خطيبة ساحر البلاط - 0
الفصل : المُقدمة
في ذَلك اليوم، كان جوليان وإميليا يحضرانِ صالونًا يتجمعُ فيهِ النُبلاء، حيثُ كانا يجلسان بالقربِ مِن بعضهما بمودةٍ، وبدا أنهما على علاقةٍ جيدة، ويتحدثان ويلتصقان ببعضهما البعض بشكلٍ وثيق.
أخذَ النُبلاء الحاضرون ينظرونَ إليّهما مِن بعيد، حيثُ كان الثنائي يجلسانِ في الصالون ويتبادلان المشاعر علانيةً، مِما جعل البعض يرمقُهم بنظراتِ استهجان.
(الاستهجان: هي الطريقة التي تُعبر بها جماعةٌ ما عن عدم الرضا والاستنكار)
لكن جوليان وإميليا لَمْ يُباليا بالنظرات مِن حولّهُما، إذ كانا مخطوبين حديثًا، وكانت الشائعات عن علاقتِهما ليست ذات أهميةٍ لهُما. بالنسبة لهما، كانت نظراتُ الآخرين بلا تأثير، فقد غرقا في عالمِهما الخاص.
ظهر شابٌ آخر في مثل سنِهُما، يُحمل كأس نبيذٍ بـ يدهِ، واقتربَ مِنهما.
“مرحبًا، جوليان، والآنسة إميليا الجميلة. تهانيّ على خطوبتكُما.”
رفعَ الشابُ كأسه باتجاهِّهما، ثم جلس بجوارهِّما.
“لَمْ أتوقع حقًا أنّكما سَتُخطبان.”
“أمام جمال إميليا، لَمْ يكُن أمامي خيارٌ سوى أنْ أُصبحَ خادمًا لها.”
أخذ جوليان خصلةً مِن شعر إميليا الطويل الذي يصلُ إلى صدرِها، وقبّلها برفق.
“أوه، جوليان، أنتَ تجعلُني أبدو سخيفةً!”
عندما رأت إميليا كلمات جوليان وأفعالهُ، ضغّطت صدرها المُثير على ذراعهِ وأطلقت ضحكة غنجٍ عاليةٍ.
كان العديدُ مِن الرجال مفتونينَ بجاذبيتِها وابتسامتِها الساحرة وجسدُها المُثير. وعلى الرغم مِن أنْ العديّد مِن النُبلاء كانوا يطمعون في الفوز بقلبِها، إلا أنْ جوليان، أحد النُبلاء الواعدين، هو الذي قد فاز بها.
بوجهٍ وسيم ومكانة الدوق، كان جوليان محبوبًا جدًا بين السيدات النبيلات، إذ كانت عروض الزواج تصلهُ باستمرار.
لكن ظهور هَذا الثنائي الجميل جلّبَ الغيرة والحسد، وحتى إنْ البعض كان يُقدم لهما التهاني على مَضَّض.
كان هُناك سببٌ وراء عدمِ تهنئة البعض لهُما بسعادةٍ، وهو فضيحةٌ مُتعلقةٌ بهما.
“لَمْ أتوقع بأنكَ ستتخلّى عن ابنة عائلة ستيوارت.”
ابنةُ عائلة ستيوارت التي قصدها كانت خطيبة جوليان السابقة.
منذُ بضعةِ أيامٍ فقط، فسخ جوليان خطوبتهُ مِن ابنة عائلة ستيوارت، التي كان مخطوبًا لها منذُ طفولتِهما، ثُم خطبَ إميليا بدلاً منها.
ابتسمَ جوليان ابتسامةً خفيفة بعد أنْ سَمع كلام صديقه.
“أوه، كانت خطوبةً قد رتبها والدانا، وكنتُ دائمًا غيرَ راضٍ عنها. أشعرُ بالارتياح الآن بعد أنْ انتهى الأمر، وهَذا بفضل تعاون إميليا لإنهاء الخطوبة.”
“فوفوفو، جوليان لَمْ يكُن يُناسبها أبدًا.”
“اوه، ألَمْ تكوني صديقةً مُقربة للآنسة ميلاني، يا آنسة إميليا؟”
كانت ميلاني هي ابنةُ عائلة ستيوارت. وحتى وقتٍ قريب، كانت إميليا وميلاني مَعروفتين كصديقتين مُقربتين في المُجتمع.
أخذت إميليا تلّفُ شعرها بأصابعِها وابتسمت بغطرسةٍ.
“ميلاني كانت وحيدةً ولَمْ يكُن لديّها أصدقاء، لذَلك كنتُ أتعامل معها بلطف.”
“إميليا طيبةُ القلب. إنكِ حقًا كـ القديسة لقد أضعتي وقتكِ لتُصبحي صديقةً لفتاةٍ كئيبةٍ مثل ميلاني.”
