حيثُ يقودكَ قلبُكَ - 4
الفصل 4 : ذِكرياتُ الليلةِ الأولى ⁴
ظلّت إي-جي تُراقب الملك لفترةٍ طويلة. كانت نظرتُها حادةً.
لكنها سرعان ما مالت برأسها إلى الجانب.
كان ذَلك أمرًا نادر الحدوث.
رغم أنْ تلكَ الهالة كانت قد خفتت إلى حدٍ ما بفعل المُعاناة الطويلة، إلا أنْ هُناك هالةً واضحةً تتدفق مِن جسد الملك. كانت تبدو مقدسةً حقًا، وكانت تُشبه إلى حدٍ بعيد الهالة المُحيطة بهَذا القصر الملكي. كانت تبدو مُشابهةً إلى حدٍ ما لتلكَ الهالة الغريبة التي رأتها في القاعة سابقًا.
لكن كيف لشخصٍ كهَذا أنْ يحمل حوله هَذا العدد الكبير مِن الأرواح المُعذبة؟
عادةً، لا يستطيع الناس أنْ يعيشوا بشكلٍ طبيعي حتى لو كان لديهم روحٌ واحدة أو اثنتان تُلاحقهم.
في الواقع، كان مِن المُفترض أنْ يموتَ الملك قبل هايلي التي ألقت بنفسها في الماء.
في تلكَ اللحظة، ظهرت هيئةُ شخصٍ مُبتسمٍ ابتسامة واسعة خلف الملك، تهمسُ لهُ بشيءٍ ما.
وبما أنها تعلم أنهُ يجبُ ألا يُصغي لذَلك الصوت الخبيث، سارعت إي-جي بالتحدث إلى رودريك.
“جلالتُك، هل أنتَ بخير؟”
“…..”
“جلالتُك، أأنتَ مُتألم؟ هل بإمكانكَ رفعُ رأسكَ قليلًا؟”
لَمْ يُبدِ الملك أيَّ رد فعل لفترةٍ مِن الوقت.
ولكن عندما واصلت إي-جي همساتها، رفع رأسهُ ببُطء ونظر إليها.
حتى تلكَ اللحظة، كانت تعابيّرُ وجههِ قاسيةً، لكنهُ الآن بدا بوجهُ هادئًا نسبيًا، وإنْ كان باردًا بعض الشيء.
غيرَ أنْ إي-جي قد شعرت بإحساسٍ مُرعبٍ في تلكَ التعابير، إحساسٌ لا يُمكن للآخرين الشعور به، فارتعش جسدها.
صرخت بسرعةٍ، “ماذا تفعل؟ استعد وعيّكَ!”
“…..”
“أنتَ لستَ هَذا النوع مِن الأشخاص!”
رغم أنها لَمْ تكُن تعرفه جيدًا، كانت مُتأكدةً مِن أنهُ ليس مِن هَذا النوع مِن الأشخاص.
وفجأةً، بدأت تنبعثُ مِن الملك هالةُ قتلٍ قويةٍ وعدوانية.
لذَلك، صرخت إي-جي على الفور.
عندها، عبُسَ رودريك.
كان وجههُ مليئًا بالألم، لكن ذَلك كان أفضل مِن حالتهِ الحالية.
عرفت إي-جي أنْ صوتها تمكن مِن اختراق وعيّه قليلاً.
ورأت الأرواح المُعذبة تُصرّة على أسنانها في الخلف، فأمسكت بكتفه وهزتهُ بقوة.
“لقد صمدتَ طويلاً إلى هَذا الحد، فَلا تستسلم الآن!”
“……”
“لماذا تفعلُ هَذا في الليلة الأولى بينما كنتَ على ما يرامٍ قبلَ قليل؟”
شعرت برغبةٍ في البكاء دوّن أنْ تدري، فعضّت شفتيها.
وفي تلكَ اللحظة، سقط رودريك فجأة، واضعًا جسدهُ بالكامل عليها.
لَمْ تستطع إي-جي الابتعاد عنهُ خشية أنْ يسقط.
“هل… هل نمتَ؟”
“…..”
لقد تحسّن.
تنفست إي-جي الصعداء بارتياح.
“إذن، الآن ابقَ بعيدًا عني… لا، لا تنهض، فقط استمر في النوم، نَم عميقًا.”
وضعت إي-جي رودريك في وسط السرير.
كان جسدهُ متينًا وثقيلًا، لذَلك استغرقت وقتًا طويلاً لتحريكه.
لكنها شعرت أنْ جسدهُ القوي تمكن مِن الصمود.
غطّتهُ جيدًا حتى صدره، وشمت رائحةً خفيفةً مِن الكحول تنبعثُ منه.
نقرت بلسانها قليلاً.
“أنتَ لستَ شخصًا يجبُ أنْ يشرب، ومع ذَلك قد شربت.”
على الرغم مِن أنهُ لَمْ يشرب سوى كأس أو كأسين، إلا أنْ هَذا كان خطيرًا في حالته.
وسرعان ما أدركت إي-جي السبب.
كان هُناك روحُ متسولٍ بائس يجول حول الملك.
“لديكَ مجموعةٌ مُتنوعةٌ مِن الأرواح حقًا.”
كان القلقُ واضحًا على وجهِ إي-جي.
وبينما كانت روحٌ شبحيةٌ بلا ساق تبدو وكأنها جنديٌ تقفزُ في الغرفة، أصبحت تعابيرُها أكثر بؤسًا.
كانت إي-جي قادرةً على التعايُش مع بضعة أرواح.
ذَلك بسبب البيئة التي نشأت فيها.
لكن عددُ الأرواح هُنا كان كبيرًا جدًا، وإي-جي التي أنجزت مهمةً كبيرةً أرادت أنْ تنام بهدوء، بينما كان الملك يُعاني مِن كوابيس حتى في نومه.
كان مِن الواضح أنهُ يُعاني حتى في نومه.
لا بد أنهُ لَمْ ينعم بنومٍ هادئٍ لفترةٍ طويلة.
متى بدأ الأمر على هَذا النحو؟
نظرت إي-جي إلى الملك بوجهٍ مُفكرٍ لبعض الوقت.
ما كانت على وشكِ فعلهِ كان عبئًا كبيرًا عليها أيضًا.
هُناك قولٌ في الفلسفة الغربية: “مَن يُحارب الوحوش، يجبُ أنْ يحذر مِن أنْ يُصبح وحشًا.”
“ومَن يُطيلُ النظر إلى الهاوية، فإنْ الهاوية ستُحدقُ فيهِ أيضًا.”
بالطبع، هي تعلمُ أنْ لديهم معنى أسمى لهَذا القول، لكن الشيء نفسهُ ينطبقُ على الأرواح.
إذا انتبهت إي-جي لهم، فَسيُلاحظونها أيضًا.
وإذا تدخلت إي-جي في شؤونهم، سيتدخلون في حياتها أيضًا.
كانت تعلم مِن تجربتها في الحياة السابقة أنْ ذَلك سيجعلُ حياتها أكثر تعاسةً. فالتورطُ مع الأرواح لا يعود بالنفع على البشر.
لكن، بعد ترددٍ طويل، نهضّت إي-جي مِن مكانها.
“سأعتبرُ هَذا ردًا على إنقاذهِ ليّ مِن الدوق دنكان. يبدو أنْ ما سأخسرهُ أكثر بكثير، لكن… هَذهِ المرة فقط.”
كانت غرفةُ النوم كبيرةً بحجم منزلٍ صغير، لكنها كانت جُزءًا مِن قلعة، وكان هُناك مكتبةٌ مُنفصلة.
كل ما تحتاجُه هو قطعةُ ورق، لكن إي-جي لَمْ تتمكن مِن العثور على واحدة، فمزقت جزءًا مِن أسفل قميصها.
ثمَ عضّت بإحكامٍ على إصبعها.
كتبت ببضعِ قطراتٍ مِن دمها بضعَ حروفٍ صينية، ثمَ نشرت قطعة القماش عند جانب السرير.
“……”
لا أعرف إنْ كانت هَذهِ الطريقة ستنجح هُنا أيضًا. لكن إي-جي تعلّمت مِن “يونغسان” أنْ الأمر في النهاية مُجرد صراعٍ على الطاقة، أينما كان.
نظرت إي-جي مُباشرةً إلى الحشد الذي كانت تتجنبُه حتى وقتٍ قريب.
حينها، نظروا جميعًا إلى إي-جي بأعيُنٍ مُتوهجةٍ.
كان مشهدًا مُرعبًا ومُثيرًا للقشعريرة، لكنها لَمْ تتراجع بل أغلقت عينيها بثباتٍ. إذا تراجعت في هَذهِ المعركة، ستكون هَذهِ هي النهاية.
“أيُّها الموتى، إنْ الوقت فيّ عالم الأحياء والأموات يتحركُ بشكلٍ مُختلف.”
تقدمت إي-جي خطوةً نحوهم.
“عوالم الأحياء والأموات لا يجبُ تختلطَ أبدًا.”
“………”
“أيُّها الأشرار.”
“………”
“عودوا إلى حيثُ تنتمون.”
جلست بهدوء بعدَ أنْ تلاشت الظلال السوداء ببُطء مِن ذَلك المكان وتبعثرت خارج الغرفة.
وعندما عاد الهدوء أخيرًا إلى المكان، تنفست إي-جي بعمقٍ وبـ أرتياح.
كانت إي-جي تمتلكُ البصيرة، لكنها لَمْ تكُن شخصًا يمتلكُ قوى روحيةٍ خاصة.
لَمْ تكُن كاهنةً مُدربةً بشكلٍ رسمي.
لذَلك، لَمْ يكُن ما فعلتهُ إلا حلاً مؤقتًا.
لَمْ يكُن لديها القدرة على تطهير جميع الأرواح، بل طردتهم مؤقتًا فقط.
…ولكن على الأقل سيستطيع هَذا الشخص أنْ ينام جيدًا الليلة.
بعد أنْ دفعت القماش المُلطخ بالدم تحتَ السرير، شعرت فجأةً بدوارٍ شديد وغثيان.
وبينما كانت تتقيأ، سقطت بجانبِ السرير ونامت على الفور.
استيقظت إي-جي عندما شعرت بنظرةٍ حادةٍ موجهةٍ نحوها.
عندما عبست ونظرت خارج النافذة، كانت السماء لا تزالُ مُظلمةً بعض الشيء.
وعندما أدارت رأسها نحو مصدر شعورها، كان هُناك رجلٌ بجانبها ينظرُ إليها باهتمام، مثل وحشٍ ذو فروٍ أسود.
كان هَذا الرجُل هو زوجها الذي تزوجتهُ بالأمس.
تفاجأت إي-جي وقفزت فجأةً وكأنها تنطلق.
رودريك، الذي كان يُشاهد كُل ذَلك، نظر إلى جسد إي-جي.
“هل أنا مَنْ فعل ذَلك؟”
أشار بإصبعهِ إلى الجزء السفلي مِن قميصها، الذي تمزق نصفُه.
عندما أدركتْ أنها نامت دوّن أنْ تُغطي نفسها، سحبت إي-جي بسرعةٍ الطرف السُفلي مِن قميصها.
لكن ذَلك لَمْ يكُن كافيًا، فَلَمْ يكُن القميص يُغطي سوى ملابسها الداخلية بالكاد.
“لا أذكُر أنني قضيتُ ليلةً جامحةً كهَذهِ.”
كان رودريك، الذي استيقظ منذُ فترةٍ طويلة، أكثر هدوءًا مِن إي-جي.
كان ينظرُ إليها فقط مُنتظرًا أنْ تُجيب.
“لا، فور وصولكَ… لقد نمتَ مُباشرةً.”
“………”
“أنا لا أعني شيئًا بهَذا، بالتأكيد.”
لَمْ يُعجبها كيف بدا وكأنها تشكو، فأضافت إي-جي بارتباكٍ. في تلكَ الأثناء، كانت تُحاول باستمرارٍ سحب قميصها لتغطية ملابسها الداخلية الصغيرة التي كانت بالكاد مرئية.
رُبما شعر رودريك بالأسف تجاهها، فحوّل نظرهُ إلى النافذة وألقى بالغطاء عليّها.
“غطي نفسكِ.”
“…شكرًا لكَ.”
عندما غطت إي-جي جسدها، أعاد نظرهُ إليّها مرةً أخرى.
“إذا لَمْ أكُن أنا… مَن فعل هَذا بكِ إذًا؟”
“………”
أغلقت إي-جي فمها. بعد فترةٍ مِن الصمت، تذكرت أنهُ لا يُحب أنْ يسأل عدة مرات، لكن الملك بدا هادئًا للغاية.
لقد نام نومًا عميقًا للمرة الأولى منذُ فترةٍ طويلة، وكان ذهنهُ صافيًا بشكلٍ نادر.
في الحقيقة، كان في حالةٍ جسديةٍ مُمتازة.
“هل تقصدين بصمتكِ إنْ غريبًا اقتحم هَذهِ الغرفة؟”
“لا، ليسَ كذَلك.”
كان مِن المُمكن أنْ تكون أنتَ الغريب البارحة.
“إذن؟”
“أعتقدُ… أنني أنا مَن فعلتُ ذَلك.”
سأل رودريك بنبرةٍ تُعبر عن دهشته، وأجابت إي-جي وهي تعضُّ شفتيها.
“رُبما كان ذَلك لأنني شعرتُ بالاختناق والحر أثناء نومي…”
عند سماعِ ردها الساذج، عبس قليلاً.
“لقد كنتِ شُبه عاريةٍ بما فيه الكفاية منذُ البداية.”
“………”
قال رودريك وهو ينظرُ إلى كتفيها، حيثُ لَمْ يكن هُناك سوى شريطين رفيعين.
“أنتِ، هل كنتِ تشعرين بالحر إلى هَذا الحد؟”
“ليس حقًا… فقط لديّ أسبابي.”
حتى مِن وجهة نظر إي-جي، كان ما قالتهُ لا معنى لهُ. مَن يشعرُ بالاختناق والحر الشديد لينام بهَذا الشكل؟
لكن لَمْ تستطع أنْ تشرح ما حدث، لذا بدت إي-جي بوجهٍ مُكتئب.
عندها لَمْ يسألها الملك شيئًا آخر، ونهض مِن السرير.
رُبما رآها بالفعل كشخصٍ غريب.
“ارتاحي أكثر.”
نظرت إليّه إي-جي بوجهٍ مليء بالظلم، لكنهُ كان قد خرج مِن الغرفة.
“ما هَذا، إذا تصرّفتَ وكأنكَ لَمْ تسمع، فهَذا يجعلُني أشعرُ… بمزيدٍ مِن الإحراج. لَنْ أفعل شيئًا كهَذا مرةً أخرى.”
لقد كانت ذكرى حادةٍ لأول ليلةٍ مِن الزواج.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة