حيثُ يقودكَ قلبُكَ - 5
الفصل 5 : القَدَر هو لقاءُ الروح ¹
منذُ أنْ كانت صغيرةً جدًا، كانت كانغ إي-جاي تَرى المشاهير الذين يظهروّن على التلفاز بشكلٍ مُتكرر.
كما كانت تَرى الشخصيات البارزة في عالم السياسة والاقتصاد، التي يصعُب حتى رؤيتها على التلفاز، بشكلٍ أكثر تكرارًا.
وذَلك بفضل يونغسان التي قامت بِتربيتها بدلاً مِن والديها اللذين تخليّا عنها.
ولكن ما لا يعرفهُ الناس هو أنْ الأشخاص الذين يصعُب حقًا لقاءهم ليسوا المشاهير أو الشخصيات البارزة في السياسة والاقتصاد، بل أشخاصٌ مثل يونغسان.
فقد كانت كاهنةً مشهورةً جدًا بقدرتها الروحية القوية، لدرجة أنهُ كان مِن الصعبِ حتى حجزُ موعدٍ معها.
حتى بعد أنْ يُحدد الموعد بصعوبةٍ شديدةٍ، إذا شعرت بأنها ليسَ لديّها ما تقولُه، كانت تطردُ الناس دوّن أنْ تأخذ مِنهم المال. كانت عجوزًا حادة الطَبع وصارمةً جدًا.
يُقال إنْ حتى الغبي إذا دخل المدرسة سـ يتعلمُ بعد ثلاث سنواتٍ على الاقل، فَهل كان ذَلك بسببِ تعليمها المُبكر؟
أم أنْ إي-جاي وُلدت بهَذهِ الطريقة منذُ البداية؟
منذُ سن السابعة، بدأت إي-جاي تَرى أشياء غريبة، ومع العيّش مع يونغسان، ازدادت حدةُ إدراكها.
كما أنّها كانت تعرفُ جيدًا نهاية أشخاصٍ مِثلها.
فبعدَ أنْ تتفتحَ العينُ الروحية، سَـ تأتي الروح. وإذا لَمْ يقبل الشخصُ تلكَ الروح، سَـ يمرض ذَلك الشخص أو في أسوأ الأحوال قد يموت.
تُسمى هَذهِ الحالة بِـ مرض الروح.
ورغم أنْ عينُها الروحية قد تفتحَت، إلا أنْ إي-جاي لَمْ تكُن تُريد أنْ تمرض، ولا أنْ تموت.
لذا لَمْ يكُن أمامها خيارٌ سوى تقبل الوضع.
“سيدتي، أرجوكِ اسمحي ليِّ أنْ اقوّمَ بِطقوس استقبال الروح، لا أريدُ أنْ أمرض مثل ذَلك الرجل. أريدُ أنْ أفعل ذَلك قبل أنْ أمرض.”
“أيتُها الفتاة الحمقاء، أنتِ تقولينَ هُراء مُجددًا بعد أنْ تناولتِ طعامكِ. أنتِ لستِ مِن النوع الذي قد يستطيع أستقبال الروح. فقط عيّشي حياتكِ كما تشائين واغسلي الأطباق.”
لَمْ تفهم لِمَ لا تستطيعُ أستقبال الروح؟ ولماذا لا يُمكن حدوث ذَلك؟
بعد مرورِ خمسةٍ وعشرين عامًا مِن ولادتها، أدركت إي-جاي أخيرًا السبب.
كان قدرُها هو أنْ تموتَ قبل أنْ تستقبل الروح!
كانت يونغسان تعرفُ ذَلك منذُ البداية.
تلكَ المشاعرُ المُعقدة والمُحبِطة التي شعرت بها عندما انقلبت الحافلة لا تزالُ واضحةً في ذهنها.
“كم هَذا قاسٍ، كم هَذا قاسٍ.”
في المرآة، كان هُناك هايلي دنكان ذاتُ الشعرِ الخوخي والخدين المُمتلئين مثلُ التُفاح.
كان وجهُها لا يزالُ يحملُ براءة الشباب، وكأنهُ فتاةٌ صغيرة.
لكن بالنسبة لإي-جاي، كما هو الحال دائمًا، كانت تَرى الأمور بطريقةٍ مُختلفة.
كانت تطويّ ذراعيّها وتُميل رأسها.
“بالتأكيّد، وجهكِ أيضًا لا يحملُ الكثير مِن الحَظ. رُغمَ أنكِ جميلة.”
كانت هايلي مثلُ إي-جاي، لَمْ يكُن لديها حظٌ مع والديها، وماتت في سنٍ مُبكرة.
بينما كانت إي-جاي تقومُ ببعضِ التعابير المُضحكة محاولةً التأقلم مع وجهها الغريب، استدارت بعد فترةٍ قصيرة ببطء.
مرت أربعةُ أيامٍ منذُ حفل الزفاف، ولكن لَمْ يكُن هُناك أيُّ فرصةٍ لرؤية الملك مرةً أخرى.
بسبب عدم وجود أيِّ مهامٍ رسمية، كانت تقضّي يومها وحيدةً، باستثناء بعض المُقابلات القصيرة.
لهَذا السبب يُقال إنهُ لا يجبُ على الراهب أنْ يقرأ الطالع للأشخاص العاديين دوّن أجر.
لَمْ تكُن تتوقعُ أيَّ شُكر، لكنّها شعرت ببعض الاستياء.
ورغم أنْ النتيجة كانت مُتوقعة، إلا أنْ هَذا الشعور تسلل إليّها لأن حياتها كانت مليئةً بالوحدة.
ولكن إي-جاي، بعد أنْ نفضت عن نفسها تلكَ الأفكار، قررت أخيرًا القيام بما كانت تنوي فعلهُ منذُ أيام.
الأرواح التي شعرت بوجودها كانت تُزعجها مِن حيّنٍ لآخر.
وكذَلك إي-جاي، التي كانت قد كشفت عن وجودها مِن خلال تواصلها مع تلكَ الأرواح، لَمْ تعُّد تتجاهلهم.
كانت هَذهِ إشارةً قوية على أنْ حياتها في هَذا العالم قد انتهت.
“أنْ رودريك سِكير!”
“سيقطعُ رأسكِ! هَذا هو قدرُكِ! لا مفرّ منه!”
“ستَموتيّن! لا بُد أنْ تموتي! ستَموتيّن! هاهاها!”
“شُكرًا لإخباري. لكنني قد مًت بالفعل مرةً واحدة، أليس مِن القسوة أنْ أموت مرةً أخرى؟ وعلى الأقل يجبُ أنْ أرى وجهُكِ… من هو الذي تحدَث الآن؟”
كانت في وضعٍ آمن إلى حدٍ ما، ولَمْ يكن هًناك سوى أرواحٍ ضالة.
كانت إي-جاي تنقرُ بلسانها وهي تلتقطُ الأوراق التي أخذتهم مِن المكتبة.
أشعلت الورق بنارٍ مِن شمعِدان فضي وبدأت تضربُ الجدران هُنا وهُناك.
كان ذَلك مِن طقوس طرد الطاقة السلبية والارواح.
ولأنّها لَمْ يكُن لديها القُدرة على طرد الأرواح جميعها، ولَمْ تكُن ترغب في التدخل، قررَت أنْ تُخرجهم بطريقةٍ لطيفةٍ كما فعلت قبل أيام.
أخذت إي-جاي وقتًا أطول مِما سبق في كتابة التعويذات بعنايةٍ.
كانت تَضعُ التعويذات خلفَ الإطار، وتحتَ السرير، حتى اكتمل الحاجز.
وأخيرًا، قامت بمسحِ الغُرفة بنظرةٍ اخيرة.
لكنها لاحظت وجودَ روحٍ واحدةٍ لَمْ تُغادر، كانت تضعُ وجهها في صندوقٍ وتهتزّ بخوف.
رأسها كان مخفيًا داخل الصندوق، بينما كانت مؤخرتها الصغيرة مكشوفةً دوّن أنْ تجدَ مكانًا تختبئ فيهِ.
كان ذَلك المنظر مُرعبًا ومُضحكًا في آنٍ واحد، مِما جعلّها تتأكدُ أنْ هَذهِ الروح ليست سيئة.
“يا صغيري، مَن تكون؟ لماذا لا تذهب إلى منزِلكَ؟”
التفتت الروح ببُطء نحو إي-جاي.
عندما ركزت بنظرها، بدأت تقرأ بعض التعابيّر على وجهِ الروح.
كانت عيناهُ الواسعتان تلمعان بسبب الدموع.
“هَذا هو منزلي.”
ضحكت إي-جاي دوّن أنْ تشعر.
إذ شعرت بوضوحٍ أنْ الروح لَمْ تكُن تحملُ أيَّ نيةٍ شريرةٍ، فخاطبتهُ برقةٍ.
“لا تبكِ، لا أحد هُنا سوانا. منذُ متى وأنتَ هُنا؟”
“…مَن أنتِ؟”
“أنا إي-جاي. كانغ إي-جاي.”
“إي-جاي؟”
“نعم، أنا إي-جاي.”
لأول مرةٍ في هَذا العالم، استطاعت أنْ تنطق بِاسمِها بصوتٍ عالٍ.
“ما اسمُكَ؟”
“اسم؟ ليسَ لديِّ اسم. لَمْ يكُن هُناك أحدٌ يُناديني… أنتِ أول إنسانٍ يراني.”
“حقًا؟”
“نعم، إي-جاي. في الحقيقة أنا خائفٌ جدًا.”
“مِما أنتَ خائف؟ منيّ؟”
هل كان بسبب الطرد؟ مهما نظرت إليّه، لا يبدو أنهُ روحٌ شريرة.
ولكي تتأكد، أطفأت إي-جاي النار التي كانت مُشتعلةً في الورقة ونفخت عليها، وسرعان ما اكتشفت السبب.
آه… يبدو أنْ الصندوق قد تصدع.
كان الصندوق الذي يُشبه صندوقَ المُجوهرات ليسَ مُجرد قطعةٍ عادية حتى مِن النظرة الأولى.
يبدو أنهُ قد مضى عليهِ ما لا يقلُ عن مائة عام.
هل يُمكن أنْ يكون هَذا كنزًا وطنيًا؟
لماذا يتمُ ترك شيءٍ كهَذا في الغرفة التي أستخدمُها؟
يبدو أنْ هَذا الكيان الغامض قد ارتبطَ بِهَذا الشيء القديم، رُبما كان نوعًا مِن الكيانات الروحية التي تعلق في الأشياء القديمة.
كان مِن المُفترض أنْ يكون نائمًا داخل الصندوق، لكن مع تصدُع الصندوق، لَمْ يعُد بإمكانهِ إخفاء نفسهِ أو استخدامُ قوتهِ كما يُريد.
والأشياء التي كـ هَذهِ، إذا تمَ العبثُ بها، يُمكن أنْ تحدُث مُشاكلٌ كبيرة.
لهَذا السبب يُحذر الرهبان الكبار دائمًا مِن عدم أخذِ الأشياء التي كان يستخدمُها الآخرون.
كُل الاحترام والتقدير لأجدادنا العظماء.
“آسفة، لا أستطيعُ مُساعدتكَ. لا أستطيعُ إنقاذكَ.”
قالت إي-جاي بوضوحٍ لأنها كانت تهتمُ بسلامتها أولاً.
تلكَ العينان المُستديرتان كانت تُراقبها بصمت.
كانت تلكَ النظرةُ وكأنهُ يعرفُ بأنه لطيف.
“لا، حتى لو نظرت إليّ هَكذا، لا أستطيعُ مُساعدتكَ.”
“………”
“إذا عبثتُ بالأمر بشكلٍ خاطئ، سأتعرضُ لسوء الحَظ، وأنتَ أيضًا ستختفي.”
ورُغم ذَلك، استمرت العينان المُستديرتان بالنظر إليّها.
بدأت تَرى شفتيّن بيضاويتيّن تظهران قليلاً وكأنّهُما في حالةٍ مِن الحُزن.
“سأضمنُ فقط أنْ لا تدخُل أيُّ طاقةٍ سلبية إلى هَذهِ الغُرفة. أنا أفعل ذَلك الآن. إذا فعلتُه لكَ أيضًا، لَن تشعرَ بالخوف. أليس كذَلك؟”
“نعم! جيد! وأيضًا…”
“ماذا أيضًا؟”
“هل يُمكنكِ وضعُ واحدةٍ مِن تلكَ الأشياء التي تحملينها في منزلي أيضًا؟”
استطاعت إي-جاي أنْ تُخمن أنْ الصندوق الذي بدا وكأنّ عمرهُ مائة عامٍ قد يكون أقدم مِن ذِلك بمئات السنين.
لتحقيق تلكَ الرغبة، كان مِن الطبيعي أنْ يكون الأمر كذَلك.
فتحت إي-جاي الصندوق بحذرٍ، ووضعت داخلهُ تعويذةً.
عندما رأت كيف أنْ الروح قد فرح بكونهِ أصبح آمنًا، لَمْ تستطع إلا أنْ تَبتسِم.
كانت هَذهِ أول ابتسامةٍ مُشرقة ترسمُها منذُ قدومها إلى هَذا المكان.
في الصباح الباكر، استقبل الملك قائد فُرسان الفيلق الأول.
“المجّدُ لـ كايين.”
عندما قدم جايد تحيّة رسمية، أومأ رودريك برأسهِ.
كان صديق الملك يعرفُ مزاج الملك وحالتهُ جيدًا.
ورغم أنْ الملك قد تزوج مِن عائلة دنكان التي تُعارضه دائمًا، إلا أنْ حالتهُ كانت تبدو جيدةً في الأيام الأخيرة.
“تقول الشائعات إنْ رائحة شيءٍ مُحترق تأتي مِن غُرفة الملكة.”
“رائحةُ احتراق؟”
عبسَ رودريك عند سماعهِ تلكَ المعلومة غيرَ المتوقعة.
“نعم، ويُقال إنه وُجد بعضُ الرماد في غرفتِها.”
“بعد قفزها في الماء، هل هي تُخطط الآن للقفزِ في النار؟”
قال رودريك ساخرًا، مُشيرًا إلى حادثة محاولة الانتحار التي قامت بها هايلي.
بينما كان جايد يُراقب الملك بقلق، تردد قليلاً.
لسوء الحظ، لَمْ يكُن هُذا نهاية الأمر.
“وطلبت أيضًا إحضار سكين نحتٍ قبل يومين.”
“سكين نحت؟”
“نعم، ومنذُ ذَلك الحين كانت تنحتُ شيئًا كُل يوم في غرفتها.”
“تنحت؟… ماذا بالضبط؟”
عندما سأل الملك وكأنهُ غيرُ قادرٍ على استيعاب الأمر، ظهر القلق على وجه قائد الفرسان.
“لا نعرف ما الذي تنحتهُ بالضبط.”
“أنتَ قائد الفيلق الأول في كايين، أليس كذَلك؟”
“………”
“كيف تقول إنكَ لا تعرفُ ما الذي يحدُث في مكان عملك؟”
“لقد تحققنا مِن الأمر، ولكن لا أحد يعرف ما الذي تقوم بنحتهِ.”
ضحك رودريك ضحكةً قصيرة وكأنهُ غير مصدق.
“تحقق مِن الأمر وأبلغني بالتفاصيل.”
“وأعد السكين.”
كان الاتفاق الأساسي أنْ يستمر الزواج حتى تتويج الملكة.
رغم أنْ هيلي كانت تبدو هادئةً في تنفيذ ذَلك الاتفاق رغم محاولتها السابقة للانتحار، إلا أنّها كانت شخصًا يحتاجُ إلى العيش لفترةٍ أطول لأجل العائلة المالكة، التي كانت تُعاني مِن الشائعات السيئة وأسرة دنكان المُتعبة.
“راقبها جيدًا.”
“نعم.”
“تأكد مِن فعل ذَلك قبل أنْ تحرق تلكَ المرأة القصر بأكمله.”
“حسنًا، جلالتُك.”
عندما تحدثَ رودريك بنبرةٍ صارمة، تنهدَ جايد بصوتٍ خافت.
كان الملك يُحاول المُماطلة، ولكن الأمور تبدو وكأنّها ستبقى على حالها.
لكن عندما أمسكَ الملك فجأةً جبهتهُ، تقدم جايد بسرعة.
كان يعلم أنْ الملك يمرُ بمثل هَذهِ الحالات أحيانًا، فسألهُ بصوتٍ منخفض.
“هل تشعرُ بالسوء مجددًا؟”
“لا.”
لّوح رودريك بيدهِ طالبًا منهُ المغادرة، لكنهُ بدأ يفكر في هايلي.
تذكرَ كيف فزعت عندما استيقظت فجأة.
“لقد شعرتُ بالحرارة أثناء نومي…”
كلامٌ سخيف.
ورغم ذَلك، ضحك رودريك بخفةٍ.
لَمْ يستطع أنْ يُنكر شعورهُ بأنه رُبما فعل شيئًا خطيرًا تلكَ الليلة.
رغم أنْ هيلي نفّت ذَلك، إلا أنه كان يعتقدُ أنْ الأمر كان بسببهِ.
لكن ذاكرتهُ لَمْ تكُن واضحةً.
في بعض الأحيان، كان يجدُ نفسهُ يمسك بالسيف دوّن أنْ يُدرك، وتكررت هَذهِ الحوادث بشكلٍ مُتزايد.
لذَلك كان رودريك يعلمُ جيدًا بأنه مصابٌ بالجنون.
كما كان يعلم أنْ حالتهُ كانت تتفاقم.
لكنه لَمْ يكُن يستطيع الإعلان عن جنونهِ على الملأ، لذا كان يختارُ الصمت.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة