خطيبة ساحر البلاط - 3
الفصل 3 : اللِقاء
“أشعةُ الشمس ساطعةٌ للغاية…”
مشت ميلاني داخل المدرسة بخطواتٍ مُتثاقلة تحت أشعة الشمس التي تُلامسها لأول مرةٍ منذُ عدة أيامٍ.
وفي كل مرةٍ يقتربُ منها احدُ الطلاب مِن الطرف الآخر للممر، تبتعدُ بسرعة نحو الحافة بقلقٍ كي يتجاوزوها.
وعلى الرغم مِن أنِّها في مكانٍ تعليمي، فإنْ انطوائيتها ازدادت بسبب بقائها معزولة.
لكن لماذا توجهُ إليِّها نظراتٌ غريبة كُلما مر الطلاب بجانبها؟
شعرت ميلاني بالاستغراب، لكن بارتداء العباءة فوق رأسها وخطواتِها المُتعثرة داخل المبنى، كان سلوكها مُلفتًا للانتباه بطريقةٍ غريبة، إلا أنه لَمْ يكُن هناك أحدٌ ليشير إليّها بذَلك.
“يا إلهي… إنهُ أمرٌ مخيف.”
كان قلقها مِن نظرات الناس يجعلُها تُسرع في خطواتها تلقائيًا.
وزادت الأمور سوءًا بارتدائِها غطاء الرأس الكبير الذي ضيّق مجال رؤيتها.
وبالتالي، كان مِن المحتم أنْ تَصطدم بشخصٍ قادمٍ مِن زاوية الممر.
“آه!”
اصطدمت بهِ، فطار البحثُ الذي كتبتهُ بكل اجتهاد في الهواء.
“آه! بحثي!”
أطلقت ميلاني صرخةً وجلَست بسرعة على الأرض تجمعُ الأوراق المُتناثرة بارتباكٍ.
“آسفة، آسفة!”
بينما أعتذرت للشخص الذي اصطدمت بهِ، كانت تجمعُ الأوراق المُتناثرة على الأرض، ولكن لسوء حظها، هربت بعضُ الأوراق إلى الخارج عبرَ النافذة المفتوحة.
“آه، حتى هُناك…”
وما زاد الطين بلةً أنْ الرياح في الخارج قد أخذت الأوراق بعيدًا في الهواء.
“ماذا أفعل… عليّ استعادتُها.”
“انتظري.”
“آه؟”
عندما حاولت ميلاني أنْ تَستدير عائدةً لاستعادة الأوراق، أوقفها صوتٌ مُنخفض مِن الخلف، فاستدارت بدهشةٍ.
الشخص الذي أوقفها كان الرجُل الذي اصطدمت بهِ قبل قليل.
وعند النظر إليّه جيدًا، بدا أكبر سنًا مِن الطلاب، وملابسهُ لَمْ تكُن زيًا طلابيًا.
هو يرتدي زي سحرة البلاط؟
رَفعت ميلاني غطاءها قليلًا لتَّتفحصهُ بعنايةٍ.
يبدو أنهُ في أواخر العشرينات أو الثلاثينات مِن عُمرهِ. كان رجُلًا وسيمًا ذو ملامحٍ واضحة، وشعرٍ أسود مُستقيم ينسدلُ على ظهرهِ، وكان طويل القامة مثل الأستاذ داريوس، فاضطرت ميلاني الصغيرة إلى رفعِ رأسها لتنظُر إليّه.
اقترب الرجُل مِن النافذة، غيرَ مُهتمٍ بنظرات ميلاني، ثم أصدر صوتًا خافتًا بأصابعه.
“ماذا؟”
ثم، وبشكلٍ مُذهل، بدأت الأوراق المُتناثرة في الخارج تتجمعُ بفعل الرياح.
أمسك الرجُل بالأوراق التي تجمعت في يدهِ وقدمها لميلاني.
“تفضلي.”
“ش… شكرًا جزيلاً.”
أعربت ميلاني عن شُكرِها وهي مُندهشةٌ.
لَمْ يسبق لها أنْ رأت أحدًا يتحكمُ بالرياح بهَذا الشكل وبِهَذهِ الدقة، وبدوّن أيِّ تلاوةٍ للتعاويذ، مُجرد إشارةٍ مِن أصبعهِ لتحقيق تلكَ التقنية الرائعة.
أُعجبت ميلاني كثيرًا بقوة سحر البلاط.
“هيه.”
“آه… آسفة جدًا!”
عندما نظر إليّها بحدةٍ، أدركت أنّها كانت تُحدق بهِ، فسارعت لتُغطي رأسها بعُمق، وانحنت بسرعةٍ معتذرة ثم هربت.
“هيه؟ انتظري!”
ناداها الرجل، لكنها مضت بعيدًا.
“تبًا.”
وجه الرجُل نظره نحو الخارج حيث كانت هُناك ورقةٌ عالقةٌ بين أغصان شجرة.
كان يريدُ أنْ يخبرها أنْ هناك صفحةً ناقصة، لكن ميلاني كانت قد هربت.
يبدو أنْ السحر الرياح الذي استخدمهُ لَمْ يكُن كافيًا لجعلها تأتي إليّه بشكلٍ كامل.
أصدر الرجُل صوتًا خافتًا بأصابعهِ مرةً أخرى، وعاد هَذهِ المرة سحر الرياح بشكلٍ أقوى، فجلب الورقة العالقة بين الأغصان إلى يده.
“مَن تكون هَذهِ الطالبة؟”
كان بإمكانهِ تجاهُل الأمر ورمي الورقة، لكنهُ علم أنْ النقص في الأبحاث قد يؤدي إلى مطالبة الأستاذ بإعادة كُل شيء.
بالنسبة لرجُلٍ قد كرس نفسهُ للدراسة، كان لا يمكنهُ تجاهل هَذا النوع مِن التدخل الحَسن النية.
نظر إلى الورقة بحثًا عن اسم.
“ما هَذا؟…”
كان ما رأه مِن مُحتوى في البحث مُذهلًا لدرجة أنهُ قرأ النص مرارًا.
“ما هَذا…”
هَذا الرجل، الذي تم تعيينهُ أصغر ساحرٍ في البلاط ويتربعُ حاليًا في أعلى منصبٍ في المملكة، لَمْ يُصدق ما راه مِن بحثٍ غيرِ مألوفةٍ في هَذا المجال.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة