حصلتُ على أب مُزيف - 4- إيلي
الفصل الرابع: إيلي
ما إن أنهى رايفن حديثه، حتى بدأت الطفلة التي لم تستطع حتى البكاء بحرية بكسر القيود التي فرضتها على نفسها، وأطلقت العنان لدموعها بحرية.
“أواااه…”
رايفن احتضن الطفلة بين ذراعيه حتى هدأ بكاؤها.
(لن أجعلك تبكين مجددًا. هذا هو السبيل لرد الجميل لتلك المشاعر. وسأقود من جعلك بهذا الحال إلى الهلاك.)
في غرفة تغمرها الصمت، لم يكن يُسمع سوى شهقات الطفلة الصغيرة.
رايفن، وهو يحاول أن يكون عونًا لها، بدأ يربت على ظهرها بحذر، وكأنه يخبرها بلطف: “لا بأس، ابكي كما تشائين.”
صوته الهادئ والعطوف تسلل إلى أعماق الطفلة التي لم تدرك مشاعرها تمامًا بعد.
مر بعض الوقت، وبدأ صوت بكاء الطفلة بالتلاشي تدريجيًا. ومع توقف دموعها، شعرت بالخجل يغمرها ولم ترفع رأسها لفترة طويلة.
الطفلة الصغيرة التي كانت تستقر في أحضان رايفن ضغطت أظافرها على راحتي يديها، محاولة كتم أفكارها:
(لماذا بكيت؟ كم أنت حمقاء. سيكرهني. سيكرهني لأني بكيت… مثل الأطفال.)
كانت خائفة.
ذلك اللطف الذي يظهره لها رايفن، كان يشبه إلى حد ما تلك اللحظة التي تسبق غضب الإمبراطور.
ذلك الحنان أخافها. لذلك كانت ترتعش شفتيها بشدة.
شعر رايفن بأن الطفلة هدأت قليلًا، فحررها بلطف من بين ذراعيه. أمسك بيدها الصغيرة والخشنة برفق، وابتسم قائلاً:
“لقد أحسنتِ. تبدين أفضل بكثير الآن.”
“ماذا؟”
“أقول إن بكاءك كطفلة يبدو أفضل بكثير من محاولة كتمه.”
“… آه…”
عينيها الممتلئتين بالدموع، اللتين تبدوان وكأنهما على وشك الانفجار بالبكاء من جديد، جعلت رايفن يمد يده برفق ليمسح دموعها.
لكن عندما رأت الطفلة يده الكبيرة تتجه نحوها، ارتعشت وتراجعت.
شعر رايفن بالإحباط ولكنه أخفى ذلك بصعوبة. نهض وابتسم محاولًا تخفيف توترها، ثم عدّل وضع الكرسي الذي كانت تجلس عليه.
“هل تريدين شيئًا آخر لتأكليه؟ هل تحبين الكعك؟”
“لـ… لا، لا أريد. شكرًا… لقد شبعت.”
لم تكن ترغب في الطعام، ليس لأنها ليست جائعة، بل لأنها تخشى الشبع.
كانت تعرف جيدًا كيف يتحول اللطف المفاجئ إلى غضب قاسٍ بعد الأكل.
لاحظ رايفن ذلك. كان يعلم أن رفضها لم يكن بسبب كراهيتها للطعام، بل بسبب ذكريات مؤلمة.
نهض وأشار بيده. دخلت الخادمات واحدة تلو الأخرى، حاملات أطباق الكعك التي وضعنها على الطاولة أمامها.
للحظة، تألقت عينا الطفلة، لكنها سرعان ما عادت إلى خفض رأسها، محاولة كبح رغبتها.
فكر رايفن قليلًا، ثم سحب قطعة كعك نحو جانبه، وقال:
“هل حقًا لن تأكلي؟ إذن سأضطر لأكلها وحدي.”
“نعم… لا أريد.”
أخذ قطعة الكعك الأكثر شهية ووضعها في فمه. التصقت القليل من الكريمة البيضاء بشفتيه، وابتسم وكأنه يستمتع بالطعم، بينما كانت عيناه تراقبان الطفلة.
الطفلة، التي كانت تكافح لكبح رغبتها، بدأت تشعر بالتوتر أكثر.
سرعان ما ابتلع رايفن الكعك، رغم كراهيته للطعم الحلو، ليمنعها من رؤية تعبير وجهه المتجهم.
“إنه ليس لذيذًا أبدًا. طعمه غريب. من الذي صنع هذا؟” قال ذلك بغضب متصنع.
كان الأمر غريبًا وغير مقنع، لكن الطفلة اتسعت عيناها دهشة وخوفًا.
(هل هو غاضب بسببي؟ لأني رفضت الأكل؟)
“ربما عليّ التخلص منه… لكن قبل ذلك، هل يمكنك تذوقه؟ أريد أن أتأكد إذا كان طعمه غريبًا بالفعل أم أن المشكلة في ذوقي.”
“أنا… أتذوقه؟”
“نعم، أرجوكِ. لا أحب أن أزعجكِ، لكن هل يمكنك مساعدتي؟”
ترددت الطفلة، ثم هزت رأسها بالموافقة ببطء.
“شكرًا لكِ.”
(لن يُعاقبني على هذا. لقد طلب مني أن أكل. إنها مجرد قطعة كانت ستُرمى على أي حال.)
أخذت الطفلة قطعة الكعك، وقضمت منها قضمة كبيرة، وهي تشعر بالاطمئنان لأول مرة منذ وقت طويل.
لم تكن تلك الأطعمة التي تذوقتها الطفلة مثل أي شيء جربته في حياتها. كانت تبدو شهية للعين، لكنها عندما دخلت فمها أصبحت أشبه بسحر يذوب سريعًا. كريمة ناعمة تذوب على اللسان، وخبز حلو يغمر الحواس. لحظة واحدة فقط كانت كافية لتظهر على وجهها ابتسامة عفوية.
لكنها سرعان ما أزالت تلك الابتسامة، وكأنها تخشى أن يُفتضح أمرها، وعادت لتصطنع ملامح حزينة مُتكلّفة.
“أظن… الطعام فاسد.”
على الرغم من علمها بأن الكذب أمر خاطئ، إلا أن رغبتها في تناول المزيد جعلتها تتلفظ بذلك دون تفكير. خشيت أن يُكتشف ما بداخلها من توق للطعام، فبدأت تبتلع لعابها بخفة، محاولًة إخفاء ما يشعر به جسدها من شغف.
استمع رايفن إلى كلماتها، وبدا عليه الاستغراب لوهلة قبل أن يبتسم موافقًا.
“حقًا؟ إذًا علينا التخلص منه.”
“لـ… لكن… هل يمكنني أكله؟ بما أننا سنرميه على أية حال…”
خوفًا من أن يُرفض طلبها، وخشية أن تُحرم من تلك الحلاوة التي ما زالت عالقة بلسانها، قالت ذلك بتوسل واضح.
تأمل رايفن الفتاة للحظات قبل أن يبتسم بلطف ويهز رأسه موافقًا.
“بالطبع يمكنك ذلك. بما أنه سيُرمى، فلا مانع.”
بمجرد أن حصلت على الإذن، شرعت الطفلة تأكل الكعك الذي أمامها دون أي تردد. كانت تأكل بشراهة وكأنها تُطارد حلمًا ضائعًا، وكان رايفن يراقبها بصمت، يشعر بالحزن والأسى تجاهها.
عرف مسبقًا أنها قد عانت الكثير، لكنه لم يتوقع أن يصل بها الأمر إلى هذا الحد من الخوف والتردد في أبسط الأمور، كتناول الطعام.
شعر بضيق في قلبه، خاصة وهو يراها تأكل وكأنها لا تعرف متى ستحصل على وجبتها التالية. أراد أن يطمئنها، أن يخبرها أن بإمكانها أن تأكل ما تشاء، لكنها كانت خائفة جدًا، حتى من كلماته. لذا قرر أن ينتظر بصبر، أن يمنحها الوقت الكافي لتشعر بالأمان.
حتى الخادمتان، ماري وديل، كانتا تراقبان الموقف بعينين مملوءتين بالحزن والأسى.
مر وقت ليس بالقصير حتى انتهت الطفلة من تناول كمية كبيرة من الكعك. وعندما أدركت ما فعلته، بدأت تشعر بالحرج، وتنظر حولها بتوتر. لكن رايفن لم يمنحها فرصة للقلق، وسرعان ما تحدث لإبعاد تلك الأفكار عنها.
“على فكرة…”
“نعم؟”
“كنت أفكر في اختيار اسم لك.”
“اسم…؟”
“نعم، لا يمكننا الاستمرار في التحدث دون أن أناديك باسم. لذا فكرت أن أطلب منك أن تختاري واحدًا.”
“أن أختار…؟”
على عكس توقعها، لم يقترح رايفن اسمًا عشوائيًا، بل أخرج ورقة طويلة من جيبه، تحتوي على قائمة بأسماء عديدة.
“لقد اخترت أسماء تحمل معاني جميلة.”
“آه…”
“مثل: أريادنا، إيفانيا، رودماري، سيلفيا، هيستيا…”
بدأ رايفن يعدد الأسماء واحدًا تلو الآخر دون توقف، مما جعل الطفلة تفتح فمها بدهشة. عندما تدخل ديل ليوقفه بلطف، نظر رايفن إليه باستغراب، ثم ابتسم بخجل.
“أعتقد أنني بالغت قليلاً، أليس كذلك؟”
ثم نظر إلى الطفلة مجددًا، وقال بصوت هادئ ومطمئن:
“إذا لم تجدي اسمًا يعجبك، سأفكر في المزيد غدًا. لكنني أردت حقًا أن أعطيك اسمًا مميزًا، اسمًا يعكس جمالك.”
صمتت الطفلة، غارقة في التفكير. كان من الصعب عليها الاختيار بين كل تلك الأسماء، لكنها في النهاية تمتمت بخجل:
“إليني…ا.”
عند سماع الاسم، تغيرت ملامح رايفن للحظة، وكأن شيئًا ما أثّر فيه بشدة. تلبد وجهه للحظة، لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه، ورسم على شفتيه ابتسامة حزينة.
“إلينيا… اسم جميل حقًا. هل تعرفين ما يعنيه؟ إنه يعني الطفلة المحبوبة من الإله.”
“الإله…؟”
عند سماع تلك الكلمة، تلاشت أي مشاعر فرح من وجه الطفلة. بالنسبة لها، كان الإله كيانًا بعيدًا، إن لم يكن كيانًا قاسيًا. الإله لم يمد يد العون لها أبدًا، بل كان مصدر كل معاناتها.
شعر رايفن بثقل كلماته على الطفلة، فابتسم ليخفف عنها وقال:
“ما رأيك إن ناديتك بـ إيلي؟”
“آه… نعم، بالطبع.”
~ ترجمه سول ✨.
فقرة التفاعل !!
س:لو ما أكلت كيك او حلويات لمُدة سنة كامله ايش بتكون رده فعلك لمه تأكليها ؟