حيثُ يقودكَ قلبُكَ - 10
الفصل 10 : مَن أنتَ؟ ²
راقبت لي-جي مِن بعيدٍ الفرسان الملكيين وهم يتجمعون ويتجهون إلى مكانٍ ما. لَمْ تكُن ترى رودريك بوضوح، فقد كان مُحاطًا بالناس أثناء تنقُله.
ولكن لي-جي أدركت سريعًا أنْ رودريك هو المحور الذي يدور حوله الجميع. فبعكس لحظة انطلاقهم، كانت الأرواح الشريرة تحوم حوله بأعدادٍ كبيرة.
“مِن أين جمع كُل تلكَ الأرواح؟”
تنهدت لي-جي وهي تُراقب الجميع يتجهُ نحو غرفة نوم الملك.
“هِذا لا يصُح. كيف يمُكن لشخصٍ أنْ يتعافى في مكانٍ كهَذا؟”
شعرت بالقلق وهي تُراقب الموقف، وقررت العودة إلى غُرفتها بسرعة. رغم أنْ قرارها كان أنْ تبقى بعيدةً هَذهِ المرة، إلا أنّها خذلت نفسها مُجددًا دوّن أنْ تُحاول تبرير ذَلك.
عندما دخلت لي-جي غرفتها وبدأت بإزالة التعويذات المُعلقة، نظرت روح الجرة إليّها بدهشةٍ.
بلمح البصر، أزالت لي-جي الحاجز الذي وضعتهُ بنفسها.
“لي-جي! ماذا تفعلين؟!”
“…”
“أوه! أرجوكِ، لا تفعلي ذَلك! لقد حصلتُ على الراحة هُنا بعد سنواتٍ طويلة!”
“سأعيدُ ترتيب كُل شيءٍ لاحقًا. ادخلي إلى مسكنك واختبئي.”
“مسكني قد دُمّر بالفعل… هَذا المكان لَمْ يعُد آمنًا… لقد سرقوا ما أملك دوّن أنْ أدرك…”
كانت الروح تبكي وتندبُ، لكن لي-جي تجاهلتها.
وبعد أنْ أزالت التعويذات، أخفتها في أنحاء جسدها، ثم انطلقت إلى غرفة الملك وهي في كامل استعدادها.
كان الجو أمام غرفة الملك مشحونًا بالتوتر الشديد. فقد انتشرت شائعات عن نوبة جنونٍ جديدةٍ للملك أثناء رحلة الصيد. قيل إنهُ عاد جريحًا، لكنهُ لَمْ يترُك سيفهُ المُلطخ بدماء الحيوانات طوال الطريق.
حاول الحراس منعَ الملكة مِن الدخول.
“الوقت ليس مُناسبًا للدخول الآن.”
ترددت لي-جي للحظةٍ، لكن ديبورا أمسكت بذراعها برفقٍ لتُبعدها.
“ديبورا، يُمكنني دخول غرفة الملك. فقط اسألي إذا كان ذَلك مُمكنًا.”
أبدت ديبورا أسفها وهي تنظرُ إلى سيدتها، فقد كان مِن الصعب عليها أنْ ترفض طلبها.
وفي تلكَ الأثناء، دخل الطبيب مُتأخرًا إلى الغرفة. وبينما كان يتسللُ إلى الداخل، استغلت لي-جي الفرصة لتتبعهُ.
ما إنْ دخلت، حتى شعرت بالغثيان على الفور.
ظن الحراس أنْ السبب هو رائحةُ الدم، لكن لي-جي لوحت بيدها رافضةً المُساعدة، وبدأت تشقُ طريقها بين الفرسان.
عندما وصلت إلى السرير، رأت رودريك جالسًا هُناك، مِما جعلها تعضُّ شفتيها غضبًا.
رغم أنهُ كان مُصابًا، إلا أنْ عدد الأرواح الشريرة المحيطة بهِ كان كبيرًا جدًا. ومع ذَلك، لَمْ تكُن إصاباتهُ بالغةٍ كما قيل.
‘لماذا سمحتُ لذَلك الشبح اللعين بالعبث معي؟!’
لكنّها أدركت أنْ الأرواح دائمًا ما تعبثُ بالبشر. إنْ طبيعتها هي استغلال نقاط ضعفِهم وإغواؤهم باستمرار.
حين اقتربت لي-جي خطوةً أخرى مِن رودريك، تغيّر الجو حولهُ تدريجيًا.
وكلما خفَ الضغطُ النفسي على رودريك، ازدادت شحوب وجهِ لي-جي.
“جلالتُك، هل أنتَ بخير؟”
جاء صوتها خافتًا ومتواضعًا، مِما دفع رودريك إلى التحديق بها بحدةٍ. كانت عيناهُ الزرقاوان باردتين، ولكنهما تحملان جنونًا على وشك الانفجار.
على ذراعهِ كان هُناك آثار مخالب حيوان، ويدُه كانت تنزف دمًا، لكنهُ لَمْ يتركُ سيفه رغم إصابتهِ.
وقف الطبيب عاجزًا عن فعل أيِّ شيء، بينما شعر الفرسان بالقلق.
كانوا قد فشلوا في إيقاف الملك عندما اندفع بمفردهِ لمواجهة الوحوش في الغابة. حتى عندما استمر في تمزيق جثة الحيوانات الميتة، لَمْ يتمكنوا مِن فعل شيء.
بينما كان أحد القادة يًفكر في التضحية بحياتهِ لإيقاف الملك، اقتربت الملكة بخطواتٍ صغيرةٍ وثابتة. رغم جسدها الصغير، كانت عيناها حادتين وواثقتين.
جلست إيجي بالقرب مِن رودريك وبدأت تتمتم بتعويذاتها.
“لا يمكن للشر أنْ يهزم الحق.”
“دمرّ الشر وأظهر الحق.”
“هَذهِ هي القوانين هُنا. أيُها الشر، عُد إلى عالمك.”
وضعت يدها بهدوء على كتفهً وبدأت في طرد الأرواح الشريرة المُحيطة به.
عندما حاولت لمس إحدى الأرواح بسوارها، شعرت بحرارةٍ شديدةٍ وكأنْ يدها قد احترقت. لكنّها تحملت الألم ولَمْ تتوقف.
بدأت الأرواح تتلاشى شيئًا فَشيئًا.
أمسكت لي-جي بيد رودريك، وفكّت أصابعهُ واحدةً تلو الأخرى حتى سقط السيف مِن يده.
“إذا استمررت في الإمساك بهِ هَكذا، ستتفاقمُ إصابتُكَ…”
رغم شحوبِها الواضح، ابتسمت لي-جي بحذرٍ وهي توجهُ كلماتها إليّه.
بعد مرور وقت طويل، استقرت الأجواء المُحيطة، وبدأت عينا رودريك تستعيدُ هدوءها. نظر إليّها بعمقٍ ولَمْ يقل شيئًا.
“هل أنتَ بخيرٍ الآن؟”
لِمْ تحصل على إجابةٍ واضحة، لكن لي-جي شعرت بالراحة وطلبت مِن الطبيب أنْ يقترب.
رغم ترددهِ، اقترب الطبيب ببطء وبدأ في علاج رودريك.
وبعد التأكد مِن أنْ الأجواء قد هدأت، بدأت لي-جي تتجول داخل الغرفة، تُتمتم بتعويذاتِها لطرد ما تبقى مِن الأرواح الشريرة.
عندما عادت إلى جوار رودريك، كانت عيناهُ قد أصبحتا صافيتان تمامًا. وبصوتٍ هادئ، تحدث لأول مرةٍ منذُ دخولها.
“لماذا أتيتِ إلى هُنا؟”
شعرت لي-جي بالاختناق، ولَمْ تجد ما تقوله. كانت تريد أنْ تصرخ.
‘لَمْ آتِ هُنا برغبةٍ مني. الألم يعرفهُ مَن عانى، والخوف يفهمهُ مَن رآه!’
لكنها اكتفت بالقول القليل.
“أتيتُ لأنكُ مُصاب. بِما أنني تأكدتُ مِن أنكَ بخيرٍ الآن، فسأذهب.”
رغم نبرتِها الباردة، لِمْ تستطع إخفاء خيبة أملها، فبدأت تستعدُ للمغادرة.
لكن فجأة، أمسك رودريك بمعصمها بيدهِ المُصابة.
“لا تذهبي. ابقي قليلاً.”
شهق الحاضرين، مُتسائلين عما يحدُث.
لكن رودريك أمسك فجأةً بمعصم لي-جاي.