اقترب جوليان مِن رأس إميليا، وبدأ بمُداعبةِ شعرها بإعجابٍ.
“هاهاها، لم أكُن قريبًا مِن الآنسة ميلاني، ولكنني أتذكرُ أنّها كانت تبدو خجولةً وهادئة.”
“أنا لا أُسَمي ذَلك هدوء، بل هو مزاجٌ سوداوي”
قالت إميليا وهي تتنهدُ وكأنّها تنظرُ إلى شيءٍ مُزعج.
“إنها فتاةٌ مملةٌ حقًا، بالكاد تظهرُ في المُجتمع، وتظلُ جالسةً في المنزل تقرأُ كتب السحر فقط.”
أومأ جوليان برأسهِ مؤيدًا كلماتِ إميليا.
“تلكَ الكُتب القديمة؟ نعم، هَذا صحيح. حتى وإنْ كانت تنتمي لعائلة ستيوارت العريقة التي أنجبت العديدَ مِن السحرةِ الموهوبين، إلا أنْ تلكَ الكُتب القديم المُتعفِنة لا تُحتمل.”
“لا أحد يهتمُ بالسحر القديم في هَذا العصر.”
“تمامًا. إميليا مِن سُلالة لورانس، العائلة الواعدة في السحرِ الحديث. وأعتقدُ أنْ السحر الحديث سيكون سائدًا في المُستقبل.”
السحرُ القديم والسحر الحديث هُنا يُشيران إلى أنواعِ السحر المعروفة في هَذا البلد.
فالسحرُ القديم يعود إلى مئاتٍ مِن السنين وقد انقرض تقريبًا، بينما عائلة ستيوارت، بصِفتها عائلةً نبيلةً وعريقة، ركزت على سحرِهُم المُتوارث.
أما عائلة لورانس، التي نشأت حديثًا بين النُبلاء، فـ تَهتّمُ بالسحر الحديث، وهو أقلُ قوةً لكنهُ يتطلبُ وقتًا وطاقةً أقل، وقد لاقى اهتمامًا بين النُبلاء.
استبدال جوليان لخطوبتهِ مِن عائلة الماركيز ستيوارت المرموقة إلى عائلة البارون لورانس الأقل رُتبةً جعل الآخرين ينظرون إليّه بانتقادٍ، لكنهُ لَمْ يكترث بتاتًا لرأيّهم، فقد كانت خطوبتهُ مِن ميلاني أمرًا مُزعجًا له منذُ البداية، إذ رتبتها العائلتان.
“سحرُ إميليا يتفوقُ كثيرًا على ميلاني.”
“أحقًا؟”
“نعم، ميلاني لَمْ تكُن تملكُ سوى قدراتٍ سحريةٍ بسيطة، رغم أنّها مِن عائلة ستيوارت.”
“عندما علمتُ بذَلك، صُدمت. لا أُصدق أنّها كانت خطيبة جوليان ساما.”
“أجل. ورغم أنْ الخطوبة كانت بترتيب والدايّ، إلا أنني كنتُ مُتعبًا مِن ذَلك حقًا.”
“ميلاني لا تَمتلكُ أيَّ مُميزاتٍ سوى نَسبُها.”
ضحكت إميليا وهي تضع يدها على فمها.
“إميليا مُحقة. كانت فتاة بسيطةً، مملةً وكئيبة، بلا روح، دائمًا تنظرُ إلى الأسفل. هل تعلمين؟ لديّها ثُعبانًا.”
“ثُعبان؟ يال هَذا القرف!”
“ليس هَذا فقط، بل كان ثعبانًا ضخمًا، وكانت تُداعِبهُ بسعادةٍ؛ ذَلك كان يجعلُني أشعرُ بالقشعريرة. لقد حاول عضّي مرةً.”
“أوه لا، هَذا مُرعبٌ جدًا. لقد كانت فتاةً شريرة حقًا. أنا سعيدةٌ لأنكَ تخلصتَ مِنها، جوليان ساما.”
“كُل هَذا بفضل إميليا.”
“أوه، جوليان ساما.”
بينما كان الاثنان يقتربان مِن بعضِهما بحبٍ، كان صديقهما الآخر يهزُّ رأسهُ وكأنه قد وجد شيئًا مُثيرًا للاهتمام.
“لماذا تسأل عن ميلاني؟”
هَذا مُريب، جوليان عبُسَ وسأل صديقه.
“ألَم تَسمع؟”
“عن ماذا؟”
“يُقال إنْ الآنسة ميلاني خُطِبت لأعظم ساحرٍ في البلاط الملكي، كوين بلانشيت.”
“ماذا!؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة