خطيبة ساحر البلاط - 6
الفصل 6 : الجُرعة”
خالي، مَن هَذا الشخص؟”
“آه، هَذا كوين. كما ترين، هو ساحرٌ ملكي. كان أحد تلاميذي سابقًا.”
“حقًا؟ إنهُ تلميذكَ إذن.”
“يأتي أحيانًا إلى هُنا بسبب العمل.”
“أفهم.”
“كان دائمًا طالبًا مُميزًا. عندما كان صغيرًا، كان بهَذا الحجم، لكنهُ الآن فقد تلكَ البراءة…”
“أرجوك، هل يُمكنكَ التزام الهدوء؟”
“آه! أ-آسف!”
“…”
بعد أنْ أمضى وقتًا طويلًا في قراءة البحث بِتَمعُّن، شعر كوين بدوار مِن كمّ المعلومات الهائل، فوضع يدهُ على جبينه وأمسك رأسه.
“هَذهِ طريقةُ تصنيعٍ غيرُ معقولة.”
حتى كوين، الذي يعملُ كساحرٍ ملكي، كان يرى هَذهِ الطريقة لأول مرةٍ. كانت مُعقدةً ومُبتكرة للغاية، مِما أثار دهشته بسبب وجود مثل هَذهِ الأساليب، وكان في حيرةٍ حول النتائج التي توصلت إليّها، وأذهلهُ التفكير الإبداعي والقدرة على التطبيق التي لَمْ يستطع استيعابها.
حتى خلال سنوات دراستهِ التي كانت مليئةً بالمُثابرة، لَمِ يواجه يومًا شيئًا أربكهُ بهَذا الشكل.
“أستاذ، ما هَذا بالضبط؟”
“قد تجدُ الأمر صعب التصديق، ولكنهُ نتائج استعادة السحر القديم.”
قال داريوس بنبرةٍ ثقيلة ووجهٍ مُتجهم.
“السحرُ القديم؟! مستحيل! … لا، انتظر. إذا فكرتُ في الأمر، هَذا صحيح. يبدو جديدًا ولكنهُ يعتمدُ على تقنياتٍ محددةٍ مُسبقًا. المواد الأصلية المذكورة في البحث كلها أشياء كانت موجودة في العصور القديمة… إذًا هل استخدمتم بدائل مُكلفة لهَذهِ المواد؟”
عندما أعاد كوين النظر إلى الورقة، اكتشف أنْ العظمة لَمْ تكُن فقط في طريقة التصنيع.
حتى المواد المُستخدمة في تحضير الجُرعة كانت مُستحيلة مِن الناحية العملية.
على سبيل المثال، زهرة “ليريك باس”، التي أصبحت الآن شُبه منقرضةٍ ولا تنمو إلا في ظروفٍ نادرة جدًا، ويتم زراعتها بالكاد في هَذهِ المدرسة.
زهرةٌ نادرة وقيمتها مرتفعة للغاية، ومع ذَلك تم استخدامُها بسخاء، إلى جانب موادٍ أخرى باهظةُ الثمن.
نظر كوين إلى الجُرعة الموضوعة أمامهُ بتمعن، جعَّد حاجبيه وهو يفكر.
كم تبلغُ تكلفة هَذهِ القارورة؟
حتى بحسابٍ بسيط، كان الرقم مُذهلًا. لكن فضولهُ كساحرٍ قد تغلب على صدمته.
“أستاذ داريوس، هل جربتم تأثيرها فعليًا؟”
“لا، لَمْ نفعل ذَلك بعد.”
هزّ داريوس رأسهُ بحذرٍ وكأنه لا يجرؤ على التجربة.
“حسنًا… لقد جربتُها على النباتات.”
قالت الفتاة بصوتٍ خافت، مِما جعل كوين يديرُ نظره نحوها.
“…”
“آسفة!”
لكن ما إنْ تلاقت أعيُنهما، حتى سارعت لـ إخفاء وجهِها تحت قلنسوتها مرةً أخرى.
‘هل هَذهِ الفتاة الخجولة حقًا هي مَن فعلت كُل هَذا؟’
كان كوين لا يزال غيرَ مصدقٍ، وهزّ رأسهُ بخفة مع تنهيدةٍ صغير.
“اختبارُها على النباتات فقط غيرُ كافٍ. يجبُ تجربتها على كائنٍ حي للتأكد مِن فعاليتها الحقيقية.”
وفقًا لما كُتب في البحث، اختبرت الفتاة الجرعة عبرَ إحداث جرحٍ في النبات ومحاولةً علاجهُ بها.
وبينما أثبتت التجربة فعاليتها، فإنْ النباتات تختلفُ هيكليًا عن الحيوانات.
خرج كوين وعاد حاملًا فأرًا صغيرًا مُخصصًا للتجارب داخل قفص.
“بالتأكيد، لَن أجرؤ على تجربتها على نفسي.”
قال ذَلك وهو يُخرج الفأر مِن القفص، ثم دوّن أيِّ ترددٍ، أحدث جرحًا صغيرًا على جسد الفأر باستخدام سحرٍ بسيط، ووضع قطرةً واحدةً مِن الجرعة التي أعدتها ميلاني على الجرح.
ثم أعاد الفأر إلى القفص وانتظر.
“…”
“…”
“…”
تحدق الثلاثة في الفأر وهم يحبسون أنفاسهم، ليروا الجرح يلتئم بسرعةٍ مذهلة.
“… لا يختلفُ كثيرًا عن الجرعات العادية.”
“هَذا صحيح. …لكن، يبدو أنْ هُناك شيئًا غريبًا.”
بدأ الفأر، الذي كان هادئًا في البداية، يُصبح أكثر نشاطًا تدريجيًا وبدأ يركضُ داخل القفص.
وأخذت سرعتهُ تتزايد بشكلٍ عنيف، إلى درجة أنهُ بدا وكأنه سيحطم القفص أثناء هيجانهِ.
وكأنه وهمٌ بصري، بدا أنْ جسد الفأر أخذ في الانتفاخ.
ومع ذَلك، فجأةً توقف الفأر عن الهيجان وبدأ جسمهً في التشنج.
ثم…
“… لَمْ يعد يتحرك.”
“يبدو أنهُ قد مات.”
حبس كُل مِن داريوس وكوين أنفاسهُما وهما يُحدقان في الفأر الذي توقف عن الحركة داخل القفص.
“… هل كان هَذا رد فعلٍ رافض؟”
“لا، بل كان ردَ فعلٍ مُفرط. يبدو أنْ تأثير الجُرعة كان قويًا للغاية لدرجة أنْ هَذا الجسم الصغير لَمْ يستطع تحمله.”
“… قطرةٌ واحدة فعلت هَذا؟”
“… قطرةٌ واحدة فعلت هَذا.”
تبادل الاثنان النظرات وظهرت عليّهما علاماتُ الدهشة.
“… لنِقُّم بتحليل مكونات هَذهِ الجرعة أولًا.”
“بالتأكيد. مِن الأفضل التعامُل معها بحذر.”
وافق كوين على اقتراح داريوس دوّن أيِّ اعتراض.
ثم وجهوا أنظارهم إلى الفتاة التي صنعت هَذا المُركب المخيف.
“بالمناسبة، ماذا تفعلين؟”
لسببٍ ما، كانت تُحاول إخراج الفأر الميت مِن القفص.
“آه، أعتقدتُ أنني سأجعلهُ طعامًا للحيوان الذي أُربيه…”
“…”
“آسفة!”
“… لا بأس. افعلي ما يحلو لكِ.”
إنّها فتاةٌ يصعُب فهمها.
رغم مظهرها البريء، إلا أنْ بها شيئًا يبدو غريبًا، وكأنّها لا تُدرك جسامة الأمر.
شد كوين ذراع الأستاذ داريوس وابتعد قليلاً حتى لا تسمعه الفتاة، ثم بدأ يتحدث معه.
“أستاذ، مَن تكون هَذهِ الفتاة؟”
“… إنّها ابنة أختي.”
“—تقصدُ أنّها مِن عائلة ستيوارت؟”
“أجل. هي ليست طالبةً هُنا، لكن لأسبابٍ مُعينة، أعطيُتها مختبرًا للعمل فيه.”
“… فهمت.”
إنْ كانت مِن عائلة ستيوارت، التي لها تاريخٌ عريق وسلطةٌ معروفة، فَمِن المنطقي أنْ تكون قادرةً على استعادة تقنيات السحر القديم.
“لكنني لَمْ أكُن أعلم أنّها موهوبةٌ بهَذا الشكل حتى الآن. بصراحةٍ، لا أستطيع التعامل معها وحدي. أفكر بجديةٍ في كيفية تعليّمها في المُستقبل.”
“…”
وافق كوين على كلام الأستاذ داريوس.
فهَذا العقار وحدهُ يوضح غرابة مهارتها.
لَمْ يسمع مِن قبل عن أحدٍ أعاد إحياء طرقُ تصنيع السحر القديم.
رُغم مظهرها الهادئ، تحمل هَذهِ الفتاة موهبةً فريدةً مِن نوعها.
خطأ واحد فقط يُمكن أنْ يجعلها تَهديدًا للبلاد.
لكن تركُ موهبتها دوّن توجيه سيكون خسارةً كبيرة.
بعد صمتٍ قصير، رفعَ كوين رأسهُ مرةً أخرى ونظر إلى الفتاة.
“ما اسمكِ؟”
عندما سألها كوين، انكمشت الفتاة قليلًا وردت بصوتٍ مُنخفض.
“ميلاني…”
“فهمت. —ميلاني.”
“ن-نعم.”
نظرت إليّه بعينين خائفتين.
“هل تودين أنْ تصبحي تلميذتي؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة