حبيبي السابق التواق للإنتقام - 5
الفصل الخامس
─────✧─────
كما قال لوسيوس ، ذهبتُ إلى الشرفة الثالثة من الناحية الشرقية ،
ولكن لم يكن هناك أحد بعد.
اتكأت ديتريس على الحواجز ، متفكرة أنها ربما وصلت أولاً.
في الواقع ، فضلت هذه الطريقة. شعرت براحة أكبر دون وجوده.
في وقوفها في الخارج في منطقة مفتوحة ،
بدأ الهواء الليلي البارد ببطء في تبديد مزاجها المكتئب
ومشاعر الإحباط المكبوتة عن طريق حملها بعيداً برفق مع نسيمه.
تظاهرت بأنها على ما يرام ، لكن هناك الكثير من الأمور المثقلة في ذهنها.
استرجعت الأوقات التي كان فيها المجتمع كل شيء بالنسبة لها -مدى شغفها بصحبة الآخرين،
وسماع قصصهم، والدهشة التي شعرت بها عندما كان لكل فرد شخصية مختلفة عن الآخر،
القاعات الفاخرة، والملابس الباهظة التي ارتدتها…
ولكن بعد لقاء لوسيوس، تغير شيء ما داخلها، وكأن شعلة صغيرة من التمرد بدأت تشتعل داخلها.
قبل ذلك كله، كانت ديتريس دائمًا مطيعة لقوانين المجتمع وبذلت قصارى جهدها للتآلف مع الآخرين.
ولكن اليوم، كان من الواضح أن المجتمع قد انقلب ضدها.
لم يكن شعور جيد على الإطلاق،
أن تدرك أن الأشياء التي كانت تعتز بها سابقًا وكانت جزءًا من حياتها اليومية، قد عزلتها الآن تمامًا.
“هل جعلتكِ تنتظرين لفترة طويلة؟” هز صوت ناعم أفكارها.
سار لوسيوس عبر الإطار المقوس للشرفة.
رفعت ديتريس نظرها إلى سماء الليل متكئة بمرفقيها على السياج
وأجابت: “لا ، ليس حقًا. في الواقع، استمتعت بوقتي دون وجودك”.
ضحك لوسيوس على ردها.
“حسنًا، أنا سعيد أنكِ لم تنتظري لوقت طويل. ومع ذلك…”
قام لوسيوس بخلع سترته وأرخاها على ظهر كرسي صغير.
لم تكن أكمامه مربوطة، مما كشف عن ساعديه.
“سماعي لك تقولين إنك تستمتعين بالوحدة ليس جيدًا.
ليس عندما الشخص الذي ستتزوجينه قريبًا يحاول أن يرافقكِ.”
تحدث بلطف ساخر.
لكن ديتريس فقط أخفت خصلات الشعر المشتتة خلف أذنها وبدأت تستفسر منه.
“إذن، ماذا نفعل الآن؟”
“همم؟”
“أخبرتني أن أرتدي ملابس الجنازة،”
قالت بجفاف، “ألم تكن تخطط لفعل شيء كبير؟”
“خطة؟”
“نعم، الخطة لكي نقع في الحب مرة أخرى…؟”
عندما أوضحت له تفسيرها للموقف بناءً على أفعاله الغريبة،
ارتفعت أطراف شفتي لوسيوس.
“هل نحن بحاجة إلى خطة لهذا أصلاً؟”
ضحك بتسلية، “وجودنا هنا على هذه المنصة معًا، ألن تتطاير الشائعات إلى السماء حينها؟
اتركي المُرْسِلين للشائعات يقومون بعملهم.”
تجهَّمت حواجبها من ردّه الهادئ.
لقد فكرت في ذلك أيضًا، لكن إذا كانت الأمور بهذه البساطة،
فلماذا الحاجة إلى أن ترتدي ملابس كئيبة هكذا؟
إذا لم يكن هناك سبب معين وراء ذلك، سوف تتجاهل الأمر فقط على أنه محاولات صغيرة منه لإزعاجها.
عندما رأى لوسيوس تعبيرها، قرر أن يطمئنها.
“لا تسـيئي الفهم.
قلت لك أن تلبسي هذا النوع من الملابس لصالحك.
لو أتيت هنا مرتديةً ملابس فاخرة، ربما افترض الناس أنك جئت هنا لتغريني.”
“ماذا؟”
ضيَّقت عينيها.
“أنتِ في تلك الحالة الفريدة التي يشهر فيها الجميع بكِ حتى عندما لا تفعلين شيئًا.”
هز كتفيه.
“أريد الاستفادة من ذلك لبدء شائعات عن حبنا المتجدد.
لا أريد أن ينظر الناس إلينا على أننا نستخدم بعضنا البعض فقط من أجل المنافع.
بهذه الطريقة ، لن نُنتقد عندما يمنحني الإمبراطور لقبًا.”
في نهاية خطابه القصير، نظر إلى إصبعها البنصر.
“بالطبع ، كان بإمكانكِ أن ترتدي خاتم خطيبك السابق لجعل الأمور أكثر مصداقية،
بأنكِ لم تكن لديكِ نية لإغوائي. لكن… هذا يجعلني أشعر بالسوء.”
أرادت أن تسأل لماذا، لكنها في النهاية قررت عدم القيام بذلك.
بدلاً من ذلك، نظرت إلى البشرة المكشوفة على ذراعيه وجبهته.
الندبة على قمة حاجبيه والندبة الطويلة على ذراعيه لم تكن هناك قبل ست سنوات.
“لقد أصبحت كلماتك أكثر قسوة.”
اندفع في ضحكة، كما لو كان يسمع شيئًا سخيفًا.
بقيت ديتريس ساكنة، لا تعرف ما الذي وجده مضحكًا جدًا.
كان هناك تعبير مبتهج على وجهه عندما توقف عن الضحك في لمح البصر.
ثم سمعته يقول.
“حسنًا ، لقد أمضيت خمس سنوات على ساحة المعركة في النهاية.”
قلَّص عينيه وألقى نظرة عليها من أعلى إلى أسفل، “لكن يبدو أنكِ لم تتغيري على الإطلاق…”
بالنسبة لامرأة لم تتلق يومًا نظرة إنتقادية كهذه،
شعرت بالاستياء يتدفق منه لثانية واحدة ولكن لم تتكلم.
بدلاً من ذلك، تظاهرت ديتريس بالهدوء وانتظرت حتى ينتهي.
عاد نظر لوسيوس، الذي وصل إلى أصابع قدميها، مرة أخرى إلى أعلى وتوقف ليحدق في عينيها.
“لقد أصبحتي أيضًا أكثر مللًا.”
رفع طرف شفتيه، “حسنًا ، أعتقد أنه لا يمكن أن أتوقع أي شيء آخر بعد أن خطبتِ إلى رجلاً مملًا مثله
وممتلئ لنفسه فحسب.” *[شايف نفسه يعني]
“فريدي—” توقفت ديتريس وأبعدت نظرها،
وبخته بهدوء ، “لا تحتقره بهذه الطريقة.
لقد فقد حياته بسبب والده، ولا أريد أن أسمعك تنتقده.”
أثناء حديثها، فكرت بوضوح أنه سوف يغضب أو يضحك عليها.
ربما لأنه كان غير راض عن خطوبتها مع الأمير الثاني،
ورؤية خاتم خطوبتها تضايقه. لقد سماه حتى “الخاتم اللعين” من قبل.
ومع ذلك، بعد صمت طويل، كسر لوسيوس توقعاتها منه مرة أخرى.
“أنتِ على حق، لقد ذهبت إلى حد أبعد. من فضلك اعذريني.”
بالرغم من أنه لم يكن اعتذارًا حقيقيًا،
بدا وكأنه قال ذلك من أجل الحفاظ على جو جيد بينهما.
مع ذلك، فهو اعتذار في النهاية، لذلك قررت ديتريس أن تقبله.
“حسنًا.”
لبرهة من الوقت، لم يقل لوسيوس شيئًا وسقط في صمت.
عندما أغمض لوسيوس عينيه، بدا وكأنه يستمع بانتباه إلى الصوت الخافت للموسيقى القادمة من القاعة.
كان ضوء القمر يلقي بلمعة خفيفة على وجهه،
وأصبحت ألوان شعره الأشقر مشوبة بلون مزرق تحت وهج الليل الخادر.
بعد أن ظل لوسيوس صامتًا لفترة طويلة كأنه يستمتع بهذه الليلة، فتح فمه فجأة.
“هل تشعرين بنفس الطريقة تجاهي؟”
هل لديكِ نفس الشفقة والذنب تجاهي مثلما لديك تجاه خطيبك المتوفى؟
حتى أنكِ تدافعين عن اسمه عند مواجهة الآخرين…
كان فضوله واضحًا. ولكن عندما طال صمتها، أدرك كم كان سؤاله سخيفًا وطفوليًا.
“لا تهتمي. لا تقولي شيئًا.”
نهض من مقعده بشكل مفاجئ.
بعد ذلك، ابتسم بأناقة وطرح بعض الأسئلة كمحاولة لتهدئة الموقف.
“هل تدربتِ على تعابير وجهكِ بعد؟”
بعد فترة، أجابت ديتريس بصوت متقطع:
“لا…”
“جيد”، ابتسم، “لأنني أعتقد أنه من الأفضل لكِ البكاء في كل الأحوال.”
تظاهر باشمئزاز بطريقة مرحة.
لقد جعلته تعبيراتها السيئة في تلك اللحظة يعتقد أنه من المستحيل عليها أن تتصرف بطريقة رومانسية معه.
“هذا ما عليك فعله. اركضي بعيدًا عن هذه الشرفة، وأنت تبكين. ولكن أسلوبك يجب أن -”
اقترب لوسيوس خطوة منها وأزال بحذر الدبوس من جانب رأسها.
منذ أن بدأ في التقدم نحوها، ظلت ديتريس ساكنة ودعته يفعل ما يريد.
ومع ذلك، كان من الدقيق القول أنها أرادت التحرك،
ولكن جسدها كان متجذرًا في المكان بحيث لم تتمكن من ذلك.
وشعرت بدفء قربه، وكيف مرت يده برفق عبر شعرها عند طرف أذنها.
هاجمتها الذكريات بلا هوادة، مثل مد لا يرحم.
تذكرت تفاصيل عنه.
عيناه الدافئتان اللتان كانتا تنظران إليها برقة، والطريقة التي كان يبتسم بها وكأنها الشمس،
وكيف كان يغير وضعيته ليجعلها أكثر راحة كلما اتكأت على كتفه…
كل شيء أصبح حيّاً كما لو أنه حدث البارحة.
لقد مر وقت طويل منذ أن شعرت بهذا.
تراجعت ديتريس خطوة إلى الوراء وظهر على وجهها تعبير لا يمكن إخفاؤه،
عاجزة عن تحمل الألم المتصاعد في صدرها.
في تلك اللحظة،
هبت الريح بينهما ورفرفت في شعرها الطويل المجعد.
وعندما نظر إليها لوسيوس، ابتسم وكأن شيئًا لم يكن خطأ.
“نعم، هكذا تماماً، أنتِ تقومين بعمل رائع بالفعل. الآن اركضي.”
أعطاها ابتسامة مبتهجة، “اركضي نحو العربة وكأنكِ تمسحين دموعاً وهمية من عينيك.
هل تستطيعين فعل ذلك من أجلي، همم؟”
كيف يمكن له أن يكون بخير عندما كانت هي في حالة فوضى بسبب استرجاعها لماضيهما؟
رفعت عينيها إليه بتركيز وفتحت الباب على عجل كمن يريد الهرب من كل هذا.
تركزت كل أنظار الحاضرين عليها في تلك اللحظة.
تبعاً لما قاله لها، مسحت ديتريس خديها وكأنها حقاً قد بكت.
لكن هذه المرة كان ذلك أكثر إيماءة إلى الحياء، إذ كانت تشعر بأن كل الأعين عليها.
ثم ركضت.
تماماً كما أمرها.
بمجرد أن اختفت من النظر، تحدث أحدهم.
“ما الذي حدث هناك؟”
وواحداً تلو الآخر، بدأ الناس يحكون ما رأوه.
“لقد خرجت من نفس الشرفة التي دخل منها إليوت، أليس كذلك؟”
“كانا في نفس المكان؟ يا إلهي…”
“رأيت ذلك أيضاً! لقد تبعها إليوت بالتأكيد!”
“ثم خرجت وهي تبكي؟”
“ما الذي حدث في الواقع؟”
كانت تلك هي الأسئلة التي طرحوها،
لكن السؤال الذي كان الجميع يريدون طرحه حقاً والذي من شأنه أن يؤكد ما كانوا يشكون فيه
لم يستطع أن ينطلق من شفاههم.
إذن هما معاً مرة أخرى؟
هذه الجملة راودت أذهانهم جميعًا حين نظروا إلى بعضهم البعض بمعنى.
كان من المقدر أن تكون الليلة ليلة مضطربة -خاصة بالنسبة لسيدات النمامات.
ضحك لوسيوس، الذي ظل على الشرفة، عندما سمع همساتهم. ثم رفع يده.
في كفه كان دبوس الشعر الذهبي الذي كان للتو على شعرها.
إذا رأوه، ستُؤكد الشائعات بالتأكيد.
نظر لوسيوس إلى الإكسسوار بنظرة لا مبالية.
فكّر في ديتريس، التي كانت تبتعد بحرج كلما لمسها، حتى لو كان مجرد لمسة خفيفة.
انقبض قلبه، لكنه اعتاد على هذا.
على مدار السنوات الست الماضية،
كانت صورة ديتريس في خياله دائمًا وهي تحاول الابتعاد عن متناوله،
كأنها تريد تجنب لمس ما هو ملطخ.
“من فضلك، ابتعد عني.
لا ينبغي للطفل غير الشرعي أن يجرؤ على لمسي!” صرخت،
وقد اندست تلك الكلمات إلى أعماق ذهن لوسيوس، تطارده في كل لحظة.
كان الأمر غريبًا.
حدث ذلك في لحظة وجيزة فقط، وكانت في الغالب حبيبة حلوة وجذابة له في ذلك الوقت.
لكن مهما مر الوقت، عندما يفكر فيها، كان دائمًا ذلك المشهد لنفورها منه يسبق كل اللحظات الحانية معًا.
لكن ذلك لا يعني أنه لا يستطيع أن يغفر لها قول تلك الكلمات.
كانت أصغر منه بعامين وكانت لا تزال غير ناضجة.
كان يعرف جيدًا مدى كونها خرقاء في تلك السنوات الماضية.
ربما كان مزيج من الضغط الذي تلقته من والدها،
والشعور بالخيانة تجاه ما حدث للدوق وما دفعها إليه،
والتوتر -كل هذا أدى في النهاية إلى أن تقول تلك الكلمات في لحظة عاطفية شديدة.
لا يمكنه أن يلومها.
لأنه يفهمها.
لكن حتى لو فعل ذلك، فإن ما قالته قد دمر كل شيء بسهولة.
حطمت كلماتها شيئًا ثمينًا داخله،
وسيتذكره إلى الأبد لأنه سيشعر دائمًا بالكسور الحادة التي تركت في قلبه.
“ياله من أمر مضحك” قال، ينظر إلى الدبوس البسيط في يده.
بعد النظر إليه قليلاً، رفع يده وألقى به بسرعة فوق الشرفة.
اختفى الدبوس الذهبي في عمق الليل، ولم يترك أي أثر على أنه كان في حوزته.
وبدون تردد، أمسك لوسيوس سترته وغادر.
─────✧─────