت إيلينا تدرك ذلك، لكنها لم تستطع أن تشرح له كل ما يمكن أن يكون عليه العالم بالنسبة له.
لم تعرف كيف تعبر عن ذلك.
لكنها لم تفكر في شيء سوى أن تبقى بجانبه، حتى وإن كان مجرد لحظة.
وبالرغم من التوتر الذي كان يملأ المكان، كانت تلك اللحظة محورية في حياته.
يمكن أن يكون هناك شخص يهتم به.
مع مرور الوقت، بين صمتٍ وكلمات خفيفة، بدأ إيثان يظهر شيئًا من الراحة. عينيه التي كانت مليئة بالخوف، بدأ يراها بعينين أكثر هدوءًا، وكأن الجدران التي بناها حول نفسه بدأت تتلاشى ببطء.
يتبع….