حديقة الأحلام ~ زواجي الزائف مع الملازم ~ - 5
الفصل 5
في اليوم التالي، لم يعد الملازم إلى المنزل.
لم يظهر خلال النهار، ولم يعد إلى الشقة ولو لمرة واحدة طوال الليل.
كنت أستيقظ مرارًا وتكرارًا بعدما أغفو على السرير، وتساءلت إن كان قد عاد وخرج دون أن ألاحظ، لكن لم يكن الأمر كذلك.
الأطباق التي وضعتها على الطاولة لم تُمسّ.
لم يبدُ أنه قد قام بتبديل ملابسه.
غرفة المعيشة بقيت تمامًا كما تركتها الليلة السابقة قبل أن أذهب إلى غرفة النوم، دون أي تغيير أو حركة.
حتى القميص الذي كان يتركه مرميًا بعد خلعه، أو الأطباق المتراكمة في الحوض، اختفيا تمامًا.
الحمام وحجرة الغسيل، اللذان نظفتهما بالأمس، بقيا في حالة نظيفة كما كانا.
الغرفة، التي كانت أصلًا بلا ملامح، بدت أكثر فراغًا وكأنها موحشة.
قضيت بقية اليوم منهمكة في العمل.
قمت بترتيب الرفوف ومخزن الطعام، اللذين كانا بالفعل نظيفين، ومسحت أرجاء المنزل، وقمت بتنظيف كل زاوية وكأنني أتعمد الانشغال بأي شيء.
لم أستطع تهدئة أفكاري المزعجة إلا عبر مواصلة الحركة.
عندما نظرت من النافذة، كان هناك رجل مريب، لا أعرف إن كان هو نفس الرجل من قبل أم شخصًا آخر، لكنه كان يقف ملتصقًا بجدار المبنى كعادته.
“ذلك الرجل لا يزال هناك.”
راودتني رغبة في الإمساك به وسؤاله بغضب عن الملازم، لكنني تراجعت.
لا يزال لدي منطق يكفي لأدرك أن مثل هذا التصرف لا جدوى منه.
على أي حال، لم أكن أنوي الخروج من المنزل اليوم، لذا لم يكن يهمني من يكون بالخارج.
خطر لي أنه قد يعود أثناء خروجي للتسوق، فلم أرغب في المغادرة.
بعد أن أنهيت تنظيف المنزل بلا هوادة، عجن عجينة الخبز، خبز الكعك، صنع الحساء، وملء الدجاج بالخضار حتى أعددت كمية من الطعام تكفي ثلاثة ملازمين.
حتى بعد الانتهاء من ترتيب كل شيء على الطاولة، لم يعد الملازم.
خارج النافذة، كان الظلام يهبط، وسماء الغسق البنفسجية تغطي الأفق.
جلست على الأريكة، أحدق في الساعة المعلقة على الجدار دون أن أرفّ عيني.
فكرت بأنني أشبه زوجة تنتظر بقلق عودة زوجها المتأخر من العمل.
لكن لو كان ذلك حقيقيًا، لكان الأمر أكثر راحة لي.
كانت مشاعر القلق والارتباك تتزايد مع مرور عقارب الساعة، وكأنها تعذبني ببطء.
لم يكن هناك راديو في هذه الغرفة، ولا تصلني الصحف.
وبوجود مراقبين بالخارج، لم يكن بوسعي الخروج للاستفسار عن شيء.
حتى استخدام الهاتف كان مستحيلًا.
لم يكن لدي أي وسيلة للحصول على المعلومات.
“ما الذي يحدث بالخارج؟”
حتى عندما حاولت الاستماع بصمت لأي صوت، لم يكن هناك شيء غير طبيعي حولي.
الناس يمشون في الشوارع بوجوه هادئة، دون قلق أو خوف.
انتظرت حتى بعد منتصف الليل، ثم شعرت بأنني قد أرهقت نفسي بالقلق بلا جدوى.
وقفت من الأريكة بوجه شاحب.
ظننت أن التصرف كالمعتاد قد يعيد الأمور إلى طبيعتها.
ذهبت للاستحمام بسرعة، ثم ارتديت ثياب النوم واتجهت إلى السرير.
رغم الإرهاق الجسدي من العمل، لم أتمكن من النوم بسهولة.
كنت أتقلب في السرير، أرهف السمع لأي صوت قد يشير إلى عودته.
مرت ساعة، ثم ساعتان.
وحين بدأ وعيي يتلاشى من شدة التعب…
سمعت صوت قفل الباب يُفتح.
كان الملازم جالسًا عند نافذة غرفة، بزيّه العسكري، دون أن يشعل أي إضاءة في الغرفة.
تسلط ضوء القمر الأبيض الساطع على ملامح وجهه الجانبية، محددًا خطوطها.
كانت عيناه تراقبان الخارج، لكن ما كان يراه لم يكن القمر الجميل المكتمل ولا المباني التي يغمرها الضوء.
على وجهه، الذي بدا وكأنه قد يذوب في الظلام من شدة هدوئه، ظهرت ظلال عميقة لم تستطع حتى أن تخفيها أشعة القمر.
قلت بصوت هامس، “مرحبًا بعودتك، أيها الملازم”، أثناء دخولي الغرفة.
رفع حاجبه قليلًا بدهشة عندما رآني، ثم قال: “ما زلتِ مستيقظة؟ لم تستطيعي النوم؟”
“أجل”، أجبته بهدوء، واقتربت بخطوات خفيفة نحو مكانه.
شعرت أن أي صوت عالٍ أو حركة مفاجئة قد يكسر شيئًا ثمينًا في هذه اللحظة.
نظر إليّ الملازم، وهو يقول بنبرة معاتبة: “ليس من اللائق لامرأة شابة أن تظهر أمام رجل بهذا الشكل.”
كان يتحدث عن ارتدائي لرداء نوم مع روب بسيط فوقه.
شعرت أن هذه العبارة، بزيفها الجاد، تليق بشخصيته.
ورغم ذلك، لم يمنعني من الجلوس بجانبه عند حافة النافذة المفتوحة.
ساد الصمت.
أعاد الملازم نظره إلى الخارج، متأملًا الظلام دون أن ينبس ببنت شفة.
اتبعت خط نظره، وحدقت في العالم الخارجي المغمور بالظلام.
لم يكن هناك أي حركة في الشوارع، سوى أعمدة الإنارة التي تضيء الطرقات والمباني المهجورة بوهج باهت.
ربما كان الجميع في الداخل، يغطون في نوم عميق، يحلمون بغدٍ مشابه لهذا اليوم.
قال فجأة، “آسف.”
صوته المنخفض قطع الصمت: “آسف لأنني لم أتمكن من قضاء الوقت معك خلال اليومين الماضيين. أراهن أنكِ كنتِ متوترة بسبب إهمالي لذلك المكان، أليس كذلك؟”
رسم على شفتيه شبه ابتسامة ساخرة، لكن ذلك أغضبني أكثر من أن يريحني.
ليس بسبب كلماته، بل بسبب عناده المستمر في دفع الآخرين بعيدًا عنه حتى في مثل هذه الأوقات.
قلت له بنبرة حادة، “كنتُ قلقة عليك.”
رفع كتفيه وكأنه يعتذر دون اكتراث، ثم أجاب: “أعتذر لذلك، لكن…”
قاطعته قائلة: “كنتُ قلقة عليك أنت تحديدًا.”
عندها توقفت كلماته فجأة، ورفع عينيه نحوي، مشدوهًا.
التقت أعيننا، وأنا أكملت:
“كنت أخشى أن يكون قد حدث لك مكروه، أو أنك واجهت خطرًا ما.
كنت مشغولة بالقلق عليك لدرجة أنني شعرت وكأنني لا أعيش.
هل أخطأتُ في ذلك؟”
نظر إليّ بدهشة، فاغرًا فاه، وعجز عن الرد.
بدا وكأنه يحاول التحدث، ثم تراجع، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة.
حاول تفادي نظراتي وهو يقول بخجل: “لماذا تتحدثين معي بهذه الصراحة…”
لكنه لم يكن غاضبًا.
لاحظت احمرار أذنيه.
قال بارتباك: “ليس من الضروري أن تقلقي عليّ بهذا الشكل.”
“الأمر ليس مسألة ضرورة”، قلت بصرامة. “هل تظن أنني أراك كحارس شخصي فقط بعد أن قضينا شهرًا معًا؟ إذا كنت تظن ذلك، فأنت مخطئ جدًا.”
“لا… ليس الأمر كذلك…”
“ثم إنك تهمل نفسك تمامًا. بالكاد تأكل، وتبدو دائمًا مرهقًا. ألا تدرك أن جسدك يحتاج إلى الراحة؟ البشر ليسوا نباتات يمكنها الاستمرار دون ماء. كنت قلقة طوال الوقت من أنك قد تكون جائعًا أو منهكًا حتى الإغماء.”
“حسنًا، حسنًا!”
رفع يديه وكأنه يستسلم، محاولًا تهدئتي.
ثم قال بهدوء، وهو ينظر بعيدًا: “أعتذر حقًا. كنت مخطئًا.”
قال الملازم بصوت خافت، وكأنه يخاطب نفسه:
“لقد اعتدتُ أن أكون وحيدًا لفترة طويلة، لذا لم أعتد أن يقلق أحد عليّ.”
ثم استدار نحوي ومد يده، وأمسك بيدي برفق وكأنه يرفعها. كانت لمسة حذرة، بالكاد تلامست أطراف أصابعنا، لكنها كانت كافية لتجعلني أشعر بدفء يده لأول مرة.
وفي تلك اللحظة، فعل الملازم شيئًا لأول مرة أيضًا:
قال باسمي، “شيريل”، مخاطبًا إياي مباشرة.
في ضوء القمر الذي أضاء وجهه، لم يكن هناك أثر للقناع البارد الذي ارتداه عندما التقيت به لأول مرة. نظراته كانت صادقة، تحمل قوة وصرامة تعكس جوهر شخصيته.
شعرت وكأنه في هذه اللحظة، كان يستخرج من أعماقه شيئًا لطالما أخفاه بعناية.
قال بصوت هادئ: “ذكرتِ أنكِ عندما كنتِ طفلة، التقطك العقيد من ساحة المعركة، أليس كذلك؟”
أجبت بهدوء: “نعم.”
أكمل: “وفي منزل العقيد، كانت هناك امرأة لطيفة استقبلتكِ واهتمت بكِ. ربّياكِ بحب ورعاية، واعتبرتِ حياتكِ أشبه بحلم جميل، أليس كذلك؟”
أجبت: “نعم.”
للحظة، لمعت عيناه بطريقة غريبة جعلتني أشعر بالقشعريرة.
ثم قال:
“ألم تشعري يومًا أن العالم غير عادل؟ في حين أن هناك أناسًا يموتون بلا ذنب في الحروب، هناك آخرون يعيشون حياتهم بترف دون أن يكترثوا لما يجري. كيف يمكن أن يكون هناك من يعيش على بقايا الحطام والمياه الملوثة، بينما الآخرون يتسوقون ويأكلون أفخم الأطعمة؟ نفس الوطن، لكن حياتان مختلفتان تمامًا. هل فكرتِ يومًا في سؤال هؤلاء الذين يضحكون في حدائقهم: كم من الدماء سالت وكم من الأرواح ضحّت لكي تستمتعوا أنتم بهذه اللحظة؟”
لم أستطع الإجابة. كانت كلماته حادة، مليئة بالغضب الذي شعرت به في صوته.
ابتسم ابتسامة ملتوية، لكنها لم تكن ابتسامة حقيقية؛ بل كانت مزيجًا من الحزن واليأس.
ثم أكمل:
“لقد شعرت بالكراهية تجاه أولئك الذين يجلسون بعيدًا في أماكن آمنة، يراقبون الحروب من بعيد دون أن يفعلوا شيئًا. كنت أكرههم بشدة.”
توقف قليلاً، وأخذ نفسًا عميقًا وكأنه يفرغ كل ما في داخله.
ثم قال بابتسامة باهتة:
“لكن هذه كانت أفكار طفولية. لقد كنت غاضبًا من العالم، من البشر، ومن كل شيء. ومع ذلك، لم يكن لديّ الوقت لأغرق في الكراهية. كنت مشغولًا فقط بمحاولة البقاء على قيد الحياة والخروج من هذا الوضع البائس.”
على الرغم من كلماته الخفيفة، شعرت بثقل كبير في صوته. لم يكن من السهل عليه أن يتحدث عن ماضيه المليء بالألم.
تذكر الدماء التي كانت تلطخ اللعبة في غرفة نومه، والذكريات المحترقة التي تطارده في أحلامه. بينما كنت أعيش حياة أشبه بالجنة، كان هذا الرجل يعيش في جحيم مستمر.
ثم قال:
“خلال رحلتي، لم تخلُ الحياة من لحظات جميلة أو أحلام عن المستقبل. لكن اليأس الذي زُرع في طفولتي والغضب الذي شعرت به لم يتلاشَ تمامًا. لذلك قررت أن أصبح جنديًا.”
قال الملازم إنه اختار طريق كـ جندي لاستعادة ما فقده بنفسه، ممن سرق منه كل شيء في الماضي.
قال بصوت جاد:
“في هذا العالم، هناك دائمًا الأقوياء والضعفاء. الأقوياء يسيطرون، والضعفاء يُداسون. إذا كنت ضعيفًا، فستُسحق بلا رحمة. من دون قوة، لا يمكنك الرد. لذلك أدركت أنني يجب أن أكون في صف الأقوياء.”
توقف عن الكلام وأبعد يده عن يدي، ثم مررها برفق على خدي. شعرت بدموعي تسيل دون أن أدرك.
“──آسفة، أيها الملازم.”
“شيريل.”
“آسفة.”
أغمضت عيني، وتساقطت دموعي بغزارة. لم أكن أعتقد أنني أملك الحق في البكاء، لكنني لم أستطع التوقف. كان الألم في صدري لا يطاق.
تنهد الملازم بعمق وكأنه يحاول تهدئة نفسه، ثم قال:
“هل تعلمين لماذا أخبرتك بهذه القصة المؤلمة؟ منذ أن سمعت قصتك في تلك الحديقة، كنت أرغب بشدة في قول شيء واحد لك.”
نظرت إليه، رغم أنني شعرت بالذنب تجاه أي كلمات قد يقولها لي.
وضع يده على خدي، ونظر في عيني بعمق، ثم قال بهدوء:
“هذا ليس خطأك.”
استطرد قائلاً:
“أنتِ أيضًا ضحية من ضحايا تلك الحرب. ليس هناك أي شيء يدعوك للشعور بالذنب. الحرب، المآسي التي حدثت، الأرواح التي أزهقت، ليست مسؤوليتك. لا داعي لأن تشعري بالذنب لأنك سعيدة. لا تحاولي أن تتحملي كل شيء على عاتقك. إذا كنتِ سعيدة، فابتسمي، لأن ذلك سيجعل الآخرين سعداء أيضًا. إذا كان هناك شيء واحد جيد نتج عن تلك الحرب العبثية، فهو يكفي لإنقاذ طفولتي. أردت فقط أن أخبرك بذلك.”
وضعت يدي على فمي، وشعرت برعشة في أصابعي وصوتي الذي خرج ضعيفًا:
“ولكن…”
قاطعتني نظرته الحانية، ثم قال بابتسامة صغيرة:
“أنا أعلم أنني شخص معقد ومليء بالتناقضات.”
ثم نظر إلي وقال:
“لكن عندما أكون معكِ، أشعر وكأنني أعود لأكون إنسانًا طبيعيًا.”
دموعي تدفقت أكثر، بينما استمرت كلماته:
“لديكِ القوة لتغيير الآخرين. لا تعتقدي أبدًا أنكِ لا تستطيعين تقديم شيء.”
تقدمت نحوه ووضعت رأسي على صدره. شعرت بيده الكبيرة تربت على ظهري برفق، وكان ذلك كافيًا ليشعرني بالطمأنينة.
همس بصوت خافت:
“هذا صعب…”
لكن صوته بدأ يختفي تدريجيًا، وأدركت أنني قد غفوت بين ذراعيه.
—
عندما استيقظت، كان الصباح قد حل. وجدت نفسي في السرير، وكان الملازم قد غطاني بالبطانية. قفزت من السرير وركضت إلى غرفة المعيشة، حيث وجدته هناك، واقفًا بهدوء.
قال بصوته المعتاد:
“صباح الخير.”
كان وجهه هادئًا كما لو أن شيئًا لم يحدث في الليلة الماضية، وكأن كل ذلك كان حلمًا.
تلعثمت:
“صـ-صباح الخير.”
ثم أدركت أنني ما زلت بملابس النوم. شعرت بالخجل وصحت بصوت منخفض قبل أن أركض عائدة إلى غرفتي. سمعت ضحكته خلفي.
بعد أن غيرت ملابسي، عدت إلى غرفة المعيشة. نظر إليّ وقال:
“سأخرج الآن.”
عبست وقلت:
“لكن بالكاد نمت، أليس كذلك؟”
“أخذت قيلولة قصيرة.”
“أيها الملازم──”
رفعت يده ليوقف كلامي واقترب مني. قال بنبرة جادة:
“شيريل، استمعي لي جيدًا. اليوم، لا تغادري المنزل تحت أي ظرف.”
بصوت صارم ونبرة حازمة، زادت كلماته من قلقي.
“لماذا…؟”
سألت، لكنه لم يجيب على سؤالي، بل كرر طلبه بإلحاح:
“أرجوكِ، عِديني.”
ثم تابع:
“إذا أتى أحدهم، لا تفتحي الباب. إذا رن الهاتف، تجاهليه. وإذا حاول أي شخص اقتحام المنزل بالقوة، اهربي من نافذة غرفة النوم. ستجدين سلمًا مخفيًا تحت مرتبة السرير.”
كانت تعليماته واضحة وحازمة، دون أدنى تردد.
“بعد خروجك، توجهي فورًا إلى منزل العقيد. مهما سألك أحدهم، قولي إنكِ لم تعودي على علاقة بي.”
رددت كلماته بصوت مرتجف ووجه شاحب:
“لم أعد على علاقة بك…”
هل يمكن أن يكون هذا هو اليوم الذي تحدث عنه والدي؟
── “اسمعي جيدًا، إذا حدث أي طارئ، اهربي فورًا. لا تقلقي بشأن أمري. اهتمي بسلامتك فقط، وابتعدي عن الملازم. وإلا فقد تجدي نفسك متورطة في الأمر.”
ترددت كلمات والدي في ذهني.
في تلك اللحظة، عرفت الإجابة عن السؤال الذي لطالما راودني:
“ماذا سأفعل إذا حدث ذلك؟”
نظرت إلى الملازم بثبات وقلت:
“──سأنتظر هنا عودتك.”
وضعت يدي على صدري، وأعدت تأكيد كلماتي. رفع الملازم حاجبيه وقال:
“هل لم تسمعي ما قلته للتو؟”
“سأنتظرك في هذا المنزل. لذا، أرجوك، عد بسلام.”
أعدت كلماتي بحزم وشددت شفتيّ بعناد.
بدت عليه علامات الإحباط، وكأنه أدرك أنه لن يستطيع تغيير رأيي، فتنهّد وقال:
“أنتِ عنيدة للغاية.”
“أنا ابنة العقيد وارن.”
“لا شك في ذلك.”
قال مبتسمًا بخفة، ثم أمسك طرف قبعته العسكرية وأعاد ضبطها على رأسه.
“──لطالما كنتِ تودعينني وترحبين بي عندما أخرج وأعود، لكنني لم أرد على كلماتك تلك أبدًا.”
“صحيح.”
“لأنني أكره تلك الكلمات. لا، في الحقيقة، أخاف منها. أعرف جيدًا أنها كلمات لا قيمة لها، مهما كررتها.”
“إلى اللقاء”، قالها أحدهم بابتسامة، ولم يعد أبدًا.
“لقد عدت”، قالت أخرى، ولم تجد سوى الفراغ والوحدة.
“لكن…”
وضع الملازم يده على رأسي برفق وقال مبتسمًا:
“اليوم سأقولها. …سأذهب الآن. وأتطلع لتناول طعامك اللذيذ مرة أخرى.”
اقترب مني ووضع قبلة خفيفة على جبيني.
“عد بسلام، أيها الملازم.”
بذلت قصارى جهدي لأرسم ابتسامة وألوّح له بينما كان يغادر.
—
وصل أول خبر للعامة قرب المساء:
── “صباح اليوم، اندلع انقلاب عسكري في مقر القيادة العامة للجيش.”