حيثُ يقودكَ قلبُكَ - 9
الفصل 9 : مَن أنتَ؟ ¹
رودريك فيرس باليك.
كان مِن المُحرمات ذكرُ الاسم الأوسط للملك.
ولكن مُعظم رعايا كايين كانوا يعرفون اسمه.
‘الوحش المُهيمن.’ كان هَذا لقبهُ، بل يُمكن القول إنهُ اسمه.
لكن للملك لقبٌ آخر أيضًا ‘الوحش المجنون.’
كان لقبًا يتداولهُ النبلاء سرًا، وذَلك بسبب نوبات جنونه.
في الصباح الباكر، خرجت لي-جاي والخدم إلى الخارج.
كان الملك والفرسان يستعدون لرحلة صيد تستغرقُ يومين وليلتين.
امتلكت العائلة الملكية ميدان صيدٍ خاصًا، وقد استمتع العديد مِن الملوك السابقين بِهَذهِ الهواية.
ولكن تاريخيًا، لَمْ يكُن هُناك ملكٌ قد ذهبَ للصيد بقدر ما فعل رودريك.
كان رودريك واعيًا بجنونهِ، وأحيانًا كان يلجأ إلى الصيد لتخفيف تلكَ الرغبات الدموية التي لديه.
لكن لي-جاي، التي كانت تقفُ على مسافةٍ بعيدة، بدا على وجهُها القلقًا.
كانت مشاعرُها مُتضاربة.
ربما كان مِن الأفضل أنْ يخرج الملك مِن القصر، حيث إنْ غرفتهُ كانت أقرب إلى بيتٍ مهجور أو مقبرةٍ جماعية.
ومع ذَلك، كان لديّها ما تريدُ قولهً له.
“أعتقد أنكَ لا ينبغي أنْ تقتل المزيد.”
لكن كم سيبدو هَذا القول سخيفًا بالنسبة لهُ وللفرسان؟
“لماذا أشعرُ بِهَذا القلق؟”
كان شخصًا يثيرُ قلقها بعدة طرق.
في تلكَ الأثناء، بينما كانت لي-جاي تتنهد، كان رودريك، الذي أنهى استعداداتهِ، يُحدق بها.
“هايلي دانكان.”
“نعم؟”
عندما أعادت لي-جاي السؤال، قال:
“لا تقفي هُناك هَكذا، تعالي إلى هُنا.”
ولكن، على الرغم مِن لهجتهِ الجافة، أدار حصانهُ بنفسهِ وتوجه نحو لي-جاي.
لَمْ يكُن يعلم أنّها كانت تُفكر في الخطايا العشر في البوذية، وبدا أنهُ في مزاج جيد.
ولَمْ لا؟ كان المكان في الخارج أنظف بكثيرٍ مِما كان عليه داخل القصر.
حتى الأشياء القليلة المُتبقية ابتعدت فجأةً عندما اقترب مِن لي-جاي.
قررت أنْ تضع قلقها وعدم ارتياحها جانبًا.
“أليس لديكِ أيُّ شيءٍ لتقولي ليّ؟”
“…ماذا تقصد؟”
ترك الحبل الذي يُمسك بهِ وانحنى قليلاً.
“مثل أنْ تطلبي مني إحضار شيءٍ ما.”
ضحكت لي-جاي. كانت تُفكر في نصحهِ بعدم قتل المزيد، ولكن سماع مثل هَذا الكلام جعلها عاجزةً عن الرد.
“عذرًا، جلالتُك، أنا لستُ مهتمةً بتلكَ الأمور على الإطلاق…”
“إذن، على الأقل اخبريني أنْ أعود سالمًا.”
فهمت لي-جاي المعنى أخيرًا وأومأت برأسها.
“نعم، عُد سالمًا رجاءًا.”
“حسنًا.”
ومع ذَلك، بدا أنْ رودريك ليس في عجلةٍ مِن أمرهِ للمُغادرة.
بينما كان ينظر إلى شيء ما، قال بنبرةٍ غيرُ مكترثة:
“أليس لديكِ منديلٌ تربطيهِ مِن أجلي؟”
عندما نظرت لي-جاي إلى المكان الذي كان ينظرُ إليّه، رأت خادمةً تربطُ منديلًا بقوس أحد الفرسان.
ثم انحنى الفارس مِن على حصانه وأمسك خد الخادمة، وقبّلها بشغف دوّن أنْ يكترث بنظرات الآخرين.
كان هَذا المشهد المُفرط في الحميمية مُقززًا لدرجة أنْ لي-جاي عَبُسَت قليلًا ونظرت إلى الملك.
مهما كان تفسيرهُ لتعبيرها، أضاف رودريك:
“كنتُ أمزح فقط.”
“…..”
“أنا لا أرغبُ في أنْ أحصل على شيءٍ كهَذا مِن زوجةٍ لديّها عشيق.”
ما الذي يقصدُه؟
ارتسمت على وجهِ لي-جاي ملامحُ عدمِ الفهم، وبدت جايد بجانبِها أكثر حيرةً منها.
بدا الملك وكأنهُ يتشاجر مع الملكة بدوّن سبب.
“صمتتِ مرةً أخرى.”
“… إنْ المنظر مذهل.”
“لماذا تتجاهلين كلامي؟”
لَمْ يكُن لدى لي-جاي ما تقولهُ، فردت بشكلٍ عرضي:
“فهمت، عُد سالمًا. لا تتعرض لأيِّ إصابة.”
ولا تُصب بالجنون.
كتمت لي-جاي الكلمات التي أرادت قولها حقًا وأخذت خطوةً للخلف بعيدًا عنه.
وعندما قطعت الملكة الحديث، ابتسم رودريك. كانت ابتسامةً تُعبر عن ذهولهِ، لكنّها لَمْ تكُن تبدو تعبيّرًا عن استياء.
بدأت لي-جاي تُدرك ذَلك الآن.
شخصيتُه الحقيقية وطبيعته تختلف تمامًا عما كان الشبح الذي بداخلهِ يثيرهُ.
قد يبدو هَذا أمرًا بديهيًا، ولكنهُ في الواقع ليس كذَلك.
الأشباح تنجذبُ إلى الأشخاص الذين لديّهم أفكارٌ سلبية أو مظلمة، أو الذين يُعانون مِن جروحٍ في قلوبهم.
وفي تلكَ اللحظة، قال رودريك، الذي كان يُراقب لي-جاي باستمرار:
“لا تذهبي إلى أيِّ مكانٍ قريبٍ من الماء.”
بدا وكأنهُ يتحدثُ إلى طفل، لكن الحقيقة لَمْ تكُن كذَلك.
عندما عَبُسَت لي-جاي ونظرت إليّه، تحولت نظراتهُ، التي كانت تبدو مملةً قبل لحظات، إلى نظرةٍ حادة تركزت عليها.
أدركت لي-جاي أنْ هَذا هو ما أراد قولهُ حقًا.
كان الملك يُحذرها بألا تموت.
أومأت لي-جاي بصمت.
“سأذهب.”
“…..”
عندما ضرب الملك لجام حصانه، تبعهُ فرسانه خلفه مُباشرةً.
7 فبراير 499
[ طلب مني أبي أنْ أتزوج جلالة الملك.
لكنني أحبُ لورانس.
هل يعني ذَلك أنْ أبي لا يُحبني؟
أنا لا أريد أنْ أموت.]
كانت لي-جاي تقرأ يوميات هايلي مُجددًا اليوم.
كان ذَلك جزءًا مِن يومياتٍ كُتِبت قبل حوالي ثلاثة أشهر.
لكنها كانت قد تخلت إلى حدٍ كبير عن مُحاولة قراءة يوميات هايلي بالترتيب.
كانت يوميات هايلي مُختصرةً للغاية وغيرَ وديةٍ، بالكاد تحتوي على كلمات.
رُبما، مِن ناحيةٍ ما، بدت كشخصٍ لا يُحب الكتابة.
“كنتِ لا تُريدين الموت، فَلماذا إذن مُتِ أيتُها الحمقاء؟”
تذمرت لي-جاي وهي تُغلق يوميات هايلي وتُعيدها إلى دُرج المكتبة.
نهضت مِن مكانها وأخذت تُحدق خارج النافذة.
رغم شعورها بالأسف، كانت لي-جاي بطبيعتها تؤمن بالنهاية.
لا يُمكن للإنسان الهروب مِن المصير أو القدر المُقدر له.
يُمكن تجنب بعض الشرور البسيطة، لكن المسار الذي يُحدد حياة الإنسان لا يُمكن تغييره.
كتبت هايلي أنّها لا تُريد الموت، لكن كان مُقدرًا لها أنْ تموت.
رغم قساوة الفكرة، إلا أنْ لي-جاي التي تؤمن بالنهاية فكرت بِهَذهِ الطريقة.
“أحبَ قدرك.”
هُناك مفهومٌ في العالم يُسمى ‘حب القدر’، والناس يتحدثون عن وجوب حب المحن والصعوبات التي تُفرض عليهم.
لكنهم يستطيعون قول هَذا لأنهم لا يُمكنهم التنبؤ بدقة ماهية تلكَ الصعوبات ومدى شدتِها.
كم مِن الناس يُمكنهم أنْ يحبوا قدرهم رغم معرفتهم الدقيقة بعُمق الألم الذي ينتظرهم؟
لَمْ تقبل لي-جاي أبدًا بِمصيرها ولِمْ تتصالح معه. غادرت المكتبة بوجهٍ مُتجهمٍ قليلاً.
تبعها الخدم والفرسان على الفور.
سألت لي-جاي ديبورا:
“أريد أنْ أتمشى قليلاً، هل يُمكنني التجول؟”
“هل هُناك مكانٌ مُعين ترغبين في الذهاب إليّه؟”
“لا، ليس هناك، لكنني أتساءل إنْ كان بإمكاني التجول بلا هدف.”
“يُمكن لجلالتكِ التجول في أيِّ مكانٍ داخل القصر. ولو كان جلالتُه الملك حاضرًا، لكان بإمكانكِ دخول غرفتهِ أيضًا.”
شعرت ليجاي أنْ ديبورا تمزح معها، فضحكت وهي تلوح بيدها.
“آه، لا أريد الذهاب إلى هُناك.”
كان الناس الذين يتبعونها يركزون انتباههم عليها.
ديبورا، التي كانت تمزح قليلاً لاختبار رد فعل الملكة، سألت: “لماذا؟”
“مُجرد شعور… رُبما لأنهُ مخيف قليلاً.”
مَن سيرغبُ بالذهاب إلى مكانٍ يُشبه البيت المسكون أثناء نُزهة؟ أنا لستُ يوتيوبر!
بالنسبة لـ لي-جاي، كان هَذا مُجرد تبريرٍ غامض، لكن الآخرين فهموا الأمر بشكلٍ مُختلف وأومأوا برؤوسهم.
بعد ما رأوه، كان مِن الطبيعي أنْ يكون الملك مُرعبًا.
في النهاية، بدأت لي-جاي بالتجول بلا هدف في أنحاء القصر، ثم توقفت عند حديقة مُشذبة بعناية.
وسط الحديقة، كان هُناك بحيرةٌ ضخمة بحجم منزلٍ كبير تقريبًا.
تذكرت حينها كلمات رودريك:
“لا تقتربي مِن الأماكن القريبة مِن الماء.”
بينما كانت تنظرُ إلى البحيرة، جلست لي-جاي بعيدًا عنها على حافة حوض زهور.
بصوتٍ خافت لا يسمعهُ الآخرون مِن حولها، تحدثت إلى نفسها:
“حتى لو أجبرتني على الذهاب، لَن أقترب مِن الماء.”
رغم ذِلك، بينما كانت عيناها مُعلقتين على البحيرة، شعرت فجأةً بقشعريرةٍ تسري في ظهرها.
لَمْ يكُن ذَلك بسبب شعورٍ مشؤوم، بل بسبب هالةٍ طاغيةٍ ومُهيبة للغاية.
كرهت ليجاي كيف يُمكن للإنسان أنْ يرى بزاويةٍ واسعةٍ جدًا.
رغم أنّها كانت تنظرُ للأمام بعناد، إلا أنّها استطاعت رؤية حصانٍ أبيض ضخم على يمينها.
يا للمصيبة!
ثم نزل الرجُل مِن الحصان وجلس بجانبها.
كان شبحًا غربيًا ضخمًا رأتهُ عندما زفافها.
الأشباح التي تتبعُ رودريك كثيرة، لكنّها لَمْ تكُن بِهَذهِ القوة.
حتى الأرواح التي تتبعُ الحاكم الذي تخدمهُ الشامان العظيمة لَمْ تكُن بِهَذهَ الهيبة.
كانت لي-جاي، التي شعرت بقوة الشبح، مُتجمدةً مِن الخوف.
هل علي أنْ أرحل؟ رُبما هَذا أفضل حل.
بينما كانت تُخطط للذهاب إلى الخدم، سمعتهُ يتحدث:
“أنتِ، ترينني، أليس كذَلك؟”
لا تتحدث وكأنْ هَذا أمرٌ طبيعي!
أنا إنسانةٌ وأنتَ شبح، حتى الأرواح الحارسة تبقى أشباحًا!
نعيشُ في عالمين مُختلفين، لذا توقفوا عن تجاوز الحدود متى شئتم!
أغمضت لي-جاي عينيها بشدةٍ.
رُبما كانت هَذهِ الإجابة كافيةً له، إذ ضحك بصوتٍ خافت بجانبها.
“في الحقيقة، أنتِ لستِ هايلي دانكان.”
“…..”
“رودريك قادم الآن.”
تظاهرت لي-جاي بعدم السماع.
“يبدو أنهُ أصيب بجروحٍ خطيرة. وهو بدوّن وريث حتى الآن، ماذا سيفعل؟”
قفزت لي-جاي فجأةً مِن مكانها.
بينما كانت مُترددةً وغيرَ قادرةٍ على اتخاذ قرار، حاولت الذهاب إلى ديبورا.
حينها، سمعت صوتًا ساخرًا مِن خلفها:
“انظري، لقد سمعتِ كُل شيء.”
استدارت لي-جاي بغضب.
ثم بدت هالةٌ مِن القوة تتدفقُ منها.
“هل تمزحُ معي بشأنْ حياة البشر؟ هل تظنون أنْ البشر بلا قيمة؟!”
رفع الشبح ذو العينين الزرقاوين كتفيهِ وكأنهُ يتفاخرُ بهالتهِ القوية.
“إنْ كان هَذا مُجرد مُزاحٍ، حقًا…”
“…..”
“لكن ليس بيدي فعل أيُّ شيء حتى لو كان كذَلك.”
خفضت لي-جاي رأسها بسرعةٍ وهربت إلى ديبورا.
بينما كانت تركضُ، سمعت ضحكةً شبحيةً لا يسمعُها أحدٌ سواها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》