حصلتُ على أب مُزيف - 3
كأنني على وشك البكاء. لماذا أنا غبية إلى هذه الدرجة؟ كان يجب أن أعتذر. كان يجب أن أخفض رأسي.
وفي تلك اللحظة.
“آنستي؟”
“نعم… نعم؟”
“إذا لم تكوني غير مرتاحة، هل يمكنني أن أحملك وأخذك إلى الداخل؟”
“آه… أنا… أستطيع المشي…”
اقتربت الفتاة كما لو كانت ماري ستحتضنها في أي لحظة، ثم رفعت رأسها الذي كان منخفضًا وأخذت خطوة للأمام. ماري، وهي تحافظ على مسافة مريحة، قادت الفتاة إلى الداخل. بعد فترة قصيرة، تمكنوا من الدخول إلى الحمام المتصل بالغرفة.
كانت أجواء الحمام دافئة، وكأن هناك بالفعل من قد ملأ الحوض بالماء الدافئ. كان الشعور وكأن الجسم يذوب من الدفء بمجرد الوقوف. وفي اللحظة التي كان فيها وجه الفتاة يضيء بسبب الدفء، لاحظت الفتاة فجأة وجود أشخاص آخرين في الحمام، ففوجئت ونطقت :
“آه…”.
بسبب ذلك، ارتجف جسد الطفلة قليلاً، فنظرت ماريا إليها وغطّت النساء الأخريات قليلاً حتى تتمكن من مواجهة عيون الفتاة.
“إذا خلعتِ ملابسكِ، سأساعدكِ في الاستحمام.”
كانت ماري قد قادتها الى الحمام الدافئ خوفًا من أن تصاب بالبرد إذا خلعت ملابسها في الخارج البارد، لكن وجه الطفله اصبح مظلمًا فجأة عندما رأت الأشخاص الآخرين.
كان السبب الرئيسي هو أنها لم تُخبرها مسبقاً.
كانت ماري حريصة للغاية خشية أن تكون قد فاجأت الفتاة بسببها، ففتحت فمها بحذر.
“آنسة…….”
“…………”
“إذا كنتِ غير مُرتاحة….”
عندما رأت ماري أن تعبير وجه الطفله ليس جيداً، بدأت الطفله تتردد الكلام قليلاً ثم خفضت رأسها بشدة.
فور ان رأت ان هناك آخرين، ارتجف جسد الطفله وكأن روحها قد انكسرت، وبدأت يديها تهبط ببطء. ظنت ماريا ان الفتاة ربما تكون خجولة، فغطت جسدها حتى لا يراها الآخرون.
“سأساعدك في خلع ملابسك لتتمكني من الاستحمام.”
كانت الطفله ترغب في ان تفعل ذلك بمفردها، لكنها شعرت ان لا يمكنها الرفض.
خافت ان تتغير تعبيرات الاشخاص الذين عاملوها بلطف اذا قالت كلمات سلبية، فوافقت ببطء بهز رأسها.
بعد ان تمّت الموافقة الصامتة، بدأت ماري في خلع ملابس الطفله ببطء وبلمسات رقيقه ودافئة.
يدها كانت ترتجف قليلاً. كانت حريصة على أن لا تؤذي الطفله، أو تزيد من جروحها العميقة، فكانت تتعامل معها بحذر شديد كما لو كانت تتعامل مع طفل حديث الولادة.
كيف عاشت هذه الطفله؟ كان من المفترض أن يكون فستانها أبيض ناصعًا، لكنه فقد لونه منذ زمن بعيد، وكان ممزقًا في أماكن عدة. كان ذلك يكسر قلب ماريا.
وفي هذه الأثناء، تم خلع الفستان الذي كان يثقل جسد الطفله الصغيرة، وكان يعيقها.
عجزت ماريا عن إخفاء دهشتها عندما رأت الطفله، فأغلقت فمها بيدها. كانت الخادمات اللواتي انتظرن في الخلف يرفعن رؤوسهن بدافع الفضول، لكنهن سرعان ما أطلقن أنفاسًا مفاجئة وأدارن رؤوسهن بعيدًا.
كان جسم الطفله الصغير والنحيل مغطى بجروح عميقة. كانت هناك العديد من الندوب القديمة التي بدت وكأنها قد شُفيت منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى جروح سطحية جديدة قد تكون قد تعرضت لها مؤخرًا.
كان ظهرها مغطى بندوب كثيرة لدرجة أنه لم يعد بالإمكان التعرف على الجلد الأصلي. لم تكن هناك أي منطقة في ذراعيها أو ساقيها أو جسدها خالية من الجروح.
كانت ماري على وشك البكاء عندما رأت الجروح التي تغطي جسد الطفله، فقد كانت تلك المناظر تجعل أي شخص يشفق عليها بشكل طبيعي.
كان جسد الطفله مليئًا بالجروح لدرجة أنه كان من المستحيل معرفة لون بشرتها الأصلي.
بينما كانت ماري تكبح دموعها بسبب الدهشة والقلق والحزن، أمرت الخادمات اللواتي كن يقفن خلفها بصوت منخفض
“الجميع… يجب أن تخرجوا. إذا احتجت إلى شيء، سأخبركن.”
خرجت الخادمتان من الغرفة دون أن تقولا كلمة.
وعندما فتحا الباب ولامس الهواء البارد جسدهما، بدا وكأن الفتاة استيقظت من غفوتها، فنظرت إلى ماري. لكن عندما رأت أن نظر ماري موجه نحو جسدها، انخفضت رأسها خجلاً.
“آ… آسفة… أتعلمين، ربما يكون المنظر مقززًا…”
احتضنت ماري الطفله، ارتدت الطفله فجأة وكأنها شعرت بالدهشة، لكن ماري تجاهلت ذلك وبدأت تلمس ظهرها بلطف.
“ماذا تقولين؟ كيف يكون هذا قذرًا؟ ما الذي تعنينه…..؟”
“لقد اعتدت…..على ذلك. هل لن تضربيني…..لأنني اظهرت جسدي القذر….؟”
تلك الكلمات جعلت قلب ماري ينفطر. كيف يمكن لطفلة في هذا العمر أن تعيش هكذا؟… لقد سمعت عن معاناتها، كيف تم تعذيبها على يد مخلوقات غير إنسانية.
لكن لم أكن أتوقع أن تكون هذه حالتها. لم أكن أتخيل أن تحمل كل هذه الجروح النفسية والجسدية.
كانت ماري فقط تشعر بالألم في قلبها. ما الذي أخطأته هذه الطفلة الصغيرة؟. حاولت كبت الحزن الذي كان يتصاعد في قلبها، وبدأت تداعب رأس الطفله بحنان.
“لا تفكري في نفسك بهذه الطريقة. أنتِ لستِ هكذا على الإطلاق. قلبي يؤلم فقط لأنني أخشى أن تكوني متألمة.”
“………”
لبعض الوقت، كانت ماريا تداعب جروح الطفله بيديها.
لم تكن هذه الجروح التي ظهرت بين يوم وليلة. كان هناك العديد من الخدوش على جسد الطفله الصغير والضعيف، أكثر مما كانت قد عاشت من أيام.
“ألا تشعرين بألم؟”
“نعم…”
“هل أنتِ حقًا بخير؟”
خافت ماري أن تكون الفتاة تتحمل الألم بصمت، لذا سألتها بينما كانت تعض شفتيها. فأومأت الطفله برأسها بالإيجاب.
“أنا حقًا بخير. لكن… في الآونة الأخيرة لم أتعرض للكثير من الضرب.”
حتى قبل أن تأتي إلى هنا، كانت تتعرض للضرب. لكن في ذلك الوقت لم يكن هناك سوط، بل كانوا يضربونها بالأقدام. ولذلك، شعرت الفتاة بنوع من الراحة. رغم ذلك، الجروح التي ظهرت لم تكن إصابات خطيرة.
“قليل من الضرب؟ يجب ألا تتعرضي للضرب أبداً…”
شعرت ماريا بما يعنيه أن يُمزق القلب. بعد فترة طويلة من الزمن، كانت لا تزال غير قادرة على تهدئة قلبها، وكانت تتنهد فقط. ولكن بعد وقت طويل، أخيرًا وضعت الفتاة بعيدًا عن حضنها.
“هل يمكنني مساعدتك في الاستحمام؟”
“سأ… سأغتسل بنفسي.”
“لا، سأغسلكِ أنا. أنا مُرضِعتكِ، لذلك يمكنني فعل ذلك. سأقوم بذلك بنفسي.”
(مُرضعتك اجت بمعنى مو مرضعه بل العنايه بالطفله)
تذكرت ماري ابنها الصغير. كانت الدموع تكاد تنهمر من عينيها كلما رأت رد فعل الطفل الذي يرتعش عندما تلمسه. شعرت وكأن هذا السلوك يعكس حياة مر بها الطفل، مما جعل يد ماريا أكثر حذرًا.
في النهاية، عندما بدأت بتنظيف جسدها، عضت الطفلة شفتيها بشدة وانخفض رأسها.
كان هناك ألم في الأماكن الملطخة بالكدمات، ولكن أكثر ما كانت تخشاه هو أن يتعرض الجرح لنوع آخر من العنف. لكن ماري، رغم حزنها، كانت ترتعش فقط، ولم تبدُ أنها ستؤذي الطفلة بأي شكل.
لذلك، بعد فترة طويلة من التحديق في قدميها المتسخة والمليئة بالأوساخ، رفعت الطفلة رأسها وفتحت فمها بحذر.
“أين نحن هنا…؟”
“نعم؟”
“أنا… لماذا… أُضربُ هنا…؟ لأنه من المحتمل أنكم لا تريدون ضرب شخص قذر مثلني، أليس كذلك…؟”
لم يكن هناك أي فكرة أخرى في ذهنها.
شعرت أنها كانت تُعامل بلطف حتى لا تهرب، وكأنهم يتظاهرون بالاهتمام بها حتى لا تهرب أثناء الضرب.
كانت هذه كلمات الخادمة آرييل التي كانت تهتم بالطفلة طوال الوقت. كانت آرييل قلقة للغاية بشأن الطفلة، ولذلك قالت إن سكان الإمبراطورية كانوا يرفضون الأطفال ذوي الشعر الأسود، وكانوا يعتقدون أنهم ملعونون، ثم أضافت بعض الأشياء غير الصحيحة.
قد تكون تلك القصص صحيحة، رغم أنها لم تُسمع من قبل. كان الهدف منها هو حماية الطفله.
والكلام الذي سمعته الطفله كان أن هناك العديد من الأشخاص الذين يسيئون إليها بطريقة أكثر انحرافًا خارج القصر. بل إنهم يحبون الأطفال ويستمتعون بالتمثيل، فيقومون بإعداد مواقف معينة ثم يضربون الأطفال بعدها. كانت هناك أيضًا قصص عن أشخاص يتظاهرون بأنهم عائلة ثم يقومون بالإساءة إليهم.
بسبب الذكريات التي تذكرتها متأخرة، أصبحت الفتاة مشوشة. بخلاف ذلك، كانت تشعر بأنها قذرة وملعونة… ولم يكن هناك من سيأخذها إذا لم تكن مرغوبًا فيها.
‘لذلك طلب مني أن أناديه بـ أبي. كانت كلمات أرييل صحيحة. كان يحاول خلق هذا الوضع…’
عندها فقط بدا وكأن كل شيء أصبح واضحًا، وازداد تعبير الطفله ظلامًا.
ثم، على السؤال الذي تمكن الطفل بالكاد من طرحه، هزت ماري، التي كانت تمسح جسدها بلطف بقطعة قماش ناعمة، رأسها نافية.
“لا يمكن أن يحدث ذلك. هنا، لا يستطيع أحد أن يزعجكِ يا آنستي. بل على العكس، الجميع سيحبونكِ. لأنكِ شخص مميز.”
‘مميزة…؟’
‘أنتِ الوحيدة التي اختارها السيد الذي عاش آلاف السنين.’
لم تتلقَ الطفلة يومًا تعليمًا صحيحًا. الخادمة الوحيدة، أرييل، كانت دائمًا مريضة.
في القصر، حيث لم يكن من الممكن تحضير أي طعام، كانت أرييل تخرج سرًا من القصر الإمبراطوري لتحصل على أعمال خياطة مأجورة، وذلك فقط لإطعامها ولو قليلاً.
لكن في إحدى المرات، اكتشف الجنود أنها تدخل وتخرج من القصر كما تشاء، فقاموا بضربها بشدة. وبسبب ذلك، أصبحت مريضة باستمرار.
كانت أرييل، بعد أن تتحسن قليلاً، تخرج مجددًا لتجلب العمل، ثم تتعرض للضرب مرة أخرى. هذا تكرر مرارًا، لأن القصر الذي كان يسكنه شخصان على قيد الحياة لم يتلقَّ أي دعم على الإطلاق.
وفي النهاية، تدهورت حالة أرييل الجسدية، وماتت دون أن تتمكن حتى من تناول دواء واحد.
لذلك، لم تتمكن الطفلة من تعلم القراءة أو الكتابة بشكل صحيح. كل ما عرفته كان من كتب جمعتها أرييل لها، وتعلمته بنفسها. ولهذا السبب لم تكن متأكدة من صحة ما تعرفه.
كانت أرييل قد علمتها شيئًا فشيئًا حروف ولغة مملكة بيرفيل الصغيرة، لكن جميع من في هذا المكان كانوا يتحدثون لغة إمبراطورية أديشيوس.
لذلك، كلمات مثل “الآلاف من السنين” وما شابه بدت صعبة عليها. فهمت معناها تقريبًا، لكنها لم تستطع التأكد من صحتها.
ربما لاحظت ماري ذلك، فربّتت بلطف على خد الطفلة.
“لا داعي لأن تفهمي كل شيء. يكفي أن تعرفي فقط أنكِ أكثر شخص مميز على الإطلاق. الآن، هيا لنخرج.”
‘…حسنًا.'”
“في تلك الأثناء، يبدو أن الاستحمام قد انتهى، حيث قامت ماري بتجفيف جسد الطفله بالكامل بمنشفة ثم تحركت بسرعة لتلبسها. وبعد وقت قصير، كانت الطفلة ترتدي فستانًا جميلًا. ثم أخذتها ماري إلى غرفة قريبة.
“سيدي، إنها ماري.”
“دعوهم يدخلون.”
بمجرد انتهاء الحديث، فُتح الباب المغلق.
دل، الذي بدا وكأنه كان ينتظر أن تجهز الطفلة، فتح الباب بابتسامة ودودة وألقى التحية.
أمسكت ماري بيد الطفلة دون أي تردد ودخلت إلى الداخل.
بالرغم من أنها اعتنت بها لفترة وجيزة فقط، إلا أن شعرها الأسود المتشابك أصبح الآن ممشطًا بشكل جميل ومجدولاً. ورغم أن شعرها كان جافًا ووجهها نحيفًا جدًا، إلا أن مجرد تزيين بسيط جعلها تبدو ذات مظهر مختلف.
رآها رايفن وابتسم برضا واضح.
“أنتِ جميلة.”
“………”
“تفضلي بالجلوس. طعام هنا لذيذ جدًا.”
“كان رايفن لطيفًا للغاية، يتحدث معها وكأنها ضيفة شرف مدعوة إلى هذا المكان.”
“لكن الطفلة كانت تشعر بعدم الراحة، وكأنها ترتدي ملابس لا تناسبها، ولم تستطع سوى أن تتململ.
أثناء ذلك، جلست بتوجيه من ماري على الكرسي المقابل له، واتسعت عيناها بدهشة.
“لنأكل.”
عندما رأت الطعام أمامها لأول مرة، لم تستطع التحرك، وظلت تحدق فيه بصمت. ولكن مع تسلل رائحة الطعام الشهية إلى أنفها، شعرت وكأنها لا تستطيع المقاومة، فبدأت تحرك يديها ببطء.
وبدون أن تتذكر استخدام أدوات المائدة، أمسكت الطعام بكلتا يديها وبدأت تأكله بشراهة.
كان هذا أول طعام حقيقي تأكله منذ شهر كامل، منذ وفاة أرييل.
كانت الطفلة تعيش على تناول البطاطس المتعفنة التي وجدت مرمية، معتمدة على القليل من الماء والبطاطس فقط للبقاء على قيد الحياة. لذلك، أمام هذا المائدة الغنية بالطعام الشهي، لم تستطع التوقف.
مرت بعض الوقت، ومع امتلاء معدتها تدريجيًا، شحب وجه الطفلة فجأة. توقفت عن الأكل ورفعت رأسها لتنظر إلى رايفن، الذي كان يجلس أمامها. كان وجهها النظيف الذي غسلته ماري قد اتسخ تمامًا ببقايا الطعام.
‘سيضربني… لأنني أكلت بيدي… لا، لأنه لا يُسمح لي بالأكل أصلاً… بالتأكيد سيضربني.’
بدأ جسدها يرتجف بشدة.
أغمضت الطفلة عينيها بإحكام وخفضت رأسها، منتظرة العقاب.
لكن لم يقترب أي يد منها. بدلاً من ذلك، سمعت صوتًا هادئًا ولطيفًا
“ستصابين بعسر الهضم. تناولي بعض العصير مع الطعام.”
‘…ماذا؟’
رفعت رأسها ببطء، لتجد الرجل الذي أمامها ينظر إليها بحزن، بدلاً من الغضب الذي توقعته.
“هناك الكثير من الطعام. كل هذا لكِ. لذا، لا تتعجلي، تناولي ما تشتهينه.”
ظلت الطفلة تنظر إليه بدهشة، وشعرت وكأن شيئًا كان يخنق قلبها قد انزاح فجأة.
‘أنا أتناول الطعام، لكنه لا يعاقبني… إنه لا يضربني. بل إنه يقول بلطف إنه بإمكاني الأكل أكثر، ويؤكد أن كل هذا لي.’
كلماته جعلت دموعها تنساب بغزارة.
“ا…اااه…”
رايفن، الذي كان يراقب دموعها، شعر بغصة في قلبه. بدا أن الطفلة لا تعرف حتى كيف تبكي بشكل صحيح، حيث حاولت كتم صوت بكائها وهي ترتجف.
نهض رايفن من مقعده واقترب منها، ثم وضع يده على رأسها وربّت عليها بلطف.
‘”مهما فعلتِ… لن يعاقبكِ أحد هنا. إذا أردتِ البكاء، فابكي. إذا أردتِ التذمر، فتذمري. أنتِ ابنتي المميزة. هذا المكان هو منزلكِ.'”
~ ترجمه سول .
~ واتباد punnychanehe@