“لا تذهبي، فقط انتظرِ لفترةٍ أطول قليلا.”
حبسَ الناس أنفاسهم.
ما الذي يحدُث؟
كانوا يتساءلون عما فعلتهُ الملكة ليُصبح الملك مُطيعًا بهَذا الشكل مرةً أخرى.
والأدهى مِن ذَلك، أنْ الملك كان الآن يُمسك بالملكة بإصرار، ويمنعُها مِن المُغادرة تمامًا.
ولكن لي-جي نفسها، التي كانت المعنية بالأمر، شعرت بالانزعاج مِن شيءٍ آخر.
“جلالتُك، أليس مِن المُفترض ألا تستخدم هَذهِ اليد؟”
حاولت لي-جي أنْ تُبعد يدهُ عنها، لكن بخلاف ما كان عليهِ الأمر عندما كان يُمسك بالسيف، الآن لَمْ تستطع تحريك أصبعهِ ولو قليلاً رغم استخدام كُل قوتها.
“فهمت، لذا رجاءًا، اتركني. قلتُ إنني فهمت.”
“….”
“الدم… انهُ ينزف أكثر.”
كانت لي-جي تنظرُ إلى راحة يدهِ بوجهٍ مليءٍ بالتعقيد، لكنها فجأةً شعرت بموجةً مِن الإرهاق تجتاحُها.
وبحركةٍ مشوبة ببعض العصبية، ضربت لي-جي بلطفٍ كتف رودريك.
“كنتُ أعرف أنْ هَذا سيحدُث منذُ البداية! لا تذهب للصيد مرةً أخرى بعد الآن!”
وفي الوقت الذي قامت فيه الملكة بضرب كتف الملك، رمى خدمُ الملك بنظراتٍ غاضبةٍ نحو وصيفات الملكة.
في الأوقات العادية، لَمْ تكُن وصيفات الملكة ليتراجعن عن المواجهة، لكنهُنَ أيضًا كُن في حالةٍ مِن الصدمة لدرجة أنهُنَ اكتفينَ بالمشاهدة.
ألَمْ تقُل إنّها خائفة؟
لكن رودريك اكتفى بالابتسام بخفةٍ.
رغم وجههِ الشاحب بسبب النزيف، سأل بصوتٍ منخفض: “لماذا؟”
“….”
“هايلي دنكان.”
“….”
“لماذا لا يجبُ أنْ أذهب؟”
كان بإمكانّها أن ْترد بأسبابٍ عديدة: أنتَ مريض، أو أنّها قلقةٌ عليهِ بسبب إصابته، لكن لي-جي، التي شاهدت بنفسها كيف كانت الأرواح الشريرة تحوم حوله، شعرت بغصةٍ في قلبها.
“لأني أحبُ الحيوانات كثيرًا!”
بدأ الحضور يعتقدون أنْ الملكة، بدأت تفقد صوابها بطريقةٍ لطيفة.
لكن رودريك ابتسم مرةً أخرى بخفةٍ.
نظرَ إلى جسدهِ المُلطخ بالدماء، ثم بحركةٍ بطيئة أشار للحاضرين بالانسحاب.
ورغم شعورهم بالقلق، غادر الجميع الغُرفة ببطء.
لَمْ يكُن يُخطط لتقديمِ تفسيرٍ شامل.
لكن أيضًا لَمْ يكُن ينوي عدم قول أيِّ شيء.
هي مِن دنكان، زوجتهُ، لقد شهدت مرتين تصرفاتهِ المُرعبة بالفعل، لذا كان عليهِ على الأقل تقديمُ تفسيرٍ بسيط كنوعٍ مِن الاحترام.
“هايلي دنكان، في الحقيقة، لَمْ يكُن لديٍ خيار.”
“….”
“قد يبدو هَذا عديم المسؤولية وغيرَ كافٍ، لكنني أيضًا لَمْ أكُن أستطيع فعل شيء.”
في الواقع، أنا أتحطم ببطءٍ يومًا بعد يوم.
كانت كلماتُه غامضةً، ولَمْ يكُن يبدو أنهُ يعتزمُ شرحها أكثر.
لكن لي-جي خفضت رأسها.
كانت الوحيدة التي تفهمُ بالضبط ما الذي كان يعنيهِ، وما الذي كان يعجزُ عن قولهِ.
رودريك كان يعلمُ تمامًا ماذا يفعلُ بنفسه.
وكان يعلمُ أيضًا أنْ هَذا أصبح خارج نطاق سيطرتهِ.
رفعت رأسها بصعوبةٍ، لكنها سرعان ما خفضتهُ مُجددًا.
رغم مظهرهِ المُرهق، كان وجههُ هادئًا، ونظراتهُ صافيةً للغاية.
صافيةٌ جدًا.
هل هَذهِ حقًا نظراتُ شخصٍ تلطخت يداهُ بالخطايا والدماء؟ ما الذي يحدُث بالضبط؟
وكانت تعابيّرُ وجهِها المُنعكسة في عينيهِ الصافيتين تبدو مشوشة.
لكن لي-جي لَمْ تستطع أنْ تُخفي الألم والغصة التي كانت تعتصرُ قلبها.
لا شيء بخير. أنتَ إنسانٌ أيضًا. توقف عن التظاهر بأنْ كُل شيءٍ على ما يُرام.
الشخصُ العادي في حالتكَ سيرتعدُ مِن الخوف والألم، وسيريدُ الموت قبل حتى أنْ يموت فعليًا.
والهدفُ الأساسي للأرواح الشريرة هو جعلكَ تشعرُ بذَلك.
مِن ناحيةٍ أخرى، كان رودريك ينظرُ إلى لي-جي بتعبيّرٍ مُتعجب.
رغم أنهُ لَمْ يقُل أيَّ شيءٍ مُميز، كانت تبدو وكأنّها على وشك البكاء، وقد خفضت رأسها مُجددًا.
“هايلي دنكان.”
أجابت لي-جي دوّن أنْ ترفع رأسها.
“نعم.”
“هل أنتِ غاضبة؟”
شعرت لي-جي بالإحباط، فأطلقت ضحكةً ساخرة.
“لا.”
“لكن يبدو أنكِ كذَلك.”
“….”
“لابد أنْ كلماتي بدت تافهةً للغاية.”
“قلتُ لا. لستُ… بتلكَ المكانة لأغضبَ منكَ.”
“يبدو أنكِ تفتقرين إلى تقدير الذات. لكنكِ على الأقل تستحقين أنْ تغضبي عندما تشعُرين بذَلك.”
“….”
“أنتِ الملكة، وواحدةٌ مِن عائلة دنكان، أليس كذَلك؟”
ضحكت لي-جي مرةً أخرى بسخرية. الشخصُ الذي كان يكرهُ عائلة دنكان هو الملك بذاتهِ. وفي الواقع، لي-جي لَمْ تكُن حتى هايلي دنكان الحقيقية.
“إذا كان هَذا إطراءً، فأنا مُمتنةٌ للغاية. لكنني لستُ غاضبة.”
“إذا لَمْ تكوني غاضبة، فهل يُمكننا التحدُث قليلاً؟”
“ما الذي تعنيه بذَلك؟”
“أشعرُ بطريقةٍ ما بأنني أستعيدُ تركيزي عندما أتحدثُ إليّكِ.”
كانت عبارةً عادية، لكن لي-جي أدركت أنهُ يتحدثُ بصراحةٍ تامة.
لكن هَذا ليس لأنكَ تتحدثُ معي. هَذا بسبب تلكَ الأرواح الشريرة المُحيطة بكَ التي بدأت في تبتعدُ تدريجيًا.
لكن لي-جي اكتفت بإيماءةٍ صامتة.
وتبادلا بعض الكلمات بعد ذَلك.
لَمْ يمض وقتٌ طويل حتى بدت ملامحُ الإرهاق تظهرُ على رودريك، وبقيت لي-جي جالسةً بجانبهِ حتى غلبهُ النوم.
نظرت لي-جي إلى رودريك الذي كان يتنفسُ بانتظام. وبعد ترددٍ، مدت يدُها لتُلامس خصلات شعرهِ الأسود اللامع، وضغطت برفقٍ على بعض النقاط في رأسهِ.
بينما كانت تستمعُ إلى أنفاسهِ التي أصبحت أكثر راحةً، فتحت لي-جي حقيبتها وأخرجت أوراق التعويذات.
وقفت أمام الشمعدان، وأحرقت تلكَ التعويذات واحدةً تلو الأخرى، وهي تُتمتم بكلماتٍ لا تتوقف.
كانت تعاويذ لتمني السلام والطمأنينة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》